Thursday, May 28, 2020

رسائل رمضانية: الرسالة الرابعة والثلاثون

رسائل رمضانية: الرسالة الرابعة والثلاثون

أمة الإسلام أمام مسؤوليات جسام (1)
الحَمدُ للهِ الذي فَتحَ أبوَابَ الجِنَانِ لِعبَادِهِ الصَّائمينْ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشرَفِ الأنبيَاءِ وَالمُرسَلينْ، المَبعُوثِ رَحْمَةً لِلعَالمينْ، وَآلهِ وَصَحبهِ الطيِّبينَ الطَّاهرينْ، وَمَنْ تبِعَهُ وَسَارَ عَلى دَربهِ وَاهتدَى بهَديهِ وَاستَنَّ بسُنَّتهِ، وَدَعَا بدَعوَتهِ إلى يَومِ الدِّينْ.
مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وبعد: إليكم الرسالة الرابعة والثلاثين من "الرسائل الرمضانية من هدي القرآن والسنة النبوية"، وهي بعنوان: "أمة الإسلام أمام مسؤوليات جسام" (القسم الأول).
إخوةَ الإيمانِ: أيها الصائمون:
لمَّا كانتِ العَقيدَةُ الإسلامِيَّةُ هِيَ فقط العَقيدَةَ العقليَّةَ الصَّحيحَةَ، وَكانَ النظامُ المُنبثقُ عَنهَا هُوَ فقط النظامَ الصَّحيحَ الذِي يُعَالِجُ مَشاكِلَ الإنسَانِ فِي الحَيَاةِ عِلاجًا صَحيحًا كانَ لا بُدَّ مِنَ اعتِناقِهَا، وَتطبيق ِالنظام ِالمُنبثق ِعنهَا، وَحَملهَا دَعوَةً إلى بَقيَّة الشُّعُوبِ وَالأمَمِ، وَحَملهَا فرضٌ عَلى المُسلمينَ وَهُوَ مِنْ أعظمِ المَسؤوليَّاتِ التي أوجَبَهَا اللهُ تبَارَكَ وَتعَالى عَلى أمةِ الإسلام. لقدْ وَضَعَنا الإسلامُ وَإيَّاكمْ أمَامَ مَسؤوليَّاتٍ جسَامٍ، فرَضَ عَلينا تنفيذهَا، وَأدَاءَهَا، وَإيجَادَهَا فِي وَاقِع ِالحَيَاةِ، وَهدَّدَنا وَتوَعَّدَنا إنْ نحنُ قصَّرنا فِي هَذِهِ المَسؤوليَّاتِ، بأنْ يُعَذبنا عَذابًا أليمًا فِي الدُنيا عَلى يَدِ أعدَائِنا، أو أنْ يَستبدِلنا بقوم ٍآخرينَ، وَسَيُحَاسِبنا وَيَسألنا يَومَ القيامَةِ، فمَاذا سَيكونُ جَوَابنا؟ وَهذِهِ المَسؤوليَّاتُ الجسَامُ هِيَ:
مَسؤوليَّة المسلمين عن حمل الدعوة الإسلاميّة. ومسؤوليَّة المسلمين عن إقامة الخلافة. ومسؤوليَّة المسلمين عن تطبيق نظام الإسلام. ومسؤوليَّة المسلمين عن وحدة الدولة ووحدة الأمَّة الإسلاميّة. ومسؤوليَّة المسلمين عن الجهاد في سبيل الله. ومسؤولية المسلمين عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أما مسئولية المسلمين عن حمل الدعوة: فإنَّ حَملَ دَعوَةِ الإسلامِ إلى بَقيَّةِ الشعُوبِ وَالأمَمِ فرضٌ عَلى المُسلمينَ، لِقولِهِ تعَالى: (وَأوحِيَ إليَّ هَذا القرآنُ لأنذِرَكمْ بهِ وَمَنْ بَلغَ). أي وَلأنذِرَ مَنْ بَلغهُ، فالإنذارُ لكمْ، وَهُوَ كذلكَ إنذارٌ لِمنْ تقومُونَ بتبليغِهِ إيَّاهُ، فهُوَ دَعوَةٌ لكمْ لأنْ تبلغوهُ عَنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.
وَقدْ طلبَ مِنا رَسُولنا صلى الله عليه وسلم أنْ نُبلغَ مَقالتهُ كمَا سَمِعناهَا عَنهُ دُونَ زيَادَةٍ أو نقصَانٍ، سَواءٌ أكانَ حَامِلُ المَقالةِ فقيهًا أم لا، وَسَوَاءٌ أكان المبلغُ أفقهَ مِنَ المُبلغِ لهُ أم لا، فالطَّلبُ يَقتضِي التبليغَ لوُجُودِ المَدحِ عَليهِ، لِقول الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: «نضَّرَ اللهُ عَبداً سَمِعَ مَقالتِي فحَفظهَا، وَوَعَاهَا وَأدَّاهَا، فرُبَّ حَامِلِ فقهٍ غيرُ فقيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقهٍ إلى مَنْ هُوَ أفقهُ مِنهُ». وَإذا كانَ عَدَمُ التبليغِ يَترَتَّبُ عَليهِ ضَيَاعُ الحُكمِ الشَّرعِيِّ كانَ التبليغُ وَاجبًا، وَاللهُ سُبحَانَهُ وَتعَالى يقولُ: (وَلتكنْ مِنكمْ أمَّةٌ يَدعُونَ إلى الخيرِ). وَالخيرُ هُنا هُوَ الإسلامُ، فهذِهِ كلهَا نصُوصٌ تدُلُّ عَلى أنْ حَملَ الدَّعوَةِ للإسلامِ فرْضٌ عَلى جَميع ِالمُسلمينَ، الفقيهِ مِنهُمْ وَغير ِالفقيهِ، وَسَوَاءٌ أكانوا أفرَادًا أو جَمَاعَاتٍ أو دَولةً.
وأما مسؤولية المسلمين عن إقامة الخلافة: فقد قالَ اللهُ تعَالى: (فاحكمْ بَينهُمْ بمَا أنزَلَ اللهُ وَلا تتبعْ أهَواءَهُمْ عَمَّا جَاءَك مِنَ الحَقِّ). وَبمَا أنَّ خِطابَ الرَّسُولِ هو خِطابٌ لأمَّتِهِ، مَا لمْ يَردْ دَليلٌ يُخصِّصُهُ بهِ، وَهُنا لمْ يَردْ دَليلٌ، فيَكونُ خِطاباً لِلمُسلمينَ بإقامَةِ الحُكمِ، أي إقامَةِ الخِلافة. عَلى أنَّ اللهَ تعَالى فرَضَ عَلى المُسلمينَ إطاعَة وَليِّ الأمر، مِمَّا يَدُلُّ عَلى وُجُوبِ وُجُودِ وَليِّ الأمر ِعَلى المُسلمينَ، وَلا يَأمُرُ اللهُ بطاعَةِ مَنْ لا وُجُودَ لهُ، وَلا يفرضُ طاعَة مَنْ وُجُودُهُ مَندُوبٌ، فدَلَّ عَلى أنَّ إيجَادَ وَليِّ الأمرِ وَاجبٌ. فاللهُ تعَالى حِينَ أمَرَ بطاعَةِ وَليِّ الأمرِ، فإنَّه يَكونُ قدْ أمَرَ بإيجَادِهِ، فإنَّ وُجُودَ وَليِّ الأمرِ يَترتبُ عَليهِ إقامَةُ الحُكمِ الشَّرعِيِّ، وَتركَ إيجَادِهِ يترتبُ عَليهِ تضييعُ الحُكمِ الشَّرعِيِّ، فيَكونُ إيجَادُهُ وَاجبًا، لِمَا يَترتبُ عَلى عَدَم ِ إيجَادِهِ مِنْ حُرمَةٍ، وَهِيَ تضييعُ الحُكم ِالشَّرعِيِّ.
اللهُمَّ أقـِرَّ أعْيُنَنَا بـِقيَامِ دَولةِ الخِلافَة، وَاجْعلْنـَا مِنْ جُنُودِهَا الأوفِياء المُخلِصينْ.
وَالسَّلامُ عَليكـُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتهُ.
  6 من شوال 1441هـ   الموافق   الخميس, 28 أيار/مايو 2020مـ

No comments:

Post a Comment