Tuesday, August 28, 2018

جريدة الراية: أمريكا أم روسيا عالقة في سوريا؟!

جريدة الراية: أمريكا أم روسيا عالقة في سوريا؟!

  18 من ذي الحجة 1439هـ   الموافق   الأربعاء, 29 آب/أغسطس 2018مـ
قال بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي يوم 22/8/2018 "إنه سيلتقي نظيره الروسي باتروشيف في جنيف، لكنه أبلغنا أيضا بأن مصالحه ومصالح إيران ليست متطابقة تماما. لذا فمن الواضح أننا نتحدث معه بخصوص الدور الذي يمكنهم لعبه. سنرى ما يمكن لنا وللآخرين الاتفاق عليه فيما يتعلق بحل الصراع في سوريا. لكن الشرط المسبق الوحيد هو سحب كل القوات الإيرانية إلى إيران.. واشنطن تملك أوراق الضغط في محادثاتها مع موسكو، لأن الروس عالقون هناك في الوقت الحالي".
أمريكا تفضح وضع الروس في سوريا، وهي تحدد لهم الدور الذي سيلعبونه. وقد ورطتهم هناك بعدما اجتمع رئيسها السابق أوباما مع نظيره الروسي بوتين بتاريخ 29/9/2015، لإنقاذ عميلها بشار أسد والنظام من السقوط. وأعلنوا الانسحاب بعد شهور بقول بوتين يوم 17/3/2016 "روسيا أنجزت معظم أهدافها.. وإنها ستسحب الجزء الأكبر من قواتها في سوريا خلال يومين أو ثلاثة.. كلفة العملية العسكرية في سوريا التي بدأت في 30/9/2015 بمقدار 33 مليار روبل (425 مليون يورو)"، ولكن أمريكا شجعتهم على البقاء بالتنسيق العسكري معهم بإبلاغهم عن الإحداثيات التي يضربونها ومنع الأسلحة الثقيلة عن المعارضة، وقد تخوفوا من التورط والمزيد من الخسائر. وقد دخلوا في مأزق مع معركة حلب، فحركت أمريكا رجلها أردوغان ليساعدهم وينفذ الخطة الأمريكية بعملية درع الفرات، فاجتمع أردوغان مع بوتين يوم 9/8/2016 ليتفق معه على سحب الثوار من حلب وتسليمها لروسيا وللنظام، ليرتكب أكبر خيانة. 
وتظهر أمريكا عنجهيتها وغطرستها على الروس، فتعلمهم بحجمهم أنهم تحت ضغطها، وقد ضربت مواقع النظام أمامهم، وأن أوراق الحل بيدها وليس لهم من الأمر شيء دونها، وقد شكوا فعلا من أن "أمريكا غير مبالية في إنجاز الحل النهائي في سوريا". وتقول إنهم عالقون في سوريا، فإذا لم توافق على موضوع إدلب فلن يستطيعوا أن يتقدموا خطوة واحدة نحوها، فهي التي تحدد لهم الدور الذي يمكن أن يلعبوه. فهم يدركون أنهم لم يحققوا انتصاراتهم في حلب وجنوب إدلب والغوطة ودرعا إلا بتآمرها وأوليائها في تركيا والسعودية وقادة الفصائل التي وقعت تحت تأثير الداعمين. ولهذا ذكر بولتون أنه "لا يوجد أي تفاهم أمريكي روسي حول العملية العسكرية على إدلب". لأن الروس مستعجلون لإنهاء موضوع إدلب وجعل النظام يسيطر عليها للتسريع في الحل. ولكن أمريكا غير مستعجلة، لأنها تفكر في كيفية الحل النهائي، فإذا أمنت الآن سيطرة النظام على إدلب، فيظهر كأنه لم يعد حاجة للمعارضة واستعمالها كورقة ضغط لصياغة النظام من جديد حتى تتمكن من إطفاء جذوة الثورة. فتتعرى هي وأولياؤها أردوغان وآل سعود وغيرهم أمام الجميع، وعندها يصعب صياغة النظام من جديد، فيتعقد الأمر، فيؤجج سخط أهل سوريا، وترتفع شعلة الثورة بقوة أكبر، وقد أخذوا الدرس.
وبعد اجتماعهما صرح بولتون أن "محادثاته مع باتروشيف تناولت العديد من القضايا الإقليمية.. أحرزنا تقدما.. وأنه بحث مع نظيره الروسي مسألة وجود القوات الإيرانية في سوريا والتي تهدف واشنطن إلى تحقيق خروج لها.. أعتقد أن الرئيس الروسي يشاركنا في هذا الأمر". فتعمل أمريكا على التضليل بتحويل المسألة في سوريا إلى موضوع الوجود الإيراني الذي سمحت به ولم تطالب بانسحابه عبر السنوات السبع الماضية وهو يؤدي المهمة القذرة الموكولة له مع أشياعه المتعصبين. فاليوم تثير هذا الوجود وتركز عليه وتجعله محل التفاوض مع الروس، وكأنه المطلب الرئيس لأهل سوريا! لعلها تخدعهم بأن يتحولوا عن المطالبة بإسقاط النظام ويكتفوا بتحررهم من الاحتلال! فيعودوا إلى نقطة الصفر وإلى أحضان النظام. هكذا وبهذه البساطة تعمل أمريكا على خداع البسطاء! ويعلن مسؤولها أن الروس لا يعارضون خروج إيران من سوريا.
وبعد ذلك تأتي المطالبة بخروج الروس، فوصفهم بالعالقين، يعني أنهم يريدون الخروج، ولهذا تملك أوراق الضغط عليهم بسبب مأزقهم ليخرجوا مستقبلا. فتصبح سوريا محررة من الاحتلال الروسي أيضا! فتتعزز سمعة النظام أنه طلب من الروس التدخل والآن يخرجهم. ولهذا رد متحدث الرئاسة الروسية بيسكوف على بولتون قائلا: "الإعلان أن روسيا عالقة غير صحيح.. والغريب بصفة خاصة سماع مثل هذه التصريحات من أمريكا حيث إن العسكريين الأمريكيين موجودون في سوريا أيضا". وكأنه يقول وأنتم أيها الأمريكان عالقون مثلنا! وقد أعلن الرئيس الأمريكي رغبته بالخروج من سوريا، فطالبه أولياؤه حكام آل سعود بعدم الخروج، فقال لهم ادفعوا الثمن. فأعلنوا مؤخرا أنهم سيدفعون 100 مليار دولار للجيش الأمريكي تحت مسمى إعادة الإعمار في سوريا. فإذا انسحب الأمريكان مستقبلا ليكون مقابل انسحاب الروس. وكل ذلك مرهون باطمئنانهم على النظام وعدم احتمال تجدد الأعمال ضده. 
وتظهر أمريكا أنها تدير معركة إدلب كما أدارت المعارك السابقة، فهي التي تعطي الضوء للروس وللنظام للتقدم أو التوقف. فقال بولتون "نشعر بالقلق الشديد عندما ننظر إلى الموقف العسكري، ونريد أن نوضح للأسد بما لا يدع مجالا للشك أننا نتوقع عدم استخدام أي أسلحة كيماوية أو بيولوجية إذا ما كانت هناك أعمال عسكرية إضافية في إدلب. وإن أمريكا سترد بقوة إذا جرى شن هجوم كيماوي أو بيولوجي في إدلب". ولهذا قال وزير خارجية تركيا في موسكو يوم 24/8/2018: "إن حلا عسكريا سيسبب كارثة ليس لمنطقة إدلب فحسب، وإنما أيضا لمستقبل سوريا.." وكان يستعد للقاء بوتين، وبرفقته وزير الدفاع ورئيس المخابرات التركيان، مما يدل على أهمية الأمر، فتركيا وكيلة أمريكا للتواصل والعمل مع الروس.
فالروس يستعجلون الحسم والحل للخروج من ورطتهم، ولكن أمريكا وأولياءها يتريثون لينظروا كيف سيكون عليه الحال في سوريا، وكيف سيقنعون أهلها أنهم لم يخدعوهم ويبيعوهم للنظام، وأنهم يعملون لصالحهم كذبا وزورا. وقد أدركوا مدى تآمر أمريكا وأوليائها حكام آل سعود وأردوغان وأضرابهم.
فوعي الناس وعيا تاما هو الأهم حتى يكونوا على بصيرة عند إسقاط النظام العلماني، ويدركوا أن أمريكا وكل الدول الإقليمية متآمرة عليهم، فلو سقط النظام بمساعدة أمريكا وأوليائها فإنهم سيصبحون أتباعا كأهل كوسوفا، وعندها تصبح المصيبة أكبر، إذ سيؤثرون عليهم ويقنعونهم بإقامة نظام علماني باسم الإسلام والمسلمين! وقد تأثرت جماعات فعلا، وبدأت تقبل هذا الطرح الخبيث الذي يركز الكفر. ولكن الله لطف، إذ كشفهم وفضحهم. ومهما يكن من أمر سيحبط الله كيد الخائنين، وسينصر أولياءه ويمكنهم من إقامة دينهم متجسدا بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وذلك كائن بإذنه تعالى قريبا.
بقلم: الأستاذ أسعد منصور

No comments:

Post a Comment