Monday, February 24, 2014

الحديث الشريف:

الحديث الشريف:
مع الحديث الشريف "بَاب اتِّبَاعِ سُنَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى"

جاء في صحيح الإمام مسلم "بتصرف" في "بَاب اتِّبَاعِ سُنَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى"
حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ: فَمَنْ؟"
قوله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع إلخ) السنن بفتح السين والنون وهو الطريق،
والمراد بالشبر والذراع وجُحْر الضَّب التمثيل بشدة الموافقة لهم؛ أي الموافقة في المعاصي والمخالفات، لا في الكفر. وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، من تهافت المسلمين على اتباع طرائق الكفار، والتشبه بهم في عقائدهم وعباداتهم وعاداتهم وأعيادهم، بل إن الأمر أخطر من ذلك، حيث ذهب بعض المسلمين في الغلو، حيث شاركوا النصارى في حضور ما يعرف بقداس منتصف الليل عندهم، فإذا جاء ما يعرف عندهم بعيد الميلاد، رأيت المسلمين يتسابقون لإحياء هذه السنة النصرانية، فيما يعرف برأس السنة الميلادية، ويكفيك ما يخالطها من زنا ومن خمور وفجور، فترى بلاد المسلمين تُضاء سماؤها في هذه الليلة، وتسهر معهم حتى الصباح.
أيها المسلمون: إذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد طلب منا أن لا نصوم معهم، فكيف بنا اليوم ونحن نتبع فجورهم؟ ألا لعنة الله على حكام المسلمين الذين أوصلوا الأمة إلى هذا السقوط. فلنعمل أيها المسلمون للتخلص من هذه القذرات من الحكام، ولتعد الأمة إلى مكانتها التي رضيها الله لها، خير أمة أخرجت للناس، عندها سيتبع اليهود والنصارى سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم.
اللهم اجعل هذا الأمر قريبا، اللهم آمين آمين.
 24 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/24م

مع الحديث الشريف: إعطاء الدولة للأفراد

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم
روى النسائي في سننه قال: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أبي عَدِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَتْهُ وَفْدُ هَوَازِنَ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا أَصْلٌ وَعَشِيرَةٌ وَقَدْ نَزَلَ بِنَا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَخْفَى عَلَيْكَ فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ: اخْتَارُوا مِنْ أموالكُمْ أو مِنْ نِسَائِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ، فَقَالُوا: قَدْ خَيَّرْتَنَا بَيْنَ أَحْسَابِنَا وَأموالنَا بَلْ نَخْتَارُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ، فَإِذَا صَلَّيْتُ الظُّهْرَ فَقُومُوا فَقُولُوا إِنَّا نَسْتَعِينُ بِرَسُولِ اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أو الْمُسْلِمِينَ فِي نِسَائِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَلَمَّا صَلَّوْا الظُّهْرَ قَامُوا فَقَالُوا ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ، فَقَالَ الْمُهَاجرُونَ: وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
جاء في حَاشِيَةُ السِّنْدِيِّ:
قَوْله: (إِنَّا أَصْلٌ)
أَيْ أَصْل مِنْ أُصُول الْعَرَب
(وَعَشِيرَة)
أَيْ قَبِيلَة مِنْ قَبَائِلهمْ
(مَنَّ اللَّهُ عَلَيْك)
الظَّاهِر أَنَّهَا جُمْلَة دِعَائِيَّة وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَصْدَر أَيْ كَمَنَّ اللَّه تَعَالى عَلَيْك فَهُوَ قَرِيب مِنْ قَوْله تَعَالى أَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّه إِلَيْك
(مِنْ أموالكُمْ)
لَعَلَّهُ زَادَ مِنْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ أموالهِمْ أو نِسَائِهِمْ مَا يَتَيَسَّرُ رَدُّهُ إِذْ الْعَادَة أَنَّهُ لَا يَتَيَسَّرُ رَدُّ الْكُلِّ
(أَمَّا مَا كَانَ لِي إِلَخْ)
كَأَنَّهُ أخذ مِنْهُ هِبَة الْمُشَاع لَكِنْ الظَّاهِر أَنَّ الْمَوْهُوبَ هَاهُنَا وَإِنْ كَانَ مُشَاعًا نَظَرًا إلى ظَاهِرِ الْكَلَام بَيْن الْوَاهِب وَغَيْره لَكِنْ بِالتَّحْقِيقِ نَصِيب كُلِّ مُمْتَاز عَنْ نَصِيب غَيْرِهِ فَلَا شُيُوعَ ثُمَّ لَا شُيُوع بِالنَّظَرِ إلى الْمَوْهُوب لَهُ بَلْ الْكُلُّ هِبَة لَهُمْ عَلَى التَّوْزِيع بِأَنْ يَكُونَ لِكُلِّ زَوْجَته وَأَوْلَاده إِلَّا أَنْ يَعْتَبِرَ صُورَة الشُّيُوع فِي الطَّرَفَيْنِ أو أحدهمَا فَلْيُتَأَمَّلْ.
كانت هوازن قد حاربت المسلمين في معركة حنين فهزمها الله تعالى وأفشل سعيها للقضاء على الإسلام, وجعل أموالها ونساءها وأَبناءها غنيمة للمسلمين. ثم إِن هوازن أَسلمت وجاء رجالها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يطلبون أن يَمُنَّ عليهم بإعادة أموالهم ونسائهم وأبنائهم ......فكان ما كان مِنْ مَنِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم, حيث وهبهم حصته وحصة بني عبد المطلب من نسائهم وأبنائهم ثم تبعه المهاجرون والأنصار في هبة باقي النساء والأطفال إلى أهليهم.
هذا الحديث فيه دلالة على مشروعية إعطاء أو أخذ الأفراد مالاً دون مقابل مال أو جهد فالرسول صلى الله عليه وسلم قد وهب حصته وحصة أهله من غنائم حنين لوفد هوازن دون أن يأخذ فداء منهم, وهوازن قد أخذت نساءها وأبناءها دون أن تدفع مالا أو جهدا مقابل استعادتهم.
ولقد شرع الإسلام أخذ الفرد للمال دون مقابل مال أو جهد في خمس حالاتٍ هي:
الصلة: سواء أكانت الصلة في حياة الواصل أو بعد مماته
ففي حياته تتمثل في حالتين: الهبة ودليلها حديثنا لهذا اليوم
والهدية لقوله عليه الصلاة والسلام: "تهادوا تحابوا"
أما بعد وفاته فتتمثل بالوصية, ودليلها ما رواه البخاري عن سعد بن أبي وقاص قال: "مَرِضْتُ بِمَكَّةَ مَرَضًا فَأَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ فَأَتَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا كَثِيرًا وَلَيْسَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَتِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قَالَ قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: الثُّلُثُ كَبِيرٌ إِنَّكَ إِنْ تَرَكْتَ وَلَدَكَ أغنياء خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ".
فالإنسان يملك الهبة الموهوبة له, والهدية المهداة إليه, كما يملك الوصية الموصاة له ملكاً شرعياً ولا شك.
استحقاق المال عوضاً عن ضرر من الأضرار التي تلحق بالفرد, ومثالها: دية القتل, وديات الجروح,
أما دليلها: فدليل دية القتل قوله تعالى: "وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنَاً خَطَاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةُ إلى أهْلِهِ"
ودليل ديات الجروح: ما رواه النسائي عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَأبا فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. وقد جاء في الكتاب: "وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحدةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ".
وهذه الديات هي ملك شرعي لصاحب الحق.
استحقاق المهر وتوابعه بعقد النكاح:
ودليلها قوله تعالى: "وءَاتوا النساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً".
فالصداق هو المهر, ونحلة أي عطية, فالمهر ليس بدل البضع كما يتوهم البعض بل هو هدية تقدم إلى المرأة ويجب أن تكون عن طيب نفس من الزوج لأنها فريضة من الله تعالى, والمرأة تملك هذا المهر على الوجه المفصل في أحكام الزواج.
اللقطة:
ودليلها: قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن اللقطة: "ما كان منها في الطريق المِيتاء (أي المسلوكة) أو القرية الجامعة, فعرّفها سنة, فإن جاء طالبها فادفعها إليه, وإن لم يأت فهي لك, وما كان في الخراب, يعني ففيها وفي الركاز الخمس".
تعويض الخليفة:
ودليله: "أن أبا بكر رضي الله عنه أخذ مالا تعويضاً عن حبسه عن التجارة حين طُلِبَ منه أن يتفرغ لشؤون المسلمين وأقره الصحابة على ذلك.
فما يأخذه الخليفة من نفقة من بيت المال ليس أجرة له على عمله لأنه ليس أجيرا عند الأمة بل هو نائب عنها في تطبيق شرع الله, وما يأخذه من بيت المال إنما هو نفقة له بسبب حبسة عن القيام بعمل يكسب منه قوته وقوت عياله لانشغاله برعاية مصالح الأمة .....
حرص الإسلام على تداول المال بين الناس وعدم إبقائه في أيدي فئة قليلة من الأغنياء, في حين يحرم منه القطاع الأوسع من الناس, فجاء بأحكام تحدد أسباب التملك لتفتح الآفاق أمام الأفراد للسعي في طلب الرزق وتتيح للضعفاء من الأطفال وكبار السن والمرضى وأصحاب الاحتياجات الخاصة والبسطاء من الناس أن يعيشوا حياة كريمة سواء بكدهم أو بما شرع لهم من أسباب يحصلون على الرزق منها كالإرث والأموال التي تعطيها الدولة للناس والأموال التي يحتاجها الأفراد لأجل الحياة والأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد ........ فهي أسباب لم تبق أحداً محتاجا أو محروما... فأين هذه الأحكام من حياة البشرية التي تئن من الجوع والحرمان, وتشكو صباح مساء من بطر الأغنياء وبلادة إحساسهم بالفقراء والمعدمين ومن يقتاتون على حاويات النفايات, وتبكي دما على الطفولة البريئة التي تقضي بسبب الجوع والحرمان وجيوب الأغنياء وخزناتهم تنوء مما فيها من الملايين التي لا يدرون متى وأين وكيف ينفقونها .....فعجل اللهم لنا بدولة الخلافة لتطبق علينا أحكام ديننا العظيم .....دين الهداية والرعاية والرحمة ....فلا يبقى على الأرض سائل ولا فقير ولا محروم ....
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 23 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/23م




مع الحديث الشريف : اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

نحييكم جميعا أيها الأحبة الكرام في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في حاشية السندي، في شرح سنن ابن ماجة "بتصرف"، في باب "اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم"
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"
قوله: (ما أمرتكم به فخذوه إلى آخره) هذا الحديث كالتفسير لقوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، وما في الموضعين شرطية كما ذكر السيوطي ثم قوله: ما أمرتكم به يعم أمر الإيجاب والندب. وقوله: فخذوه أي تمسكوا به لمطلق الطلب الشامل للوجوب والندب، فينطبق على القسمين وقيل: هذا مخصوص بأمر الوجوب وكذلك قوله: وما نهيتكم عنه يعم نهي تحريم وتنزيه وكذا الطلب في قوله: فانتهوا يعم القسمين ويحتمل الخصوص بنهي التحريم، والخطاب وإن كان للحاضرين وضعا، لكن الحكم يعم المغيبين اتفاقا، وفي شمول الخطاب لهم قولان وعلى التقدير فإطلاقه يشمل المجتهد والمقلد.
أيها الأحبة الكرام:
الحمد لله أن جعلنا الله ممن يعمل لتطبيق حكم الله في الأرض، فكان في الأمة من أدرك منطوق الآية الكريمة، (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) والحديث الشريف الذي نحن بصدد الحديث عنه، ليؤكد حقيقة شرعية، ألا وهي أن الإسلام يجب أن يطبق كاملا.
فلو طبق جميعه باستثناء حكم واحد، كأن يأتي من يريد الحكم ويقول: نحن سنطبق كل أحكام الإسلام، من فراش الزوجية إلى السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، إلا حكم السرقة، فلا نريد قطع اليد، فإن فعل ذلك وقع في الحرام، وأصبح لا يطبق الإسلام، وذلك منطوق الحديث، (مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، فما من ألفاظ العموم، فهي تتسع لكل أحكام الشرع على الإطلاق، والأمر للوجوب.
أحبتنا الكرام، والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
22 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/22م

مع الحديث الشريف: ادعهم إلى ثلاث خصال

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(حديث مرفوع) أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا أَمَّرَ عَلَيْهِمْ, قَالَ: "إذَا لَقِيتَ عَدُوًّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ, أَوْ ثَلَاثِ خِلَالٍ شَكَّ عَلْقَمَةُ، ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ, وَإِنِ اخْتَارُوا الْمُقَامَ فِي دَارِهِمْ أَنَّهُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا يَجْرِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوكَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَادْعُهُمْ إِلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ, فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَدَعْهُمْ, فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ".
أيها الإخوة الكرام:
إن مفهوم قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ".
هو: أنهم إن لم يتحولوا لا يكون لهم ما للمهاجرين أي لمن هم في دار الإسلام. ويتبين اختلاف الأحكام بين من يتحول إلى دار المهاجرين وبين من لا يتحول إلى دار المهاجرين. ودار المهاجرين كانت هي دار الإسلام أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وما عداها دار كفر.
ومن هنا جاء معنى دار الإسلام ودار الكفر أو الحرب فتكون إضافة الدار للإسلام أو للكفر أو للحرب هي إضافة للحكم والسلطان.
وعليه فالله الله فيمن يعيد الدار للإسلام بعد حلكة طالت على أيدي طغاة حكموا بالطاغوت وغصبوا السلطان الله الله في أنصار كأنصار محمد صلى الله عليه وسلم - حولوا يثرب إلى دار العدل والإسلام - ليحولوا نقيع الدم في الشام إلى دار إسلام تحكم بالإسلام ويعود أمانها بأمان المسلمين.
الإخوة الكرام ، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 21 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/21م

مع الحديث الشريف: الإجارة على المنافع العامة والعبادات

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن أحق ما أخذتم عليه أجرا
روى البخاري في صحيحه: حَدَّثَنِي سِيدَانُ بْنُ مُضَارِبٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ الْبَصْرِيُّ هُوَ صَدُوقٌ يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ الْبَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَخْنَسِ أَبُو مَالِكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ، إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ فَبَرَأَ فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا! حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ ".
(1) رقاه: عَوَّذه
(2) الشاء: جمع شاة وهي الواحدة من الضأن أو الماعز
(3) بَرَأَ أو بَرِئ: شفي من المرض
هذا الحديث يبين أن إباحة الإجارة تشمل الإجارة على العبادات ...فهذا الرجل قد رقى مريضاً بالقرآن (الفاتحة) وأخذ أجرة على فعله فلم ينهه الرسول عن ذلك بل أخبر بأن الإجارة على قراءة القرآن شيء مستحب ....والإجارة على الكتاب لا تكون فقط بالرقية بل بالتعليم أيضاً فمن عمل في تعليم القرآن كان أجره حلالا زلالا بإذن الله ...ولقد عين عمر معلمين للقرأن ورزقهم من بيت المال وفي هذا دليل آخر على إباحة الإجارة على العبادات ...كما فيه دلالة على أن المنافع العامة أيضاً هي مما يجوز الإجارة عليها ....فتعليم القرآن هي مصلحة عامة للمسلمين عين لها الخليفة عمر مدرسين وعين لهم أجرا من بيت المال.
ورد في مصنف ابن أبي شيبة:
حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع عن صدقة بن موسى الدمشقي عن الوضين بن عطاء قال: "كان بالمدينة ثلاثة معلمين يعلمون الصبيان، فكان عمر بن الخطاب يرزق كل واحد منهم خمسة عشر كل شهر".
....كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جعل فداء من لا يملك مالا من أسرى بدر تعليم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة ....والتعليم هو من مصالح المسلمين والرسول قد أعطى من قام بهذه المصلحة من الأسرى أجرة على عمله .....وهي التحرر من الأسر ....ومن المعلوم أن فداء الأسرى هو من الغنائم التي هي حق للمسلمين فكان جعلها أجرة لمعلمي الأطفال يدل على أنه يجوز الإجارة على المصالح والمنافع العامة. ومن المنافع العامة التي تستحق استئجار الأجراء لتوفيرها التطبيب ...ولقد جعل رسول الله طبيباً لمعالجة مرضى المسلمين وهكذا.
ومصالح الناس في المجتمع كثيرة منها توفير الكهرباء والماء وطرق المواصلات ووسائل المواصلات والاتصالات والمدارس والمستشفيات ونظافة الأماكن العامة والمؤسسات وحماية الأملاك والأموال وغيرها الكثير وكلها يجوز بل يجب استئجار من يقوم عليها لأنها مصالح للناس لا تستقيم حياتهم بدونها فكان واجبا على الدولة توفير هذه المصالح وتسييرها والقيام عليها لتيسير الحياة على الناس, فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
هكذا علمنا الإسلام ورسول الإسلام وإنه وإن لم يكن هذا الاهتمام بالمصالح العامة ملحوظاً في أيامنا فليس ذلك لأن هذا ليس من وظيفة الدولة، بل لأن دولة الإسلام غائبة ومنهجه معطل. أما حين كان للإسلام دولة تضع أحكامه موضع التطبيق فقد قرأنا لعمر بن الخطاب الخليفة الراشد قولة نقشت على جدار الدهر بحروف لم ولن تمحى أبدا ....إنها قولته الشهيرة: لو عثرت ناقة في أرض العراق لخفت أن يسألني الله لِمَ لَمْ اُسوِّ لها الطريق ....ناقة أيها الإخوة وليس إنسانا ويخاف خليفة المسلمين أن يحاسبه الله إن قصر في رعايتها...ولكم أن تتصوروا بعدها كيف كان اهتمام الخلفاء بالإنسان .....
أما يحرك مثل هذا القول شوقنا لرعاية خليفة يخشى الله فينا يرعى مصالحنا ويعين الموظفين الأكفاء لتسييرها وتيسيرها ولا منة ولا فضل.... بل خوفا من غضب الله وطمعا في رضوانه.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 20 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/20م

مع الحديث الشريف: الألد الخصم

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في صحيح الإمام مسلم في شرح النووي "بتصرف" في "باب في الألد الخصم"
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم".
قوله صلى الله عليه وسلم: (أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم) هو بفتح الخاء وكسر الصاد، و (الألد) شديد الخصومةK مأخوذ من لديدي الوادي وهما جانباه; لأنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر. وأما (الخصم) فهو الحاذق بالخصومة. والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حق، أو إثبات باطل. والله أعلم
إن ديننا دين رحمة، وقد خاطب رب العالمين رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وبعد ذلك يقول له (لهذه الرحمة): "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، فكانت الرحمة مع الطفل ومع الشيخ ومع المرأة، بل ومع الحيوان، ومع ذلك نرى في أبناء الأمة اليوم، من ينظر لإخوانه المسلمين نظرة تشوبها الخصومة والعداء، لماذا؟ لأنهم لا يوافقونه الرأي مثلا، أو لا يرون ما يرى، وهذا الأمر لا شك منبوذ، ذلك لأن المسلم مع المسلم رحيم، بل هو رحيم حتى مع الحيوان. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة تعرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها". ورأى قرية نمل حرقناها فقال: "من حرق هذه؟" قلنا: نحن، قال: "إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار". رواه أبو داود بإسناد صحيح. نعم هذا هو ديننا أيها المسلمون، رحيم بالحيوان، أفلا نكون رحماء بيننا؟ ويبقى السؤال: كيف فقدت الرحمة بيننا؟ وأين ذهبت؟ وكيف تعود؟ لا شك أن الأجواء الماديه الرأسمالية التي نحياها اليوم بسبب حكامنا العملاء الخائنين لدينهم ولأمتهم، ولفكرها الإسلامي الصحيح، هي السبب في فقدان هذا الخلق الطيب، فعلى الأمة أن تعمل وبجد وبأقصى طاقة، كي تستعيد هذا الخلق الرفيع، وغيره من الأخلاق الطيبة، وذلك بإسقاط هؤلاء الحكام من عليائهم، وتنصيب خليفة بدلا منهم، يحكموننا بشرع الله وبخلق الرحمة، فنسعد في حياتنا، في الدنيا والآخرة. اللهم عجل لنا بذلك، اللهم آمين آمين.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 19 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/19م

مع الحديث الشريف: الأجرة على الأعمال والمنافع المحرمة

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لعن الله آكل الربا
روى ابن ماجة قال: - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدِيهِ وَكَاتِبَهُ".
في هذا الحديث بيان لحرمة التعامل بالربا فالتحريم لم يقتصر على آكل الربا بل شمل الطرف الآخر من المعاملة ....وهو دافع الربا ومن يشهد على هذه المعاملة المحرمة بل ومن يكتبها ......رغم أن الكاتب قد لا يكون طرفاً في المعاملة ...أي قد لا يكون أحد طرفي المعاملة آكل الربا أو مؤكله بل قد يكون أجيرا أو موظفاً .....ومع هذا شمله اللعن الذي هو الطرد من رحمة الله. فلا ينجو الأجير من إثم الربا بحجة أنه ليس صاحب مصلحة .....كلا بل إن الإجارة على العمل المحرم محرمة هي أيضاً. والموظف أو الأجير الذي يشارك فيها آثم مهما كان العمل الذي قام به، سواء أكان كتابة العقد أو إيصال المال أو استلامه أو استقبال المراجعين أو أي عمل متعلق بالمعاملة الربوية فهو معرض للعنة الله، ولو كان عمله جزئيا ورآه الأجير بسيطا أو بسطه له صاحب عمله ........
فليحذر الذين يعملون في مؤسسات تتعامل بالربا كالبنوك والشركات فإن عملهم هذا حرام ما دام يتعلق بالربا ....وليتركوه حالا ويبحثو عن عمل آخر ليس فيه تعرض لنقمة الله وسخطه ... فالأعمال المباحة كثيرة ومتنوعة وما عليه إلا أن يبحث ويتحرى الحلال ....وحتى إن لم يجد عملا فليصبر على البطالة إلى أن يأتيه الفرج ولا يوقع نفسه بالمعصية بحجة عدم توفر فرص كثيرة للعمل .....فالرزق مصدره الله تعالى وليس العمل...بل العمل هو سبب من الأسباب التي يتحصل فيها الرزق ....وقد يحصل منها الرزق وقد لا يحصل ....إذ الرزق بيد الله يهبه لمن يشاء وبقدر ما يشاء ....لا مانع ولا معقب لحكمه وهو الرزاق الكريم.
وكما أن الأعمال المحرمة تحرم الإجارة عليها فكذلك المنافع المحرمة تحرم الإجارة عليها فتحرم الإجارة على الميتة والخمرة والخنزير وأي صنف آخر من المحرمات.
لما رواه أبو داوود في سننه قال: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ مَوْلَاهُمْ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْغَافِقِيِّ أَنَّهُمَا سَمِعَا ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ".
فالحديث فيه دلالة على تحريم الخمر وتحريم العمل بها كالإجارة على عصرها أو نقلها أو تسويقها أو اسقائها للزبائن أو أي معاملة تتعلق بها.
وقد يقول قائل أن مثل هذه المعاملات لا يستطيع الإنسان التحرز منها لأنها عامة وطامة .....والتحريم يحتاج إلى أن يتبع بالمنع والمحاسبة والعقوبة لمن لم يرتدع ........
وأقول أن هذا بسبب النظام الوضعي المطبق علينا من قبل حكام رويبضات طائعين للغرب عاصين لله .....أما لو كان لنا دولة راعية وحاكما حانا رشيدا لما وجدنا تلك الأعمال رائجة ولا تلك المعاملات متاحة, وإذن لأعفينا ضعاف النفوس من الوقوع في إثم استحلال حرمات الله, وإغواء البسطاء للمشاركة في تلك الأعمال المقيتة.
فلنحذر إخوتي الكرام من العمل في أي عمل محرم أو في أي منفعة محرمة لأنها ما كانت لتزيد في رزقنا شيئا, اللهم إلا إنقاصاً للمال وذهابا لبركته بل وَمَحْقَهُ ....
هذا في الدنيا, أما في الآخرة فغضب ولعن من الله شديد ....اللهم إنا نعوذ بك من سخطك وغضبك ونسألك العافية من كل إثم والسلامة من كل بر, ولا حول ولا قوة إلا بك.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 18 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/18م

مع الحديث الشريف: الإرث

نحييكم أحباءنا في كل مكان في حديث نبوي آخر من برنامجكم مع الحديث الشريف, ونبدأ بخير تحية فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وارث من لا وارث له
روى أبو داود في سننه قال: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ بُدَيْلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لُحَيٍّ عَنْ الْمِقْدَامِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيَّ، وَرُبَّمَا قَالَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَأَنَا وارث مَنْ لَا وارث لَهُ أَعْقِلُ لَهُ وارثهُ وَالْخَالُ وارث مَنْ لَا وارث لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ"
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ:
(مَنْ تَرَكَ كَلًّا): بِفَتْحِ الْكَاف وَتَشْدِيد اللَّام أَيْ ثِقَلًا وَهُوَ يَشْمَل الدَّيْن وَالْعِيَال،
وَالْمَعْنَى إِنْ تَرَكَ الْأَوْلَاد فَإِلَيَّ مَلْجَؤُهُمْ وَأَنَا كَافِلهمْ، وَإِنْ تَرَكَ الدَّيْن فَعَلَىَّ قَضَاؤُهُ
(أَعْقِل لَهُ): أَيْ أُؤَدِّي عَنْهُ مَا يَلْزَمهُ بِسَبَبِ الْجِنَايَات الَّتِي تَتَحَمَّلهُ الْعَاقِلَة
(وارثهُ): أَيْ مَنْ لَا وارث لَهُ.
قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه: يُرِيد بِهِ صَرْف مَاله إِلَى بَيْت مَال الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ
(وَالْخَال وارث مَنْ لَا وارث لَهُ):
فِيهِ دَلِيل لِمَنْ قَالَ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَام
(يَعْقِل عَنْهُ): أَيْ إِذَا جَنَى اِبْن أُخْته وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَة يُؤَدِّي الْخَال عَنْهُ الدِّيَة كَالْعَصَبَةِ (وَيَرِثهُ): أَيْ الْخَال إِيَّاهُ
إن الإرث من أسباب تملك المال, فالورثة يملكون ما تركه مورثهم من مال يتقاسمونه حسب الأنصبة التي حددها الشرع الحنيف.
وقد بين الشرع نصيبَ كلٍّ من أصحاب الفروض كما بين كيفية توزيع ما يتبقى من المال على العصبة إن زاد المال الموروث عن أنصبة أصحاب الفروض.
فالإرث حق للوارث في مال المتوفى لا يمنعه منه إلا مانع شرعي.
وهو طريقة عملية لتفتيت الثروة ومنع انحصارها في أيدٍ قليلة تتداولها وتحرم منها باقي أفراد المجتمع, فبتوزيع الإرث على الورثة يتوزع المال الذي جمعه الفرد في حياته يتوزع بين ورثته جميعا ولا يبقى في يدِ أحدهم ويحرم منه الباقون, وبذلك يتداوله قطاع عريض من أفراد المجتمع ويمنع انقسام المجتمع إلى طبقات:
مالكة ومُعْدَمَة. فالإسلام خير من ينظم المجتمع ويمنع إفساده بأي وسيلة من وسائل الإفساد
وكما شرع الإسلام الإرث فقد منع الوارث من هذا الحق في حالتين هما:
الأولى: اختلاف الدين
روى النسائي في سننه الكبرى
عن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يرث الكافر المسلم ولا يرث المسلم الكافر"
وورد في مصنف ابن أبي شيبة:
عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتوارث الملتان المختلفتان".
والثانية: قتلُ الوارثِ للمُوَرِّثِ
روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْقَاتِلُ لَا يَرِث"
ـما في غير هاتين الحالتين فلا يحق لأحد أن يمنع وارثاً من الحصول على حقه الذي أعطاه إياه الشرع, أيا كان ذلك الشخص فلا صاحب المال ولا الورثة ولا الحاكم يحق له أن يمنع وارثاً من حقه, فإن فعل فقد احتمل إثماً عظيماً
جاء في صحيح البخاري عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا، قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفْرَاءَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ"، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا ابْنَةٌ.
فسعد هنا أراد أن يوصيَ بماله كله مع أن له ابنةً واحدةً, فنهاه الرسول صلى الله عليه وسلم عن فعل ذلك لما في هذه الوصية من ظلم لابنته التي لن يتبقى لها من مال ترثه إن أوصى بماله كله أو حتى بنصفه حتى إنه حين سمح بالوصية بثلث المال جعلها أعلى نسبة يمكن أن يوصى بها ....فأين الذين يحرمون بناتهم من أخذ حقهن في ميراث آبائهن؟ ليتدبروا هذه الأحاديث الشريفة ليعرفوا أن ما تأخذه المرأة من الإرث هو حق لها وملك شرعي منحه لها الشرع، وليس منةً من إخوتها أو من أهلها يُعطونه لها إن أرادوا ويمنعوها منه إن أرادوا. لا ليس كذلك فها هو الرسول يبين متى يحرم الوارث من إرثه, وليس كون الأنثى متزوجة أو قد تتزوج من رجل غريب عن العائلة بسبب لمنعها من الحصول على حقها من إرث أبويها أو من لها حق في إرثه.
إن أحكام الله إنما أنزلها على نبيه لتوضع موضع التطبيق, فينتفع بها المسلمون, لكن هذا الانتفاع معدوم الآن ومحروم منه كثيرٌ من المسلمين, مع غياب دولة الإسلام التي تضع أحكام الله موضع التطبيق. فيا أيتها المرأة المسلمة إنك لصاحبة مصلحة ملحة في إعادة حكم الله, لأنك أكبر المتضررين من تعطيله. فغياب الإسلام أفقدك الكثير من حقوقك المالية التي شرعها لك رب العالمين ......ولو كانت دولة الخلافة قائمة لتمتعت بها ولما عانيت الذل والإهانة في سبيل حصولك عليها.
وإنك فوق ذلك مخاطبة بالعمل لاستئناف الحياة الإسلامية .... فكنت بذلك صاحبة مصلحتين في هذا السبيل:
مصلحة روحية: وهي إجابة أمر الله في العمل لتحكيم شرعه.
ومصلحة مادية: وهي تحقيق مصالح مالية ودنيوية أعطاك الشرع إياها وحرمك منها المجتمع الفاسد الظالم.
فحَرِيٌّ بك أن تهبي للالتحاق بركب الخير الذي يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية وإعادة دولة الخلافة لتعيدي حقوقك المسلوبة وترضي من منحك هذه الحقوق.
أحبتنا الكرام وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر, نترككم في رعاية الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 17 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/17م

مع الحديث الشريف: ما جاء في المزاح

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ورد في سنن الترمذي - كتاب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - باب ما جاء في المزاح
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَضَّاحِ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُخَالِطُنَا حَتَّى إِنْ كَانَ لَيَقُولُ لِأَخٍ لِي صَغِيرٍ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ"
ورد في شرح الحديث في كتاب تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي
قوله: (عن أبي التياح) بفتح المثناة الفوقانية وتشديد التحتانية وآخره مهملة اسمه يزيد بن حميد مشهور بكنيته ثقة ثبت
قوله: (الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة .
قوله: (حتى كان يقول) غاية يخالط أي "انتهى مخالطته لأهلنا حتى الصبي يلاعبه"
قوله: (ما فعل النغير) بضم النون وفتح الغين المعجمة مصغر نغر بضم، ثم فتح طير كالعصفور محمر المنقار أهل المدينة يسمونه البلبل، أي ما شأنه وحاله قاله القسطلاني. وقال في القاموس: النغر كصرد البلبل جمعه نغران كصردان، انتهى. وقال في النهاية: النغير هو تصغير النغر وهو طائر يشبه العصفور أحمر المنقار، انتهى
إن هذا الحديث يدل على أمرين أولهما، هو جواز الكنية للصغير، والتحبيب فيها
أما الأمر الآخر فهو الحث على ملاعبة الصغير، وممازحته، ففي هذا الأمر رحمة وبر بالأولاد، وتركه يعد من الجفاء والغلظة، فعن أبي هريرة قال: "أبصر الأقرع بن حابس النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقبِّل الحسن قال ابن أبي عمر الحسين أو الحسن فقال: إن لي من الولد عشرة ما قبَّلت أحدا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه من لا يَرحم لا يُرحم"
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 16 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/16م

مع الحديث الشريف: ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في تحفة الأحوذي، في "شرح جامع الترمذي" بتصرف في "بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ"
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ في الحكم".
قوله: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم) زاد في حديث ثوبان، والرائش يعني: الذي يمشي بينهما. رواه أحمد، قال ابن الأثير في النهاية: الرشوة: والرشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، وأصله من الرشا الذي يتوصل به إلى الماءن فالراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل، والمرتشي الآخذ، والرائش الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا، أو يستنقص لهذا. فأما ما يعطى توصلا إلى أخذ حق، أو دفع ظلم فغير داخل فيه.
إن اللعنة هي الطرد من رحمة الله، فكيف يطيب للمسلم أن يطرد من هذه الرحمة؟ لقد انتشرت الرشوة بين أبناء المسلمين وأصبحت ظاهرة، كيف لا وقد أصبحت تسير معهم في حياتهم، فلا تكاد تجد مؤسسة حكومية تخلو من الرشوة، بل وصلت إلى أمور دينهم. وما ذلك إلا برعاية حكامهم لها، فكم من مسلم علم -أيها الإخوة في الله - أن الرشوة من كبائر الذنوب التي حرمها الله على عباده، ولعن رسوله صلى الله عليه وسلم من فعلها، فالواجب اجتنابها والحذر منها، وتحذير الناس من تعاطيها، ولكن هل يكفي هذا التحذير؟ بالطبع لا يكفي، إذ أن الأمر خرج عن السيطرة، لأنه بيد الحاكم، فلا بد من إزالة المرض لا العرَض، أي الحاكم الذي أمر بها.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 15 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/15م




مع الحديث الشريف:  ما جاء في الإمام العادل

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في تحفة الأحوذي، في شرح جامع الترمذي "بتصرف" في بَاب "مَا جَاءَ فِي الْإِمَامِ الْعَادِلِ"
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا، إِمَامٌ عَادِلٌ وَأَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ وَأَبْعَدَهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا، إِمَامٌ جَائِرٌ".
قوله: (إن أحب الناس) أي: أكثرهم محبوبية قاله القاري، وقال المناوي أي: أسعدهم بمحبته، (وأدناهم) أي: أقربهم (منه مجلسا) أي: مكانة ومرتبة قاله القاري، وقال المناوي أي: أقربهم من محل كرامته وأرفعهم عنده منزلة (إمام جائر) أي: ظالم.
يروى عن القاسم بن مخيمرة قال: "إنما زمانكم سلطانكم، فإذا صلح سلطانكم، صلح زمانكم، وإذا فسد سلطانكم، فسد زمانكم"، ويروى أنه لما تولى الخليفة عمر بن عبدالعزيز الخلافة، بعث إلى الحسن بن أبي الحسن البصري يسأله عن صفات الإمام العادل، فكتب البصري: اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف.. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله، والحازم الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المراعي، ويزودها عن مواقع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكنفها من أذى الحر والضرر والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها، حملته كرها، ووضعته كرها، وربته طفلا، تسهر لسهره وتسكن لسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته وتغتم بشكايته.
أيها المسلمون: أين هذه الصفات من حكامكم؟ ألا ترون ما أنتم فيه؟ كنا في البداية نرى حكامنا مقصرين، ثم أصبحنا نراهم خائنين، ثم ها نحن اليوم نراهم قد جمعوا الفجور والكفر والفسق من أطرافها. فالصور أسكتت ألسنتنا في أوصافهم، ولم تعد كلمات العربية تسعف في بيان حقارتهم وفجورهم بحق أمتهم، فلم نعد نتحدث عن عدلهم أو عدمه، فكيف ستكون منزلتهم يوم القيامة من الله؟ نسأل الله العفو والعافية.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 14 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/14م




مع الحديث الشريف: كنت أسأل عن الشر مخافة أن يدركني

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ورد في كتاب صحيح البخاري - كتاب المناقب - هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش
حدثني محمد بن المثنى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم، فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، فقلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".
ورد في شرح الحديث في كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري - كتاب الفتن - الخير الذي يجيء بعد الشر لا يكون خيرا خالصا بل فيه كدر
قوله: (باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة)؟ كان تامة، والمعنى ما الذي يفعل المسلم في حال الاختلاف من قبل ألا يقع الإجماع على خليفة .
قوله: (مخافة أن يدركني) في رواية نصر بن عاصم عن حذيفة عند ابن أبي شيبة: "وعرفت أن الخير لن يسبقني" .
قوله: (في جاهلية وشر) يشير إلى ما كان من قبل الإسلام من الكفر وقتل بعضهم بعضا ونهب بعضهم بعضا وإتيان الفواحش .
قوله: (فجاءنا الله بهذا الخير) يعني الإيمان والأمن وصلاح الحال واجتناب الفواحش
قوله: قال: (نعم، وفيه دخن) بالمهملة ثم المعجمة المفتوحتين بعدها نون وهو الحقد، وقيل الدغل، وقيل فساد في القلب، ومعنى الثلاثة متقارب. يشير إلى أن الخير الذي يجيء بعد الشر لا يكون خيرا خالصا بل فيه كدر. وقيل المراد بالدخن الدخان ويشير بذلك إلى كدر الحال، وقيل الدخن كل أمر مكروه.
قوله: (قوم يهدون) بفتح أوله (بغير هديي) بياء الإضافة بعد الياء للأكثر وبياء واحدة مع التنوين للكشميهني، وفي رواية أبي الأسود: يكون بعدي أئمة يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي".
قوله: (تعرف منهم وتنكر) يعني من أعمالهم، وفي حديث أم سلمة عند مسلم "فمن أنكر برئ ومن كره سلم".
قوله: (دعاة) بضم الدال المهملة جمع داع أي إلى غير الحق.
قوله: (على أبواب جهنم) أطلق عليهم ذلك باعتبار ما يئول إليه حالهم، كما يقال لمن أمر بفعل محرم: وقف على شفير جهنم.
قوله: (هم من جلدتنا) أي من قومنا ومن أهل لساننا وملتنا  وفيه إشارة إلى أنهم من العرب. وقال الداودي: أي من بني آدم. وقال القابسي: معناه أنهم في الظاهر على ملتنا وفي الباطن مخالفون، وجلدة الشيء ظاهره، وهي في الأصل غشاء البدن، قيل ويؤيد إرادة العرب أن السمرة غالبة عليهم واللون إنما يظهر في الجلد، قال عياض: المراد بالشر الأول الفتن التي وقعت بعد عثمان، والمراد بالخير الذي بعده ما وقع في خلافة عمر بن عبد العزيز، والمراد بالذين تعرف منهم وتنكر الأمراء بعده، فكان فيهم من يتمسك بالسنة والعدل وفيهم من يدعو إلى البدعة ويعمل بالجور قلت: والذي يظهر أن المراد بالشر الأول ما أشار إليه من الفتن الأولى، وبالخير ما وقع من الاجتماع مع علي ومعاوية وبالدخن ما كان في زمنهما من بعض الأمراء كزياد بالعراق وخلاف من خالف عليه من الخوارج، وبالدعاة على أبواب جهنم من قام في طلب الملك من الخوارج وغيرهم، وإلى ذلك الإشارة بقوله: "الزم جماعة المسلمين وإمامهم" يعني ولو جار ويوضح ذلك رواية أبي الأسود: "ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك". وكان مثل ذلك كثيرا في إمارة الحجاج ونحوه.
قوله: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) بكسر الهمزة أي أميرهم
قوله: (ولو أن تعض) بفتح العين المهملة وتشديد الضاد المعجمة أي: ولو كان الاعتزال بالعض فلا تعدل عنه.
وقوله: (وأنت على ذلك) أي العض، وهو كناية عن لزوم جماعة المسلمين وطاعة سلاطينهم ولو عصوا. قال البيضاوي: المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان، وعض أصل الشجرة كناية عن مكابدة المشقة كقولهم فلان يعض الحجارة من شدة الألم، أو المراد اللزوم كقوله في الحديث الآخر: "عضوا عليها بالنواجذ". ويؤيد الأول قوله في الحديث الآخر: "فإن مت وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم".
وقال ابن بطال: فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين وترك الخروج على أئمة الجور، لأنه وصف الطائفة الأخيرة بأنهم "دعاة على أبواب جهنم" ولم يقل فيهم: تعرف وتنكر "كما قال في الأولين، وهم لا يكونون كذلك إلا وهم على غير حق، وأمر مع ذلك بلزوم الجماعة. قال الطبري:
اختلف في هذا الأمر وفي الجماعة، فقال قوم: هو للوجوب والجماعة السواد الأعظم، ثم ساق عن محمد بن سيرين عن أبي مسعود أنه وصى من سأله لما قتل عثمان: عليك بالجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة". وقال قوم: المراد بالجماعة الصحابة دون من بعدهم.
وقال قوم: المراد بهم أهل العلم لأن الله جعلهم حجة على الخلق والناس تبع لهم في أمر الدين. قال الطبري: والصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره، فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة، قال: وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر، وعلى ذلك يتنزل ما جاء في سائر الأحاديث، وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها، ويؤيده رواية عبد الرحمن بن قرط المتقدم ذكرها، قال ابن أبي جمرة: في الحديث حكمة الله في عباده كيف أقام كلا منهم فيما شاء; فحبب إلى أكثر الصحابة السؤال عن وجوه الخير ليعلموا بها ويبلغوها غيرهم، وحبب لحذيفة السؤال عن الشر ليجتنبه ويكون سببا في دفعه عمن أراد الله له النجاة، وفيه سعة صدر النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته بوجوه الحكم كلها حتى كان يجيب كل من سأله بما يناسبه، ويؤخذ منه أن كل من حبب إليه شيء فإنه يفوق فيه غيره، ومن ثم كان حذيفة صاحب السر الذي لا يعلمه غيره حتى خص بمعرفة أسماء المنافقين وبكثير من الأمور الآتية، ويؤخذ منه أن من أدب التعليم أن يعلم التلميذ من أنواع العلوم ما يراه مائلا إليه من العلوم المباحة، فإنه أجدر أن يسرع إلى تفهمه والقيام به وأن كل شيء يهدي إلى طريق الخير يسمى خيرا وكذا بالعكس. ويؤخذ منه ذم من جعل للدين أصلا خلاف الكتاب والسنة وجعلهما فرعا لذلك الأصل الذي ابتدعوه، وفيه وجوب رد الباطل وكل ما خالف الهدي النبوي ولو قاله من قاله من رفيع أو وضيع.
إن الناظر لهذا الحديث المتمعن في كلماته، يجد أنه يحمل أكثر من دلالة ويتناول أكثر من مسألة، أولها حرص الصحابي حذيفة بن اليمان على بقائه على الطريق الصحيح في حال وجود الفتن وإدراك الشر له، ليعلم كيف يكون سبيل النجاة وكيف يعلم غيره هذا السبيل.
أما المسألة الثانية هي إخبار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن الشر الذي سيأتي بعد الخير الذي أتى به الرسول الكريم سيأتي بعده شر ومن ثم يتلوه الخير، كما أشار إلى أناس يدعون أنهم دعاة إلى الخير وما هم إلا دعاة على أبواب جهنم كما وصفهم الحديث، رغم أنهم منا ومن جلدتنا ويظن السامع لهم أنهم يدعونه للخير، وهذا النوع من الدعاة حذرنا منهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان" (حديث رواه الدار قطني وقال موقوف أشبه بالصواب وزاد أحمد في رواية يتكلم بالحكمة ويعمل بالجور).
أما المسألة الأخيرة التي تناولها الحديث هي حالة الأمة الإسلامية اليوم، وهي عدم وجود الخليفة وعدم وجود إمام.
ولا بد من الوقوف على هذه المسألة، ذلك أن بعض الناس فهموا أن المقصود من الحديث هو اعتزال الأحزاب والجماعات على عمومها، ولم يفهموا أن قصد النبي صلى الله عليه وسلم هو اعتزال الجماعات التي تضم هؤلاء الدعاة، وليس مطلق الأحزاب، فالعمل الحزبي واجب، ولا بد للمسلم أن يعمل مع جماعة تسير على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم لاستئناف الحياة الإسلامية وتنصيب الخليفة الغائب ليحكم بأحكام الشرع ويكون لنا جنة، بل أن فهمهم هذا يخالف الأدلة المستفيضة التي أتت في القرآن والسنة والتي جاءت لتدل على وجوب قيام الأحزاب التي تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 13 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/13م

مع الحديث الشريف: رضينا بالله ربا ح2

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ورد في سنن أبي داود - أبواب النوم - "من قال إذا أصبح وإذا أمسى: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا إلا كان حقا على الله أن يرضيه".
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي عقيل عن سابق بن ناجية عن أبي سلام أنه كان في مسجد حمص فمر به رجل فقالوا: هذا خدم النبي صلى الله عليه وسلم، فقام إليه فقال: حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتداوله بينك وبينه الرجال، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قال إذا أصبح وإذا أمسى رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا إلا كان حقا على الله أن يرضيه".
ورد في شرح الحديث في كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود - أبواب النوم - رضينا بالله ربا
(عن أبي عقيل): بفتح العين واسمه هشام بن بلال
(عن أبي سلام): بتشديد اللام هو ممطور الحبشي
(أنه): أي أبو سلام
(في مسجد حمص): بكسر المهملة وسكون الميم كورة بالشام
(كان فقالوا هذا): أي الرجل
(خدم): صيغة الماضي المعلوم
(فقام) : أي أبو سلام
(إليه): أي إلى الرجل
(فقال): أي أبو سلام (لم يتداوله بينك وبينه الرجال): في الصراح: تداولته الأيدي أخذته هذه مرة وهذه مرة، والمعنى لم يكن بينك وبينه صلى الله عليه وسلم واسطة الرجال
(رضينا بالله ربا): تمييز وهو يشمل الرضا بالأحكام الشرعية والقضايا الكونية
(إلا كان حقا على الله): هو خبر كان
(أن يرضيه): أي يعطيه ثوابا جزيلا حتى يرضى وهو اسم كان.
قال المنذري: وأخرجه النسائي.
رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، كلمات علمنا إياها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم نذكرها إذا أصبحنا وإذا أمسينا، فعلى كل مسلم أن يتذكر ويذكر بأن يقول رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ونبيا، ففيها تحقيق لمعنى العقيدة الإسلامية، وفيها رسالة يومية للقلب والعقل بالتسليم والرضا بهذه العقيدة، وفيها تجديد للعهد مع الله عز وجل ليل نهار، بالاستسلام والانصياع له، وهذا الرضا والتسليم والانصياع يجب أن يشمل كل شؤون حياة المسلم، فلا يسلم في جانب العبادات مثلا، ويترك باقي جوانب الحياة، من اقتصادية وسياسية واجتماعية بل وأمور الحكم.
بل هذا الاستسلام يعني أننا رضينا بأن يكون الله هو إلهنا ومشرعنا، ومِن شرعه نأخذ كل المعالجات لأمور حياتنا، فالحاكمية لا تكون إلا لله ولشرع الله.
وهذا الحديث يذكرنا بقوله تعالى: {إِنِ الْحُكْم إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} جاء في تفسير الطبري لهذه الآية، يَقُول: وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا أَنْتُمْ وَجَمِيع خَلْقه إِلَّا اللَّه الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَة وَالْعِبَادَة خَالِصَة دُون كُلّ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَشْيَاء. كَمَا  حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا إِسْحَاق, قَالَ: ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر, عَنْ أَبِيهِ, عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أَبِي الْعَالِيَة, فِي قَوْله: {إِنِ الْحُكْم إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إيَّاهُ} قَالَ: أُسِّسَ الدِّين عَلَى الْإِخْلَاص لِلَّهِ وَحْده لَا شَرِيك لَه.
إخوة الإسلام، لا ترضوا إلا بالله ربا  ولا ترضوا إلا بالإسلام دينا، ولا ترضوا إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، فهذا يعني أن دستوركم يجب أن يكون مستنبطا من الكتاب والسنة، ويجب أن يكون دستوركم قرآنيا نبويا.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 12 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/12م

No comments:

Post a Comment