Sunday, July 27, 2014

بَعدَ إِعلانِها خلافةً على منهاجِ النُبوة ح15 الأقلياتُ



بَعدَ إِعلانِها خلافةً على منهاجِ النُبوة ح15 الأقلياتُ

إنَّ مفهومَ الأقليةِ مفهومٌ أجنبيٌّ، لم يعرِفْهُ المسلمونَ ولم يُعرف في الإسلامِ، وقد ابتُليَ بهِ المسلمونَ حينَ مزقَّهم هذا المفهومُ. وقد استخدمتهُ الدولُ الاستعماريةُ كسلاحٍ فعّالٍ لِلتدخلِ في شئونِ الدولِ والشعوبِ الأخرى، ولتمزيقِها؛ حتى يَسهُلَ استعمارُها، والهيمنةُ عليها، ومنعُها مِن النهضةِ والتقدم.
أي أن البلدَ تمزَّقَ إلى أقلياتٍ كما يسمونها، ومن ثم تقومُ الدولُ المستعمرةُ بِتحريضِ هذهِ المجموعاتِ البشريةِ على المطالبةِ بما يُسمّى بحقوقِ الأقلياتِ التي أفرزتها هذهِ الدولُ ومِنها حقُّ تقريرِ المصير. ويمدّونَ هذهِ المجموعاتِ البشريةَ بِالسلاحِ والمالِ والخبراءِ... ويحيونَ لها لغتَها التي ربما تكونُ ميتةً ويطورونَها، ويقعدونَ قواعدَها، ويختلِقونَ لها تراثاً ثقافياً، ويخطّونَ لها حدوداً جغرافية، ويؤلفونَ لها نشيداً وطنياً، ومن ثم يقولونَ إنَّ هذا الشعبَ شعبٌ آخرٌ يجبُ أن يَأخذَ استقلالَه وهويتَه، فلزِمَ أن تعطوه حقَّ تقريرِ مصيرهِ، تماماً كما حصلَ في مشروعِ تقسيمِ السودان.
لقد كانَ المجتمعُ الذي أنشأهُ النبيُ صلى اللهُ عليهِ وسلم، والدولةُ التي أقامَها في المدينةِ المنوَّرةِ نموذجاً متميزاً عما سبقَهُ وعما لحِقَهُ، فقد أسّسَ النبيُ صلى الله عليه وسلم الأمةَ الإسلاميةَ على العقيدةِ الإسلاميةِ وجعلَ الرابِطَ بينها يقومُ على الإيمانِ بِالإسلامِ، جاءَ في صحيفةِ المدينةِ: «هذا كتابٌ من محمدٍ النبيِّ بين المؤمنينَ والمسلمينَ من قريشٍ ويثرب، ومن تبِعَهم فلحِقَ بِهم وجاهدَ معهم، أَنهم أمةٌ واحدةٌ مِن دونُ الناسِ»، وقال سبحانه وتعالى: «إنما المؤمنونَ إخوة» فلم يفرِّق الإسلامُ في نظرتِهِ إلى الناس بناءً على معطياتٍ خَلقيةٍ من عرقٍ أو لونٍ، وحرّم التمييزَ القائِمَ على أساسِ ذلِك.
ولم يُعَرِّفْ الإسلامُ الدولةَ الإسلاميةَ على أسسٍ عرقيةٍ أو لغويةٍ، ولم يجعل لها حدوداً جغرافيةً وسياسيةً ثابتةً، بل جاءَ الإسلامُ بِمفهومِ دارِ الإسلامِ ودارِ الكفرِ حينَ قسّمَ الدنيا إلى دارين، وعرّفَ هاتين الدارين بِالحكمِ والأمانِ، فجعلَ دارَ الإسلامِ هي البلادُ التي تُطبَقُ فيها أحكامُ الإسلامِ ويكونُ أمانُها بأمانِ الإسلام، ودارُ الكفرِ هي البلادُ التي تُطبَقُ فيها أحكامُ الكفرِ أو يكونُ أمانُها بغيرِ أمانِ المسلمينَ، وأوجبَ على المسلمينَ وحدةَ الدارِ بوحدةِ الدولةِ حينَ ألزمَهم بتنصيبِ خليفةٍ واحدٍ، أي أنَّ الأصلَ في الإسلامِ أن تطابِقَ حدودُ دارِ الإسلامِ حدودَ الدولةِ الإسلاميةِ. ودارُ الإسلامِ تضيقُ وتتسِعُ تِبعاً لانحسارِ الرقعةِ التي تُطبَقُ فيها أَحكامُ الإِسلام واتساعِها.
ومن هذهِ الأمورِ يتبينُ بكلِ وضوحٍ أنَّ مفهومَ الأقلياتِ مرفوضٌ في الإسلامِ جملةً وتفصيلاً؛ لِأنَّهُ قائِمٌ على أساسِ تقسيمِ الناسِ إلى أعراقٍ وقومياتٍ ولغاتٍ. وهذهِ التقسيماتُ غيرُ مقبولةٍ في الإسلامِ، إضافةً إلى أنَّها لا تُجعَلُ أساساً في التابعيةِ وتعريفِ الدولةِ، وكذلِكَ تقسيمُ الناسِ إلى أتباعِ دياناتٍ مُختلِفةٍ فإنَّ هذا لا مدخلَ لَهُ في الإسلامِ في موضوعِ التابعيةِ وتعريفِ الدولةِ.
ولكنَّ الإسلامَ دينٌ وينبغي أن يُطبَّقَ في الدولةِ الإسلاميةِ، وهذهِ الدولةُ كما سلف سيكونُ فيها أناسٌ غيرُ مسلمينَ، فكيفَ يكونُ التعاملُ معهم، أفلا يُعتبرونَ أقليةً حسبَ مفهومِ الأقليات؟ والجوابُ على ذلك أنَّ مفهومَ الأقلياتِ غيرُ موجودٍ في الإسلامِ حتى فيما يتعلقُ بغيرِ أهلِ الإسلامِ، ولكن يوجدُ في الإسلامِ مفهومُ أهلِ الذمةِ وهو مفهومٌ يختلفُ اختلافاً بيناً عن مفهومِ الأقليات.
وقد كانت كلُ المجموعاتِ البشريةِ في ظلِ الخلافةِ منصهرةً في بوتقةِ الإسلامِ، ومندمجةً في المجتمعِ الإسلاميِّ بدونِ تمييزٍ، . فمثلاً في تركيا حتى أعوامِ الثمانيناتِ مِن القرنِ المُنصرِمِ لم يكن هناكَ مشكلةُ أقليةٍ كرديةٍ ولم يحسَّ الأكرادُ بأنَّهم شعبٌ آخرٌ، بل كانوا منسجمينَ مع إخوانِهم الأتراكِ ويعانونَ نفسَ المشاكلِ التي يعانونَ منها، وكانوا يثورونَ لِأجلِ النظامِ المنبثقِ عن عقيدتِهم. فيجبُ أن تطمئنَ الشعوبُ الغربيةُ بأنَّ الخلافةَ القادِمةَ ليستْ عدوةً لهم كما يحاوِلُ السّاسةُ الغربيون إيهامَهم.
والواجبُ عليكم هو أن توحِدوا جهودَكم مع العاملينَ لِلخلاصِ مِن هذه الأنظمةِ العميلةِ، واستبدالُ الخلافةِ بِها، ومبايعةُ خليفةٍ بديلاً لِهؤلاء الحكامِ. (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ).
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو يوسف
 29 من رمــضان 1435
الموافق 2014/07/27م

No comments:

Post a Comment