Tuesday, June 30, 2015

جريدة الراية: حوار خاص مع رئيس المكتب السياسي لحزب التحرير في تونس

جريدة الراية: حوار خاص مع رئيس المكتب السياسي لحزب التحرير في تونس

على إثر الأحداث الإرهابية الأخيرة التي جدّت في تونس في المنطقة السياحية بسوسة والتي راح ضحيتها العشرات من السياح، أجرت جريدة الراية حوارا خاصا مع الأستاذ عبد الرؤوف العامري رئيس المكتب السياسي لحزب التحرير في تونس. وفيما يلي الحوار:
س1: بداية هناك تقارير أفادت أن ما جرى في سوسة كان مدبرا بدلالة أن القاتل تجول بهدوء وحرية ليرتكب جريمته على بعد أمتار من رجال الأمن كما أفادت وكالة سكاي نيوز نقلا عن شهود عيان. فكيف تفسرون ما حصل وهل كان مدبرا فعلا؟ وإذا كان كذلك فلأي غرض؟
تشير وقائع أحداث ما جرى في سوسة أنها أحدث حلقة في سلسلة الأعمال الإجرامية (الإرهابية) التي ارتكبت في تونس منذ الاعتداء على مفرزة من الجيش التونسي والذي ذهب ضحيته "مقدم" و"رقيب أول" والتي اكتنفها جميعها غموض مريب لم تقدر السلطة الرسمية أن تقدم تفسيرا مقنعا للرأي العام حول حقيقة ما يجري، خاصة وأن كل عملية ارتبطت بأزمة سياسية ورفض شعبي للاتجاه الذي تدفع القوى العلمانية المتحكمة في المشهد السياسي بالمسار الثوري نحوه بافتعال أزمات أمنية تضع الناس في الخيار بين أمنهم أو طموحاتهم السياسية. لذلك يمكن التأكيد على أن غرفة العمليات التي أشرفت على مختلف العمليات الإجرامية (الإرهابية) هي نفسها في كل مرة. ولذلك فإن ما حدث في سوسة أخيرا يندرج في هذا السياق لوقوع الأحداث في فندق يعود إلى العائلة الأكبر نفوذا في سوسة والمشمول بحراسة مشددة، خاصة وأن زبائنه من أكثر الأوروبيين ثراءً. وبالتالي، فمن خلال المعلومات وتهافت التفسيرات الرسمية يمكن ترجيح أن الأمر مدبر لسرعة رد الفعل من رئيس الدولة، خاصة، دون انتظار الأبحاث والتحقيقات الأمنية. أما الأسباب الموضوعية لهذه العملية فهي:
1- توالي فشل سلطة ما بعد الثورة حتى بعد انتخاب السبسي على رأس الدولة رغم الضوضاء الإعلامية التي شنها العلمانيون من أن مفتاح حل الأزمة بيده هو لا غير.
2- تنامي مظاهر الرفض لكل الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة والسخرية منها وتفشي ظاهرة الإضرابات القطاعية (تعليم، صحة، نقل، خدمات...) واعتصامات تكاد تشمل كامل منطقة الجنوب.
3- تراجع سلطة الاتحاد العام التونسي للشغل على منظوريه وعدم قدرة المركزية النقابية أو الهياكل الوسطى على قيادة تحركات الموظفين والعمال.
4- تصدع الائتلاف الحكومي المكون من رباعي نداء تونس والنهضة والاتحاد الوطني الحر وآفاق تونس، لعدم رضا الآفاق عن وجود النهضة في السلطة، والسعي نحو الاكتفاء بتحالف النداء مع النهضة.
5- إلا أن العامل الأهم في كل ذلك هو الصدمة الكبرى التي أحدثها مؤتمر حزب التحرير في تونس والتي كان لها وقع الزلزال على الأوساط العلمانية مما أربك المشهد السياسي وكشف التخبط في ردود الأفعال والتصريحات.
س2: فور وقوع الجريمة تعالت صيحات أتباع الغرب مطالبة بحظر الحزب، وصرح السبسي بأنه لن يسمح برفع راية غير العلم التونسي وقال أنه ستتم مراجعة الرخص للأحزاب... فهل يشير هذا إلى توجه الحكومة لحظر الحزب؟
كان رد السبسي انفعاليا غير متزن كشف عن توتر وتناغم مع جوقة الإعلاميين الموتورين وأتباع الغرب عامة فاغتنموا وقوع هذه الجريمة مع يقينهم أن لا علاقة لحزب التحرير بها لا من قريب ولا من بعيد للكشف عن دخائل نفوسهم للحديث صراحة وتلميحا بحظر الحزب، محاولين اللعب على مشاعر الناس حين الحديث عن وجوب رفع العلم التونسي لا غير، إلا أنهم سرعان ما أدركوا خطأ وسماجة هذا المنزلق لتنبه الناس في تونس لهذه المسرحية السخيفة وتندرهم بها واستنكارهم لها فبدأت تصريحاتهم تخفف من غلوائهم وعادوا إلى قوانينهم يبحثون فيها عما يحقق أمانيهم.
س3: يثار جدل في تونس حول حظر الحزب مع معرفة الجميع أن حزب التحرير لا يقوم بالعمل المادي، في حال وقع الحظر ماذا سيكون موقفكم؟
وجود الحزب في تونس ليس وليد اليوم ولا هو منّة من أحد، وإنما هو استجابة من أبناء الأمة في هذا البلد الطيب لأمر الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104] فعمله فرض أوجبه الله على المؤمنين لا يغير موقف شبابه منه قرار سلطة بالإذن أو الحظر، فهو في الحقيقة أمر لا أهمية له أبدا بل سنمضي في الصدع بالحق والجهر به والارتقاء بوعي الناس الذي تجلى في مؤتمرنا الرابع وتجاوب التحركات الشعبية مع مواقف الحزب وآرائه.
س4: حذر الدكتور محمد هنيد من جامعة السوربون في مقابلة على قناة البي بي سي بأن هناك مخططاً خارجياً يستهدف وأد الربيع العربي، فهل ترون أن دول الغرب ستنجح في وأد شعلة "الربيع العربي" الذي انطلق من تونس؟
لا بد من الإشارة ابتداء أن وهج الثورة لم ينطفئ أبدا فيما سمي بـ"الربيع العربي" وإن تنوعت التعبيرات من قطر لآخر، ولعل من أبرز مظاهرها عدم ركون الناس للحلول والإجراءات المتخذة من قبل الحكام، بل واستخفافهم بهم والتندر عليهم. ثم إن الناس أدركوا أن قضيتهم ليست مسألة جوع وشبع وإنما هي قضية حقوق وكرامة وبالتالي فالقضية مبدئية ولن يقدر الغرب بإذن الله وحوله على وأد هذه الشعلة، ونحن نلمس بوادر توهجها من جديد في مهد هذه الثورة المباركة تونس.
س5: من المعروف أن حزب التحرير أطلق حملة واسعة لكشف الفساد في أجهزة الدولة، وشارك بقوة في حملة "وينو البترول"، كما أنه في مؤتمره الأخير نجح في حشد جمهور كبير من الأنصار، فهل هذا ما دفع السبسي لمحاولة حظر الحزب؟
كان للأعمال التي قام بها الحزب لكشف الفساد الذي استشرى في كافة أجهزة الدولة الأثر الفعال في إنارة الرأي العام في تونس على حقيقة ما يجري في البلد من نهب للثروات الهائلة التي تزخر بها من قبل المتنفذين والشركات الاستعمارية والتي حرصت السلطات المتعاقبة على حكم البلاد منذ ما سمي بالاستقلال على إخفائها والادعاء بأن البلد خالٍ منها مما أربك الحكم ووضعه في وضع عدم القدرة على الرد على كل الحجج والأدلة المبينة لذلك، وزادت مشاركته في حملة "وينو البترول" بقوة إبراز صدقية الحزب في كل ما قاله، ثم كان للحشد الجماهيري الكبير لأنصار الحزب والذي كان هو المسألة الأساسية التي ظل الوسط السياسي يترقبها حتى كانت المفاجأة التي أذهلته رغم المحاولات الجدية لمنع الأنصار من الوصول إلى مقر المؤتمر وترويعهم مما حدا بالسبسي أن يركب هذا المركب الوعر والذي نسأل الله العزيز الجبار أن يهلكه فيه.
14 من رمــضان 1436
الموافق 2015/07/01م

No comments:

Post a Comment