Tuesday, June 26, 2018

جريدة الراية: حول انتخابات 24 حزيران والوعود الانتخابية

جريدة الراية: حول انتخابات 24 حزيران والوعود الانتخابية

(مترجمة)
  13 من شوال 1439هـ   الموافق   الأربعاء, 27 حزيران/يونيو 2018مـ
لم يكد القرار بتبكير موعد الانتخابات وفق نظام حكومة رئاسة الجمهورية الجديد يتخذ حتى بدأ المرشحون بتقديم وعودهم الانتخابية. وتضمنت هذه الوعود المساعدات المالية والضرائب والعدالة والاستثمارات والتنمية وما شابه ذلك من العناوين...
1-    الانتخابات الديمقراطية واحدة من أمهات القضايا التي تحمل معها أعباءً مالية صرفة على الأمة. ولأسباب مختلفة يفتح تبكير الانتخابات وانتخابات رئيس الجمهورية ورؤساء البلديات الطريق لمزيد من الضرائب على المجتمع من الناحية المالية. فقد صرفت على الأحزاب السياسية من خزينة الدولة من أجل انتخابات 24 حزيران مثلاً 822 مليون ليرة تركية (210 مليون دولار)، وهذا المبلغ يجري صرفه سنوياً على عدد أعضاء النواب في البرلمان.
2-    وعود الاستثمارات في المجالات المختلفة: تقدم الأحزاب السياسية وعوداً محملة بأعباء مالية في سبيل التأثير على الناخبين وحصد المزيد من الأصوات. وستعود هذه الأموال التي ستنفق من أجل تحقيق هذه الوعود مزيداً من الضرائب التي يتم تحصيلها في الأصل من الناس، وستتحول معيشة الناس إلى حالة لا تطاق. إذ تحمل هذه الوعود ميزانيةً عملاقةً وإنفاق أموالٍ تتجاوز الحاجيات الضرورية، بل الكمالية بكثيرٍ. فأردوغان على سبيل المثال وعد بحديقة كبيرة جديدة، وملعبٍ يتسع لـ55.000 شخصٍ في أنقرة. وكذلك وعد بتحويل كامل الأراضي التابعة للمطار في إسطنبول إلى حديقة، وسينفق فيها المليارات، أما هذه الأموال كلها فستأتي من الضرائب حتى تغدو هذه الضرائب عبئاً على الناس لا يحتمل. وسرعان ما يعقب ذلك ما يسمى بقوانين هيكلة الضرائب كتسهيلات (!) على دافعي الضرائب، وتقسيط ديونهم بفوائد وإضافات ربوية. وبذلك تتضاعف الضرائب التي تترتب على دافع الضرائب، ولا يستطيع تسديد الديون المترتبة عليه. إلى جانب ذلك تأتي زيادة رواتب المتقاعدين والأجور المتدنية والمعونات الإنسانية بين الوعود الانتخابية.
3-    وتأتي مزاعم غياب العدالة في البلد، والوعود بتحقيق العدالة وعدم التمييز بين الناس حزبياً وتطبيق الديمقراطية والحريات الديمقراطية بأفضل شكل ممكن في حال الفوز في الانتخابات، بين الوعود الانتخابية.
لا يمكن ذكر جميع الوعود الانتخابية المندرجة في البيانات الانتخابية للأحزاب هنا في هذه العجالة، لكننا عند تقييم جميع هذه الوعود المطروحة في ميزان الأحكام الشرعية نجد الخصائص التالية:
أ‌-  النظام الديمقراطي على أي وجهٍ أو نموذج كان هو نظام كفر، ولا يجوز خوض الانتخابات في هذا النظام سواء أكانت انتخابات رئاسة الجمهورية أم انتخابات أعضاء مجلس البرلمان. ولا يوجد بين الخطابات الانتخابية لمرشحي رئاسة الجمهورية ولا الأحزاب السياسية أي خطاب يستند إلى أساس الإسلام في أي موضوع، ولا يقبلون حكم الله فيه في بلد نسبة المسلمين فيه 90%. وجميع هذه الوعود والخطابات بالتأكيد هي خطابات بشرية ليست مقبولة في ميزان الأحكام الشرعية. فالبيانات والوعود الانتخابية تدعو للنموذج الإنجليزي أو الأمريكي للديمقراطية وتدعو لإعلاء أحكام الكفر ولا تقيم وزناً لأحكام الله، ولا تدعو الناس إلى الخوف من معصية الله والنجاة، بل تدعوهم إلى النار، وتتخذ أعداء الإسلام والمسلمين أولياء، وتعادي الإسلام والمسلمين... ويعلنون جميعاً عزمهم على تطبيق النظام الديمقراطي الكافر وليس الإسلام، ويدعون الناس إلى الشقاء بدلاً من دعوتهم إلى الطمأنينة والسعادة.
ب‌-  إن شريعة الإسلام لا تترك الإنفاق في أي شكلٍ من الأشكال لأمزجة الناس وأهوائهم، وترتيب ضرائب على الناس بموجب ذلك. فمن حيث قضاء مصالح الناس، لا يجوز فرض الضرائب إلا في حاجة ضرورية لا يوجد في خزينة الدولة ما يسدها. والضرائب في الاقتصاد الإسلامي ليست أصلاً بل عرض لا يتم اللجوء إليه إلا في الأحوال الطارئة، فيعتبر مورداً طارئاً يجمع من أموال الأغنياء بمقدار الحاجة. وبذلك لا يجمع الخليفة ضرائب من الناس من أجل الحدائق العامة الكبيرة والمراكز الثقافية وما شابهها من النفقات التي لا تدخل في الحاجات الضرورية، ولا يحيل أعباءها المالية على عاتق الأمة.
لكن الحكومات في الأنظمة الرأسمالية تؤمن جميع هذه النفقات من خلال الضرائب. علاوة على ذلك تقطع فواتير المصالح الشخصية لفئة السياسيين أو المعروفين في المجتمعات باسم "الفنانين" على المجتمع بغض النظر عن كونها حاجة ضرورية أو غير ضرورية. والإسلام يحرم جمع الضرائب من أجل هذا النوع من النفقات التي لا تعتبر ضرورية.
ت‌-  وبالنسبة للوعود الأخرى التي سيتم تأمينها للناس من قبل المرشحين في حال فوزهم؛ فإن الخليفة ليس من حقه أن يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء تبعاً لمزاجه، بل حدد الإسلام لرئيس الدولة صلاحياته، وبين مفصلاً ما يجوز له وما لا يجوز له باعتباره رئيس الدولة. فلا يوجد في الإسلام على سبيل المثال مفهوم الراتب التقاعدي ولا الأجرة المتدنية، فلا مكان للحديث بالتالي عن رفع رواتب المتقاعدين ولا رفع سقف الأجور المتدنية. فإن كان في الأمة فقير ينفق عليه من مال الزكاة إن وجد في بيت المال زكاة، فإن لم يكن في قسم الزكاة مالٌ؛ يؤخذ من أموال الأغنياء ما يكفي لسد احتياجات الفقير. فأحكام الإسلام تضمن الحاجات الأساسية لجميع أفراد الأمة من مأكلٍ وملبسٍ ومسكنٍ وغير ذلك، وتضمن تمكينهم من تأمين حاجاتهم الكمالية، ولا تظلم الناس بضرائب تنوء بها أحمالهم تحت أي ذريعة.
ث‌-  والانتخابات في الدولة الإسلامية لا تستلزم نفقات كبيرة من خزينة الدولة كما يحدث في الانتخابات القائمة الآن. فهذه الأموال هي أموال الأمة، ولا يجوز إنفاقها إلا في المصارف التي يأذن بها الشرع، ويعاقب من يقوم بإنفاقها في غير مصارفها. والخليفة في الإسلام يبقى خليفة ما لم تختل إحدى شروط الخليفة عنده. ولا يتحدد حكمه بوقت، بل باستمرار حفاظه على شروط أهلية الخلافة وعمره الذي هو بيد الله وحده. وعند انتهاء عمله كخليفة بموته أو فقدانه إحدى شروط أهلية الخلافة؛ يجب على الأمة أن تختار خليفة من بين المرشحين للخلافة خلال ثلاثة أيام. وبذلك لا تعيش الأمة الفترات الانتخابية التي تمتد لشهور بشكل دوري، ولا يُنفق من أجلها شيء من بيت المال. والانتخابات في النظام الإسلامي ليست عملا دورياً مستداماً، بل هو نظام يتميز بالاستقرار والمحافظة على الاستقرار.
بقلم: الأستاذ محمد حنفي يغمور

No comments:

Post a Comment