Tuesday, February 27, 2018

جريدة الراية: التجرؤ على أحكام الله وسيلة الانتهازيين لتثبيت كراسيهم

جريدة الراية: التجرؤ على أحكام الله وسيلة الانتهازيين لتثبيت كراسيهم
والسكوت عن ذلك وسيلة المتخاذلين للبقاء في الحكم

  12 من جمادى الثانية 1439هـ   الموافق   الأربعاء, 28 شباط/فبراير 2018مـ
في ظرف وجيز، عرف أهل المغرب ثلاثة تصريحاتٍ مثيرةٍ ومستفزة، أولها تصريح وزير الشباب والرياضة رشيد الطالبي العلمي في 9/2/2018 يستنكر إيقاظ الأطفال في المخيمات الصيفية لصلاة الفجر، وجعلهم يجلسون ساعاتٍ تحت الشمس لصلاة الجمعة. وقال في تصريحات منسوبة إليه "إن الليل مخصّصٌ لنوم الأطفال". وكشفت تصريحات الطالبي العلمي أن وزارة الشباب والرياضة ستتخذ إجراءاتٍ صارمةً تهمُّ برامج المخيمات - التي يستفيد منها نحو مئتي ألف طفل سنوياً - ابتداء من فصل الصيف القادم، تتضمّن ما سيتم اعتماده في تنشئة الأطفال. وأما التصريح الثاني فلمحمد أوجار وزير العدل، في 12/2/2018 حيث قال: "إذا كانت اختيارات المواطنين هي ممارسة الحريات، فإنه لا يجب أن تمارس في الفضاء العام"، مورداً أن "العلاقات الجنسية الرضائية مثلاً بين راشدين بدون عنفٍ لا تعني المجتمع، ولكن يجب احترام الآخرين عند ممارستها". وأما التصريح الثالث فلنور الدين عيوش عضو المجلس الأعلى للتعليم، في 22/2/2018 حيث دعا إلى تدريس الانفتاح على الأديان وحرية المعتقد، وكذلك حرية التصرف في الجسد في المدارس، فضلا عن تعليم الأطفال كيفية التصرف في الجسد والحرية الجنسية. كما طلب عيوش من وزير العدل تعديل القوانين التي تفرض قيودا على ممارسة هذه الحريات، مقترحا تعديل الدستور للتنصيص على الحريات الفردية وحرية المعتقد. وقد أضاف عيوش وهو يدافع عن المثلية والحرية الجنسية إن مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان وسعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، متفقان معه حول مطالبه ومقترحاته في ما يخص حرية المعتقد.
كما عوَّدنا الحكام دوماً، فهم يغُضُّون الطرف عن المشاكل الحقيقية التي يرزح تحتها الشعب كالفقر والبطالة والجريمة وسوء التعليم وسوء الرعاية الصحية وانتشار الفساد و...، ولا يظهر لهم إلا ما يزعج أسيادهم كعفة المجتمع أو تعويد الأطفال على الصلاة أو غيرها من المظاهر التي تدل على عودة الناس لدينهم. الجديد في الأمر، أن التصريحين قد صدرا من وزيرين ينتميان للحزب نفسه (التجمع الوطني للأحرار) المقرب من القصر والذي يبدو أنه يُهيأ ليأخذ مكان الحظوة بدل حزب الأصالة والمعاصرة الذي دعمه القصر بشدة في السابق لكنه فشل في كسب الانتخابات السابقة. وواضح من تصريحيهما أن البقاء في الحكم وتثبيت المواقع فيه يمر بالضرورة عبر التجرؤ على أحكام الله ونشر الفساد ومنع الخير. أما التصريح الثالث فهو كذلك من شخص مقرب من القصر يراد له أن يكون فاعلا مجتمعيا وواجهة من واجهات المجتمع المدني وقد عرف عنه وعن ابنه نبيل عيوش السعي الحثيث لإشاعة الفاحشة في المجتمع حتى بلغ بعيوش الأب أن يكشف عن خبائثه فتزكم أنوف المسلمين الطاهرين دعوته لحرية اللواط والسحاق تحت مسمى حرية الجسد!
أما الحزب الحاكم، المحسوب على الإسلاميين زوراً وبهتاناً، فكما عوَّدنا أيضاً، فلا هو في العير ولا هو في النفير، فقد تجاهل هذه التصريحات وتعمَّد عدم التعليق عليها وكأن الأمر لا يعنيه، وأنى له أن يجرؤ على انتقاد شخص أو وزراء حزب يحظى بتأييد متنامٍ من القصر وهو الذي لا يضيع فرصة لإرسال الإشارات عن تفانيه في خدمة القصر وأنه لا يعصي للقصر أمراً؟!
إن الزنا حرامٌ حرمةً قطعيةً، وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة، ووقوعه برضا الطرفين لا ينفي عنه حرمته ولا يخفف منها شيئاً، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32]، وقال أيضاً: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَليَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 2]، وحادثة ماعز والغامدية تؤكد إيقاع رسول الله الحد عليهما، علماً أنه من الواضح أن الزنا في كلا الحادثتين وقع خفيةً ولم يطَّلع عليه أحدٌ، وأنه وقع بالتراضي بين الطرفين المشتركين فيه. أما المثلية الجنسية فهو عمل أحط من أن يقال فيه إنه عمل بهائمي، فكل ذي فطرة سليمة يمقته، ومن المعلوم من الدين بالضرورة حرمته، وقد فعله قوم لوط عليه السلام فدمرهم الله عز وجل، قال تعالى: ﴿وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِيْنَ * إِنَّكُم لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّنْ دُونِ النِّسآءِ بَلْ أَنْتُم قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الغَابِرِيْنَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجْرِمِيْنَ﴾ [الأعراف: 80-84].
إن التعذر بوقوع الزنا بالتراضي أو تبرير الشذوذ الجنسي بحرية الجسد للمناداة بإسقاط العقوبة عنه، وتدريس الأفكار والمفاهيم التي تشيعه في المجتمع، لا علاقة له بالأحكام الشرعية، وهو من باب فتح الحريات التي تنادي بها العلمانية، وهو مخالفة صريحة لأحكام الله، وقد كانت الدولة إلى حد الآن تعلم بوقوع الزنا على نطاق واسع وبوجود الشذوذ الجنسي ولكنها كانت تغض الطرف عنه، أما الآن فيبدو أنه يراد تقنينه رسمياً ورفع التجريم عنه حتى تتحول بلادنا بشكل رسمي إلى مرتع للفساد والفجور ويُرفع الحرج عن جحافل الزناة والشاذين الذين جعلوا بلادنا قبلةً لهم.
أما التعذر بالحرص على صحة الأطفال لمنع إيقاظهم لصلاة الفجر أو جلوسهم تحت الشمس لصلوات الجُمَع، فإن الوزير نفسه لا يزعجه أن يلعب الأطفال كرة القدم أو يحضروا مبارياتها في الملاعب لساعات طويلة، وكل هذا تحت الشمس، لكن انتظارهم للصلاة هو وحده ما يزعجه!! إن هذا الحرص المصطنع هو مما لا ينطلي على أحد، ولو كان حريصا فعلاً على مصالح الأطفال ما تركهم هو وحكومته يعانون الفقر والبرد والجوع والمرض والعمل المضني، وهو مما لا يخفى على أحد.
إن رفع التجريم عن الزنا والشذود وإشاعته في المدارس بين الناشئة هو دياثةٌ وجريمة كبرى توعَّد الله المقدِم عليها بالعقوبة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: 19]، وكذا منع الأطفال من الصلاة بدعوى الحرص على صحتهم، فهو سيرٌ على درب أبي جهل، قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَة﴾ [سورة العلق: 9-18].
أيها المسلمون،
إن حكامنا ليسوا منا، وهم من طينة غير طينتنا، تربوا على مناهج الغرب حتى عادوا يفكرون مثله ويخدمونه أفضل مما يخدم هو نفسه، وما داموا مسلطين على رقابنا فلن يوفروا جهداً لكي تتضاءل مساحة الأحكام والمشاعر الإسلامية في حياتنا وحياة أبنائنا حتى تنعدم لا قدر الله، وبقدر سكوتنا عنهم ستزداد جرأتهم للولوج إلى مناطق كانوا يتهيبون من مجرد الاقتراب منها، فشُدُّوا على أيديهم وشدِّدوا النكير عليهم، واعلموا أن الحل الجذري الوحيد هو ما نادينا به دوماً: خلافة راشدة على منهاج النبوة تقطع دابر هؤلاء الأقزام، وتُحِلُّ محلَّهم رجالاً كالجبال مثل أبي بكر وعمر، يُحكِّمون شرع الله ويضربون بيد من حديدٍ كل من تسول له نفسه الاقتراب من أحكام الله.
بقلم: الأستاذ محمد عبد الله

No comments:

Post a Comment