Wednesday, August 23, 2017

المشهد الرئاسي الأمريكي.. تدبير ومكر على إثر ضعف ووهن

المشهد الرئاسي الأمريكي.. تدبير ومكر على إثر ضعف ووهن

لا شك أن مجيء ترامب لم يكن أمرا تلقائيا ولا هو خيارا شعبيا ولا حتى فرزا جماهيريا  عفويا بريئا.. بل هو صناعة على عين خبيرة من مؤسسات دولة تحكم بقوة رأس المال مستندة إلى تقنيات مراكز أبحاث ودراسات وضمن إمكانيات أمريكا المتاحة من رجال وخبرات وحيل وتدابير.. فكلنا يعلم أن أمريكا وأغلب الدول الرأسمالية يتقدم صفوفها في القيادة الجماهيرية الظاهرية والمعلنة من صار إليه الخيار من قبل القيادة الفعلية الرأسمالية في هذه الدول المافياوية.. سواء أكانت هذه القيادة الفعلية مجموعة من المؤسسات والشركات أو عائلات محددة.
وما كان مجيء ترامب وتقديمه للقيادة في هذه المرحلة الحساسة بعبثية أمريكية ولا دون سابق معرفة بواقع الرجل وتوجهاته وقدراته، وإنما كان مجيئه في فترة حساسة في الواقع الدولي والأمريكي. أما ما يخص الواقع الدولي فهو جاء في فترة خف فيها ثقل التأثير الأمريكي على شعوب العالم عامة وشعوب البلاد الإسلامية خاصة.. وكذلك جاء مع بروز دور أكبر لدول كبرى في الموقف الدولي والمشهد الاقتصادي العالمي مثل تنامي خطر الصين الاقتصادي على أمريكا وتنامي الحجم السياسي للدور الألماني في أوروبا والقضايا الدولية عامة.. مع هذه الظروف وغيرها كان الإتيان بترامب لبعث رسالة تحدي وبلطجة إلى العالم أجمع من مصارع همجي لا يقيم اعتباراً لأيٍ كان؛ إن وقف في وجه أمريكا ونفوذها العالمي.
أما محليا أي في الداخل الأمريكي، فقد كان مجيء ترامب في ظل تأفف وتذمر شعبي عام وتنامٍ متزايد في فقدان الثقة بالدولة الأمريكية ومؤسساتها الحاكمة والمؤثرة في الحكم من إعلام وأجهزة أمنية وقضاء ومجالس محلية وولايات وأحزاب ونواب، وهذا الأمر حدا بصانع القرار الأمريكي إلى الدفع بشخصية ترامب إلى تقدم المشهد وزيادة هذه الأزمة (بحيث تكون الأزمة تحت السيطرة) وفي المقابل تَصَدٍّ مدروسٌ من قبل المؤسسات الإعلامية والأمنية والقضائية وغيرها له.. بحيث يظهر المشهد وكأن مؤسسات الدولة تحارب من أجل القيم التي أقيمت عليها الجمهورية وأن هناك صراعاً محتدماً بينها وبين ترامب وإدارته، وفي آخر المطاف بعد سلسلة معارك استعراضية واستقالات هيوليودية، يتم إقالة ترامب وانتصار الديمقراطية والقيم الأمريكية على كل دخيل يحاول التلاعب بمبادئ الشعب الأمركي والدولة الأمريكية!! وبالتالي يتم هكذا إعادة الثقة عند الشخص الأمريكي في الداخل رغم كل ما تعانية هذه الدولة من أزمات وورطات سواء كانت اقتصادية أو سياسية.. داخليا وخارجيا.
ولكن حتى وإن ظهر أن في الأمر شيئا من الدهاء الأمريكي بهذه الحيلة والمكيدة، إلا أن الأمر في الحقيقة مؤشر على قلة الخيارات وفقر في المتاحات سواء في العقليات السياسية أو الإمكانيات الدبلوماسية وأثرها الداخلي والخارجي.. فلجوء الدولة الأولى إلى هذا المستوى المتدني من القيادة وبشكل يكاد يكون جبرياً.. هو مؤشر ضعف ووهن ونذير شؤم ودمار على حضارتهم الساقطة!
‏(وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا‏) سورة الإسراء- آية 16
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ياسر أبو خليل (أبو خليل مولود)- البرازيل
  2 من ذي الحجة 1438هـ   الموافق   الخميس, 24 آب/أغسطس 2017مـ

No comments:

Post a Comment