Saturday, July 27, 2013

حكم الإسلام في النظام الملكي

حكم الإسلام في النظام الملكي

منذ وصوله صلوات الله وسلامه عليه، إلى المدينة المنوّرة، أعلن قيام الدولة الإسلامية الأولى على قاعدة العقيدة الإسلامية، عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله، ليشمل إعلانُه هذا صلى الله عليه وسلم -تبليغاً للعالم بأسره- بزوغَ فجرِ أولِ نظامٍ يُحكَم فيه البشرُ في جميعِ نواحي الحياة، بما أنزلَ اللهُ تبارك وتعالى.
ومن خلال تلك القاعدةِ السياسيةِ الأولى للدولة الإسلامية، انطلقتْ كتائبُ الإيمان، رافعةً رايةَ لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله، تجوبُ أنحاءَ البسيطةِ وتزيلُ الحواجزَ المادية، وتكسرُ الموانع، وتزيلُ الحدودَ وتقضي على كلِّ العوائقِ من أمامِ الدعوةِ إلى توحيدِ الخالقِ سبحانه وتعالى. فقامتْ على يديه صلى الله عليه وسلم، للإسلام دولةٌ، وللعقيدةِ الإسلاميةِ قاعدةٌ، وللأمّةِ كيانٌ، ولكلِّ هؤلاءِ حياةٌ سياسيةٌ من طرازٍ فريدٍ لم تعهدْهُ البشريةُ، منذ أن دَبَّ كائنٌ حيٌّ على ظهر الأرض.
واستمرتْ هذه الدولةُ الناشئةُ - بعد انتقالِه صلواتُ الله وسلامه عليه، إلى الرفيق الأعلى - في السير قدماً، حتى باتتْ في فترةٍ وجيزةٍ هي الدولةَ الأولى والعظمى في الكون كلِّه، بعد أن سحقتْ أعظمَ دولتينِ في العالم، وذلك شرقاً في بلاد فارسَ، وغرباً في الدولة والإمبراطورية الرومانية. ثمّ تتابعتْ حلقات انتصارات المسلمين والجيش الإسلامي، ورأى الغربُ الكافرُ بأمِّ عينيهِ كيف أنّ الجيشَ الإسلامي، قد أذلَّ جبروتَ وعسكريَّةَ أوروبا.
ثم كانَ أولُ انحطاطٍ للفكر الإسلامي، متأتياً مما أصاب نظامَ الحكمِ - نظامَ الخلافة - حين اغتُصبتْ السلطةُ ونظامُ البيعة، بأخذِ البيعةِ ليزيد بن معاوية، بقوةِ السيفِ والتهديد، وصولاً إلى أنْ أصبحت دارُ الإسلام - آخرَ الدولة العثمانية - مسرحاً لتآمر الغرب الكافر، ومحلَّ أطماعِه الاستعمارية، فإنه حين وعى وصحا على عظمةِ الأمة الإسلامية، الكامنة في فلسفة الإسلام لنظام الحكم، نظامِ الخلافة، وأنَّ الخليفةَ هو الرئيسُ الأعلى والفعليُّ للمسلمينَ في دار الإسلام، وأنَّهُ الجُنّةُ يُقاتَلُ من ورائه ويُتَّقى به، وأن طاعتَه ظاهراً وباطناً فرضٌ على المسلمين، راحَ هذا الكافر بكلِّ ما يملِكُ من طاقاتٍ يرسمُ المؤامراتِ للقضاء على الخلافة. حيثُ قامتْ أوروبا الرأسماليةُ بالمؤامرةِ التاريخيةِ المشهورةِ في استنبول، وقضتْ على الخلافة الإسلامية.
ومَعَ زوالِ الدولة الإسلامية - آخرَ الدولة العثمانية - وإلغاءِ نظام الخلافة من الوجود، وبالتالي خضوعُ جميع البلاد الإسلامية لحكمِ المستعمر والقانونِ الوضعي الذي صنعهُ البشر، صارَ المسلمون - جرّاءَ حملاتِ التضليلِ الغربي - يرضونَ أنْ يُحكَموا بغير الإسلام، ولا يرَونَ بأساً في ذلك ما دام الدستورُ ينصُّ على أنَّ الدينَ الرسميَّ للدولة هو الإسلام، كما يُشاهَد في مصرَ بعد الثورة. وبذلك أصيبَ الفكرُ الإسلاميُّ الحديثُ عند كثير من العلماء وبعض من الحركات الإسلامية، فيما يتعلق بنظام الحكم، بعدم الإحاطة به، الأمر الذي أوجد عبئاً ثقيلاً على الحركات الإسلامية المخلصة والواعية، في محاولتها لإعطاء صورة عن واقعِ وحقيقةِ نظامِ الحكم في الإسلام والمتمثلِّ في نظام الخلافةِ الراشدة.
وجراءَ هذا الضعفِ عند المسلمين في فهم أفكار وأحكام الإسلام، خصوصاً تلك المتعلقة بنظام الحكم، سهلَ الأمرُ على الغرب الكافر، بإدخال أفكاره ومفاهيمه عن الحياة إلى بلاد المسلمين، فصار ينادي بالنظامِ الديمقراطي والجمهوري، والبرلماني، والملكي، كأنظمةٍ بديلةٍ عن نظام الخلافة وعن الحكم بما أنزل الله.
ومن جراء الضعفِ الشديدِ الذي طرأ على أذهان المسلمين، فيما يتعلق بنظام الحكم الإسلامي ونظام الخلافة، تسربتْ إلى بلاد المسلمين بفعلٍ من الغرب الكافر أشكالٌ عدةٌ من أنظمة الحكم الديمقراطي، ومنها النظامُ الملكي والقادمُ من طرزِ وأشكالِ الملكيةِ في أوروبا. في حين أنّ الإسلام لا يقرُّ بحال النظامَ الملكي بل يستنكره بشدة، خصوصاً وأنه يقوم على الوراثة في الحكم وولاية العهد. وذلك لأنّ السلطانَ هو للأمة، وليس للحاكم أو للخليفة، فإن كانَ الخليفةُ إنما ينوبُ عن الأمة في السلطان والحكم مع بقائه لها، فكيف يتصور أن يمنحه الحاكم أو الخليفة لغيره؟ وما فعله أبو بكر رضي الله عنه لعمر لم يكن ولايةَ عهد، بل كان انتخاباً من الأمة وأهل الحل والعقد في حياة الخليفة، ثم حصلت له البيعةُ بعد موته. ومع ذلك فقد احتاط أبو بكر للأمر في خطابه، فعلّق نفاذَ توجُّهِهِ تجاهَ عمر، على أن يكون برضا الناس، قائلاً لهم في مخاطبته إياهم "أترضون بمن أستخلفُ عليكم؟ فإني والله ما أَلـَوْتُ جهداً ولا وَلَّيْتُ ذا قرابة".
وفعل أبي بكر رضي الله عنه تجاه عمر رضي الله عنه، ليس ولايةَ عهد ولا توجد فيه شبهةُ ولايةِ العهد. بخلاف ما فعله معاوية من تولية ابنه يزيد، فإنه مخالف لأحكام البيعة ولنظام الحكم في الإسلام، وذلك أن معاوية نفسه كان يفهم رئاسة الدولة أنها ملك وليست خلافة. وهذا الفهم الذي استند إليه معاوية في تولية ابنه يزيد من بعده مخالفٌ للإسلام، قال عمر رضي الله عنه "من أمّرَ رجلاً لقرابة أو صداقة بينهما وهو يجد في المسلمين خيراً منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين"
هذا من جهة الوراثة في الحكم ومخالفة ولاية العهد لأحكام الإسلام، أما بالنسبة للنظام الملكي من كونه يخصّ الملك بامتيازات وحقوق خاصة لا تكون لأحدٍ سِوَاهُ من أفراد الرعية، الأمر الذي يجعله فوقَ القانون، يتصرف بالبلاد والعباد كما يريد ويهوى، كملوك السعودية والمغرب والأردن، فإن نظامَ الإسلام المتمثل بنظام الخلافة، لا يخصُّ الخليفةَ أو الإمامَ بأيةِ امتيازاتٍ أو حقوقٍ خاصةٍ تجعله فوق القانون وفوق الأحكام، فهو أمام التكاليفِ الشرعية، شأنُه شأنُ أيِّ فرد من أفراد الأمة، بل هو نائبٌ عن الأمة في الحكم والسلطان، أنابته عنها بالرضى والاختيار، ليطبّقَ عليها شرعَ الله سبحانه وتعالى، إذ هو مقيّدٌ كباقي المسلمين في جميع تصرفاته ورعايته لشؤون الأمة ومصالحها بالأحكام الشرعية ليس غير، ويندبُ له مشاورتها فيما يعرض له من شؤونها، ويجب عليه الإصغاءُ لمحاسبتها فيما ينفذُه من أعمال. وبهذا ينتفي عن الخليفة ما يُعرَفُ بالنظام الملكي من كونِ الملك، يملك ولا يحكم في شكل من أشكال الملكية، أو يملك ويحكم في آن واحد ويتصرف بالبلاد والعباد كما يريد ويهوى، خصوصاً كما يحصل في العديد من بلاد المسلمين اليوم، من تَرْكِ المحاسبة أي محاسبة الأمة أو الشعب للحكومة دون محاسبة الملك بوصفه الحاكم الفعلي لذلك البلدِ الرابضِ تحتَ وطأةِ ظلمِ وفسادِ الملكِ والنظام الملكي.
هذا فضلاً عن قيام نظام الحكمِ الإسلاميِّ في أساسه على العقيدة الإسلامية وعلى الأحكام الشرعية، وعلى أساس الحاكمية لله، يحكمُ ما يشاء سبحانه وتعالى، وعلى أساس أنَّ السيادةَ فيه للشرع لا للأمة، ولا تملك الأمةُ فيه ولا الخليفة حقَّ التشريع، فالمشرعُ هو الله سبحانه وتعالى، وإنما جعلَ الإسلامُ للأمة حقَّ تنصيبِ خليفةٍ عليها، بما ملَّكها مِنْ سلطان، فتُنيبُ عنها مَنْ تختارُه وترضاه ليطبقَ عليها كتابَ الله وسنةَ نبيه صلى الله عليه وسلم، إضافةً إلى تحميله مسؤوليةَ حملِ الدعوة، بالدعوة والجهاد إلى العالم.
ابو اسلام
18 من رمــضان 1434
الموافق 2013/07/27م

No comments:

Post a Comment