Wednesday, August 22, 2018

جريدة الراية: حديث «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ»

جريدة الراية: حديث «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ»
يشير إلى أن الإسلام هو أرقى نظام للحياة
  
  11 من ذي الحجة 1439هـ   الموافق   الأربعاء, 22 آب/أغسطس 2018مـ
ينشر بعض أبناء الأمة مقولات هنا وهناك، بأنه لا بد من اتباع الغرب في أنظمة حياته، مع غض الطرف عن الإسلام، باعتباره نظاماً للحياة، بحجة تقدم العصر، واختلاف الزمان والمكان، فيقولون إننا إذا أردنا النهضة، فعلينا أن نتبع الغربيين، وقد تأول البعض حديث النبي صلى الله عليه وسلم «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» فأجازوا أخذ كل شيء من الغرب، حتى الأحكام والنظم التي تضبط الأفعال والتصرفات والسلوك.
فهل النهضة والتقدم العلمي والصناعي يكون باتباع أنظمة الغرب؟ وهل يستوي أخذ العلم والمعرفة والتكنولوجيا من الغرب مع أنظمة الحياة؟
أم هل يستوي علم الفلك والحساب مثلاً مع اتفاقية سيداو، ومفهوم الحريات الغربي، وسياسات صندوق النقد الدولي؟!
فهل نأخذ كل شيء عن الغرب، دون حصانة أو مناعة؟ أم أن هناك موازين ومقاييس؟
في الحقيقة إن الحكم على الأشياء والسلوك والتصرفات يحكمها الشرع، أي يحكمها المبدأ، فلا بد أن تأتي من رب البشر... وهذا بخلاف معرفة طبائع الأشياء، وخواصها، فهذه يدركها العقل بالملاحظة والتجربة والاستنتاج.
فالمياه تنساب من أعلى إلى أدنى، والنار تذيب الحديد فإذا أذابته يمكن تشكيله... وانشطار الذرة، وخواص الزئبق، وصناعة الحاسوب، والتعامل مع الطاقة النووية، وأن الماء مكون من ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأوكسجين، وزيادة الإنتاج، وتقدم الصناعة، واستخراج البترول والمعادن ...إلخ، هذه مسائل علمية عالمية، لا تختص بها أمة، ولا مبدأ، ولا دين، فهذه تحتاج إلى خبرة وتجربة، ومعرفة، ويبدع فيها كل من يبذل وسعه في الاكتشاف، وهذا الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ». فأصل الحديث هو، عن عائشة رضي الله عنها أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ أَصْوَاتًا، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ؟»، قَالُوا: النَّخْلُ يَأْبِرُونَهُ، فَقَالَ: «لَوْ لَمْ يَفْعَلُوا لَصَلُحَ ذَلِكَ»، فَأَمْسَكُوا، فَلَمْ يَأْبِرُوا عَامَّتَهُ، فَصَارَ شِيصًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «كَانَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ فَشَأْنُكُمْ، وَكَانَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ» وفي لفظ مسلم: فَقَالَ: «مَا لِنَخْلِكُمْ»، قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ».
هنا نرى أن الصحابة تركوا ما يصلحهم طاعة لرسول صلى الله عليه وسلم لما ظنوه تشريعاً، لا مجرد رأيٍ في مسألة علمية، بينما كثير منا يفعلون ما يضرهم معصية لله وللرسول صلى الله عليه وسلم، في أمور تشريعية، وليست علمية، كالأخذ بأنظمة الغرب المستعمر في الحكم على الأفعال والتصرفات والأشياء، مثل نظام الحكم الديمقراطي الذي يقوم على فصل الدين عن الحياة وما شابهه، ومثل اتفاقيات الذل والهوان مثل (سيداو)، ومثل قبول سياسات صندوق النقد الدولي المفقرة وروشيتاته! والدخول في أحلاف مع الدول الاستعمارية لقتل المسلمين وإبادتهم تحت مسميات تحقيق السلام...
هذا الحديث يعلّمنا أن أمور تحسين الثروة، وتكثيرها، مثل تأبير النخل، والأمور العلمية والآراء الفنية، في الوسائل والأساليب فإنها علمية عالمية، ما جاء الشرع ليحكمها، ولا ينبغي له أن يحكمها بنص بينما هي تتغير بحسب الحال، بينما الأمور التشريعية التي تتعلق بالحكم على الأشياء والأفعال بالحل والحرمة، والحسن والقبح، فإنما هي لله تعالى، مثل حل أو حرمة السرقة، والزنا، وشرب الخمر، والربا، والحاكم وشروطه وواجباته، والزواج، والنسب، وكسب المال، وإنفاقه، ... فهي أفعال إنسانية تقع من الإنسان أو عليه مهما تغير الزمان أو المكان، فهي ثابتة لا تتغير.
ولذلك فهم الصحابة ذلك ففرقوا بين الأمور الفنية والأمور التشريعية؛ ففي بدر مثلا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم عندما اختار منزلا: (أمنزل أنزلكه الله فلا نتقدم عنه ولا نتأخر؟ (أي هل هو أمر شرعي) أم هو الرأي والحرب والمكيدة)؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «بَلِ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ»... فقال الحُباب: ما هذا بمنزل يا رسول الله... وبوصف الحُباب خبيراً بأمور الحرب والأمكنة، اختار لهم مكاناً استراتيجياً مناسباً فكان النصر بإذن الله.
وفي حديث تأبير النخل أي أمر تحسين الثروة، وتكثيرها، فهو أمر علمي عالمي، ما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليخبر الناس به، ولكن جاء ليعلمنا كيف نتعامل مع الثروة، وليحكم عليها، فقال في العملية الأولى (تأبير النخل) «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ»، لأنه أمر فني وعلمي يحتاج إلى الإبداع حسب الخبرة والتجربة، التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، ثم جاء في موضوع الحكم على الأشياء بغير ذلك، ففي موضوع (التمر) ذاته حكم عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجعله من الأصناف الربوية، فلا يجوز بيعه أو مقايضته بتمر، أقل أو أعلى منه جودة، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ». وعَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ، وَاسْتَزَادَ، فَقَدْ أَرْبَى الآخِذُ وَالْمُعْطِي سَوَاءٌ». مسند الإمام أحمد.
فحتى نميز بين الأشياء والتصرفات لا بد من أن نعرف طبائع الأشياء، والأصل في التشريعات هو الاتباع.
فمثلا الخمرة مُرة، أو حلوة؟ هل تذهب العقل أو لا؟ فهذه يدركها العقل بالحس.
أما كونها حلالا أو حراما؟ حسنة أو قبيحة، نشربها أو لا نشربها؟ فهو حكم خارج عن ذات الشيء وطبيعته، ولذلك لا يأتي من واقع الشيء نفسه، ولا يتفق عليه الناس، إنما يأتي من خارج الشيء، ولذلك يختلف فيه الناس، فلا بد من أن يأتي من خالق الشيء، وهو الله سبحانه وتعالى القائل: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير﴾.
فالحكم بالحل أو الحرمة أو الحسن والقبح، ليس ذلك من طبيعة الشيء نفسه... فمثلا الخمر حسنة أو قبيحة في شربها أو عدمه، لا يحتاج إلى خبرة إنما يحتاج إلى جهة أخرى تتدخل وهي إما الإنسان، وإما رب الإنسان!! وهنا يأتي اتباع شرعة البشر، أو شرعة رب البشر.
لذلك فإن المسلمين لن ينهضوا، ولن تصبح لهم مكانة في مقدمة الدول، إذا ظلوا عالة على الأمم يعتمدون عليها في إدارة شؤون حياتهم، أو شذر مذر، يتكالب عليهم الأعداء، فينهبون ثرواتهم، ويتقوون بتفرقهم وتمزقهم، فلن ينال المسلمون إذا ظلوا هكذا نهضة ولا نصراً!
أما إذا طبق المسلمون أحكام دينهم، وجعلوا الإسلام أساسا لحياتهم، فأقاموا دولة، تطبق فيهم الأحكام المتعلقة بالسلوك والتصرفات والمعاملات، ثم تحثهم وتشجعهم على الصناعة، والزراعة، والإنتاج، والتقدم العلمي والتكنولوجي، وتوفر لهم سبلها، فإنهم لا محالة سيرتقون من علي إلى أعلى، ويعودون إلى مكانهم الطبيعي في قيادة العالم، خير أمة أخرجت للناس، ودولة الخلافة الراشدة هي المؤهلة لذلك، لما لها من إرث شرعي وتاريخي، ولأنها الدولة التي أمر بها الإسلام، وقد كتبت وقائعها على صفحات التاريخ بأحرف من نور...
بقلم: الأستاذ ناصر رضا محمد عثمان
رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان

No comments:

Post a Comment