Sunday, May 17, 2020

تأملات قرآنية24

تأملات قرآنية24

بشرى من الله ورسوله للمؤمنين بالفضل الكبير
إخواننا الكرام, أخواتنا الكريمات:
أيها المؤمنون والمؤمنات: الصائمون والصائمات:
أحبتنا الكرام:
نحييكم بأطيب تحية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله القائل في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) والصلاة والسلام على رسول الله القائل: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين". ثم أما بعد: فتعالوا معنا أحبتنا الكرام, وهلم بنا نحن وإياكم نتجه إلى مائدة القرآن الكريم نتأمل ونتدبر آياته جل وعلا عسى أن ينفعنا ويرفعنا بما فيه من الذكر الحكيم إلى أعلى الدرجات في جنات النعيم, إنه ولي ذلك والقادر عليه. ومع الآيتين السابعة والأربعين, والثامنة والأربعين من سورة الأحزاب. يقول الله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّـهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴿٤٧﴾ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا﴾. ﴿الأحزاب ٤٨﴾ قال نخبة من المفسرين في تفسيرهم الميسر: "وبَشِّر - أيها النبي - أهل الإيمان بأن لهم من الله ثوابًا عظيمًا، وهو روضات الجنات, ولا تطع - أيها الرسول - قول كافر أو منافق واترك أذاهم، ولا يمنعك ذلك من تبليغ الرسالة، وثق بالله في كل أمورك واعتمد عليه؛ فإنه يكفيك ما أهمَّك من كل أمور الدنيا والآخرة".
معاشر المؤمنين والمؤمنات:
أمر الله جل جلاله نبيه الكريم مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم أن يبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلًا كبيراً فامتثل النبي أمر ربه جل وعلا فبشر أمته التي هي خير الأمم ببشائرَ كثيرة, وأمر الصحابة رضي الله عنهم أن يبشروا بها من أتى بعدهم, وقد اخترنا لكم بعضا منها مما يتسع له المقام:
أولا: الدين الممكن له: فَعَنْ أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بالسَّناء والرِّفْعَةِ، وَالدِّينِ، وَالنَّصْرِ، وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ». (رواه أحمد). وفي الحديث: تصريح أكيد بنصر هذه الأمة وتمكينها، وظهورها على أعدائها المختلفين، وأنها في محل عال من الرفعة والسناء الذي هو علو القدر والمكانة، وحسن العاقبة.
ثانيا: اتساع انتشار الإسلام: عَنْ ثوبان قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ زَوى لي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأحمر والأبيض». (رواه مسلم), وفي الحديث: بيان قدرة الله البالغة، وأن الإسلام غالب, وسيملأ الآفاق، ويصل للشرق والغرب، وتناله الكنوز والخزائن، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴿٣٣﴾. (التوبة 33) و(الصف . ٢)
ثالثا: دوام وجود الطائفة الظاهرة في أمة الإسلام: عَنْ ثوبان رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ». (رواه مسلم) وفي الحديث: فضل الطائفة المنصورة القائمة بأمر الله ودينه، ومقارعتها الباطل وأهله، وأن الله يقذف في قلوبهم من الإيمان والصبر، ما يجعلهم لا يبالون بمخالف ولا متخاذل.
رابعاً: بلوغ النور الإسلامي أرجاء الأرض: عَنْ تميم الداري رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مدر ولَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ). وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يَقُولُ: قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرَ وَالشَّرَفَ وَالْعِزَّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلَّ وَالصَّغَارَ وَالْجِزْيَةَ». (رواه أحمد) وفي الحديث: بلوغ الإسلام مبالغ الليل والنهار وعمومه للكرة الأرضية، لأنه ما من بلد إلا وتغشاه هذه الآيات، ولو في شكل مساجد أو مدارس أو أفراد وجماعات، حتى يذعن الأكثر ويدركون أنه الحق، قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾.﴿فصلت ٥٣﴾. ومع وسائل الاتصال الحديثة دخل كل بيت بعيد طوعا أو كرها، ولله الحمد والمنة.
خامساً: أمان الأرض بالإسلام: عن خباب رضي الله عنه في حديث شكواه لرسول الله، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وإلى حَضْرَمَوْتَ، مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تستعجلون». (رواه البخاري) وفي الحديث: أن الدين غالب منتصر، وسيتمه الله، ولن تَـحُولَ قوة دونه وتمكينه، وسيعم الأمن من خلاله، وما ذاك إلا لصدق مبادئه، وتوقير الناس له، وانشراحهم بأحكامه.
سادساً: خلافة على منهاج النبوة: عن حذيفة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ». (رواه أحمد) وفي الحديث: أن الأيام دول، وأن الأمة المنصورة مُبتلاة، تمحيصاً وتهذيباً، وأن وعد الله لها بالخلافة والتمكين حق واقع، ولن يرث الله الأرض حتى يُبلِغَهَا مَبلغَهَا، وَيُعليها سُؤدُدَهَا.
سابعا: القوة الهجومية: عن سليمان بن صُرَد رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ حِينَ أَجْلَى الْأَحْزَابَ عَنْهُ: «الْآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَنَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ». (رواه البخاري) وفي الحديث تحول المؤمنين المستضعفين من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، واندحار القوى المتحزبة ضدهم، وامتنان الله على عبادة بالمغانم والفتوح، وأن العاقبة للمتقين، ولكنها لا تأتي دون عناء وجلد ومصابرة. قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾. ﴿محمد ٣١
ثامنًا: يقين الخصوم: عن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث أبي سفيان مع هرقل وأسئلته العجيبة، قال: «سَأَلْتُكَ: كَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّ الْحَرْبَ سجال ودُوَلٌ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى، ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ .. وفيه: إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أخلُصُ إلَيْهِ، لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ .. وفيه قال أبو سفيان: "لَقَدْ أمِر أمرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، أي - عَظُمَ أمر النبي صلى الله عليه وسلم- إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ». (رواه البخاري) وفي الحديث معلَم ودليل على نبوته صلى الله عليه وسلم، وأن دعوته ظاهرة، ودينه منتصر، وتيقن الكبار والوجهاء بذلك، وخوفهم من تمكينه وغلبته، ولو بعد ابتلاء ومصابرة.  
معاشر المؤمنين والمؤمنات: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:
اللهم اجعل شهر القرآن الكريم هذا, شهر عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين بقيام دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة, واجعلنا اللهمَّ ممَّن يتدبرون آياتك, فيأتمرون بأمرك, وينتهون عن نهيك: يستمعون القول فيتبعون أحسنه, ويقدرونك حق قدرك, ترضى عنهم, ويرضون عنك, واجعلنا اللهم ممن تقبلت منهم الصلاة والصيام, والدعاء والسجود والقيام, ومن عتقائك في هذا الشهر الكريم من النار, وأدخلنا الجنة مع الأبرار, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
  24 من رمــضان المبارك 1441هـ   الموافق   الأحد, 17 أيار/مايو 2020مـ

No comments:

Post a Comment