Sunday, April 28, 2013

مؤامرة تثبيت النظام السوري

مؤامرة تثبيت النظام السوري
الدكتور إياد قنيبى
السلام عليكم ورحمة الله.
إخوتي الكرام تتسارع الأحداث في سوريا. فنود في هذه الكلمة أن نبين فصلا من فصول المؤامرة عليها ليتخذ المسلمون مواقفهم على بينة. فإنه لمن المؤلم أن تدخل ثورة الشام سنتها الثالثة ومع ذلك تجد من لا يزال يصطف في جانب النظام النصيري بدعوى تعرضه لمؤامرة، وتجد آخرين لا زالوا ينتظرون خيرا من الائتلاف الوطني السوري.
قبل أكثر من خمسة شهر، وفي كلمة (محاربة المشروع الإسلامي بسوريا) والكلمات التي تلتها بينا أن النظام الدولي لا يتآمر على ربيبه النظام النصيري، بل يعمل على بقائه، وأنه إنما يتآمر على المشروع الإسلامي في سوريا، وأن الائتلاف هو ببساطة من أدوات النظام الدولي لوقف المد الإسلامي والحفاظ على النظام النصيري.
تعالوا نحاكم هذه التوقعات للواقع باستعراض مسار الائتلاف حتى اليوم، مع التركيز على قضية الحوار مع النظام النصيري بدل إسقاطه.
سنرى أن الائتلاف أريد له أن يظهر كممثل للشعب السوري يكسب تأييده بوعود السعي في إسقاط هذا النظام، ثم أعطى النظام الدولي الضوء الأخضر لنظام بشار ليمعن في الإجرام ليصبح سقف مطالبات الائتلاف وقفَ هذه المجازر، والضريبة التي يدفعها ليقوم بهذه الوساطة إقصاء المجاهدين. فتجهض الثورة السورية ويوأد حلم المشروع الإسلامي ويهدر دم الشهداء.
فعند تشكيله، أكد الائتلاف بداية على أنه لا حوار مع النظام ولا رموزه ولا ممثليه. ثم إذا بمعاذ الخطيب يعلن في 30-1-2013 في لقائه مع رويترز عن استعداده للجلوس مباشرة مع ممثلين للنظام مقابل ماذا؟ مقابل الإفراج عن المعتقلين وتمديد جوازات سفر السوريين في الخارج!
(
http://ara.reuters.com/article/topNews/idARACAE9B2C9R20130201)
بل وبعدها بثلاثة أيام يجتمع الخطيب مع وزير الخارجية الإيراني في مؤتمر ميونخ في 2-2-2013، أمر كان يعتبر خيانة واضحة لكنه الآن قابل للتبرير! حيث خرج الخطيب ليقول: (اتفقنا على ضرورة إيجاد حل لإنهاء معاناة الشعب السوري)! اتفقنا مع من؟ مع إيران التي ترسل كتائبها يوميا إلى سوريا تغتصب النساء وتذبح الأطفال! إذن فدعوة للحوار مع النظام وتقاربٌ مع داعميه.
طبعا هذه الدعوة إلى الحوار كانت جرعة كبيرة من المفاجأة كان لا بد معها من امتصاص غضبة الشارع. فسارع أعضاء من الائتلاف إلى الاستنكار والمطالبة بعزل الخطيب. بينما أيد آخرون في الائتلاف المبادرة. بل وصرح أحدهم – فيما نقلته رويترز - بتصريح خطير إذ أثنى على عدم مطالبة الخطيب بتنحي الأسد قبل المفاوضات على اعتبار أن هذا غموض بناء يؤدي إلى تحريك الأمور!
ثم بعد أسبوع من المبادرة، إذا بالمجلس الوطني يعلن رفض تنحية الخطيب بزعم أن مبادرته تحظى بتأييد في الشارع السوري! ثم في 15/2/2013 خرج المتحدث باسم الائتلاف، وليد البني، ليؤكد أن المكتب السياسي للائتلاف وافق على مبادرة الخطيب وأن أعضاء حزب البعث يمكن أن يشاركوا في المحادثات المقترحة إذا كانت أيديهم نظيفة من الدماء! حزب البعث الحاكم فيه أيدٍ نظيفة حسب الائتلاف بينما يعلم الجميع أن صغار الشبيحة أيديهم ملطخة بالدماء وانتهاك الأعراض!
إذن وقف الائتلاف صفا واحدا في النهاية خلف رئيسه.
ثم إخواني ظهر جليا أن الائتلاف بمبادرته هذه يعبر عما في ضمير النظام الدولي عديم الضمير. فقد سارعت كل موقوذة ومتردية ونطيحة إلى تأييد مبادرة الحوار لأنها حلقة في مؤامرة تثبيت الحكم الطائفي. فبعد يومين من المبادرة سارعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية لتأييدها قائلة: (إننا نؤيد بقوة زعامة السيد الخطيب)، ووصفها وزير الخارجية الفرنسي بأنها: (اقتراح جدير بالتقدير الكبير)، ثم أيدها وزير الخارجية الإيراني ثم وصفها "الأمين" العام للأمم المتحدة بأنها: (مناسبة يجب عدم تفويتها)، ثم أيدها وزير الخارجية الروسي لافروف. ثم أيدها البيان الختامي لدول مجلس التعاون الخليجي في اجتماعها بالسعودية في 4/3/2013.
ثم في 12/3/2013 قال وزير الخارجية الأمريكي: (نريد أن يجلس الأسد والمعارضة السورية إلى طاولة المفاوضات بغية تشكيل حكومة انتقالية).
ماذا عن نظام بشار؟ أظهر ممثلو النظام ترحيبا في أكثر من موطن، منها قول وزير الإعلام عمران الزعبي: (الباب مفتوح والطاولة موجودة، وأهلا وسهلا وبقلب مفتوح لأي سوري يريد أن يأتي إلينا ويناقشنا ويحاورنا).
ثم جاءت قاصمة الظهر يوم الاثنين الماضي في مؤتمر "أصدقاء سوريا" في إسطنبول، والذي كشف مهام الائتلاف الرخيصة بكل وضوح. حيث أعلن الائتلاف مجددا قبول التفاوض مع نظام الأسد. مقررات المؤتمر، وبالأصح المؤامرة، نشرتها صحيفة الحياة اللندنية (
http://alhayat.com/Details/505777)، وجاء فيها:
وقالت مصادر المعارضة لـ «الحياة» في لندن، إن الأميركيين أبلغوا قادة المعارضة بوضوح أن جميع المساعدات ستكون عبر قيادة (الجيش الحر) بهدف عزل المتطرفين وأن الهدف هو "تغيير موازين القوة على الأرض، وليس إسقاطَ النظام عسكريا"، وأن على المعارضة الإدراك أنها يجب أن تتفاوض مع النظام لإطلاق مرحلة انتقالية.
تابع الخبر:
وكان الائتلاف قدم وثيقة رفضه "كل أشكال الإرهاب"، متعهداً عدم وصول الأسلحة التي يحصل عليها الجيش الحر إلى "الجهات الخطأ".
وفي الخبر ذاته الاتفاق على قيام مجموعة «أصدقاء الشعب السوري" بتنفيذ "إجراءات محددة وفورية لتعطيل قدرة الأسد على استخدام الأسلحة الكيماوية من خلال «ضربات جراحية» بواسطة طائرات من دون طيار"، إضافة إلى "فرض حظر طيران وحماية على الحدود الشمالية (مع تركيا) والجنوبية (مع الأردن) لضمان عودة اللاجئين السوريين وسلامتهم".
إذن على هذا اتفقوا:
1) الحوار مع النظام وليس إسقاطه
2) عزل "المتطرفين" ورفض كل أشكال "الإرهاب" والحرص على عدم وصول الأسلحة إليهم وتغيير موازين القوى على الأرض ضدهم
3) تنفيذ طائرات بدون طيار عملياتها، هذه الطائرات التي اقترن اسمها في أفغانستان وباكستان واليمن وشمال إفريقيا والصومال بتعقب المجاهدين وقصف المسلمين...حقيقة مهمتها استهداف المجاهدين ومنع وصولهم إلى مخازن الأسلحة.
4) فرض مناطق ظاهرها أنها مناطق "حماية" وحقيقتها أنها مناطق محاصرة وتضييق خناق.
هذه المقررات كلها صدرت في نفس اليوم قامت فيه قوات نظام الأسد بأكبر مجزرة لها، حيث قتلت أكثر من خمسمائة رجل وامرأة وطفل في ريف دمشق، بعضهم ذبحا وحرقا. ومع ذلك يقرر الائتلاف مع النظام الدولي و"أصدقاء سوريا" الحوار مع هذا النظام القاتل والتضييق على المجاهدين الذين يدافعون عن الضحايا!!
ثم يصرح الرئيس الأمريكي أول أمس الخميس 26-4 أن "أزمة سوريا ستطول"، في إشارة إلى أن النظام الدولي لا يريد إسقاط بشار بل بقاءه بحل سياسي. لم يتوفر بديل مناسب عن بشار يحافظ على مصالح النظام الدولي ويمنع المد الإسلامي، فأصبح الهدف الإبقاء عليه مرحليا على الأقل.
وخلال هذا كله يتم دغدغة عواطف الناس بخطابات عاطفية للائتلاف عن مجازر النظام ووجوب تنحيته وتخاذل المجتمع الدولي وضرورة التوكل على الله عز وجل وحتمية النصر بإذن الله...خطاب ديني خادع في الوقت ذاته الذي تنسج فيه خيوط الخيانة على أرض الواقع، إذ يراد أن تتقبل نفسيات الناس الخيانة بالتدريج ويصبح التفاوض مع النظام أمرا محل نظر.
ومع هذا اكتفى رئيس الائتلاف "الشيخ" الخطيب بالاستقالة من رئاسة الائتلاف مع بقائه جزءا منه، بعدما كان أول من سن لائتلافه سنة التفاوض مع النظام وهيأ النفوس لذلك ووضع قطار الائتلاف على سكة الهاوية. ولو أنه "خرج من القفص الذهبي الخادع" كما قال لاعترف بأن الحوار مع النظام خيانة وأن الائتلاف ما هو إلا أداة لمهام قذرة، ولاعتزله ودعا إلى اعتزاله بدل أن يبقى فيه مضفيا عليه "الشرعية" بخطاباته الرنانة وبإيهام الناس أن في الائتلاف شيوخا لا يحرصون على المناصب فها هو الخطيب قد استقال! بل لا زال يهيئ النفوس للحوار مع النظام فنشر على صفحته على الفيس بوك قبل ساعات:
"أعمل على مبادرة تحقن دماء السوريين وأتواصل مع العديد من الأجسام العسكرية والمدنية لاستمزاج رأيهم... بحكم صفتي السياسية أو الشخصية فأنا ألتقي بكل سوري، ولكني لم أتفق مع أحد على شيء، ولم أعط وعداً لأحد ببقاء الأسد لأي وقت ما، وعندما أفعل فسأعلن ذلك".
نحن ندعو الخطيب إلى أن يتوب إلى الله ويترك هذا الائتلاف وهذا الروغان.
ولا يهمنا هنا أبدا أن نحاكم نوايا الائتلاف وأفراده وما إذا كانوا يرون في شراكتهم في المؤامرة مصلحة للشعب السوري أم لا، إذ قد بينا في سلسلة سيكولوجيا الانحراف أن التنازل عن الثوابت والخيانة المتعمدة يؤديان إلى النتيجة ذاتها.
ما سبق إخواني يفسر لماذا يمعن نظام الأسد في القتل والإجرام. هذا كله بتنسيق مع الدول الشريكة في المؤامرة وبضوء أخضر منها حتى تكتمل فصول المؤامرة: يمعن الأسد في القتل، فيكون لدى مفاوضي الائتلاف "الأبطال" شيء يفاوضون عليه ويبررون به خيانتهم، إذ سيفاوضون من أجل وقف القتل وتحرير الأسرى من السجون. ثم ها هو بشار الأسد يضطر خاسئا مهزوما أن يجلس على طاولة المفاوضات مع "الأبطال" "المحررين"، وقد يتم حرمانه بمنتهى القسوة من الترشح للانتخابات الحرة النزيهة في سبيل قيام دولة مدنية ديمقراطية تعددية تضمن عددا من المناصب لرموز النظام السابق الشرفاء الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء بل ساعدوا في الانتقال السياسي السلمي، وعددا من المقاعد للدروز والإسماعيليين حتى لا يتم انتهاك حقوقهم في الدولة الجديدة! ويتكرر سيناريو اليمن في اجترار النظام.
ومع تصاعد وتيرة الخيانة وخذلان دماء الشهداء ومد اليد لمصافحة النظام النصيري بعد الدوس على أشلاء الأطفال والأرامل والمغتصبات والمعذبين، تتصاعد وتيرة الطعن في المجاهدين الذين سيعيقون هذا الانتقال "السلمي"، من نظام بشار إلى نظام بشار! ويكون الائتلاف مجرد التفاف على ثورة الشام المباركة.
ولذا إخواني فإن وجود الائتلاف وحديثه عن المفاوضات هو سبب لاستمرار هذه المجازر وزيادة بشاعتها. يمعن النظام في القتل والتعذيب، فيصبح الحوار معه مبرَّرا بحجة وقف المعاناة، فيستفيد بقاء أطول في الحكم، وتستفيد عصابة المفاوضين مناصب وألقابا إن تم تطعيم النظام الطائفي بها في الحكومة الانتقالية، ولا يدفع الثمن إلا الشعب السوري الذي يبذل يوميا من دمه وعرضه.
فإن كان قد بقي في الائتلاف شرفاء حقا فلينضموا إلى أمتهم وليربأوا بأنفسهم عن هذا الدور الرخيص.
فيا أيها المجاهدون المخلصون اعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، فأهل الشام ما لهم بعد الله إلا أنتم.
ويا أهلنا في سوريا...((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (55) ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون (56) ))
((ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون (113) ))
نسأل الله أن ينصر عباده المجاهدين ويحفظ المسلمين ويرد كيد المتآمرين في نحورهم.
والسلام عليكم ورحمة الله.

No comments:

Post a Comment