Thursday, March 28, 2013

أزمة اقتصادية أم أزمة نظام؟!

أزمة اقتصادية أم أزمة نظام؟!

فقر، بطالة، فوضى، غنى فاحش لفئة قليلة العدد، هبوط في قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، انحدار في مستوى المعيشة، زيادة مطّردة في الدين العام، زيادة غير مسبوقة في الأسعار، أليس هذا هو الواقع الاقتصادي الذي تعيشه مصر؟! لقد تفاقمت الأزمة الاقتصادية في الأشهر الماضية بعد تولي الرئيس مرسي السلطة.
والحلول المطروحة من الحكومة هي نفسها حلول العهد البائد: قروض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي أسقطت مصر في دوامة الديون المتراكمة والربا المضاعف منذ سبعينيات القرن الماضي، تلك القروض التي تربط دائماً بشروط قاسية من هاتين المؤسستين الدوليتين الاستعماريتين، ما يؤدي إلى رهن الاقتصاد المصري بإرادة الدول الاستعمارية وأطماعها، ولم تؤدِ هذه الشروط في بلد من البلاد إلى نهضة اقتصادية حقيقية، بل أدت إلى زيادة الضرائب، ورفع الدعم عن السلع الأساسية، وهذا ما يسمونه في قواميسهم "بترشيد الإنفاق"، فازداد الناس فقراً على فقر. هذه هي الحلول المطروحة للخروج من الأزمة.
إن هذه الحلول كلها مأخوذة من النظام الرأسمالي الغربي الذي هو أس البلاء، ألم يؤد هذا النظام بآلياته وقوانينه وإباحيته المالية، وتركه العنان لإبداعات الرأسماليين والمضاربين الشيطانية لاحتكار مزيد من الأموال وتضخيم ثرواتهم على حساب عامة الناس، ألم يؤد هذا النظام في الدول الرأسمالية الأم -كالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا - إلى مزيد من الأزمات الاقتصادية الطاحنة؟! وها هي أمريكا صاحبة الاقتصاد الأكبر في العالم، وقعت عام 2008م في أزمة اقتصادية مدمرة نتيجة لآليات نظامها الاقتصادي الرأسمالي، وجرّت وراءها جميع دول العالم لتقع هي الأخرى فريسة هذه الأزمة، لتصبح أزمة اقتصادية عالمية بامتياز، حتى قال المراقبون أنها أزمة فاقت في نتائجها وآثارها المدمرة وأسبابها المركبة الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1930م. وقد أكلت هذه الأزمة الأخضر واليابس، وأوصلت عشرات الآلاف من الشركات إلى الإفلاس وعشرات الملايين من العمال إلى البطالة، وما زالت أمريكا ودول العالم تعاني من هذه الأزمة ولم تتعافى منها، رغم الخطط الطموحة والإستراتيجيات الشاملة التي وُضعت لإنعاش الاقتصاد والنهوض به.
والسبب في فشل كل هذه الحلول والخطط في إنعاش الاقتصاد والتغلب على الأزمة هو كونها مأخوذة من نفس النظام الذي أوجد هذه الأزمة وتسبب فيها، ألا وهو النظام الرأسمالي، فهم كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولقد أصبح مفكروا الغرب أنفسهم وكبار رأسماليهم يشككون في نجاعة الحلول المطروحة، ويقولون أن هذه الحلول إن نجحت، فستساهم في تأجيل الانهيار فحسب، أما أن تحل المشاكل حلاً جذرياً فهذا ما لن تنجح فيه، ومن هؤلاء البليونير الكندي النمساوي "فرانك ستروناك" صاحب شركة "ماجنا" العالمية لتصنيع قطع السيارات، الذي قال: "إن بذل هذه الأموال الطائلة للبنوك لنجدتها من الانهيار لن يجدي نفعاً، وإن المشكلة في اقتصاد البورصة الوهمي، الذي يشفط الأموال ثم ينتفخ كالكرة، وما هي إلا أوراق وسندات تُتَلقف يميناً ويساراً حول العالم، دون أن تُخرج إنتاجاً حقيقياً أو تعود بنفع على الناس، فهذا الذي يدمر الاقتصاد." وكذلك عالمة الاقتصاد الإيطالية "لوريتا نابوليوني" التي قالت صراحة أن هذه الأزمة الاقتصادية ما كانت لتحدث لو طُبقت قوانين الاقتصاد الإسلامي، وحتى الفاتيكان، معقل الكنيسة الكاثوليكية، دعى في إحدى مقالات جريدته الرسمية "أوسيرفاتوري رومانو" البنوك الغربية الاتجاه إلى الاقتصاد الإسلامي لتجنب مثل هذه التداعيات الاقتصادية الخطيرة.
إننا في حزب التحرير ندعو إلى تغيير جذري في النظرة إلى حل الأزمة، فالحل لا يمكن أن يكون من داخل الدائرة الاقتصادية الرأسمالية التي نحن فيها، والتي أدت إلى هذا التردي الفظيع، بل يجب كسر الجُدُر الفكرية التي أحطنا بها أنفسنا والبحث عن حلول من خارج هذه الدائرة، فهذا حال كل مفكر وعالم يبحث عن حل جذري لأي مشكلة من المشاكل. وإننا كحزب سياسي، يفهم الإسلام كمبدأ شامل للحياة، تنبثق عنه جميع النظم التي تسيّر حياة الإنسان في هذه الدنيا تسييراً دقيقاً ومميزاً، ندعو البشرية كلها – مسلمين وغير مسلمين – إلى دراسة هذا الإسلام ونظامه الاقتصادي دراسة عميقة مستفيضة، لتلتمس عظمة هذا الدين وعظمة الحلول التي يطرحها، ودقتها، وتدرك أن هذا الإسلام هو النظام الأوحد الذي يحمل الحلول الصحيحة لمشاكل البشرية جمعاء في طياته، وأنه لا منقذ ولا مغيث لها إلا بتطبيقه تطبيقاً شاملاً في كل شؤون الحياة.
وإنه لمن المحزن حقاً أن نلجأ نحن المسلمين أصحاب هذا المبدأ الإلهي العظيم في حلول مشاكلنا في أرض الكنانة إلى نظم وضعية سقيمة، ثبت فشلها عند واضعيها قبل غيرهم، وحري بنا أن نعود إلى إسلامنا العظيم لنفهمه ونجعله الأساس الذي تنبثق عنه الحلول لكل مشاكلنا، أفلا يكفينا قول المولى تبارك وتعالى في كتابه: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) (الأعراف 96). والتقوى الحقيقية هي أن نتقي الله في كل ما نفعل، أي نلتزم أوامر الله ونواهيه في كل ما نقوم به من أعمال، ومنها كل الأعمال والتصرفات في المجالات الاقتصادية، فنلتزم في إبرام العقود والبيع والشراء، وعقد الشركات وكل الأعمال التجارية التي نقوم بها أحكام الشرع جميعها، والشرع قد فصّل في هذا كل التفصيل، ووضع شروطاً صارمة لكل التعاملات التجارية، فمن الخطأ الفاحش ما يظنه كثير من الناس أن النظام الاقتصادي في الإسلام هو نفسه النظام الرأسمالي بدون ربا، بل إن الأسس التي يقوم عليها النظام الاقتصادي في الإسلام تختلف عن التي يقوم عليها النظام الرأسمالي كل الاختلاف. فهناك أنواع من الملكية تحددها طبيعة الشيء الذي يمتلك لتكون ملكية فردية أو ملكية عامة أو ملكية دولة، وهناك أعيان لا يجوز ملكيتها ملكية فردية البتة، لا ملكية شركات ولا ملكية أفراد، كآبار البترول والغاز والثروات الغزيرة في باطن الأرض، وهذا التقسيم لا يعرفه النظام الرأسمالي إطلاقاً، كما أنه لا حرية تملك في الإسلام، بل التملك محصور في الإسلام بالأسباب الخمس التي حددها الشارع، هذا بخلاف الرأسمالية التي أباحت التملك بأي وسيلة من الوسائل ما دام ليس فيها تعدٍ على حقوق الغير، سواء عن طريق الربا أو القمار أو ممارسة الفحش أو ما شابهه، وفي مجال الشركات حرم الإسلام الشركات المالية البحتة كشركات المساهمة، التي يغيب عنها الإيجاب والقبول ويغيب عنها عنصر البدن، بل فرض أن يدخل شريك ببدنه وعمله الشركة، وأن تنعقد الشركة بالإيجاب والقبول بين جميع الشركاء، ونهى الإسلام أن يبيع الإنسان ما لا يملك، فبهذه القيود الشرعية يقوم النظام الاقتصادي الإسلامي. وهذا النظام ينتج حلولاً لكل المشاكل الاقتصادية في الدولة ضمن المنظومة الإسلامية الكاملة في الحكم والسياسة الخارجية ونظام التعليم والنظام الاجتماعي ومن ثم النظام الاقتصادي، ذلك أن النظام الإسلامي بنية متكاملة الأركان، وليست بنية ترقيعية من كل واد عصا. ولهذا يمكننا القول أن الأزمة الاقتصادية الراهنة في مصر هي أزمة نظام، نعم هي أزمة نظام أثبت فشلا منقطع النظير، فيجب لفظه لفظ النواة ووضع الإسلام موضع التطبيق بشكل فوري انقلابي شامل.

No comments:

Post a Comment