Wednesday, June 29, 2016

من فساد الديمقراطية: لعبة إجراء الاستفتاء

من فساد الديمقراطية: لعبة إجراء الاستفتاء

الخبر: جرى استفتاء في بريطانيا يوم 2016/6/23 حول بقاء بريطانيا أو خروجها من الاتحاد الأوروبي فكانت النتيجة لصالح الرأي الأخير، فقام داعمو الرأي الأول بجمع حملة تواقيع بالملايين لتقديمها إلى البرلمان لإجراء استفتاء ثان، ولا ندري ما إذا كان سيحصل أم لا؟!
التعليق:
1- إن فكرة الاستفتاء فكرة باطلة من الأساس لأنها تجعل عامة الناس هم الذين يقررون المصير، وهم تبع للأهواء والتلاعب بهم من قبل الذين يطرحون رأيا معينا للاستفتاء عليه من أجل تحقيق أهداف أو تمرير سياسات معينة. فتبدأ الحملات المؤيدة والمضادة ويقع الناس تحت تأثير هذا الرأي أو ذاك.
2- عامة الناس تنساق وراء الحملات الدعائية، لأن الناس جماعيا لا يفكرون بعمق، وتغلب عليهم أجواء الجماعة فيضطر هؤلاء للسير حسب هذه الأجواء ولا يقدرون على مخالفتها خوفا من أن يعيَّروا أو يُنبذوا، ومظهر القطيع من غريزة البقاء هو الذي يسوق الناس عامة، فينساقون وراء من قد يؤثر عليهم، فالتفكير السطحي هو الذي يسود الجو الجماعي. والتفكير العميق هو شأن فردي، أي أن الفرد هو الذي يفكر بعمق، وكذلك التفكير المستنير. وعندما يأتي صاحب الفكر العميق ويقول رأيا صائبا لا يسمع له أحد في ظل هذه الأجواء!
3-  ففكرة الاستفتاء هي في الأساس لتحقيق أغراض معينة أو لتمرير سياسات معينة لمن يطرح الاستفتاء، وليس لبيان الحق والحقيقة. وهي مبنية على أساس أن السيادة للشعب فهو الذي يحكم نفسه بنفسه، أي على أساس الديمقراطية الفاسدة، فهي فكرة غير واقعية، بل هي خيالية، فالشعب لا يحكم نفسه بنفسه ولا يضع فكره بنفسه، فالذي يطرح الأفكار والذي يحكم هم أفراد معينون.
4- في بعض الدول يقوم الحكام أحيانا ويطرحون فكرة الاستفتاء على موضوع ما لتحقيق غايات سياسية. فمثلا عندما دخلت بريطانيا السوق الأوروبية المشتركة عام 1973م قبل أن تصبح اتحادا لم تجر استفتاء، لأن الموضوع لا يستلزم مثل ذلك، فالسياسيون قرروا أن مصلحة بريطانيا في دخول السوق بعدما كانت بريطانيا ممنوعة من دخولها على عهد ديغول الذي كان يدرك الخبث الإنجليزي وأن بريطانيا لا تريد وحدة أوروبية بل تسعى لعرقلة ذلك، فبعد رحيل ديغول، دخلت بريطانيا بقيادة حزب المحافظين ورئيس وزرائها هيث عام 1971م في مفاوضات مع جورج بومبيدو الذي حل محل ديغول ولم يكن على قدر وعي سلفه حتى تمكنت بريطانيا من دخول السوق كأية دولة. ولكن الخبث والدهاء الإنجليزي لن يتوقف، فكأنها قالت؛ أولا أضمن العضوية ومن ثم أقوم بلعب اللعبة التالية، فقامت عام 1974م وقد جاءت بحزب العمال إلى الحكم ليلعب اللعبة التالية فطالبت بإعادة التفاوض وإلا ستجري استفتاء عام حول البقاء، لتبدأ بلعبة الابتزاز واللعب بمصير الاتحاد الأوروبي المنشود مهدِّدة زعماء الاتحاد بالخروج، وذلك للحصول على مكاسب وامتيازات خاصة بها. ومن ثم توصل مستشار ألمانيا الغربية يومئذ هيلموت شميدت ورئيس الوزراء البريطاني هارولد ويلسون إلى صفقة معينة تبقي بريطانيا في السوق الأوروبية، وظهر أن بريطانيا حققت ما تريد من إعادة التفاوض، فقامت الأحزاب الرئيسية الثلاثة في بريطانيا بحملة كبيرة لصالح بقاء بريطانيا في السوق، فعندما جرى الاستفتاء عام 1975م، صوت 67% من الناخبين لصالح البقاء في السوق الأوروبية وقد اضطرت للتوقيع على معاهدة ماستريخت عام 1992م لتكون جزءا من الاتحاد الأوروبي. ولكن تزايدت أصوات الرافضين للاتحاد الأوروبي والمطالبة بالانفصال مما جعل كاميرون يطرح فكرة الاستفتاء يوم 2013/1/23 "إذا فاز هو وحزبه في انتخابات 2015" أي لكسب أصوات الناخبين وكذلك ليبتز الاتحاد الأوروبي من أجل الحصول على امتياز لبلاده، حيث أعلن يومها أنه "يريد التفاوض من جديد حول علاقات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي قبل أن يعرض على البريطانيين التصويت". وعندما تحقق له ما أراد في شباط الماضي قرر إجراء الاستفتاء الذي جرى يوم 2016/6/23م.
5- وفي بلادنا عندما ارتكب النظام في السودان برئاسة عمر البشير خيانة كبرى بتوقيعه على اتفاقية نيفاشا يوم 2005/1/9م التي نصت على إجراء استفتاء برعاية الأمم المتحدة حول حق تقرير المصير لجنوب السودان، وقد جرى يوم 2011/1/9م، وبناء على نتيجته المحسومة بعدما تم شحن الأجواء لأكثرية ساحقة جاهلة تم فصل ربع السودان عن أصله، لتتشكل دولة أخرى يسيطر عليها كفار، ولتلعب دورا للاستعمار الأمريكي خاصة، ولتزيد من تمزيق بلاد المسلمين وتقتطع أراضيهم منهم باسم الاستفتاء. وكذلك أجرت الأمم المتحدة، المؤسسة التي تهيمن عليها أمريكا، استفتاء حول تقرير المصير عام 1999 في تيمور الشرقية لتفصلها عن إندونيسيا، فتم لها ما أرادت.
6- فمن هنا يتبين أن فكرة الاستفتاء باطلة من الأساس، وهي لعبة تلعبها جهات معينة لتحقيق أغراض معينة. فلا تلجأ إليها الدول إلا عندما تريد تحقيق أهداف معينة. وفي بلادنا تلعبها الدول الاستعمارية لتمزيقها، فتعمل أمريكا على تطبيقها في الصحراء المغربية لتفصلها عن المغرب، وطالب بها البرزاني عميل الإنجليز في شمال العراق ليفصله نهائيا عن العراق، فلم توافق أمريكا حتى الآن، لأن مخططها لتقسيم العراق لم يكتمل بعد.
7- ونحن مسلمون لا نلتزم إلا بما يمليه علينا ديننا الحنيف الذي يحرم علينا الأخذ بهذه الفكرة، كما يحرم علينا الفرقة والانقسام وتحكيم الأهواء وتطبيق المقررات الدولية وعقد الاتفاقات الخيانة وتنفيذها، فلا ننخدع بلعبة الاستفتاء المستندة إلى الديمقراطية الجاهلية.
﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسعد منصور
25 من رمــضان المبارك 1437هـ   الموافق   الخميس, 30 حزيران/يونيو 2016مـ

No comments:

Post a Comment