Tuesday, May 28, 2019

الرسالة الثانية والعشرون ذكرى غزوة بدر الكبرى (3)

الرسالة الثانية والعشرون ذكرى غزوة بدر الكبرى (3)

الحَمدُ للهِ الذي فَتحَ أبوَابَ الجِنَانِ لِعبَادِهِ الصَّائمينْ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشرَفِ الأنبيَاءِ وَالمُرسَلينْ، المَبعُوثِ رَحْمَةً لِلعَالمينْ، وَآلهِ وَصَحبهِ الطيِّبينَ الطَّاهرينْ، وَمَنْ تبِعَهُ وَسَارَ عَلى دَربهِ وَاهتدَى بهَديهِ وَاستَنَّ بسُنَّتهِ، وَدَعَا بدَعوَتهِ إلى يَومِ الدِّينْ.
مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وبعد: إليكم الرسالة الثانية والعشرين من "الرسائل الرمضانية من هدي القرآن والسنة النبوية"، نتابع معكم فيها الحديث عن (القسم الثالث والأخير) من "ذكرى غزوة بدر".
إخوةَ الإيمانِ: أيها الصائمون:
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة. وهنا قام الحباب بن المنذر رضي الله عنه بصفته خبيرُا عسكريًا، وقال: (يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟). قال: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة» قال: (يا رسول الله، فإنَّ هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ونغوِّر ما وراءه من القلب، ثمَّ نبني عليه حوضاً، فنملأه ماءً فنشرب ولا يشربون). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أشرت بالرأي»! وقضى المسلمون ليلاً هادئ الأنفاس، منير الآفاق، غمرت الثقة قلوبهم، وأخذوا من الراحة قسطهم.
خامساً: نعمة النصر على الأعداء: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفقد الرجال، وينظم الصُّفوف، ويُسدي النصائح، ويذكر بالله والدار الآخرة، ثمَّ يعود إلى عريش هُيئَ له، فيستغرق في الدعاء الخاشع، ويستغيث بالرحمن، ووقف أبو بكر رضي الله عنه إلى جوار الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يكثر الابتهال والتضرع ويقول فيما يدعو به: «اللهمَّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض، اللهمَّ أنجز لي ما وعدتني، اللهمَّ نصرك». وجعل أبو بكر رضي الله عنه يلتزمه من ورائه، ويسوِّي عليه رداءه، ويقول مشفقاً عليه من كثرة الابتهال: (يا رسول الله بعضَ مناشدتك ربَّك، فإنه سينجز لك ما وعدك). لقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه واثقاً من نصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم لأنَّ وعد الله حق، والله سبحانه لا يخلف الميعاد، ولأنَّ الله سبحانه وتعالى كان قد وعد رسوله بإحدى الطائفتين: أن يعطيه القافلة، أو أن ينصره على أعدائه الكافرين، وما دامت القافلة قد نجت وأفلتت من قبضة المسلمين، فلم يبق إلاَّ النصر الذي سيتحقق لا محالة. وتزاحف الجمعان، وبدأت المعركة أولا ً بمبارزة بين رجال من الفريقين، كان النصر فيها للمسلمين، ثمَّ نشبت المعركة وحمي الوطيس، وفي ذروة المعركة كان المسلمون قد استنفدوا جهد أعدائهم، وألحقوا بهم خسائر جسيمة، وأثناء ذلك خفق النبي صلى الله عليه وسلم خفقةً في العريش رأى فيها جبريل والملائكة مقبلين، قال: «أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع». وما هي إلاَّ أن ضعفت صفوف المشركين تحت مطارق هذا الإيمان، وحلت بالمشركين هزيمة نكراء، فقتل منهم سبعون، وأسر سبعون، ووضع المسلمون أيديهم يأسرون، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحاً السيف في نفر من الأنصار، يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخافون عليه كرَّة العدوِّ. ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه سعد الكراهية لما يصنع الناس، فقال له رسول الله: «والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم» قال: (أجل يا رسول الله، كانت أوَّل وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل أحبَّ إليَّ من استبقاء الرِّجال). ثمَّ إنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بما في المعسكر ممَّا جمع الناس من الغنائم فجمع، فاختلف المسلمون فيه، فقال من جمعه: (هو لنا). وقال الذين كانوا يقاتلون العدو يطلبونه: (والله لولا نحن ما أصبتموه، لنحن شغلنا عنكم القوم حتى أصبتم ما أصبتم). وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله ما أنتم أحق به منا، لقد رأينا المتاع حين لم يكن دونه ما يمنعه، ولكنا خفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرَّة العدو فقمنا نحرسه، فما أنتم بأحق به منا). قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (فينا أصحاب بدر نزلت سورة الأنفال حين اختلفنا في النَّفل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بين المسلمين على السواء). أمَّا الأسرى فقد أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم فيهم مبدأ الفداء بالمال، أو بتعليم صبيان المسلمين من أهل المدينة القراءة والكتابة، ومنَّ على بعضهم بإطلاق سراحهم بعد أن وعدوه ألاَّ يحاربوا المسلمين بعد ذلك.
اللهُمَّ أقـِرَّ أعْيُنَنَا بـِقيَامِ دَولةِ الخِلافَة، وَاجْعلْنـَا مِنْ جُنُودِهَا الأوفِياء المُخلِصينْ.
  23 من رمــضان المبارك 1440هـ   الموافق   الثلاثاء, 28 أيار/مايو 2019مـ

No comments:

Post a Comment