Saturday, May 4, 2013

على رسلك ... لماذا هذا الهجوم؟! بل اسمع أولاً ثم احكم!

على رسلك ... لماذا هذا الهجوم؟! بل اسمع أولاً ثم احكم!

الكاتب: شريف زايد
مقالات  - 2013/05/01م
لا أدري ما الذي جعل الكاتب شريف منصور في موقع الأقباط متحدون يستشيط غضبا هكذا من مقالي الأخير الذي يحمل عنوان "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!" هل لأني زيلت المقال بصفتي رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية مصر، فلم تعجبه جملة "ولاية مصر"؟ أم لأني توجهت بالخطاب لتيار الإسلام المعتدل أو الوسطي بألا يخجلوا من المطالبة بالدولة الإسلامية، كما يطالب العلمانيون بالدولة العلمانية أو الدولة المدنية؟
فهو قد كتب مقالا في الموقع المذكور يوم الجمعة 26-4-2013م بعنوان "أدوار الدولة الإسلامية"، وأنا لا أدري أهو مسلم أم قبطي، وإن كان تحديد هويته الدينية لن يغير من الأمر شيئا، فالكاتب على أية حال يهاجم الدولة الإسلامية ويتهكم عليها تهكما شديدا دون أن يقدم بديلا حقيقيا لها، ودون أن يبيِّن وجهة نظره هو في الحل الأمثل. فهو في بداية مقاله يعدد أسماء ولايات للدولة الإسلامية، وفي نهاية مقاله يطالبني بأن أفسر له ماذا أقصد "بولاية مصر"، ولعل كلامه في مقدمة مقاله يفسر له ماذا أقصد، إلا إذا كان الكاتب الهمام لا يعرف تاريخ بلده جيدا وأنها كانت مذ فتحها عمر بن العاص ولاية من ولايات الخلافة الإسلامية التي كانت الدولة الأولى في العالم لقرون عدة، وإلا إذا أراد السيد منصور أن يمسح كل هذا التاريخ العظيم بجرة قلم، ويؤرخ للدولة المصرية بداية من الحكم الروماني ثم البيزنطي لمصر الذي أذل الأقباط وغيرهم من أهل مصر ردحا من الزمن مستثنيا الفتح الإسلامي الذي غير مجرى التاريخ، وهل يبدأ هذا التاريخ بالنسبة للسيد منصور من الدولة العلمانية التي حكمت مصر بعد ثورة 23 يوليو مرورا بعصر السادات وانتهاء بعصر مبارك الذي أنهى حكمه الفاسد الجائر بجريمة تفجير كنيسة القديسيين بالإسكندرية؟! فيبدو أن للكاتب حنيناً لعصر الظلم والاضطهاد الذي طال جميع فئات الشعب المصري بما فيهم الأقباط، فالأقباط لم يتعرضوا لمثل هذا الاضطهاد في ظل دولة الخلافة الإسلامية.
نعم، كانت مصر ولاية في الدولة الإسلامية، وليس هذا انتقاصا لدورها التاريخي ولمكانتها، وأظن أنها عندما كانت ولاية في دولة الخلافة العظيمة كانت قلب العالم الإسلامي النابض، وكانت الصخرة التي تكسرت عليها كل أطماع المستعمرين، سواء أكانوا الصليبيين الكاثوليك الذين شنوا "حربا مقدسة" ضد الأمة الإسلامية وقتلوا أيضاً من المسيحيين الأرثوذكس، أم كانوا التتار الذين عاثوا في الأرض فساداً وأهلكوا البشر والحجر والشجر. فإذا كان الكاتب لا يرضى أن نجعل من مصر ولاية في دولة حضارية عظيمة لها كلمتها في المسرح الدولي، فهل يريد أن تكون مصر دولة مدنية علمانية لا قيمة ولا وزن لها في المسرح الدولي كما كانت في العقود الأخيرة؟ بل كانت تابعة للعم سام تنفذ ما يُطلب منها، ولم يكن لها من الهيبة شيء إلا أنها سميت زوراً وبهتاناً "بالدولة المستقلة".
أما عن مقر الخليفة الذي نسعى لتنصيبه، فهذا في علم الله سبحانه، ونحن نأمل بل ونسعى ليكون مقره في القاهرة إن شاء الله، لتقود مصر العالم الإسلامي، وتحمي المسيحيين ومن هم في ذمتها في مصر وسائر البلاد الإسلامية، وهي حرية بذلك، وتقطع دابر التدخل الأجنبي في شؤون الأمة، إلا إذا كنت أنت يا سيد منصور ومن دار مدارك تريد أن تعيش في دولة ضعيفة مهترئة، المهم فيها أن لا يكون للإسلام فيها أثر...!
ثم من قال أن حرق الكتاب المقدس و التبول عليه في الدولة الإسلامية سيكون شيئاً طبيعياً والعياذ بالله؟! هل حدث هذا في ظل الدولة الإسلامية؟ أم قام به من قام في ظل دولتكم المدنية المزعومة التي لا تقيم للدين وزنا - أي دين؟ ألم يبتدع هذا العمل الدنيء المقزز في الأساس أصحاب العلمانية الذين يتشدقون بحرية الدين واحترامه من الأمريكان وجنودهم في جوانتانامو وأبو غريب وباغرام حين تبولوا على المصحف الشريف؟! ألم يقم بذلك قبلهم الصرب والروس حينما ذبحوا المسلمين في البوسنة والقوقاز وتتارستان وآسيا الوسطى؟! فيبدو أن الكاتب منصور يدفعه تصوره المشوّه عن الإسلام ليقول ما يقول، متغافلا التاريخ المضيء للدولة الإسلامية التي حمكت مصر منذ الفتح الإسلامي لها، فأقامت العدل وأنصفت المظلومين وساوت بين أفراد الرعية – مسلمين وغير مسلمين - فهم أمام القاضي سواء. ألم يسمع بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو داود: (ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة)، وهذا ينطبق على كل ذمي من أهل الأديان الأخرى يعيش في كنف الدولة الإسلامية.
ولعل الكاتب يذكر جيدا بابا الأقباط بنيامين الأول الذي ظل متخفيا وهاربا في الصحراء ثلاثة عشر عاما بعد أن قتل البيزنطيين أحد أخوته أمام عينيه، ولعله يذكر جيدا تلك الرسالة التي أرسلها عمرو بن العاص في أرجاء مصر والتي فيها: "الموضع الذي فيه بنيامين، بطريرك النصارى القبط، له العهد والأمان والسلام، فليحضر آمنا مطمئنا ليدبر شعبه وكنائسه"، وما أن وصلت أخبار عهد الأمان الى "الأنبا بنيامين" حتى عاد إلى الإسكندرية وإلى منصبه البابوي، ومعه عاد القساوسة الى أديرتهم، فقاموا بترميمها وإصلاح ما عبث فيها من خراب الفرس والبيزنطيين، وهذه الرواية وفق ما يرويه كتاب تاريخي مهم للأقباط أنفسهم اسمه "السنكسار" الموصوف بأنه "جامع لأخبار الأنبياء والرسل والشهداء والقديسين".
ومما جاء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران: "ولنجران وحاشيتها جوار الله، وذمة محمد النبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أموالهم وملتهم وبِيَعهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير..."، ونصّ العهد الذي أعطاه خليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أهل إيلياء (القدس) على حرمة معابدهم وشعائرهم، فقد جاء فيه: "هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسائر ملَّتها، لا تُسكن كنائسهم، ولا تُهدم ولا ينتقص منها، ولا من حيزها، ولا من صليبها، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا". رواه البخاري.
 وأكتفي هنا بكلمات نيِّرة للفقيه الأصولي المحقق شهاب الدين القرافي شارحًا بها معنى البر الذي أمر الله به المسلمين في شأن أهل الذمة فذكر من ذلك: "الرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة، لا على سبيل الخوف والذلة، والدعاء لهم بالهداية، ونصيحتهم في جميع أمورهم، في دينهم ودنياهم، وحفظ غيبتهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم، وإيصالهم إلى جميع حقوقهم...إلخ."
ومن المواقف الشامخة في تاريخ المسلمين، موقف شيخ الإسلام ابن تيمية، حينما تغلب التتار على الشام، وذهب الشيخ ليكلم "قطلوشاه" في إطلاق الأسرى، فسمح القائد التتري للشيخ بإطلاق أسرى المسلمين، وأبى أن يسمح له بإطلاق أهل الذمة، فما كان من شيخ الإسلام إلا أن قال: "لا نرضى إلا بافتكاك جميع الأسارى من اليهود والنصارى، فهم أهل ذمتنا، ولا ندع أسيراً، لا من أهل الذمة، ولا من أهل الملة... "
ولم يعرف تاريخ المسلمين ظلمًا وقع على أهل الذمة واستمر طويلاَ، فقد كان الرأي العام ومعه رأي الفقهاء دائماً ضد الظلمة والمنحرفين، فسرعان ما كان يعود الحق إلى نصابه... ومن الأمثلة البارزة على ذلك: موقف الإمام الأوزاعي من الوالي العباسي في زمانه، عندما أجلى قومًا من أهل الذمة من جبل لبنان لخروج فريق منهم على عامل الخراج. وكان الوالي هذا أحد أقارب الخليفة وعصبته، وهو صالح بن عليٍّ بن عبد الله بن عباس . فكتب إليه الأوزاعي رسالة طويلة، كان مما قال فيها: "فكيف تؤخذ عامة بذنوب خاصة، حتى يُخرَجوا من ديارهم وأموالهم؟ وحكم الله تعالى: لا تزر وازرة وزر أخرى، وهو أحق ما وُقف عنده واقتُدي به. وأحق الوصايا أن تُحفظ وتُرعى وصيةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال: "من ظلم ذميًا أو كلَّفه فوق طاقته فأنا حجيجه" …  إلى أن يقول في رسالته: "فإنهم ليسوا بعبيد، فتكونَ في حل من تحويلهم من بلد إلى بلد، ولكنهم أحرار أهلُ ذمة".
هذا هو الإسلام العظيم الذي يغمز الكاتب فيه بقوله {لم يعرفها من أنزل القرآن أو بالأصح من كتبه أو من حفظه ثم كتبه} من غمز ولمز في القرآن الكريم من أنه ليس من عند الله. نعم هذا هو الإسلام العظيم الذي لم يتعامل مع غير المسلمين كما تعاملت الكنيسة الكاثوليكية من خلال محاكم تفتيشها في أسبانيا ضد المسلمين فأبادتهم وقتلتهم باسم الصليب. فأصحاب القرآن، أو "الذين كتبوه ... أو حفظوه ثم كتبوه" على رأي الكاتب، لم يعرفوا الإبادة الجماعية للشعوب كما عرفها ومارسها الصرب والروس "الأرثوذكس" ضد المسلمين في البوسنة وغيرها ...
وفي النهاية سأبين للكاتب شريف منصور لماذا للخليفة وحده حق تبني الأحكام، فهو يتساءل في نهاية مقاله ويريد إجابة على هذا السؤال، فأقول له: أولا يجب أن تعرف أن التبني في الإسلام هو قاعدة دليلها إجماع الصحابة ومنها أخذت القواعد المشهورة: "أمر الإمام يرفع الخلاف"، "أمر الإمام نافذ ظاهرا وباطنا"، "للسلطان أن يحدث من الأقضية بقدر ما يحدث من مشكلات"، إذاً هذه قاعدة مصدرها الوحي، ومن ناحية أخرى فإن واقع صاحب الأمر في كل شأن من شئون الدنيا أن له الكلمة الفصل لتسيير شئون جماعته التي وليها، وإلا اختلفت الكلمة وتفرقت الجماعة، فكان حتما أن تخضع الجماعة لرأي صاحب الصلاحية، فلا مجال للخروج من اختلاف الآراء إلا بالرجوع إلى رأي واحد في النهاية، ذلك أن القيادة فردية، إذ بها تنضبط الكلمة وتجتمع الأمة والجماعة فلا تتفرق كلمتها، وهذا ما أكده الرسول الكريم في قوله "إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا أحدكم"، لتكون له الكلمة الأخيرة في حال النزاع والتفرق.
وهذ الأمر ينسجم مع الواقع المشاهد المحسوس في كل الجماعات البشرية، إذ القرار النهائي لا يكون إلا للفرد صاحب الصلاحية، سواء تعلق الأمر بإدارة منزل أو مدرسة أو شركة أو حتى دولة، كما أنه ينسجم مع الشورى، إذ الشورى هي سماع الآراء لبلورتها واستبيان الحق فيها، فإذا عزم صاحب الصلاحية على تبني الرأي المناسب للرعاية وضعه موضع التطبيق والتنفيذ، باعتباره الرجل الذي بويع للحكم. وكل هذا بعيد كل البعد عن فكرة الحق الإلهي أو الاستبداد الديني الذي يعتبر الحاكم معصوما ونائبا عن الله، فالحاكم في الإسلام عندما يتبنى حكماً فإنما يتبناه بناءً على قوة الدليل، والأمة لا ترضخ لتبنيه إلا إذا استند إلى دليل شرعي وبيّن للأمة صحته. وهذا بخلاف ديمقراطيتهم المزعومة، التي تتبنى فيها الدولة القوانين بناء على أغلبية أعضاء البرلمان، بغض النظر عن صحة القانون وكونه فعلاً لمصلحة الشعب كله، بل الأغلبية تسن القوانين بناء على مصلحتها هي وليس مصلحة الجميع، وهذا مشاهد محسوس في بلاد أوروبا أم الديمقراطية، حيث تتبادل الأحزاب المحافظة أو الاشتراكية الحكم وكل منها تخدم في سن القوانين مصالح ناخبيها أولاً، بغض النظر عن المصلحة العامة، ولأن كبار الرأسماليين هم الحكام الفعليون في الديمقراطيات الغربية، فإن سن القوانين يأتي في النهاية لمصلحتهم هم وشركاتهم العملاقة، وأدل دليل على ما نقول هو فشل الحكومة الأمريكية منذ عقود في سن قانون يمنع تداول الأسلحة الرشاشة بسهولة ويسر بين الناس لحمايتهم من الاعتداءات بالقتل الجماعي، لأن شركات الأسلحة الأمريكية حالت دون ذلك بما لها من تأثير قوي على أعضاء الكونجرس الأمريكي، وكذلك فشل الإدارة الأمريكية الحالية من إقرار ميزانية منذ أكثر من عام بسبب تمنُّع الحزب الجمهوري من الموافقة على القانون الضريبي خدمة لمصالح ناخبيه من كبار الرأسماليين، فهل هذا هو الواقع المنشود؟
أرجو أن أكون قد أوضحت للسيد منصور ما التبس عليه من أمور في مقالي السالف الذكر، كما أرجو منه الانصاف وألا يخلط كلامي بكلام غيري، فحزب التحرير الذي أنا رئيس مكتبه الإعلامي في مصر له رؤيته الفكرية والسياسية المتميزة عن غيره، كما أن له دستورا متكاملا مكون من 191 مادة مستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله، وما أرشدا إليهما من أدلة، ولذا أنا أقول له إذا أردت أن تنتقض أفكارنا فلا بأس، ونحن بدورنا سنبين لك ولغيرك ما اختلط عليك وما لم تتضح معالمه لك، فنحن واثقون من قوة ما نحمله من أفكار ومفاهيم، وهي قادرة بإذن الله على أن تخرج البشرية جمعاء من الفوضى والتخبط والفقر المدقع الذي تعيش فيه جراء هيمنة النظام الديمقراطي الرأسمالي الغربي عليها، إلى نور الهدى والصلاح والعيش الآمن الكريم في حياتها الدنيوية.

No comments:

Post a Comment