Saturday, April 29, 2017

صحيفة الجريدة: قراءة في ما وراء الحدث - منع إقامة مهرجان حزب التحرير في شمبات!

صحيفة الجريدة: قراءة في ما وراء الحدث - منع إقامة مهرجان حزب التحرير في شمبات!

هذه مقالة للأستاذ محمد جامع (أبو أيمن) مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان نشرتها صحيفة الجريدة العدد (2096) بتاريخ السبت 29/04/2017م:
قراءة في ما وراء الحدث - منع إقامة مهرجان حزب التحرير في شمبات!
تعجب كثيرٌ من الناس من خطوة الحكومة السودانية، بمنع المهرجان الخطابي الحاشد لحزب التحرير/ ولاية السودان؛ بمناسبة الذكرى 96 لهدم الخلافة الإسلامية، الذي كان من المفترض أن يؤمه عدد مقدر من العلماء، وقيادات العمل الإسلامي في السودان، والتعجب جاء من أن السلطات في البداية قد سمحت بالعمل بصورة رسمية، وبتصديق صدر من شرطة ولاية الخرطوم، وآخر من محلية بحري، وما تبع ذلك من إجراءات مع جهاز الأمن والمخابرات، وغيرها من الجهات ذات الصلة.
من جراء هذا الحدث دارت العديد من التساؤلات في الوسط السياسي والإعلامي في السودان، مثل: من الآمر الحقيقي بمنع المهرجان؟ وما الهدف من المنع؟ ولماذا كان المنع قبل ساعات من بدء المهرجان؟ وهل الدولة تتعامل بمؤسسات وأجهزة، أم أنها تتحكم فيها مراكز قوى متعددة تتصارع في اتخاذ القرار؟ ومن الجهة المسؤولة التي يجب أن تتحمل أخلاقياً وقانونياً الخسارة المادية والمعنوية التي واجهها الحزب؟ وما علاقة هذا المنع بمشروع الحوار وما يسمى بالحريات؟ وهل يعتبر هذا المنع رصاصة الرحمة لخطاب الوثبة، وما يسمى بمشروع الحوار الوطني؟ وما الذي يترتب على منع الأعمال السلمية في السودان؟ وهل تدرك الدولة في السودان حجم المخاطر التي تترتب على إغلاق كل الطرق السلمية التي يُعَبِّر بها الأفراد والجماعات عن قناعاتهم وآرائهم المكفولة لهم؟ وهل كانت الحكومة وأجهزة أمنها ستتحمل كمية الدماء البريئة التي يمكن أن تسيل، والأنفس التي كان يمكن أن تُزهق لو لم تتعامل قيادة الحزب بالحكمة؟ وألا يفتح منع مثل هذه الأعمال الفكرية والسياسية الباب واسعاً للبعض، فيتخذوا المنع حجة ومبرراً لصناعة التطرف والعنف، بحجة أن الدولة لا تفهم إلا لغة السلاح، ولا تستمع إلا للقوة؟ هذا إذا أخذنا في الحسبان معاملة الدولة لحملة السلاح، والمفاوضات والتنازلات التي تُقدم إلى من يتمرد، وكيف أنَّه يُكَرَّم بالدخول الى القصر مستشاراً، أو إلقامه وظيفةً، أو منصباً دستورياً أو تنفيذياً! ثم هل هنالك علاقة لهذا المنع مع التقارب الأمريكي مع الحكومة بعد الرفع الجزئي للعقوبات الأمريكية على السودان؟
لعل الأسئلة أعلاه في حد ذاتها تكفي لتشير إلى الوضع المؤلم الذي تمر به البلاد، ولكن لا يختلف اثنان أن منع السلطات لهكذا مهرجان سياسي سلمي، بمثابة دق الإسفين في نعش العمل السياسي، وفي تشييع ثقة الأحزاب في الحكومة إلى مثواها الأخير.
لكن المتابع للوضع يجد أن هنالك بعض الأحداث ظهرت بعد تصديق السلطات بإقامة المهرجان، هذه الأحداث تحتاج إلى الوقوف عليها وقراءتها بعمق، منها:
في يوم الأحد 23/4/2017م أي بعد يوم واحد من المهرجان، التقى مدير شرطة ولاية الخرطوم، بوفد مكتب التحقيقات الفدرالية (الأمريكي ) برئاسة مس (كولين)، رئيس مكتب التحقيقات الفدرالية بشمال أفريقيا، بقاعة الإجتماعات بشرطة ولاية الخرطوم، بحضور عدد من مديري الدوائر، والإدارات، والمحليات، بالولاية. حيث بحث الطرفان سبل تعزيز التعاون المشترك بين الجانبين). (صحف الخرطوم يوم الاثنين 24/4/2017م).
وقبل اللقاء أعلاه بستة أيام، في17-18 نيسان/أبريل 2017 ـ نشرت الصحف خبر مشاركة السودان في قمة "أفريكوم" بمدينة "شتوتغارت" الألمانية، التي وصلها وفد عسكري سوداني رفيع بقيادة رئيس هيئة الأركان المشتركة.
و"أفريكوم" هي وحدة مكونة من قوات مقاتلة موحدة تديرها وزارة الدفاع الأمريكية، وتوكل إليها مسؤولية العمليات الأمريكية والعلاقات العسكرية مع 53 دولة أفريقية. وربما مهام توكل لكل دولة في محيطها الجغرافي.
وبعد خمسة أيام من تصديق المهرجان، أي في يوم 7 نيسان/أبريل 2017م، وبحسب تقرير لـ "أفريكا إنتلجنس" بعنوان "تصعيد التعاون الاستخباراتي بين السودان والولايات المتحدة"، كُشف عن استضافة الخرطوم محطة لوكالة الاستخبارات الأمريكية "CIA"ضمن شراكة لمكافحة ما يسمى بالإرهاب، وينتظر أن تزور نائبة مدير الوكالة (جينا هاسبل)، الخرطوم في أيار/مايو المقبل لإتمام الشراكة). (سودان تريبيون الخرطوم 7 أبريل 2017م).
لا يمكن أن تمر هذه الأحداث مرور الكرام، ولا يمكن أن يُقرأ منع السلطات لإقامة المهرجان بمعزل عن تأثير هذه الأحداث، هذا إذا أخذنا في الاعتبار الحملة المسعورة التي تقودها أمريكا ضد الإسلام، وضد أحكامه المتعلقة بالحكم والدولة والشريعة، التي يدعو لها حزب التحرير، والتي تعتبرها أمريكا تطرفاً وإرهاباً، ويتضح ذلك في خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم تنصيبه في 20/1/2017م حيث قال: (سنحارب التطرف (الإسلامي) العنيف وسنقضي عليه من على وجه الأرض). وفي الوقت ذاته يرى معهد السلام الأمريكي: أن السودان أفضل بوابة لسياسة ترامب تجاه أفريقيا.
لذا فإنَّ الحديث عن وحدة الأمة الإسلامية، في دولة واحدة، كما كانت الخلافة الإسلامية؛ التي حكمت وسادت العالم حيناً من الزمان، مرفوض عند أمريكا، بل حددت أمريكا لمن يريد رضاها أمرين: إما (مع أمريكا) أو (مع الإرهاب) حتى وإن كان الإسلام، وبرغم أن هذا الخطاب مستفز لمشاعر المسلمين، بل ويوغر الصدور ويؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، إلا أن الحكام في بلاد المسلمين، لا ينظرون إلى الأمور بالمنظار نفسه الذي تنظر به شعوبهم المغلوبة على أمرها، التي تحب دينها، وتحب أن تستظل بأحكام ربها.
ويبقى السؤال: إذا كان كل ما ذُكر ذا تأثير مباشر في قرار المنع، فهل من مصلحة النظام الحاكم في السودان أن يُلقي بقانونه عُرض الحائط، ويضع أجهزته الأمنية في موقف ضعيف محرج، وهي تُوضَع في قفص الاتهام من قبل الرأي العام، ومن قبل المواطنين الذين جاءوا يطالبون بحقهم القانوني، يحملون أوراقهم الرسمية التي تثبت لهم هذا الحق، ثم يذهب النظام أكثر من ذلك فيأمر النظام أجهزته التي صدقت ذات العمل وسمحت به، أن تمنع، بل تعتدي إن لزم الأمر، على هؤلاء المواطنين؛ الذين يحملون ذات الأذونات التي أصدرتها هذه الجهات الأمنية للتعبير عن رؤاهم بالوسائل والأساليب السلمية؟!
إنَّ الحكومات القائمة في العالم الإسلامي، كثيراً ما تقوم بأعمال غاية في السوء، تساعد على (شيطنة) العمل السياسي السلمي، وتخصَّصَت كثيرٌ من هذه الحكومات، في التضييق على معارضيها، بحيثُ لا تترك لهم خياراً، إلا استخدام العنف، لتكون ذريعةً وفزاعةً مقنعة للغرب، لتنتقم من معارضيها باسم التطرف والإرهاب (ولنا في الربيع العربي أدلة وشواهد).
لكن مع وعي الأمة، وسعة فكر وفهم الأحزاب المبدئية، لا محالة ستُفضح مثل هذه الفزَّاعات، ويبطل مفعولها.
من ناحية أخرى، يرى كثيرون أن مهرجان شمبات، قد نجح وحقق أهدافه، بل وأكثر مما توقع منظموه، إذ ضاعف المنع أعداد المتعاطفين مع الحزب من كل الاتجاهات، بل يرى آخرون أن المنع أكد للرأي العام الكثير من الحقائق التي ظل حزب التحرير، يؤكد عليها من خلال إصداراته وأعماله الجماهيرية.
واعتبر بعض المراقبين أن مقدرة الحزب على مد جسور الصلات الكريمة مع قيادات العمل الإسلامي نجاحاً نوعياً يحسب له. وأن تدافع الناس لمكان الاحتشاد كان رسالة قوية، وصلت إلى من أراد الحزب إيصالها إليهم.
أما ثبات قيادات الحزب وإصرارهم على البقاء في الميدان حتى آخر شخص ينصرف منه، برغم التهديد والوعيد من رجال الشرطة، دليل على رُقي الفكر، ويظهر فيه تحمل قيادات الحزب مسؤوليةَ الحضور الكريم؛ الذين احتشدوا مؤيدين لمشروع الأمة؛ الذي يدعو له الحزب، الخلافة الراشدة.
ختاماً: رغم المرارات والآلام فإن الأحزاب المبدئية تُدْرِكُ أن العمل السياسي المُخْلص له ضريبة، وأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، والاستفزازات مهما كانت، لا تصرف أصحاب القضايا المصيرية عن أهدافهم وغاياتهم، إذ إنَّ طريق الدعوة مليءٌ بالمشاق وشدة البلاء، لا يثبت فيه إلا الأتقياء الأنقياء الأقوياء، وكلما صحت العزائم، وصدقت النيات، ووضحت الطريقة، وبان الهدف، وصل أصحاب المبادئ إلى غاياتهم بإذن الله.
 (رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)
محمد جامع (أبوأيمن)
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير/ ولاية السودان
3 من شـعبان 1438هـ   الموافق   الأحد, 30 نيسان/ابريل 2017مـ

No comments:

Post a Comment