Sunday, April 26, 2020

حديث الصيام ح5 ح6

حديث الصيام ح5 ح6

حديث الصيام
جماعة المسلمين
روى البخاري حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة».
أيها الإخوة الكرام:
إن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ذكر لنا في هذا الحديث حالات يقتل بها المسلم، وهذه الحالات وإن كانت معروفة، إلا أن الحالة الأخيرة التي وردت في الحديث وهي المارق من الدين التارك للجماعة، تكاد تكون غير واضحة عند بعضٍ من أبناء هذه الأمة، فالمارق من الدين: الخارج عنه، والتارك للجماعة: التارك لجماعة المسلمين، وهذا يقتضي وجود جماعة للمسلمين ابتداءً، وجماعة المسلمين تعني الإمام على دار العدل.
أيها المسلمون:
أين جماعة المسلمين اليوم وأين إمامهم؟ فالكل اليوم تارك لجماعة المسلمين حتى يعود الخليفة والإمام، وما لم تعمل الأمة لإعادته فستبقى آثمة، وسينالها غضب من الله تعالى، فالدين ليس مجرد صلاة وصيام وعمرة وحج؛ بل هو نمط حياة فريد، لا يشبه أنظمة الحكم العلمانية اليوم في شيء، هو نمط للحياة ضمن جماعة، يشعر من خلاله المسلم بمسؤوليته عن الغير في الوقت الذي يكون غيره فيه مسئولاً عنه، حياة متكاملة من المسؤولية والأخذ والعطاء المتبادل ضمن إطار فريد، إطار الجماعة. لذلك كان على المسلمين أن يعيشوا ضمن هذا الإطار، وأن لا يرضوا بما فرضه الكفار عليهم من أحكام الكفر البعيدة كل البعد عن دين الجماعة.
الحلقة السادسة
القوة في زمن الاستضعاف
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أحبتي الكرام،
قال الله تبارك وتعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ [فاطر: 10]
يقول الشِّنقيطي في تفسيره (بيَّن - جلَّ وعلا - في هذه الآية الكريمة: أنَّ من كان يريد العِزَّة، فإنَّها جميعها لله وحده، فليطلبها منه، وليتسبَّب لنيلها بطاعته - جلَّ وعلا - فإنَّ مَنْ أطاعه، أعطاه العِزَّة في الدُّنْيا والآخرة)
وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُون﴾ [المنافقون: 8]. قال ابن كثير في تفسيره "والمقصود من هذا التَّهْيِيج على طلب العِزَّة من جناب الله، والالتجاء إلى عبوديَّته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين، الذين لهم النُّصْرَة في هذه الحياة الدُّنْيا، ويوم يقوم الأشهاد".
وقال عز من قائل: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139]
يقول الفخر الرازي في تفسيره للآية "فلا ينبغي أن تصير صَوْلَة الكفَّار عليكم - يوم أُحد - سببًا لضعف قلبكم ولجُبْنكم وعجزكم، بل يجب أن يَقْوى قلبكم، فإنَّ الاستعلاء سيحصل لكم، والقُوَّة والدَّولة راجعة إليكم"
أخوتي الكرام،
إن العزة والاستعلاء يكونان بالدين الحق، دين الإسلام، الذي هو دين المسلمين في السراء والضراء، في الضعف والتمكين، في كل حال وفي كل حين.
نعم، إن صفة العزة صفة ملازمة للمسلمين، في السراء والضراء، في الضعف والتمكين، في كل حال وفي كل حين.
جاء في سيرة ابن هشام "اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه فقال عبد الله بن مسعود: أنا؛ قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني فإن الله سيمنعني. قال: فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، حتى قام عند المقام ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم رافعا بها صوته الرحمن علم القرآن قال: ثم استقبلها يقرؤها. قال: فتأملوه فجعلوا يقولون: ماذا قال ابن أم عبد؟ قال: ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه، فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ. ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك؛ فقال: ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا؛ قالوا: لا، حسبك، قد أسمعتهم ما يكرهون".
أحبتي الكرام،
نسمع أقاويل من هنا وهناك تكرر أن ليس بالإمكان أفضل مما كان، وأن السياسة فن الممكن واستغلال المتاح، وأن للاستضعاف أحكامه، وخذ وطالب، والتدرج في التغيير، وإخفاء شعارات الإسلام، وغير ذلك.
أقول إن التغيير المبدئي على أساس الإسلام مختلف عن هذا تماماً، والإسلام، وإن كان أهله ضعفاء، فإنه ليس من طريقته الاستئذان المذل أو دخول البيوت من ظهورها، بل ديدنه الصراحة والقوة والوضوح، وحسبي المثال التالي من سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، الذي يقصم ظهر مثل تلك الأقاويل والمناهج.
أتى النبي عليه الصلاة والسلام قبيلة عامر بن صعصعة، وذلك أثناء محاولاته المتعددة لأخذ النصرة، إلا أنهم اشترطوا عليه أن يكون لهم الحكم من بعده على وجه الجزاء لما سيبذلونه له من حماية ونصرة، بقولهم "أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال لهم: «إن الأمر لله يضعه حيث يشاء»، فقالوا له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك ثم يكون الأمر لغيرنا، اذهب لا حاجة لنا بك".
ها هنا، كان الشرط ليس تنازلاً عن الإسلام أو عن شطر منه، إنما هو مساومة على حكم جزئي في نظام الحكم. ولا بد أحبتي الكرام من استحضار حال النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام وحال أصحابه حينئذ؛ من مطاردات وتعذيب وقتل وتضييق. فكان مفتاحُ دخول المنزل، كلِ المنزل، وتركِ كلِ تلك المعاناة خلف ظهره عليه الصلاة والسلام، ثمنُ ذلك أن يكون الأمر لهم من بعده، ولكنه الرفض القاطع والحاسم لكل جزئية تخالف المبدأ. رفضاً قاطعاً يقابله في واقعنا اليوم استئذانات وانبطاحات بالجملة!
أحبتي في الله، لنعض على مبدئنا بالنواجذ، ولنبتغ العزة بالإسلام؛ بأحكام الإسلام وبطريقته، ولنرفع رؤوسنا بالإسلام فوق السحاب، ولندع جنيف ومقرراتها ولنكفر بأمريكا ومساوماتها ولننبذ الرياض وتوجيهاتها... فالله عز وجل يقول: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ، وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: 18] والباطل لا يزهقه الباطل، الباطل لا يزهقه إلا الحق كاملا غير منقوص.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وتقبل الله صيامكم وصلاتكم وسائر طاعاتكم.
  3 من رمــضان المبارك 1441هـ   الموافق   الأحد, 26 نيسان/ابريل 2020مـ

No comments:

Post a Comment