Wednesday, November 25, 2015

مع الحديث الشريف: التوازن الاقتصادي

مع الحديث الشريف: التوازن الاقتصادي

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقطع النبيُّ صلى الله عليه وسلم الزبيرَ أرضاً
روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ
وَقَالَ أَبُو ضَمْرَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ.
جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر:
حَدِيث أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر
"كُنْت أَنْقُل النَّوَى مِنْ أَرْض الزُّبَيْر"
قَوْله "وَقَالَ أَبُو ضَمْرَة" هُوَ أَنَس بْن عِيَاض،
(وَهِشَام) هُوَ اِبْن عُرْوَة بْن الزُّبَيْر،
وَالْغَرَض بِهَذَا التَّعْلِيق بَيَان فَائِدَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّ أَبَا ضَمْرَة خَالَفَ أَبَا أُسَامَة فِي وَصْله فَأَرْسَلَهُ، ثَانِيَتهمَا أَنَّ فِي رِوَايَة أَبِي ضَمْرَة تَعْيِين الْأَرْض الْمَذْكُورَة وَأَنَّهَا كَانَتْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَمْوَال بَنِي النَّضِير فَأَقْطَعَ الزُّبَيْر مِنْهَا، وَبِذَلِكَ يَرْتَفِع اِسْتِشْكَال الْخَطَّابِيِّ حَيْثُ قَالَ: لَا أَدْرِي كَيْفَ أَقْطَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْض الْمَدِينَة وَأَهْلهَا قَدْ أَسْلَمُوا رَاغِبِينَ فِي الدِّين، إِلَّا أَنْ يَكُون الْمُرَاد مَا وَقَعَ مِنْ الْأَنْصَار أَنَّهُمْ جَعَلُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَا يَبْلُغهُ الْمَأْمَن مِنْ أَرْضهمْ، فَأَقْطَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ مِنْهُ.
ما قامت الدول إلا لرعاية شؤون الجماعة الإنسانية كجماعة تعيش في مجتمع معين وكأفراد يعيشون في ذلك المجتمع .... ويقاس نجاح الدولة بقدرتها على رعاية مصالح الرعية وتوفير الأمن والأمان لهم ... ولا يشعر الفرد بالأمان إلا إن توفرت له مصادر الدخل التي تمكنه من تحصيل معيشته والارتقاء بها قدر المستطاع
وها هو رسولنا الكريم كأول رئيس لدولة الإسلام يضرب لنا المثل في كيفية رعاية مصالح الناس وتمكينهم من تحصيل معيشتهم .... فعندما جاء صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأقام الدولة جاء معه الكثير من المهاجرين من قريش وغير قريش ... تاركين وراءهم أموالهم وممتلكاتهم متوجهين إلى الله تعالى راغبين فيما عنده زاهدين بالدنيا وما فيها .... لكن الحياة لها متطلباتها التي لا غنى للإنسان عنها, ومهما كان الإنسان زاهداً في الحياة فإنه لا يستطيع أن يستغني عن الحاجات الأساسية فيها وهي المأكل والملبس والمسكن .... فكان أن آخى الرسول بين المهاجرين والأنصار ليمكن المهاجرين من تحصيل حاجاتهم الأساسية .... وخصص ركناً في المسجد لإيواء من ليس له مكان للإقامة .... وحث على الصدقة, كل هذا لأن الدولة لم يكن لها مصادر كافية لكفاية الفقراء جميعاً وتمكينهم من أسباب العيش فضلا عن رفاهيته
أما وقد أجلي بنو النضير وصارت أرضهم للدولة فقد بدأ الرسول يعالج مشكلة التوازن في مجتمع المدينة ... حيث الأنصار يملكون الأرض ومصادر العيش بينما لا يملك المهاجرون سوى جهدهم .... هنا رأينا الرسول صلى الله عليه وسلم يوزع أرض خيبر على المهاجرين دون الأنصار ... سوى اثنين من الأنصار اشتكيا فقراً ... امتثالاً لقوله تعالى: "مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ".
 ونأخذ من عمله صلى الله عليه وسلم هذا
أن على الدولة أن توفر الحاجات الأساسية للأفراد توفيراً دائمياً وليس مؤقتاً وذلك بتمكينهم من تملك مصادر الثروة ...
أن على الدولة أن تعطي من قصرت بهم الحاجة من أموالها المنقولة وغير المنقولة لتحقيق التوازن في المجتمع ومنع حصر الثروة في فئة دون باقي أفراد المجتمع
لا تعالج الدولة الاختلال في التوازن الاقتصادي في المجتمع بفرض الضرائب أو بإعطاء الناس الأموال التي مصدرها أموال المسلمين لأن هذا ليس فرضاً على المسلمين وإنما هو فرض على الدولة لذا فإنها تقتصر على الإعطاء من أموالها ... فإن لم يكن عندها أموال فتنتظر إلى أن يصبح لديها من الأموال ما يمكنها من ذلك
على الدولة أن تعالج مشكلة اختلال التوازن الاقتصادي في المجتمع كلما حدثت بغض النظر عن الأسباب التي أوجدت تلك المشكلة ....
قريباً بإذن الله تعود دولة الاسلام وستواجهها هذه المشكلة ....لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي مشدوهة, كيف لا وبين يديها كتاب الله وسنة رسوله وإرثها الفقهي .... وستبادر بمعالجة هذه المشكلة حال تمكنها منها دون تأخير ولا تسويف .... فالبلاد الاسلامية تئن تحت وطأة النظام الاقتصادي الرأسمالي ... الذي أفقر أهلها وملَّك شرذمة قليلة من أشباه البشر أرضها وأموالها .... والأمة اليوم تنتظر يوم خلاصها على أحر من الجمر .... اليوم الذي تعود فيه دولتها لتطبق شرع ربها, فتعيد لها حقوقها وتقتص لها ممن سرقها وظلمها وقهرها .... إنه يوم الهدم والبناء وإعادة التوازن إلى المجتمع المسلم من جديد .... أعان الله خليفتنا القادم على ما ينتظره من تحديات وألهمه السداد والصواب ... وجزاه عنا خير الجزاء
احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
13 من صـفر 1437
الموافق 2015/11/25م

No comments:

Post a Comment