خطبة جديدة للشيخ عصام عميرة أشداء على
الكفار رحماء بينهم
الجمعة 8/6/1434 هـ الموافق 19/4/2013 م
(الخطبة الأولى)
أيها الناس: يقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}. يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: وهذه صفة المؤمنين، أن يكون أحدهم شديدا عنيفا على الكفار، رحيما برا بالأخيار، غضوبا عبوسا في وجه الكافر، ضحوكا بشوشا في وجه أخيه المؤمن، كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة}. وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"، وقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه. قال ابن عباس: أهل الحديبية أشداء على الكفار، أي غلاظ عليهم كالأسد على فريسته.
أيها الناس: سئل أحد العلماء: هل يجوز ذكر عيوب المسلمين عند أهل الكتاب؟ فقال: اعلم أن المسلم أخو المسلم وعدو الكافر، ولو كان المسلم في ظاهره سيء الخلق، سيء المعشر، وكان الكافر بخلاف ذلك؛ فالمسلم أولى بالخير بكل حال. وقد أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين في نصوص كثيرة في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فضلا عن كلام أهل العلم وإجماعهم على ذلك؛ فإن من عقيدتهم موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين. ثم قال: فالواجب على المسلم أن يحوط أخاه المسلم بعنايته، ويكون في عونه وحاجته، ويستر عليه في زلته، فإذا اقترف خطيئة أو إثما: نصحه وأمره ونهاه، ولا يدعه لشيطانه ونفسه الأمارة بالسوء. وإذا حصل منه ذنب، كبير أو صغير لم يبرأ منه، ولم يبرأ من موالاته بما هو عليه من الإسلام، إنما يبرأ من ظلمه وإثمه وعدوانه، مع بقاء أصل الموالاة والمحبة لما هو عليه من الإيمان ؛ فإن عاد عن ذنبه وخطئه، عادت له من الولاية والنصرة بحسب حاله. أما ذكره أخاه المسلم بما يعيبه ويشينه أمام الكافر من أهل الكتاب أو غيرهم، فهو من الخلق الذميم، وكثيرا ما ينمّ عن خلل في الاعتقاد، فإن كثيرا من المسلمين من يفتتن بغير المسلمين مما يبدو لهم من ظواهر أحوالهم، فإذا رأى من المسلم ما يكره عابه وتنقصه ورأى أن غير المسلم خيرا منه. وإذا كان مأمورا بالستر عليه بين المسلمين فكيف يسعى لفضحه بين أعداء المسلمين من أهل الكتاب أو غيرهم، وكيف يشمت الأعداء بأخيه المؤمن، أو يدلهم على عورته ونقصه؟ بل قال الإمام النووي رحمه الله: وَلَوْ قَالَ مُعَلِّمُ الصِّبْيَانِ: الْيَهُودُ خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِكَثِيرٍ، لِأَنَّهُمْ يَقْضُونَ حُقُوقَ مُعَلِّمِي صِبْيَانِهِمْ، كَفَرَ"!! فليحذر العاقل أن يكون عونا على أخيه، أو يكون فتنة للكفار، إذا ذكر عندهم سوءات المسلمين؛ فإن من شأن ذلك أن يصدهم عن دين الله، ويضعف رغبتهم فيه.
أيها الناس: ما أكثر ما قاله علماء اليوم عن تواد المؤمنين وتراحمهم من الناحية النظرية، وقد أشبعوا هذا الأمر بحثا دون أن يكلف أحد منهم نفسه عناء الدعوة لتطبيقه عمليا، ما أدى إلى بعد الشقة بين النظرية والتطبيق في هذا الباب من أبواب الاعتقاد المربوط بالسلوك. وسببه العلماء ومن خلفهم الحكام، إذ لم نسمع عالما من علماء المسلمين يوما قد قال لحاكم في بلده: أيها الحاكم، إنك لست رحيما برعيتك التي استرعاك الله إياها، وإنك في واد وهم في واد آخر، فقد سرقت أموالهم، وقتلت أبناءهم، واستحييت نساءهم، وعطلت تقدمهم، وأوقفت نموهم في مجالات الحياة كلها، وأعظم من ذلك أنك ما طبقت عليهم شرع الله، فاستحوذ عليك الشيطان وعليهم، وصرتم جميعا لقمة سائغة للكفار يسومونكم سوء العذاب، فاحتلوا بلادكم، واستباحوا ممراتكم البرية والبحرية والجوية، وسرقوا ثرواتكم، وتدخلوا في أخص خصوصياتكم. وإنك أيها الحاكم تخالف قول الله عز وجل: أشداء على الكفار، رحماء بينهم، بل تعكس الآية تماما، فأنت شديد على رعيتك، رحيم على الكفار. ألست تهش وتبش في وجه حاكم أميركا الكافر وباقي حكام الغرب الكفار؟ ألست تصرف من وقتك في لقاءاتهم وتلقّي التعليمات منهم أكثر مما تصرفه في رعاية شعبك؟ ثم ألست تقتل شعبك تنفيذا لأوامر حكام الكفر؟ ألم ترفع الدعم عن السلع الأساسية التي تقيم صلب شعبك وتخفض مدخولاتهم إرضاءً للبنك الدولي وصندوق نقده؟ ألم تدخل جيشك في قتال مع جيوش جيرانك من المسلمين الأقربين والأبعدين تنفيذا لمخططات أسيادك الكفار؟ ألم تروج لأفكار الكفر وتتبنى دساتيره؟ يحصل هذا وغيره كثير، وأنت تظن أن الشعب لا يعلم كثيرا مما تفعل، ولما أثبت شعبك لك بأنه يعلم عنك أكثر مما تعلم عن نفسك، وثار في وجهك لإسقاطك، قتلت أبناءهم ورملت نساءهم ويتمت أطفالهم وشردت من بقي منهم حيا في أرض الله الواسعة على الكفار والضيقة عليهم، ثم هدمت منازلهم، وخلطت طحينهم بدمائهم لما قصفت مخابزهم، وسممت هواءهم بالغازات السامة لتقتلهم بأسرع طريقة ممكنة، ولو كان عندك سلاح نووي لأفنيتهم، فالله يحكم بينك وبينهم، وهو خير الحاكمين.
(الخطبة الثانية)
أيها الناس: يبدو أن ثورة الشام ستضع حدا لهؤلاء الحكام الأوغاد الذي لم يرقبوا في مؤمن إلا ولا ذمة، فإجرامهم لم يعد خافيا على أحد. ولنأخذ أمثلة على ذلك: وفد على الأردن نحو مليون مسلم من سوريا فارين من آلة القتل والدمار البشارية العلوية، ووفد عليها قبل يومين أو ثلاثة مائتان من جنود أميركا الكافرة، فهل كان استقبال الوفدين واحدا؟ ويعاني في تركيا ملايين اللاجئين السورين شظف العيش، في حين ينزل رموز ما يسمى بالائتلاف السوري في أفخم الفنادق. وهكذا يفعل حكام المسلمين بالمسلمين منذ هدم خلافتهم. فما بالكم أيها العلماء لا تقولون لحكامكم ما تشاهدون من الإجرام تطبيقا لما تعرفونه من الأحكام؟ وما لكم لا تقولون: إن استقبال رؤساء الكفر ووزرائهم وسفرائهم ومندوبيهم والترحيب بهم، وإعطاء عساكرهم قواعد في بلاد المسلمين هو من الموالاة المحرمة، وهو نقيض قوله تعالى {أشداء على الكفار}، والله لا يرضاه أبدا. وكذلك فإن قتل المجاهدين والعاملين لإعزاز الدين وسجنهم والتضييق عليهم والتعتيم على نشاطاتهم هو من معاداة أولياء الله، ونقيض قوله تعالى {رحماء بينهم}؟ فلتكن هذه هي لغة الخطاب مع الحكام، دون مواربة أو مداهنة أو مجاملة على حساب الدين، حتى نحقق قول الحق تبارك وتعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}. فأدركوا أنفسكم أيها العلماء قبل أن يتجاوزكم قطار التغيير السريع، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين. واعملوا مع العاملين لإقامة خلافة المسلمين الثانية الراشدة على منهاج النبوة التي يقتفي أميرها سيرة خلفاء الخلافة الراشدة الأولى. وهاكم مثالا واحدا معبرا: كان أبو بكر رضي الله عنه إذا صلى الفجر خرج إلى الصحراء فاحتبس فيها شيئًا يسيرًا، ثم عاد الى المدينة. فعجب عمر رضي الله عنه من خروجه، فتبعه يومًا خفيةً بعدما صلى الفجر فإذا أبو بكر يخرج من المدينه ويأتي خيمة قديمة في الصحراء، فاختبأ له عمر خلف صخرة، فلبث أبو بكر في الخيمة شيئا يسيرا. ثم خرج فخرج عمر من وراء صخرته ودخل الخيمة، فإذا فيها امرأه ضعيفة عميــاء، وعندها صبية صغار، فسألها عمر: من هذا الذي يأتيكم؟ فقالت: لا أعرفه، هذا رجل من المسلمين، يأتينا كل صباح منذ كذا وكذا. قال: فماذا يفعل؟ قالت: يكنس بيتنا، ويعجن عجيننا، ويحلب داجننا، ثم يخرج. فخرج عمر وهو يقول: لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر. فاللهم عجل لنا بخلافتنا، ورد علينا ضالتنا.
No comments:
Post a Comment