Thursday, January 28, 2016

المتعصبون للعلمانية الذين يلقون باللوم على المسلمين في هجمات كولن بحاجة إلى النظر طويلاً في قيمهم الخاصة

المتعصبون للعلمانية الذين يلقون باللوم على المسلمين في هجمات كولن بحاجة إلى النظر طويلاً في قيمهم الخاصة

18 من ربيع الثاني 1437هـ   الموافق   الخميس, 28 كانون الثاني/يناير 2016م 
(مترجم)
لقد كان بغيضاً وخسيسًا، وهي الصفة المميزة لمنشورات تشارلي إيبدو. ففي عددها الأخير نشرت المجلة الدنيئة رسمًا كرتونيًا يصور الطفل أيلان الكردي، اللاجئ من سوريا الغريق ابن الثلاث سنوات، بأنه كان سيكبر ليصبح معتديا جنسيا مثل هؤلاء المهاجرين المتهمين بالاعتداء الجنسي على مئات النساء في كولن في الحادي والثلاثين من كانون أول/ديسمبر. وقد زعم المسؤولون الألمان أن منفذي الهجمات كانوا من أصول عربية وشمال أفريقية.
بالقدر المقيت والمتطرف الذي جاء به الرسم الكرتوني، فإنه مثّل سيل الاتهامات العنصرية ضد الإسلام وضد طبيعة الرجال المسلمين من قبل جولات إعلامية للعلمانيين واليمين المتطرف. في الواقع فإنه بمجرد الإعلان عن حادثة رأس السنة، خرجت مخالب الصحفيين العلمانيين. من الممكن تخيل لعابهم يسيل على إمكانية غرز أنيابهم في الخطر المزعوم للعقائد الإسلامية والمهاجرين المسلمين. جاءت الاتهامات سريعة وقوية: أنه شيء متأصل في الرجال المسلمين الذي يجعلهم يفترسون النساء البيضاوات، إن عقيدة المسلمين الكارهة للنساء تصورهن على أنهن فتنةٌ وأقل شأنًا من الرجال، مما يرعى هذه الهجمات، وأن الأحكام الإسلامية مثل الحجاب أو تحريم الاختلاط بين الرجال والنساء يشعل الإحباط الجنسي، مما يدفع الرجال المسلمين إلى كشف رغباتهم الجنسية الحبيسة ضد النساء الغربيات "غير المغطيات (المكشوفات)". الصحيفة الألمانية الليبرالية سودتش زيتونج على سبيل المثال، نشرت صورة عنصرية تصور يدًا سوداء تعتدي على جسد امرأة بيضاء لتوضيح مقالٍ ادعى فيه عالم نفس أنه بالنسبة للرجال المسلمين الشباب فإن أي لقاء بين النساء والرجال سيكون ذا طبيعة جنسية، وقد ذهب الإعلام العلماني أبعد من ذلك حيث أطلق على هجمات كولن وبشكل استفزازي مصطلح "جهاد الاغتصاب".
كتبت الصحفية البريطانية أليسون بيرسون في مقال في التلغراف بعنوان "اعتداء كولن: الاختلاف الحضاري ليس سببًا للاغتصاب": "كم من الوقت سنحتاج قبل أن تنصح النساء في كولن المكوث في البيوت أو حتى تغطية رؤوسهن؟، إذا أمرك دينك بتغطية نسائك فإن مظهر النساء مثل ميشيل الشقراء الرائعة التي لا تغطي نفسها وواثقةٌ جدًا من نفسها، سوف يحفز الإغراء، وهذا سيجعلك غاضبًا، هذا الغضب ليس موجهًا حيث يجب - إلى نفسك أو إلى نظام عقدي يمنع النساء من الحركة واللباس كما يحببن - ولكن إلى الإغواء".
الشخصية الإعلامية المعروفة في التلفزيون البريطاني كاتي هوبكنز في مقالها في ديلي ميل بعنوان: هل يجب أن أشتري برقعًا وأنتهي من الأمر؟ قالت: "إن الحكومات الغربية في حالة يائسة للتغطية على الأمر ولكن ما حدث في كولن يثبت أن العديد من الرجال المسلمين لا يكنون أي احترام للنساء البيضاوات... إن النساء البيضاوات لسن بشيء بالنسبة لبعض الرجال العرب والمسلمين. لهذا السبب تم استغلال بناتنا في روتشديل وأوكسفورد ولنفس السبب اغتصبت النساء الألمانيات في كولن".
وكتبت الصحفية البريطانية جسيكا مكالين في مقال لها في التلغراف بعنوان "عدد كبير من الرجال المسلمين يكرهون النساء": "إن معالجة السلوك غير المنظم تجاه النساء من قبل القادمين الشباب من العرب، أصعب كثيرًا وأكثر تهديدًا..".
وكتب الصحافي البريطاني ويل هاتون مقالاً في الجارديان بعنوان "بعد كولن السؤال الصعب هو: هل ما زال التعايش الحضاري ممكنًا؟": "إن حشد عادات ثقافية معينة مع تفسيرات خاصة للإسلام وأفهام (مفاهيم) معينة حول النساء الغربيات من الممكن أن ينتج هذا الخمر السام الذي جربته".
ولتقوية قضيتهم ربط بعض العنصريين العلمانيين بين هجمات كولن وبين الاعتداء على نساء من قبل شبان مهاجرين أثناء حفلة موسيقية في ستوكهولم، في السويد عام 2014، وأيضًا بين الاستغلال الجنسي لبنات ونساء بيض في المدن البريطانية روتشديل وروذرهام من قبل حلقات استمالة آسيوية. أغلب الأشخاص الذين وجدوا مذنبين في الجريمة الأخيرة كانوا رجالاً من أصول باكستانية، وهنا كانت الادعاءات أنه لا بد وأن يكون هناك شيءٌ متأصلٌ في الباكستانيين أو الحضارة الإسلامية والذي بدوره دفع بالرجال الباكستانيين للنظر إلى النساء البيضاوات على أنهن "لعبةٌ مشروعةٌ". وتمت المقارنة أيضًا مع الاعتداءات الجنسية على نساء في ميدان التحرير في القاهرة زمن الثورة المصرية عام 2011، والعامل المشترك هو أن المنفذين كانوا أيضًا رجالاً عربًا مسلمين. وعرضت ديلي ميل عناوينها المعتادة الحارقة والمناهضة للإسلام والمسلمين مروجةً لهذا الربط بقولها: "إن ظاهرة عصابة الاغتصاب العربية والتي تشهد محاصرة النساء من قبل مجموعات من الرجال في حشود والاعتداءات الجنسية.. قد امتدت الآن إلى أوروبا". إن الاتهامات التحريضية كانت أن هذه "الاعتداءات الجنسية الجماعية" للنساء في أماكن عامة هي تصرفٌ عربيٌ أو مسلمٌ غريب، لم يكن معروفًا "للغرب المتحضر" حتى جاء به المهاجرون المسلمون إلى مجتمعاتهم، وأن هناك شيئًا في نفسية أو حضارة الرجال العرب والمسلمين يدفعهم لاقتراف مثل هذه الجريمة النكراء. إن هذا المفهوم - التحرش الجماعي - تم ذكره في تقرير رسمي لنورث راين ويستفاليا الألماني حول هجمات كولونيا وربطها بحوادث ميدان التحرير.
إن التلميح السخيف بأن عصابة التحرش الجنسي أو اغتصاب النساء هو شيءٌ غريبٌ على المجتمعات الغربية والرجال غير العرب، هو تلميح يعارضه قطعًا الاعتداءات الجنسية على الآلاف من المجندات في الجيش الأمريكي والبريطاني اللاتي اعتدى عليهن زملاؤهن بشكل جماعي، وأيضًا يعارضه حالات الاغتصاب غير المعدودة على النساء المسلمات من قبل عصابات من الجنود الغربيين الذين يعملون في الصومال والعراق وإفريقيا الوسطى.
إن استغلال الاعتداء الإجرامي على النساء في كولن لدفع الأجندة السياسية المناهضة للهجرة وللإسلام هو أمر حقير للغاية وإعلام غير مسؤول. إن جعل موضوع الجرائم الجنسية المتغلغلة في جميع المجتمعات الحالية موضوع دين أو قومية، يحول الانتباه عن فهم ومعالجة الأسباب الحقيقية والأساسية لهذه الهجمات التي تظلم ضحاياها والنساء بشكل عام. إن هذه النظرة العنصرية من "الوحشية" وعدم التحضر لطبيعة الرجال العرب والمسلمين وكيف يعاملون نساءهم في مقابل الأخلاق المتحضرة والمحترمة التي تعامل فيها المجتمعات الغربية للنساء ليست بالجديدة. إنه بالضبط تقليدٌ سهلٌ للعنصرية الأوروبية وسيادة الجنس الأبيض ووجهة النظر الاستشراقية في القرن التاسع عشر تجاه من يعيشون في "بلاد أجنبية".
يدافع الاستشراق عن التفوق غير المنازع وعن الطبيعة المتحضرة للغربيين وللحضارة الغربية ضد الطبيعة المتخلفة والوحشية والأقل منزلةً للذين ينتمون للحضارات الأخرى وللأفراد من الشرق. لقد علَّمت الأوروبيين أنهم يعيشون على قمة التحضر وأن تفكيرهم وصفاتهم وثقافتهم ومعتقداتهم وممارساتهم تمثل النموذج الأسمى في التهذيب والحداثة والعقلانية والذكاء والتقدم. وعلى النقيض، فإن الحضارات والشعوب الأخرى بما فيهم الإسلام والمسلمين يصوّرون على أنهم منحرفون وغير عقلانيين وغير أخلاقيين. وقد كانت مجموعةً من الأفكار قدّمت تبريرات للحكومات الغربية في ذلك الوقت لشن الحروب واستعمار ونهب ثروات البلاد الأجنبية بذريعة "تحضيرها وتغريبها".
إن الكتاب والفنانين والرحالة المستشرقين قد قدموا صورةً شاذةً عن النساء المسلمات وروجوا لوجهة نظر مفادها أن المسلمين مولعون بالجنس والفسوق، ولقد استوحى - المستشرقون - جميع هذا من أوهامهم الجنسية وسلوكهم العنصري تجاه الشرقيين. دراسةٌ فرنسيةٌ عام 1903م وصفت المسلمين الجزائريين بأنهم ذوو "ذكاء محدود وغير مبالين وميالون إلى الرذائل مثل الإخفاء والكذب والخيانة وانعدام البصيرة وحب الشهوانية والعربدة". ونسب الحاكم الفرنسي العام للجزائر عام 1898 زيادة الدعارة الناتجة عن الاستعمار الفرنسي للبلاد إلى طبيعة المسلمين الفطرية في حبهم الزائد للجنس. وقال "فسيولوجية العربي واليهودي والمرأة المسلمة بالإضافة إلى التسامح نحو الشذوذ الجنسي والطرق الطبيعية الشرقية في التوليد والتعامل مع الآخرين مختلفةٌ جدًا عن الرجل الأوروبي وهي بحاجة إلى اتخاذ إجراءات مناسبة". وفي كتابها "النساء العربيات للجزائر" المؤلف عام 1900، أعادت النسوية هوبرتين أوكليرت هذه الأوهام والخيالات الاستشراقية للعالم الإسلامي واصفةً القسم القديم لمدينة الجزائر بطريقة خيالية جدًا بأنها "مفترشة الوسائد ومغطاةٌ بالمجوهرات والحلي ويقدمن أنفسهن، مثل عذارى المذبح، مقابل إعجاب عابري السبيل..".
من هذه النظرة الخيالية عن المسلمين توصلوا بشكل باطل، إلى أن اللباس الإسلامي والأحكام الإسلامية التي تحظر العلاقة بين الرجال والنساء كانت انعكاساً للطبيعة الجنسية للرجال المسلمين الذين لا يستطيعون السيطرة على رغباتهم إلا من خلال تغطية وعزل نسائهم. وادعوا أيضًا أن هذه الأحكام الاجتماعية الإسلامية تظهر نظرة الإسلام إلى المرأة على أنها فتنة يجب السيطرة عليها واحتواؤها وأنها جسد للاستعباد الجنسي موجودة فقط لتوفير المتعة للرجال.
ويجب علينا أن نسأل العنصريين العلمانيين المعاصرين الذين يتهمون الإسلام وطبيعة الرجال المسلمين بهجمات كولن - كيف لهم أن يفخروا بأنفسهم أنهم متحضرون ومتقدمون في الوقت الذي يصرون فيه على نشر روايات سيادة الجنس الأبيض من القرن التاسع عشر النابعة من الأوهام الغربية واستغلوها لاستعمار ونهب ثروات البلاد الأخرى؟ هذه الأفكار تنتمي لصفحات كتب تاريخية خيالية مثل ألف ليلة وليلة ولا يجب أن تكون على صفحات الإعلام المعاصر المتحضر.
بالإضافة لهذا، فإن مشجعي النظريات العنصرية منتهية الصلاحية المعاصرين يبدون أنهم أيضًا يتبنون الآراء ضيقة الأفق لأسلافهم تجاه حقيقة قيمهم ونظمهم العلمانية. على سبيل المثال، في الوقت الذي اتهم فيه مستشرقو القرن الثامن عشر الإسلام بسوء معاملة واستعباد النساء جنسيًا، فإنهم قد تجاهلوا عن قصد الاضطهاد الصارخ للنساء في مجتمعاتهم، تلك المجتمعات التي نظرت إلى المرأة على أنها أقل منزلةً من الرجل وأنها فتنةٌ شيطانية، وحيث الدعارة وسوء المعاملة والاستغلال متفشيةٌ وحيث إن النساء سلبن من حقوقهن السياسية والاقتصادية والقضائية والتعليمية والاجتماعية بما فيها الحق في طلاق الزوج المتعسف، وكل هذا في ظل نظام يدعي المستشرقون أنه يستطيع جعل العالم حضارياً.
وأيضًا، فإن هؤلاء العلمانيين الذين يتهمون الإسلام بهجمات كولن يتجاهلون عن قصد حقيقة أن المنفذين لم يكونوا على درجة عالية من التدين عندما اعتدوا على هؤلاء النساء ولكنهم كانوا تحت تأثير المخدرات والكحول، بحسب رالف جيفار، وزير داخلية نورث راين ويستفاليا. وقال إن هذا "كله كان بدافع الأوهام الجنسية القوية". هذه ليست ظاهرةً إسلاميةً، حيث إن الدين يحرّم كل المسكرات، ولكنها نتيجة مجتمع ليبرالي وهو عامل أساسي لحالات عديدة من العنف ضد النساء.
أمثال هؤلاء العلمانيين يتجاهلون حقيقة أن الاعتداءات الجنسية ضد النساء من قبل غير المهاجرين وممن يتبنون القيم العلمانية والليبرالية أصبحت عرفًا وحدثًا سنويًا في الحفلات الموسيقية الغربية مثل غلاستنبري وغيرها من التجمعات مثل كرنفال نوتنج هيل البريطاني وأكتورفيست في ميونيخ، حيث يوجد بالمعدل 10 حالات اغتصاب يبلَّغ عنها سنويًا وتقريبًا 200 حالة اغتصاب لا يبلغ عنها.
وقد تجاهل هؤلاء أيضًا أن الهجمات الجنسية والاغتصاب ضد النساء هي مزمنة في المجتمعات العلمانية الليبرالية. في الواقع إن الدولتين العلمانيتين جنوب إفريقيا والهند أصبحتا تعرفان بعاصمتي الاغتصاب في العالم. بالإضافة لذلك فإن الاعتداء الجنسي ضد النساء متفشٍّ في الجامعات الغربية، كما هو الحال في بريطانيا والولايات المتحدة. ففي بريطانيا واحدة من كل 7 طالبات أصبحن ضحايا لاعتداءات جنسية خطيرة أو عنف جسدي خطير خلال وجودهن في حرم الجامعة بحسب الاتحاد الوطني للطلاب، وفي عام 2015 نشرت رابطة الجامعات الأمريكية تقريرا حول نتائج إحدى أكبر الدراسات حول العنف الجنسي في الجامعات ونص على أن أكثر من واحدة من 5 إناث في المرحلة الجامعية الأولى في الجامعات الأمريكية الـ 27 الأولى تعاني من اعتداء جنسي وسوء معاملة. بالإضافة لهذا فإن الدراسة حول سوء المعاملة الجنسية في الدول الأوروبية برعاية المفوضية الأوروبية والتي أجرتها وكالة الحقوق الأساسية ومقرها فينا، أوردت عام 2013 أن واحدة من كل 15 امرأة كن ضحايا عنف جنسي في أوروبا، وأن واحدة من كل 20 قد اغتصبن، وأن 75% من النساء اللواتي يشغلن وظائف إدارية كبرى ومهن رفيعة كن عرضةً للتحرش الجنسي، ووجدت إحصائية أجرتها وكالة ألمانية مناهضة للعنصرية أن من نصف الموظفات في ألمانيا قد تعرضن أو شهدن تحرش جنسي، وبحسب وزارة العدل الأمريكية، فإن امرأةً تغتصب كل ثانيتين في أمريكا، وبحسب وزارة العدل البريطانية، فإن 85.000 امرأة يغتصبن سنويًا وأكثر من 400.000 امرأة هن ضحايا لاعتداء جنسي في إنجلترا وويلز.
في ضوء هذه الإحصائيات التي توضح أن هذه الجرائم الجنسية ضد النساء مزمنة في الدول العلمانية الغربية، لماذا لا يُسأل هل هناك شيءٌ متأصل في الحضارة الليبرالية العلمانية الذي يزيد من هذه الأعمال الإجرامية؟. الدول ذات الأغلبية المسلمة مثل مصر وباكستان وبنغلادش والتي تطبق النظام العلماني وتروج لقيمه في مجتمعاتها تعاني أيضًا لسوء الحظ من معدلات غالبة من الاعتداءات الجنسية ضد النساء، ومن هنا يجب الإجابة على بضعة أسئلة من قبل دعاة العلمانية ومن قبل من ينادون باستيعاب أكبر للمسلمين في الحضارة العلمانية حول الهجوم السام على النساء في النظام العلماني الرأسمالي والقيم الليبرالية التي تروج للحريات الجنسية وجنسنة المجتمع وتشجع الرجال على تحقيق رغباتهم الجسدية مع وجود القليل من القيود وتسمح لأجساد النساء بأن تصبح أغراضًا جنسية منحطة من قبل صناعات الجمال والدعاية والتسلية والأفلام الإباحية.
ومن المثير للسخرية حقًا، على سبيل المثال، أنه في الوقت الذي يتهم فيه العلمانيون الإسلام بتصوير النساء على أنهن فتنة، تُعطى هذه الصناعات الحرية الكاملة لتسويق فكرة أن المرأة إغواء جنسي والقيام باستغلال مفاتنها الأنثوية من أجل الربح، مع وجود العواقب المؤذية الحتمية على النظرة إلى النساء ومعاملتهن في مجتمعاتهن.
من هنا، هل ينظر الإسلام للنساء على أنهن أغراضٌ جنسية وفتنة شيطانية؟؟. هل تزيد معتقداته من الاعتداءات الجنسية ضد النساء؟ لا، على العكس، فالإسلام ينظر إلى طبيعة الرجل والمرأة الإنسانية بالتساوي. يقول الله سبحانه وتعالى ﴿وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٲجً۬ا﴾ [النحل: 72] وقال رسول الله r: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ». بالإضافة إلى وصف الإسلام للمرأة بأنها محصنة - حصن ضد الشيطان.
النظرة إلى المرأة على أنها فتنة شيطانية يوجد لها أصل في التقاليد النصرانية والأوروبية ونظيرتها اللاهوتية، الأمر الذي لا يوجد عند الحضارة الإسلامية، وتنبع هذه النظرة من الاعتقاد النصراني بأن حواء كانت مسؤولة عن إغواء آدم للأكل من الشجرة المحرمة. أحد كتب الإنجيل الكنائسي على سبيل المثال، يقول "أجده أمرُّ من الموت - المرأة الأحبولة وقلبها كالشرك ويديها كالسلاسل. الرجل الذي يخاف الله سوف يهرب منها ولكن الخاطئ سيقع في حبائلها". (الإنجيل الكنائسي 7: 26-28). وكتب ترتليون، وهو أحد قساوسة الكنائس القدامى المعروفين بخصوص المرأة "ألا تعلمن أن كلاً منكن حواء؟ إن كلمة الرب في جنسك تعيش في هذا
الدهر، الإثم من الضروري أن يعيش أيضًا. أنتن منفذ الشيطان. أنتن من أزحن الغطاء عن الشجرة المحرمة، أنت من أقنعه عندما لم يكن الشيطان شجاعًا لمهاجمته..." (حلة النساء – الكتاب الأول). وكتب أيضًا أوغستن، وهو عالم قديم في اللاهوت النصراني "ما الفرق فيما إذا كانت زوجة أو أماً، إنها ما زالت حواء، الفتنة التي يجب أن نحذرها في كل امرأة..". مثل هذا الاعتقاد مرفوض بحسب النصوص الإسلامية التي تصف الشيطان مسؤولاً عن إغواء آدم وتضع كلاً من آدم وحواء مسؤولين بالتساوي في معصية الله والهبوط من الجنة إلى الأرض مع مغفرة الله عز وجل لهما.
بالإضافة لهذا، فإن الإسلام يفرض على الرجل معاملة المرأة باحترام وتكريم في أعلى المستويات، قال رسول الله e «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا». كما ويحرم الإسلام جنسنة واستغلال وتشييء النساء أو أي تصرف آخر من شأنه الحط من قيمتهن بأي أسلوب. في الواقع إن مستوى الاحترام الذي يفرضه الإسلام على الرجال في التعامل مع النساء واضح في أمر الرجال بغض أبصارهم إذا رأوا أي جزء من جسد المرأة الذي حرم عليهم الإسلام رؤيته، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: 30]
إضافةً لهذا وعوضًا عن إشعال جنسنة النساء في المجتمع، فإن الأحكام الاجتماعية الإسلامية والتي تنظم الاجتماع والعلاقة بين الرجال والنساء تمنع هذا من خلال خلق بيئة توجه فيها الرغبة الجنسية، وإشباعها بالزواج فقط، وبالتالي منع الجرائم الجنسية. ومن هنا فإن الغريزة الجنسية لا تُكبت، مما يؤدي إلى الإحباط الجنسي ولا تُثار باستمرار بحيث تشيع الخراب في المجتمعات. وعوضًا عن ذلك فإنها توجه باتجاه تحقيق الخير للعائلة والأطفال والأفراد في المجتمع - وهو الزواج. وهذا مناقض لخلق بيئات تكون فيها الغريزة الجنسية مثارةً باستمرار ويسعى فيها الأفراد إلى إشباعها بأي طريق كانت، وحتى لو يعني ذلك الاعتداء على النساء كما نرى في الدول الليبرالية العلمانية. لذا فإن اللباس الإسلامي للرجل والمرأة وتحريم تبرج المرأة أمام غير المحارم من الرجال وتحريم اختلاط غير المحارم مع النساء وتحريم الخلوة والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، ما هي إلا بعض القوانين الإسلامية التي تساعد في رعاية بيئة تحفظ كرامة المرأة وأمنها في التنقل والعمل والتعليم والسعي وراء مصالحها بعيدًا عن التحرش وسوء المعاملة.
وختامًا فإن الإسلام حدد عقوبات صارمة على أي نوع من أنواع الجرائم الجنسية ضد النساء، بما فيها عقوبة القتل على جريمة الاغتصاب. لذا فإننا نقول لمن يستغل بسخرية هجمات كولن الإجرامية لتمرير أجندات مسببة للخلاف مناهضة للإسلام والمسلمين وللهجرة... إذا كنتم تريدون فعلاً أن تفهموا سبب هذه الجرائم المقيتة، فابحثوا عن الجواب قريبًا من بيوتكم!!. وإذا ما كنتم صادقين في البحث عن علاج حقيقي للاعتداءات الجنسية ضد النساء، فلربما من الجدير بكم النظر عن قرب إلى النظام العقائدي الذي أنتم على استعداد دائم لمهاجمته: الإسلام.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

No comments:

Post a Comment