Sunday, October 16, 2022

جريدة الراية: بريطانيا هي أمّ الجرائم وأمّ المصائب

 

جريدة الراية: بريطانيا هي أمّ الجرائم وأمّ المصائب

 

  16 من ربيع الاول 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 12 تشرين الأول/أكتوبر 2022مـ

إن لنا، نحن المسلمين، ثأرا تاريخيا عظيما عند بريطانيا، فما إن أبدعت دولة الإسلام في نشر الدين في ربوع الأرض، وأدخلت الناس في دين الله أفواجا، وعم السلم والأمان أكثر من ثلث العالم القديم مدة تزيد على عشرة قرون، وانخفض خلالها منسوب الجرائم في الدنيا، وتلاشى الرق تماما، وانعدم الفقر وغاض الجهل وازدهر العلم والعمران، ظهرت بريطانيا كدولة استعمارية خبيثة، وبدأت تعيث في الأرض فسادا، وتوسع نفوذها القائم على نهب ثروات الشعوب الإسلامية وغير الإسلامية، ومص دمائهم، وصارت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

وإذا تتبعنا فعالياتها السياسية والعسكرية والاقتصادية وغير ذلك مما تقوم به الدول العظمى، نجد أنها - وعلى مدى خمسة قرون أو أكثر - هي التي قد أشعلت فتيل الأزمات في القارات الخمس، وغيرت التركيبة السكانية لكثير من البلدان، وقضت على السكان الأصليين في أستراليا وغيرها، وقامت بإثارة الفتن والنعرات الوطنية والقومية لدى الشعوب الإسلامية في البلاد الإسلامية، وغذت حركات مسلحة لمقاومة الدولة الإسلامية، ما أسفر عن قضم البلاد الإسلامية واحدا تلو الآخر، وانسلاخ ولايات كبيرة وكثيرة عن جسم الخلافة العثمانية تحت شعار ما يسمى بالاستقلال، وسلبت السلطة من المسلمين فيها ومنحتها للبوذيين والهندوس والوثنيين والحركات الباطنية، وبقيت بريطانيا تعمل ضد الدولة الإسلامية دون كلل أو ملل، حتى استطاعت أن تهدمها عام 1924م، وترحيل آخر خليفة عثماني عنها، وأخرجت الناس من دين الله أفواجا، كما دخلوا فيه أفواجا! وبريطانيا هي التي أوقعت العالم في حربين عالميتين أفنتا الملايين، وسببت النكبات لكثير من دول أوروبا، وسعت لتخريب روسيا وتوريط أمريكا في مشاكل معقدة في الدول التي تسيطر عليها في أفريقيا وآسيا.

ولم تكتف بريطانيا بإسقاط الدولة الإسلامية، بل لاحقت المسلمين إلى عقر دارهم بعد أن بدلت نظامهم السياسي وهو الخلافة، وسارت قدما نحو تغيير أنظمة معيشتهم الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغير ذلك، وأمعنت في تعميق جراحهم بغرز خنجر كيان يهود المسموم في فلسطين قلب بلاد الشام، وأخرجت أهلها من ديارهم بغير حق، فهي التي سببت نكبة فلسطين وما نحن فيه من ذل وعار ومهانة، وهي التي أفقدت المسلمين عموما شخصياتهم الإسلامية، حتى صاروا غثاءً كغثاء السيل. وهي التي أحيت الرق بعد أن قضت عليه الدولة الإسلامية، حتى قال فيها أحد علماء المسلمين الأحرار الأفذاذ: أرضعوا أبناءكم كره بريطانيا كما ترضعهم أمهاتهم اللبن الذي ينشز اللحم والعظم!

ولما زرت بريطانيا وجدت البنية التحتية فيها فاخرة دون أن يكون لدى الدولة أية مقومات لاقتصادها إلا سرقة أموال الشعوب، ولما دخلت المتحف البريطاني لم أجد فيه ولو جناحا واحدا بريطانياً، بل وجدت جناحا إسلاميا وآخر يونانيا وآخر فرعونيا وهكذا، ما يؤكد أنها سارقة حضارات الشعوب بامتياز.

وإذا أردنا أن نستفيض في تعداد جرائم بريطانيا ضد المسلمين على وجه الخصوص، فلن يسعنا مقام كهذا، ولكننا نجزم بأن جراحنا النازفة في مصر والسودان وأراكان والهند وباكستان واليمن والصومال وليبيا وشمال أفريقيا جميعا، وكذلك غرب أفريقيا والشرق الأقصى والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وغيرها الكثير، إنما هي من فعل الطعنات البريطانية التي ما انفكت تضرب جسد الأمة الإسلامية منذئذ. ونستطيع أن نجزم بأن الفقر والجهل والخلافات القاتلة التي ضربت جذورها في أوساط المسلمين إنما هي من فعل الدهاء والمكر البريطاني. ولو أردنا أن ننصب محاكم لمحاكمة بريطانيا على ما فعلته بالمسلمين ما وسعنا الدهر كله للحكم في جرائمها والمصائب التي تسببت بها، ولذلك فإنها تستحق بجدارة أن يطلق عليها لقب أم الجرائم وأم المصائب. وإنه لا يشفي صدورنا ويذهب غيظ قلوبنا إلا أن نرى بريطانيا دولة مهزومة أمام جند الخلافة، وأن تُحكم بالإسلام، كي تغيب شمس بريطانيا العظمى عن الدنيا إلى الأبد، ويغيب معها الكيد والمكر، وتنتهي مع انتهاء العرش الملكي لبريطانيا أسوأ حقبة من حقب تاريخ البشرية.

ومن الجدير ذكره أن حكام المسلمين عربا وعجما من غير استثناء كانوا جميعا بعد هدم دولة الخلافة عملاء لبريطانيا، وكانت بريطانيا، ولا زالت، تتحكم في معظمهم، وترسم لهم سياسات السلم والحرب، وسياسات العمل الاستخباري، وأهم من ذلك كله سياسات مواجهة العاملين المخلصين لإقامة الدين وإحياء الخلافة من جديد. فيا ويلهم من الله، وقد عطلوا شرع الله، وساموا الناس سوء العذاب، وشاع الفقر واستفحل الجهل في ظل عهودهم النحسة. وصدق فيهم قول النبي ﷺ: «مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

ولكن الأمل بنصر الله قد ازداد بعد أن وُجد في المسلمين من يعمل لإنهاضهم، وأدركت الأمة بعد كل هذه النكبات بأنه لا خلاص لها إلا بالإسلام، ولا قوة للإسلام إلا بدولة خلافة المسلمين الثانية الراشدة على منهاج النبوة، والتي قد أظل زمانها، وملأت بشائرُها طباقَ الأرض، بعد الملك الجبري الذي نعيشه اليوم، ليتحقق وعد الله عز وجل للعاملين الجادين لإقامتها في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾، وبشرى رسوله ﷺ بأن الخلافة ستقوم بعد الملك الجبري الذي نحن فيه، وذلك في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد: «ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ. ثُمَّ سَكَتَ».

فاللهم اجعلنا من شهودها وجنودها، واجعلنا من الذين يشهدونها وهي تقتص من المجرمين التاريخيين من أمثال بريطانيا وباقي أكابر المجرمين الأمريكيين والروس والصينيين وغيرهم. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

بقلم: الشيخ عصام عميرة بيت المقدس

No comments:

Post a Comment