Wednesday, May 25, 2016

جريدة الراية: الذكرى الـ72 لترحيل تتار القرم: روسيا عادت إلى مواصلة تدمير مسلمي شبه جزيرة القرم

جريدة الراية: الذكرى الـ72 لترحيل تتار القرم: روسيا عادت إلى مواصلة تدمير مسلمي شبه جزيرة القرم

(مترجم)
25-05-2016م
مرت قبل عدة أيام، في 18 أيار/مايو 2016، الذكرى الثانية والسبعون لترحيل تتار القرم. وقد حظر هذا العام التجمع التقليدي الكبير، الذي كان يقام سنويا من قبل تتار القرم في مدينة سيمفيروبل (أقميسدجيت) منذ بداية التسعينات، عندما عادوا إلى البلاد بعد نصف قرن من الترحيل، مثلما حظر أيضا في العام الماضي، والعام الذي قبله، مباشرة بعد ضم الروس شبهَ جزيرة القرم في عام 2014. وعلاوة على ذلك، فإن النظام الروسي هذا العام كما لو كان يسخر من مسلمي القرم: فقد قرر عقد الجلسة الأولى لمحاكمة أربعة مسلمين بتهمة المشاركة في أنشطة حزب التحرير المحظور في روسيا كمنظمة إرهابية، تحديدا في 18 أيار/مايو. لذلك، قضى بعض تتار القرم هذا اليوم بالقرب من محكمة القرم العسكرية حيث كان يعقد هناك الاجتماع عن بعد من المحكمة العسكرية لمنطقة شمال القوقاز (جميع القضايا الجنائية لحزب التحرير في روسيا يتم النظر إليها الآن من قبل محكمتين عسكريتين فقط).
بدأت عملية ترحيل شعب تتار القرم صباح يوم 18 أيار/مايو 1944، عندما اقتحم 32،000 جندي من (الأجهزة الأمنية السوفييتية) NKVD بيوت المسلمين وطالبوهم بمغادرة منازلهم فورا، ولم يسمح لهم حتى بحزم أمتعتهم الشخصية. وتمت عملية الترحيل بناء على أمر وقعه ستالين قبل أسبوع من هذه الأحداث. لقد تم وضع الشعب بأكمله (أكثر من مائتي ألف مسلم من تتار القرم) لمدة ثلاثة أيام داخل عربات بضائع تجرها الماشية وأبعدوا من شبه الجزيرة. واستغرقت رحلة التهجير نحو شهر توفي خلالها عدد كبير من المسلمين بسبب ظروف الاحتجاز غير الإنسانية، وإطلاق وحوش السوفييت النار على الضعفاء منهم. وقام ضباط الأجهزة الأمنية السوفييتية بإلقاء الجثث من عربات القطار وتركوهم على الأرض، ولم يسمحوا للمسلمين بدفنهم. لقد تم ترحيل الجزء الأكبر من الشعب إلى جمهورية أوزبيكستان السوفييتية الاشتراكية، وأرسلت مجموعات صغيرة من الناس بين الجمهورية الكازاخية السوفييتية الاشتراكية ذاتية الحكم، ومناطق الأورال والوسطى لروسيا الاتحادية الاشتراكية السوفييتية. ولدى وصولهم إلى أماكن ترحيلهم لقي تتار القرم المرحّلين وضعا مهينا في المستوطنات الخاصة، وبعد الرعب الذي مروا به داخل عربات البضائع تعرضوا للجوع، الذي أودى أيضا بحياة عدد كبير من المسلمين. ونتيجة لذلك، توفي أثناء عملية الترحيل والسنة التالية لها، ما يصل إلى نصف شعب تتار القرم، ما يجعل قضيتهم قضية غير مسبوقة في التاريخ، وجريمة كبرى ستبقى إلى الأبد لطخـة سوداء على جبين روسيا.
وعلاوة على ذلك، لم يكن تتار القرم الشعب المسلم الوحيد الذي تعرض لترحيل ستالين: فقد حلّ مصير مماثل مسلمي كاراتشيس والشيشان وإينغوشيا والبلقار و"الميسكيت الأتراك" لا يتسع المقام للحديث عن مآسيهم هنا.  
بدأت عودة تتار القرم إلى شبه جزيرة القرم في الثمانينات، وتمكنوا أخيرا من العودة في تسعينات القرن الماضي فقط. ولم تكن السلطات السوفييتية تسمح للعائدين الأوائل من دخول شبه الجزيرة القرم، ومن كان يدخلها منهم كانت السلطات تقوم بطرده مرة أخرى. وحتى عندما تمكن الشعب كله تقريبا من العودة إلى بلادهم وجرت عملية إعادة التأهيل رسميا - لم يتمكن هؤلاء من استعادة أراضيهم، ولا منازلهم، التي كانت محتلة من قبل المستوطنين الروس، الذين تم جلبهم خصوصا لشبه جزيرة القرم بعد عملية ترحيل سكانها منها في 1944. وهكذا، كان على الشعب بأكمله بدء حياتهم مجددا من الصفر - والذي حدث بالفعل للمرة الثانية في نصف قرن.
والآن، وبعد سبعة عقود من الترحيل، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إليها في عام 2014 وأعادت شعب تتار القرم مرة أخرى للحالة التي كانت في الأعوام القليلة الماضية من الروايات التاريخية حقا. وكان "ترحيب" روسيا لمسلمي القرم، كما هو الحال دائما: لم تتوقف لمدة عامين عمليات المداهمات الشاملة في منازل تتار القرم، وتم اختطاف عدد من المسلمين وقتلهم، وألقي القبض على 14 مسلما بتهمة الانتماء إلى حزب التحرير، كما اعتقل عدد من الناشطين من مجلس شعب "تتار القرم"، واعتبرت الهيئة التمثيلية لتتار القرم نفسها كمنظمة متطرفة ومحظورة. إن عجلة آلة الطغيان الروسية لا تنفك تتجدد بقوة، والمقارنات التاريخية تشير إلى ذلك أكثر وأكثر في كثير من الأحيان.
تجدر الإشارة إلى أن معاناة مسلمي القرم هي مثال حي على الكوارث التي حلت بالأمة الإسلامية مع ضعف وانهيار الخلافة. وقد بدأت الويلات تحلّ على تتار القرم قبل فترة طويلة من الإبعاد في عام 1944. هناك هذا العام ذكرى أخرى؛ وهي مرور 233 عاما على الضم الأول لشبه جزيرة القرم إلى روسيا القيصرية وفصل ولاية القرم عن الخلافة العثمانية في عام 1783م، ثم تمكن الإمبراطورية الروسية تحت قيادة كاترين الثانية، مستفيدة من ضعف الخلافة العثمانية، من احتلال شبه جزيرة القرم بطريقة جبانة وغادرة، وبدأت بعدها المجازر الوحشية ضد المسلمين في شبه جزيرة القرم. وكانت عواقب هذه الأحداث رهيبة تمثلت في إبادة عشرات الآلاف من مسلمي القرم، وإجبار مئات الآلاف على الفرار إلى دولة الخلافة العثمانية. إن الاضطهاد الذي عانى منه المسلمون في الأراضي المحتلة من روسيا القيصرية (لم يكن فقط شبه جزيرة القرم، بل منطقة الفولغا والأورال وسيبيريا والقوقاز وآسيا الوسطى) معروف، وسيبقى إلى الأبد في ذاكرة هذه الشعوب. إن كراهية روسيا تنتقل من جيل إلى جيل، ممزوجة بحليب الأمهات، مضمّنة في الفن الشعبي في بلاد المسلمين، ويُعبّر عنها في القصائد والأغاني والأمثال والأقوال. وعندما تم استبدال النظام الشيوعي بالنظام القيصري، واجه المسلمون محاولات من قبل السلطات السوفييتية الملحدة لتدمير دينهم تماما؛ فقد تعرض الأئمة والعلماء إلى قمع واسع، ودمرت جميع المساجد تقريبا. وقد حاول النظام السوفييتي محو الهوية الإسلامية للمسلمين تماما، فكانت الأجهزة الخاصة تلاحق كل شخص يقوم بممارسة حتى أركان الإسلام الأساسية. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذا، حافظ المسلمون على إيمانهم وعلى الصيام والصلاة في السر، يحملون الإسلام وسط سلسلة أخرى من الابتلاءات.
إن مسلمي القرم اليوم يعيشون مرة أخرى الصدع الجيوسياسي في قلب الصراع على شبه جزيرة القرم ذات الأهمية الاستراتيجية، والتي عادت مرة أخرى تحت الحكم الروسي. ومرة أخرى نرى القمع الجماعي، ومرة ​​أخرى نرى الاتهامات في عدم الولاء، ومرة ​​أخرى تم وسم كل الشعب بالمجرمين. سلسلة عذابات مسلمي القرم هذه لن تنتهي إلا عندما تعود للأمة دولتها، وإمامها الذي سيكون درعا للمؤمنين، كما جاء في الحديث الشريف: «إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به».
نعم، وحده وجود الخليفة، ولا شيء غير ذلك، سيوقف المعاناة التي يعاني منها المسلمون اليوم من النظام الروسي البغيض في الشيشان وداغستان وتتارستان وبشكيريا، وكاباردينو-بالكاريا، وكراشاي-شركيسيا وإنغوشيا وأديغيا وسائر بلاد المسلمين، التي تحتلها روسيا؛ «سجن الشعوب». فقط مع ظهور الدولة الإسلامية ستتوقف هذه المعاناة من قبل دمى الشر الطغاة على المسلمين في آسيا الوسطى في أوزبيكستان، وطاجيكستان، وقرغيزستان، وكازاخستان وتركمانستان، وكذلك سيتوقف ما يعانيه إخواننا الإيغور في تركستان الشرقية من قبل المشركين الصين، وفي غيرها من بلاد المسلمين. ولذلك، فإن عودة الخلافة على منهاج النبوة هو بالضبط العمل الذي يعمل لأجله اليوم المسلمون في جميع أنحاء العالم مضحّين بحياتهم وحريتهم في سبيل تحقيقه، نسأل الله أن يقويهم جميعا ويؤيدهم بنصر عاجل برحمته.
كتبه: محمد منصور

No comments:

Post a Comment