Saturday, October 26, 2013

مع الحديث الشريف: التأميم

مع الحديث الشريف: التأميم

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام
روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَرَجُلٌ أَفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَالَ: أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ قُلْنَا: بَلَى قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ قُلْنَا بَلَى قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ.
جاء في فتح الباري لابن حجر:
قَوْله: ( أَلَيْسَ يَوْم النَّحْر )
بِنَصْبِ يَوْم عَلَى أَنَّهُ خَبَر لَيْسَ وَالتَّقْدِير أَلَيْسَ الْيَوْم يَوْم النَّحْر، وَيَجُوز الرَّفْع عَلَى أَنَّهُ اِسْم لَيْسَ وَالتَّقْدِير أَلَيْسَ يَوْم النَّحْر هَذَا الْيَوْم وَالْأَوَّل أَوْضَح، لَكِنْ يُؤَيِّد هَذَا الثَّانِي قَوْله " أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّة " أَيْ أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّة هَذَا الشَّهْر.
قَوْله: ( بِالْبَلْدَةِ الْحَرَام )
كَذَا فِيهِ بِتَأْنِيثِ الْبَلَد وَتَذْكِير الْحَرَام وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظ الْحَرَام اِضْمَحَلَّ مِنْهُ مَعْنَى الْوَصْفِيَّة وَصَارَ اِسْمًا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُقَال إِنَّ الْبَلْدَة اِسْم خَاصّ بِمَكَّة وَهِيَ الْمُرَادَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( إِنَّمَا أُمِرْت أَنْ أَعْبُد رَبّ هَذِهِ الْبَلْدَة ) وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْمُطْلَق مَحْمُول عَلَى الْكَامِل وَهِيَ الْجَامِعَة لِلْخَيْرِ الْمُسْتَجْمِعَة لِلْكَمَالِ، كَمَا أَنَّ الْكَعْبَة تُسَمَّى الْبَيْت وَيُطْلَق عَلَيْهَا ذَلِكَ. وَقَدْ اِخْتَصَرْت ذَلِكَ مِنْ كَلَام طَوِيل لِلتُّورْبَشْتِيِّ.
قَوْله: ( اللَّهُمَّ اِشْهَدْ )
تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَعَادَ ذَلِكَ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنَّ يُبَلِّغ، فَأَشْهَد اللَّه عَلَى أَنَّهُ أَدَّى مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ. " وَالْمُبَلَّغ " بِفَتْحِ اللَّام أَيْ رُبَّ شَخْص بَلَغَهُ كَلَامِي فَكَانَ أَحْفَظ لَهُ وَأَفْهَم لِمَعْنَاهُ مِنْ الَّذِي نَقَلَهُ لَهُ، قَالَ الْمُهَلَّب: فِيهِ أَنَّهُ يَأْتِي فِي آخِر الزَّمَان مَنْ يَكُون لَهُ مِنْ الْفَهْم فِي الْعِلْم مَا لَيْسَ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَكُون فِي الْأَقَلّ لِأَنَّ " رُبَّ " مَوْضُوعَة لِلتَّقْلِيلِ. قُلْت: هِيَ فِي الْأَصْل كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي التَّكْثِير بِحَيْثُ غَلَبَتْ عَلَى الِاسْتِعْمَال الْأَوَّل، لَكِنْ يُؤَيِّد أَنَّ التَّقْلِيل هُنَا مُرَاد أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَة أُخْرَى تَقَدَّمَتْ فِي الْعِلْم بِلَفْظِ" عَسَى أَنْ يَبْلُغ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ " وَفِي الْحَدِيث دَلَالَة عَلَى جَوَاز تَحَمُّل الْحَدِيث لِمَنْ لَمْ يَفْهَم مَعْنَاهُ وَلَا فِقْهه إِذَا ضَبْط مَا يُحَدِّث بِهِ، وَيَجُوز وَصْفُه بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْل الْعِلْم بِذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد أَيْضًا وُجُوب تَبْلِيغ الْعِلْم عَلَى الْكِفَايَة، وَقَدْ يَتَعَيَّن فِي حَقّ بَعْض النَّاس، وَفِيهِ تَأْكِيد التَّحْرِيم وَتَغْلِيظه بِأَبْلَغ مُمْكِن مِنْ تَكْرَار وَنَحْوه، وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّة ضَرَبَ الْمَثَل وَإِلْحَاق النَّظِير بِالنَّظِيرِ لِيَكُونَ أَوْضَحَ لِلسَّامِعِ، وَإِنَّمَا شَبَّه حُرْمَة الدَّم وَالْعِرْض وَالْمَال بِحُرْمَةِ الْيَوْم وَالشَّهْر وَالْبَلَد لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَانُوا لَا يَرَوْنَ تِلْكَ الْأَشْيَاء وَلَا يَرَوْنَ هَتْكَ حُرْمَتَهَا وَيَعِيبُونَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَشَدّ الْعَيْب، وَإِنَّمَا قَدَّمَ السُّؤَال عَنْهَا تَذْكَارًا لِحُرْمَتِهَا وَتَقْرِيرًا لِمَا ثَبَتَ فِي نُفُوسهمْ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ مَا أَرَادَ تَقْرِيره عَلَى سَبِيل التَّأْكِيد.
لقد بلغ مِن حِرصِ الإسلام على حُرمَةِ المسلمِ كُلِّ المسلمِ دمِهِ ومالِهِ وعِرضِه أَنْ قَرَنَ حُرْمَتَهُ بِحرُمَةِ يومِ النحرِ في الشهر الحرام في البلد الحرام.... بل لقد جعل حرمة المسلمِ أَعظمَ مِنْ حُرمةِ الكعبةِ بيتِ اللهِ الحرامِ وأولِ بيتٍ وُضِعَ لِعبادَةِ الله .... رَوَى الطبرانيُّ في معجمه الأوسطِ عن عمرِو بنِ شعيب، عن أبيهِ، عن جَدِهِ، أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نظرَ إلى الكعبةِ فقال: « لقد شرَّفَكِ اللهُ، وكرمكِ، وعظَّمَكِ، والمؤمنُ أعظمُ حرمةً منكِ ».
...... أَمَّا مالُ المسلمِ فلا يَحِلُّ إلَّا بِطيبِ نَفْسٍ مِنْه, رَوَى البيهقي في سننه الكبرى عن أَبُي حَرَّةَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عَمِّهِ وَعَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئِ مُسْلِمٍ، إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ".
وفي صحيح البخاري َعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرْضِينَ ".
وَبَعْد: فهل يجوز لأشباه الدول في عالمنا الإسلامي أن تستورد لنا التشريعات بل الترقيعات الرأسمالية ونحن عندنا أعلى التشريعات وأعظمها. تستوليَ على أموالِ الأفراد أو ممتلكاتِهم تَحْتَ مُسَمَّى التأميمِ ....وتُحوِّلَهَا مِنْ مُلْكِيَّةٍ فرديةٍ إلَى مُلْكِيَّةِ دولةٍ بِحُجَّةِ المصلحةِ العامَّة ؟؟
أَوَ لَا يَعْلَمُ هؤلاءِ أنَّ الذي يحدد المصلحةَ العامَّةَ وَالخاصَّةَ هو الشرع وليس الدولة ؟
أفلا يعلمون بأنَّ حُرْمَةَ مَالِ المسلمِ تَشْمَلُ حُرْمَتَهُ على الدولةِ أيضاً .... فلا يحلُّ للدولة أن تأخذَ مِن مَالِ الافرادِ أوْ مُمتلكاتِهم إلَّا أنْ يَطِيبُوا بِهَا نَفْسَاً أي يَتَنَازَلُوا عنْها للدولةِ بِكامِلِ إرادَتِهم, أو أن تشتريَها منهم وتدفعَ لهم ثمنَها غير منقوص.
أمَّا المُلْكِيَّاتِ وَتوزيِعِها فإنَّما هُوَ للشرعِ وحده.
الملكيةُ الفرديةُ: وهي كل مال من طبيعته أن يملك فردياً وحازه الشخص بسبب شرعي ....
والملكية العامة:
1- وهي كل مال ليس من طبيعته أن يملك فرديا كالطرق والبحار والأنهار ويلحق بها المساجد ومستشفيات الدولة ومدارسها والملاعب والملاجئ
2- وكل ما هو من مرافق الجماعة ويتفرق الناس في طلبه إن فقد من المجتمع من قبيل الماء والكلأ والنار,
3- وكذلك المعادن التي لا تنقطع.
فكل هذه الأموال لا يجوز أن تملك فرديا, ليس لأن الدولة لا تريد ذلك بل لأن الشرع أمر بذلك
أما ملكية الدولة فهي كل ملك مصرفه موقوف على رأي الخليفة واجتهاده ... مثل الفيء والخراج والجزية وما شابهها ...
ولا يجوز للدولة أن تتدخل بتغيير نوع هذه الملكيات إلا بسبب شرعي كأن يكتشف في أرض أحدهم منجماً لمعدن ما بكميات غير محدودة .... ففي هذه الحالة لا يجوز أن يبقى هذا المعدن ملكية فردية بل يجب أن يتحول إلى ملكية عامة .... وهذا غير راجع لرأي الدولة إن شاءت حولت ملكية المعدن إلى ملكية عامة وإن شاءت أبقته ملكية فردية .... بل يجب عليها تنفيذ حكم الشرع فيه ....وهو أنه ملكية عامة ....كما لا يجوز لها أن تحوله إلى ملكية دولة بل هو بحكم الشرع ملكية عامة ..... وهكذا ... لو مدد أحدهم أسلاكا أو أعمدة أو أنابيب في الطريق العام .... فإن ملكيتها تأخذ حكم المكان الذي وضعت فيه .... ليس برأي الدولة بل بحكم الشرع وهذا التغيير في الملكية لا يسمى تأميماً, بل هو تنفيذ لحكم الشرع فهو حكم واجب التنفيذ وليس راجعا لرأي الدولة .....
أمَّا مَا يُسمى التأميمُ .....وَهُوَ أنْ تستوليَ الدولةُ على مالِ الفردِ إن أرادت وتحولَهُ إلى ملكيةِ دولةٍ دونَ مقابلٍ أو مُقابِلَ تَعْوِيضٍ ضَئِيلٍ لَا يُناسِبُ قِيمةَ المالِ المُؤَمَّمِ, بِحُجَّةِ المصلحةِ العامةِ .... فهذا ليسَ مِنَ الإسلام ولَا مِن مُعالجاتِه .... بل هو مِن ترقيعاتِ النظامِ الرأسماليِّ المُهْتَرِئ, الذي ظَلَمَ الضعفاءَ والبسطاءَ بِتَرْكِهِ الاقوياءَ يجتاحونَ السوقَ ويدوسونَ كُلَّ مَن يُصادِفُونَهُ في طريقهم, حتى طُحِنَ الفقراءُ والضعفاءُ والعَجَزَةُ ودِيسُوا تحتَ الأقدام ..... مما حَدَى بِفُقَهَاءِ القانونِ عندَهم أنْ يَبتَدِعُوا القوانينَ المناقِضَةَ لِمَبْدَئِهِم وَيُلْصِقُوهَا بِه, لِإنقاذِهِ مِنَ التَّهاوِي وَالسُّقوطِ بَعْدَ أن ظهرَ عُوَّارُهُ .... وارْتفعتْ الْأصواتُ تُنَدِّدُ بِهِ وَبِمُعَالجاتِهِ.
فَتَحْتَ ذَرِيعَةِ المصلحةِ العامَّةِ تُمارِسُ الرأسماليةُ مؤامرآتِها على الإنسانيةِ ....فتتظاهرُ بِمُنَاصَرَةِ الضعفاءِ وَتَبَنِّي مَصالحَهُم, فَتُشَرِعُ للدولة اغْتِصَابَ أمْوالِ الناسِ بحجةِ منعِ امْتِلاكِ مَصادِرِ الثروَةِ أو منعِ امْتلاكِ وَسائِلِ الإنْتاجِ أوْ لِأَيِّ مصلحةٍ أخرى تِرِاهِا الدولةُ أنَّهَا مصلحةٌ عامة, وَتُغْفِلُ فِي تَشريعاتِها تِلْك .... حقَّ الفردِ فِي أنْ يَأْذَنَ لِلدَّوْلَةِ بِأَخْذِ تِلْكَ الأموالِ دون مقابل أوْ حَقَّةُ فِي أخْذِ ثمنِها كَامِلاً .... إنْ كانت هُنَاكَ مَصْلَحَةٌ شرعيةٌ فِعْلَاً تَسْتَدْعِي نقلَ المُلْكِيَّةِ الفرديةِ إلى مُلكِيَّةِ دَوْلَةٍ أو مُلْكِيَّةٍ عَامَّة.
فالتأميمُ والحالةُ هذه حرام لأنه مِنْ ترقيعاتِ النظامِ الرأسمالي القاصِرِ عن توفيرِ الكِفايَةِ للناسِ, فَرَاحَ يَتَوَسَلُ بمثلِ هذه التشريعاتِ إظهارَ الدولةِ كراعيةٍ لِحُقوقِ الفقراء وضابطةٍ لِأَموالِ الأغنياء . وما هي إلَّا إمعانٌ مِنهُ فِي الظلمِ والجَوْرِ والعُدْوَان .
احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله.
22 من ذي الحجة 1434
الموافق 2013/10/27م

No comments:

Post a Comment