من ظلمات الدكتاتورية والاستبداد إلى نور نظام الحكم بالخلافة
نحن نعيش في عصر الظلام العميق. حيث يتم استهلاك موارد العالم
بشكل عام من ذوي أقل قدر ممكن من الإنتاج. إن النظام السياسي في العالم يظهِر أنه
لا يمكن كسر الوضع الراهن للهيمنة الغربية. إن دورة الحروب والمعاهدات، والمعاهدات
والحروب، على مدار القرنين العشرين والواحد والعشرين، ضمنت أن الهيئات الدولية
تعمل فقط للحفاظ على هيمنة القوى الغربية. فهم ضمنوا تضييق الخناق اقتصادياً على
العالم الإسلامي. ولكن بينما يستغلون بقية العالم، فإن الغرب أنفسهم يغرقون ببطء
في حفرة من التدمير الذاتي للجريمة والانحراف والعنف والفساد. إضافة إلى حالة
الظلام هذه هناك حالة شؤون الحكم في العالم الإسلامي، والتي تتميز بالفساد
والمحسوبية والقبلية والنماذج السياسية التي تخدم نفسها بنفسها، والتي تخدم عائلات
النخبة السياسية الغنية فقط. ويمكن ملاحظة ذلك في مناطق مختلفة من بلاد المسلمين
كما هو الحال في مصر حيث إن الرئيس السيسي من خلال ما يسمى باستفتاء قد فرض حكمه
الديكتاتوري العسكري القمعي على شعب مصر على مدى العقد المقبل. في السعودية،
العشيرة التي تحمي الكثير من المصالح الأمنية والاقتصادية لأمريكا، يحافظ عليها
ويدعمها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. في سوريا، قام نظام الأسد الشرير المدعوم
من الجيش الروسي بقصف سوريا وأهلها وتجويعها وذبحها في غياهب النسيان طوال الأعوام
الثمانية الماضية، فذبح الرجال والنساء والأطفال بدلاً من التخلي عن قبضتها على
السلطة. في إندونيسيا من خلال جمهورية ديمقراطية صنع الإنسان نظاماً سياسياً يفصل
الدين عن الحياة والسيادة لصالح الشعب، ويسعى جوكوي إلى تعزيز سلطته الرئاسية من
خلال أجندة الحزام والطريق في الصين.
هذه الحقبة المظلمة التي تجد فيها الأمة نفسها ترجع إلى غياب التوجيه
والمعرفة التفصيلية فيما يتعلق بنظام الحكم السياسي القائم على القيم والمعتقدات
الإسلامية المبدئية. في الواقع، من الواضح أن زمن شبه الجزيرة العربية في القرن
السابع الميلادي كان حقبة غابرة حيث كان النظام الحاكم بنية قبلية غير منظمة خالية
من أي هيكل ملك أو حضارة تقدمية. كانت النقطة المحورية في مكة، حيث تم بناء مجموعة
من الأضرحة التي تجسدها الأصنام حول الكعبة. كانت قيادة مكة في أيدي قريش، الوصي
القانوني على الأضرحة المقدسة، حيث تولى بنو هاشم دور القيادة الفعلي في مكة. كانت
القبلية أساس طريقة الحياة العربية. كانت الحكمة العربية: انصر أخاك ظالماً أو
مظلوماً. كانوا يعتبرون أنفسهم من أنبل الأجناس. اعتقدت بعض العائلات أنه من
المهين أن تشارك مع الآخرين حتى في الطوائف الدينية. كانت الخلافات بين القبائل
تحدث باستمرار، والتي تفاقمت بسبب الحرب مثل نزعات القبائل. كتب أحد الشعراء العرب
ذات مرة: "إذا لم يكن لقبيلتنا عدو، فإننا نذهب إلى حرب مع قبيلة صديقة،
لتطفأ شهوتنا للحرب".
ومع ذلك، فإن نظام الحكم الإسلامي هو الذي أخرج ليس فقط شبه الجزيرة
العربية ولكن البشرية جمعاء من الظلام إلى نظام فريد من نوعه وهو نظام الله سبحانه
وتعالى. إنه ليس نظاماً اتحادياً أو ديمقراطياً أو جمهورياً أو ملكياً أو
ديكتاتورياً على الإطلاق. ليس له أي تشابه مع أي مبدأ من صنع الإنسان. تعتبر
الدولة الإسلامية الأشخاص الخاضعين لسلطتها رعاياها، سواء أكانوا مسلمين أم غير
مسلمين. جميعهم يتمتعون بحقوقهم التي يضمنها الإسلام. لا يوجد مفهوم "للأقلية
العرقية" لأن الناس لا يتعرضون للتمييز على الإطلاق بسبب لونهم أو عرقهم أو
دينهم.
الخلافة ليست إمبراطورية، مثل المستعمرين البريطانيين أو البريطانيين
القدامى الذين سرقوا ثروة الدول الأخرى وأعادوها إلى عواصمهم. ففي جميع الأماكن
التي كان يستغلها غير المسلمين، يلعن السكان محتليهم، بينما في المناطق التي كانت
مفتوحة بالإسلام، لا يزال الناس يتوقون لعودتها، وهم على استعداد حتى للموت لتحقيق
ذلك.
تقتصر مهمة رعاية شؤون الأمة على الخليفة (رئيس الدولة) وأولئك الذين
يفوضهم بمساعدته. لا يمكن لأي مجموعة أو فرد أو مؤسسة أخرى إشراك نفسها في هذه
المسألة. تتم عملية صنع القرار والاستراتيجية والتشاور في عاصمة الخلافة. على مدار
تاريخ الإسلام، كانت هناك خمس عواصم رئيسية: المدينة المنورة والكوفة ودمشق وبغداد
وإسطنبول. لقد تغيرت قيادة الإسلام من مكان إلى آخر، وكان يحتلها مسلمون من أصول
عرقية مختلفة عبر التاريخ الإسلامي. وهذا دليل على حقيقة أن الخلافة ليست كياناً
استعماريا، حيث يسرق الثروة من الدول الأخرى لإعادتها إلى عاصمته. والغرض منه هو
نشر دين الله سبحانه وتعالى للبشرية جمعاء. القيادة والحكم في الدولة الإسلامية
مركزية، في حين إن الإدارة لامركزية. تتكون الدولة من عدد من الولايات (المحافظات)
التي يرأسها الولاة. يتم تعيين كبار المسؤولين في الدولة من قبل الخليفة. كل قرار
يجب أن ينبع من رئيس الدولة. وهذا ينفي أي فساد وارتباك داخل النظام الحاكم.
الخليفة هو المسؤول في النهاية. إن طريقة تعيين الخليفة تتم من خلال البيعة، حيث
يجب على الناس إطاعة الحاكم طالما يطبق الإسلام. لقد مر ما يقرب من مائة عام منذ
تعهدت الأمة بطاعة القيادة الإسلامية المتمثلة في دولة الخلافة العثمانية. في
الواقع، تتطلع الأمة إلى القيادة الإسلامية التي تحرس وتطبق دين الإسلام، وتهتم بشؤون
الأمة وتحمل الإسلام إلى العالم وفقاً للنموذج النبوي الذي اتبعه الصحابة رضوان
الله عليهم من بعده ﷺ. لكن الأمة
المسلمة على مدار الـ 98 عاماً الماضية لم تكن لها قيادة إسلامية، فالخليفة (الدولة
الإسلامية) يتعهد بطاعته كما يصف الحديث بوضوح «مَنْ نَزَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ
لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَتْ لَهُ حُجَّةٌ، وَمَنْ مَاتَ مُفَارِقاً
لِلْجَمَاعَةِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». (مسلم) وروى أبو هريرة أن الرسول ﷺ قال:
«إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ». (مسلم)
الخليفه عمر بن عبد العزيز دخلت امرأته فاطمة عليه مرة فإذا هو في
مصلاه يده على خده سائلة دموعه، فقالت: يا أمير المؤمنين، ألشيء حدث؟ قال:
"يا فاطمة إني تقلدت أمر أمة محمد ﷺ فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع،
والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب المأسور، والكبير ذي العيال في أقطار
الأرض فعلمت أن ربي سيسألني عنهم، وأن رسول الله خصمي دونهم".
لا يوجد بلد في العالم اليوم يطبق نظام الحكم الذي أمر به الإسلام.
بدلاً من ذلك، فإن جميع البلاد الإسلامية في العالم تحكمها قوانين الكفر على الرغم
من أن غالبية سكانها مسلمون.
في هذا المنعطف الزمني، أصبحنا الآن، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى
إرشاد من الظلام إلى النور، كما ذكر الله في القرآن ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِيًا إِلَى
اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيراً﴾ [الأحزاب: 45-46]
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ثريا أمل يسنى
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
20 من رمــضان المبارك 1440هـ الموافق السبت,
25 أيار/مايو 2019مـ
No comments:
Post a Comment