Saturday, May 4, 2013

الجهاز المناعى للأمة

الجهاز المناعى للأمة

لقد خلق الله الإنسان وزوده بجهاز مناعى للدفاع عن نفسه، ويعتبر فى طريقة عمله وفى كل تفاصيله آية من آيات الله فى خلقه، ويظهر فى الطريقة التى يتعامل بها هذا الجهاز المناعى مع أى عدو داخلى كان أم خارجى إبداع الخالق. فالجهاز المناعى للإنسان قادر فى الأوضاع الطبيعية أن يفرق بين ملايين الميكروبات التى تصيبه، ليس هذا فحسب بل يقوم الجهاز المناعى بالاحتفاظ فى ذاكرته بصورة عن كل ميكروب يصيب الجسم حتى إذا أصيب مرة أخرى من نفس العدو لا يتأخر فى إرسال مضاداته وتكون إستجابته فى المرة الثانية أسرع من الأولى وبالتالى لايفلت منه أى عدو وكأن الجهاز المناعى للجسم يحقق معنى قول المصطفى "لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين".
إن الجهاز المناعى للأمة لايختلف كثيراً عنه فى الإنسان، فجهازها المناعى هو مركز يقظتها وتنبهها لأى عدوان داخلى كان أم خارجى، والجهاز المناعى للأمة هو الحصن الحصين الذى يجعلها تفرق بين ماهو من جسدها وبين ما هو غريب عنها. والذى يشكل الجهاز المناعى للأمة هو اعتصامها بحبل الله الذى يجعلها أمة واحدة ذات وحدة سياسية لاتتجزأ، ويجعل مقياسها فى الحياة المقياس الذى ارتضاه لها رب العالمين ألا وهو الحلال والحرام. ففى الأجواء الطبيعية التى يعمل فيها الجهاز المناعى للأمة لا يؤخرها شىء عن اتخاذ القرار الصحيح، وتكون استجابتها سريعة فحين تدخل عليها فكرة غريبة ليس لها علاقة بالوحى تستطيع الأمة أن تلفظها لفظ النواة، لأنه لايمكن لها أن تتكيف معها حيث أن جهازها المناعى يعتبر هذه الفكرة جزءً غريبًا داخل الجسد. لهذا حين يفُرض التعامل بالربا لايمكن للأمة أن تتكيف مع هذا الوضع لأن جهازها المناعى يبعث لها إنذاراً من ارتكاب الحرام، وحين يسوس الحكام الأمة على غير الإسلام فتهب الأمة وتنتفض على حكامها لأن فى عدم سياستها بالإسلام هلاكاً لها، وحين يخرج من بين الأمة أحد أفرادها يتصنع الزعامة وهو عميلٌ لأعدائها فتتنبه الأمة على الفور لتقف له بالمرصاد.
نعم، إن فى الأجواء الطبيعية لايمكن للأمة أن تقبل أن تُحكم بغير ما أنزل الله، ولايمكن لها أن تفرط فى حكم شرعى واحد، ولايمكن لها أن تسمح بنمو أى ورم سرطانى داخل جسدها مثل الكيان الصهيونى، بل الإجراء الطبيعى هو أن تقف الأمة لمثل هذه الأمور بالمرصاد لتحول بينها وبين تحقيقها. إلا أن الأمة فى المائة عام الأخيرة قد وجدت كيانا صهيونياً قد تم زرعه بداخل جسدها ولم تثور، وحُكِمت بأنظمة علمانية حكمتها بالحديد والنار ولم تعمل على تغييرها، بل إن جيوشاً غربية شنت حروباً صليبية عليها ولم تستطع الأمة أن تقف لها بالمرصاد، بل على العكس من ذلك، وجدنا جيوش الأمة تشارك الكفار فى حربهم على المسلمين مثلما حدث فى أفغانستان والعراق وفى حرب الخليج الثانية، ولم يقتصر الأمر على هذا بل شاهدنا الأمة تُحَارَبُ فى شعائرها الدينية كمحاربة اللباس الشرعى إلى غير ذلك، ولم تهُب لتغييره أو اتخاذ الإجراء الطبيعى حيال هذه الهجمات على جسدها.
فما السبب الذى يمنع الجهاز المناعى للأمة أن يقوم بدوره على أتم وجه؟
إنه هو التضليل الذى مارسه الحكام وعلماؤهم على الأمة من أجل تثبيط جهازها المناعى، فالحكام قد ضيقوا على الأمة ومارسوا عليها أشد أنواع القمع والتنكيل، وحاربوها فى قوت يومها حتى تنشغل بتوافه الأمور وتنصرف عن الأشياء العظام التى من شأنها أن توقد شعلة الأمة فلا تنطفىء إلا وقد أحرقت هؤلاء الحكام الظلمة. أما علماء السلاطين فقاموا عن طريق فتاويهم الشاذة بتثبيط الجهاز المناعى للأمة من خلال ما استدلوا به من عقولهم أو عقول حكامهم وواسوس شيطانهم، وأوهموا الأمة أنه من دينها الذى نزل به الوحى، فوجدنا من هؤلاء العلماء من أباح الربا، ومنهم من كذب على الله قائلاً بأن الربا المحرم هو الذى يؤخذ أضعافاً مضاعفة أما دون ذلك فلا بأس به! فلم يجد الناس حرجاً أن يتعاملوا بالربا مستندين إلى هذه الفتاوى الشاذة. ولم يقف علماء السلاطين عند هذا بل شملت فتاويهم كل مناحى الحياة، ومنها إقرارهم احتلال فلسطين واغتصاب الأقصى من قبل الصهاينة بمباركتهم لاتفاقيات السلام الخيانية، وحين شن الغرب حملاته الصليبية على الأمة فى حرب الخليج الثانية تسابق علماء السلاطين فى إصدار الفتاوى التى تبيح القتال تحت إمرة الكافر بحجة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد استعان بالمشركين، فكان احتلال الخليج وذهاب مقدرات الأمة إلى أيدى أعدائها، وليت الأمر قد اقتصر على ذلك، بل أفتوا للأمة بحرمة الخروج على حكامها بحجة أنهم أولوا الأمر الواجبة طاعتهم، فوجهوا بذلك طعنة نجلاء للجهاز المناعى للأمة أفقدها القدرة على الإدراك حين ألزموها بطاعة هؤلاء الحكام الذين تآمروا عليها وسلموها لأعدائها.
لقد عبث علماء السلاطين بالجهاز المناعى للأمة كما تعبث الفيروسات بجسد الإنسان حيث تدخل إلى خلاياه وتعيد برمجة أنويتها حتى تقوم هى بنفسها بإنتاج فيروسات بدل أن تنتج ماتحتاجه هى من مواد أساسية لحياتها، وبالتالى يقوم الجسد بتدمير نفسه بنفسه. وهكذا فعل علماء السلاطين بجسد الأمة فعمدوا إلى إعادة برمجة عقليتها حتى تنتج أفكاراً غريبة عنها، وبدل أن تُخرِج فكراً إسلامياً خالصاً أصبحت تُنتج فكراً غريباً لايستند إلى مانزل به الوحى بل يستند على رؤى "كارل ماركس" و"آدم سميث" وصبيانهم، ولم يكتفوا بذلك بل جعلوا مقياس القبول للفكر هو موافقته للحضارة الغربية، وأصبحت الحضارة الغربية مع ما بها من عفن فكرى هى قبلة هؤلاء، فاستبدلوا الحريات بالعبودية لله، وبالتالى انفرط العقد الذى يزع الأمة للقيام بالأعمال عبادة لخالقها. إن دور هؤلاء العلماء حال بين الأمة والتغيير، حين ثبطوا جهازها المناعى وبالتالى أفقدوها القدرة على الإدراك، وتحسس كل ما يحيق بها من أخطار فقبلت بواقع لايمكن لها أن تقبله فى الأوضاع الطبيعية، وتم إبعاد الأمة بقصد عن التغيير وأصبح الرضا بالواقع هو الفكر السائد.
إن الثورات المباركة التى مَنَّ الله بها على الأمة هى إيذانٌ بأن الأمة فى طور التغير، وحتى تستطيع أن تقود هى هذا التغيير فى الطريق الصحيح يجب أن يستعيد جهازها المناعى قدرته على الإدراك والإستشعار بكل خطر يحيق بها، ويجب عليها أن تمتثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"، فتتعلم من تجاربها السابقة بإدراكها أن أى سماح لتدخل غربي فى بلادنا تحت أى مسمى من المسميات هو بمثابة انتحار، حتى وإن طالت أيدى الحكام الأخضرَ واليابسَ ولم تبقِ ولم تذرْ كسفاح الشام مثلاً، لأن وعيها السياسى يجعلها تدرك أن من يقف خلف سفاح سوريا ورفاقه من أراذل القوم هو الغربُ نفسه، فهو العدو ويجب اتخاذ موقف العداء تجاهه.
إن هذه الثورات يجب أن تتخطى الحدود المصطنعة التى أقامها الاستعمار بين أبناء الأمة الواحدة حتى تعود الأمة جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وبذلك تعيد الجهاز المناعى للأمة إلى حالته الطبيعية، حين يكون مسؤولاً عن أمة واحدة ذات وحدة سياسية مترابطة، لا كما هى الآن أمة مقسمة سهل على الاستعمار السيطرة عليها وآتاها من حيث لم تحتسب. إن عودة الأمة جسداً واحداً وإعتصامها بكتاب الله هو الضمانة الوحيدة لبعث اليقظة في الجهاز المناعى للأمة، وبذلك تبقى الأمة فى مأمن من أعدائها ولن تستطيع أمة أن تهزمها أو التغلب عليها، وسوف تتمكن الأمة من العودة من جديد قائدة للبشرية لأنها الأحق بذلك.

No comments:

Post a Comment