Tuesday, February 25, 2014

معالم الإيمان المستنير: إثبات وجود الخالق

معالم الإيمان المستنير: إثبات وجود الخالق

معالم الإيمان المستنير م4 ح1 إثبات وجود الخالق
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
أيها المؤمنون:
إن إثبات وجود الخالق سبحانه وتعالى له طريقتان:
الأولى: طريقة سهلة ميسـرة, يفهمها كل إنسان, وهي الطريقة التي دعا القرآن إلى استخدامها, يهتدي بها كل من تفكر في مخلوقات الله, كطريقة الأعرابي الذي قال: "البعرة تدل على البعير, والأثر يدل على المسير, فسماء ذات أبراج, وأرض ذات فجاح, وبحار ذات أمواج, ألا تدل على الواحد القدير؟
والثانية: طريقة يحتاج فهمها إلى تركيز وإعمال عقل , تعرض فيها الأدلة والبراهين بشيء من التفصيل, يحتاجها كل من لم يقتنع بالطريقة السهلة الميسرة.
أولا: إثبات وجود الخالق بالطريقة السهلة الميسرة:
إن وجود الخالق حقيقة ملموسة, والبرهان عليه في منتهى البساطة, فإن الإنسان يحيا في الكون فهو يشاهد في نفسه وفي الحياة التي يحياها الأحياء, وفي كل شيء في الكون تغيرا وانتقالا من حال إلى أحوال, ويشاهد وجود أشياء وانعدام أشياء, ويشاهد دقة وانتظاما في كل ما يرى ويلمس, فيصل إلى أن هناك موجدا لهذا الوجود المدرك المحسوس, وهذا أمر قطعي وطبيعي جدا, فإن الإنسان يسمع دويا فيظن أنه دوي طائرة, أو سيارة, أو مطحنة, أو أي شيء آخر, ولكن يوقن أنه دوي ناتج عن شيء, فيوقن بوجود شيء ما خرج منه هذا الدوي, فكان وجود الشـيء الذي ينتج عنه الدوي أمرا قطعيا عند من سمعه, فقد قام البرهان الحسـي على وجوده, وهو برهان في منتهى البساطة, فيكون الاعتقاد بوجود شيء ينتج عنه الدوي اعتقادا جازما قام البرهان القطعي عليه, ويكون هذا الاعتقاد أمرا طبيعيا ما دام البرهان الحسـي قد قام عليه, وكذلك فإن الإنسان يشاهد التغير في الأشياء, ويشاهد انعدام بعضها, ووجود غيرها, ويشاهد الدقة والتنظيم فيها, ويشاهد أن كل ذلك ليس منها, وأنها عاجزة عن إيجاده, وعاجزة عن دفعه, فيوقن أن هذا كله صادر عن غير هذه الأشياء, ويوقن بوجود خالق خلق هذه الأشياء, وهو الذي يغيرها, ويعدمها, وينظمها, فكان وجود هذا الخالق الذي دل عليه وجود الأشياء وتغيرها وتنظيمها أمرا قطعيا عند من شاهد تغيرها ووجودها وانعدامها ودقة تنظيمها, فقد قام البرهان الحسي بالحس المباشر على وجوده, وهو برهان في منتهى البساطة. يقول الشاعر العباسي أبو العتاهية:
فيا عجبا كيف يعصى الإله أم كيـف يجحده الجاحد
وفي كـل شــيء لـه آية تـدل على أنــه الواحـد
ولله في كـل تحريكة وتسكينة في الـورى شاهـد
فيكون الاعتقاد بوجود خالق لهذه الأشياء المخلوقة, والتي تنعدم وتتغير, ولا تملك إيجاد ذلك لها ولا دفعه عنها, اعتقادا جازما قام البرهان القطعي عليه. ولذلك كان من الطبيعي جدا أن من يشاهد الأشياء المدركة المحسوسة, وما يحصل لها وفيها مما لا يستطيع إيجاده لها, ولا دفعه عنها, أن يصل من هذا عن طريق الإدراك الحسي إلى أن هناك موجدا لهذا الوجود المدرك المحسوس, وهذا أمر عام يشمل جميع البشـر, ولا يستثنى منهم أحد مطلقا؛ ولذلك كان الإقرار بوجود الخالق عاما عند جميع بني الإنسان في جميع العصور, والخلاف بينهم إنما كان في تعدد الآلهة أو توحيدها, ولكنهم مجمعون على وجود الخالق, لأن أدنى إعمال للعقل فيما يحسه من الموجودات يري أنها مخلوق لخالق؛ لهذا كان البرهان بسيطا في منتهى البساطة, لأنه لا يعدو لفت النظر إلى ما يقع تحت الحس من الموجودات, فإن مجرد النظر فيها مما لا تستطيع إيجاده لنفسها ولا دفعه عنها يوصل إلى أنها مخلوقة لخالق, وإلى أن هناك خالقا خلقها؛ ولذلك جاءت أكثر براهين القرآن الكريم لافتة النظر إلى ما يقع عليه حس الإنسان للاستدلال بذلك على وجود الخالق, فهذه براهين قاطعة على وجود الخالق, فلينظر الإنسان إلى كيفية خلق الإبل, ورفع السماء, ونصب الجبال, ليدرك وجود الله لا إله إلا هو؛ ولذلك فإن "تيتوف" رائد الفضاء الروسي حين قام برحلته الفضائية حول الأرض قال: "إنه رأى الأرض معلقة في الفضاء لا يمسكها شيء أبدا لا من فوقها ولا من تحتها ولا عن جوانبها, فهي معلقة بنفسها هكذا في الفضاء دون أن يمسكها شيء, وإنه تذكر ما تقوله الديانات". وصدق الله العظيم حيث قال: ]إن اللـه يمسك السماوات والأر‌ض أن تزولا ? ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ? إنه كان حليما غفور‌ا[. (فاطر41)
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
08 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/08م

معالم الإيمان المستنير م4 ح2 إثبات وجود الخالق
أيها المسلمون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
أيها المؤمنون:
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشد عنده قول الأعرابي هذا:
وحي ذوي الأضغان تسب قلوبهم                   تحيتـــك الحسنى فقــد يرقع النعل
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا". أدعوكم لتأمل المعاني الجميلة الرائعة في هذه القصيدة التي نظمها الشاعر العراقي معروف الرصافي تحت عنوان: "انظر لتلك الشجرة" سأكتفي بقراءتها على مسامعكم؛ لأنها واضحة تمام الوضوح:
انظــر لتلك الشجرة ذات الغصــون النضرة
كيــف نمت مـن حبة وكيف صـارت شجـرة
فانظر وقل مــن ذا الذي يخرج منهـا الثمرة
ذاك هـو الله الـذي أنعمــه منهمرة
ذو حكمة بالغـة وقــدرة مقتـدرة
انظـر إلى الشمــس التي جذوتها مستعــرة
فيهــا ضيـاء وبها حرارة منتشـرة
من ذا الـذي أوجــدها في الجو مثـل الشــررة
ذاك هــو الله الــذي أنعمه منهمرة
ذو حكمــة بالغـة وقدرة مقتــدرة
انظــر إلى الليل فمن أوجد فيه قمره
وزانه بأنجــم كالــدر المنتــثــرة
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة
ذو حكمة بالغة وقــدرة مقتدرة
انظــر إلى المرء وقل مــن شــق فيــه بصـره
من ذا الـذي جهــزه بقدرة مبتكـرة
ذاك هـو الله الــذي أنعمــه منهمــرة
ذو حكمة بالغة وقــدرة مقتــدرة
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, نشكركم  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
10 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/10م

معالم الإيمان المستنير م4-ح3 إثبات وجود الخالق
أيها المسلمون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
أيها المؤمنون:
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشد عنده قول الأعرابي هذا:
وحي ذوي الأضغان تسب قلوبهم تحيتك الحسنى فقــد يرقع النعل
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا". أدعوكم لتأمل المعاني الجميلة في هذه الرائعة الشعرية للشاعر: إبراهيم علي بدوي من السودان, والقصيدة بعنوان: "لله في الآفاق آيات" سأكتفي بقراءتها على مسامعكم؛ لأنها واضحة تمام الوضوح:
لله في الآفاق آيــات لعل أقلها هو مـا إليه هداكا
ولعــل مـا في النفس مــن آياتــه عجـب عجــاب لـو ترى عيناكا
والكــون مشحـون بأسـرار إذا حاولـت تفسيــرا لهـا أعيــاكا
قل للطبيــب تخطفته يـد الــردى: مــن يــا طبيــب بطبـه أرداكا؟
قـل للمريـض نجا وعوفي بعـد مــا عجزت فنــون الطـب: مـن عـافاكا؟
قــل للصحيـح يمــوت لا مــن علــة: من بالمنايا يا صحيــح دهــاكا؟
قــل للبصير وكــان يحذر حفرة فهوى بهــا: مــن ذا الذي أهــواكا؟
بل سائل الأعمى خطا بــين الزحــام بـلا اصطــدام: من يقـود خــطــاكا؟
قل للجــنين يعيش معزولا بلا راع ومرعى: مـا الذي يرعاكا؟
قل للوليــد بكـى وأجهــش بالبكا لدى الولادة: مـا الذي أبكــاكا؟
وإذ تـرى الثعبان ينفث سمه فاسألـه: من ذا بالسمــوم حشــاكا؟
واسألـه: كيف تعيش يا ثعبان أو تحيـا وهـذا السم يملأ فــاكا؟
واسأل بطون النحل: كيف تقاطـرت شهــدا؟ وقــل للشهـد: مــن حــلاكا؟
بل سائل اللبـن المصفى كان بــين دم وفــرث: من ذا الــذي صفـاكا؟
وإذا رأيت الحــي يخــرج من حنايـا ميت فاسأله: من يا حي قـد أحيــاكا؟
وإذا تـرى ابن السـود أبيض ناصعـا فاسألـه: من أين البياض أتاكـا؟وإذا ترى ابن البيض أســود فاحمــا فاسأله: من ذا بالسواد طلاكــا؟
قل للنبات يجف بعد تعهــد ورعايــة: من بالجفاف رمـاكا؟
وإذا رأيــت النبت في الصحراء يربـو وحده فاسألــه: من أرباكا؟
وإذا رأيـت البــدر يسري ناشــرا أنواره فاسألــه: مـن أسـراكا؟
واسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد كــل شــيء: مــا الذي أدنــاكا؟
قـل للمرير مـن الثــمار: مـن الذي بالمــر من دون الثــمار غــذاكا؟
وإذا رأيــت النخل مشقوق النــوى فاسأله: من يا نخـل شــق نـواكا؟
وإذا رأيــت النـار شب لهيبها فاسـأل لهيــب النار: مـن أوراكا؟
وإذا ترى الجبل الأشــم مناطحــا قمم السحـاب فسله: من أرساكا؟
وإذا تــرى صخــرا تفجر بالميــاه فسله: مــن بالمـاء شــق صفاكا؟
وإذا رأيـت النهر بالعــذب الــزلال سـرى فسله: مــن الـذي أجراكا؟
وإذا رأيــت البحر بالملـح الأجـاج طـغى فسله: مــن الـذي أطغاكا؟
وإذا رأيـت الليــل يغشى داجيــا فاسأله: من يا ليل حاك دجـاكا؟
وإذا رأيـت الصبــح يسفــر ضاحيـا فاسأله: من يـا صبح صاغ ضحـاكا؟
ستجيــب مـا في الكون مــن آياتـه عجب عجـاب لـو تـرى عينــاك
هذي عجائب طالما أخذت بها عيناك وانفتحــت بهــا أذناكــا!
والله في كــل العجائـب ماثل إن لــم تكن لتــراه فهــو يراكا؟
ربـي لك الحمد العظيم لذاتـك حمـدا وليس لواحد إلاكا!
يـا مــدرك الأبصــار والأبصــار لا تدري لــه ولكنهه إدراكــا
إن لـم تكن عيني تـراك فإنني فـي كـل شـيء أستبـين عـلاك
وأرى مـنبت الأزهار عاطرة الشذى ما خاب يومــا من دعا ورجاكا!
يا مجــري الأنهــار عاذبــة النــدى مــا خــاب يومــا من دعا ورجاكا!
يا أيهــا الإنسـان: مهلا مــا الــذي بالله جـل جلاله أغـراكا؟
لله فــي الآفــاق آيــات لعـل أقلهــا هو ما إليــه هداكا!
ولعل ما في النفــس مـن آياته عجب عجـاب لـو تـرى عينــاكا!
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
12
من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/12م

معالم الإيمان المستنير م4 ح4 إثبات وجود الخالق
أيها المسلمون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
أيها المؤمنون:
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشد عنده قول الأعرابي هذا:
وحي ذوي الأضغان تسب قلوبهم تحيتك الحسنى فقــد يرقع النعل
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا". أدعوكم لتأمل المعاني الجميلة في هذه الرائعة الشعرية للشاعر: إبراهيم علي بدوي من السودان, والقصيدة بعنوان: "بك أستجير": سأكتفي بقراءتها على مسامعكم؛ لأنها واضحة تمام الوضوح:
بـك أستجير ومـن يجـير ســواكا؟ فأجر ضعيفا يحتمــي بحمـاكا
إني ضعيــف أستعــين على قـوى ذنبـي ومعصيتي ببعض قواكا
أذنبـت يـا ربــي وآذتني ذنــوب مـالهـا مــن غافر إلاكـا
دنياي غرتني وعفوك غرني مــا حيلتي في هـذه أو ذاكا؟
لـو أن قلبــي شــك لم يك مؤمنــا بكريـم عفـوك ما غوى وعصاكــا
يا مدرك الأبصــار والأبصــار لا تــدري له ولكنهه إدراكــا
أتراك عـين والعيون لهـا مــدى مـا جاوزتــه ولا مـدى لمداكا
إن لم تكن عيني تــراك فإنني فـي كــل شـيء أستبين علاكــا
يــا منبت الأزهار عاطرة الشذا هـذا الشذا الفواح نفح شذاكا
يا مرســل الأطيــار تصدح في الربا صـدحاتها إلهــام حمــد عطاكا
يا مجري الأنهـار : مــا جريانهــا إلا انفعالة قطــرة لنـداكا
ربـاه هأنــذا خلصــت من الهوى واستقبل القلـب الخـلـي هواكا
وتركـت أنســي بالحيـاة ولهوها ولقيـت كــل الأنس في نجواكــا
ونسيت حبــي واعتزلت أحبتـي ونسيت نفسي خوف أن أنساكــا
ذقت الهـوى مـرا ولــم أذق الهوى يا رب حلوا قبــل أن أهــواكا
أنـا كنــت يا ربي أسـير غشــاوة رانت على قلبـي فضـل ســناكا
واليوم يا ربي مسحت غشاوتـي وبــدأت بالقلــب البصــير أراكا
يــا غافــر الذنب العظيم وقابلا للتــوب: قلـب تائــب ناجاكا
أتــرده وترد صـادق توبتــي حاشاك ترفض تائبا حاشـاكا
يا رب جئتك نادما أبكـي على ما قدمتـه يـداي لا أتبــاكى
أنـا لست أخشى من لقاء جهنم وعذابها لكنـني أخشاكا
أخشى من العرض الرهيب عليك يا ربي وأخشى منك إذ ألقاكــا
يــا رب عدت إلى رحابـك تائبــا مستسلــما مستمسكـا بعراكـا
مالي وما للأغنيـاء وأنت يا رب الغني ولا يحد غناكـا
مالـي وما للأقوياء وأنت يا ربي ورب النـاس ما أقواكــا
مــالي وأبــواب الملوك وأنت من خلـق الملـوك وقسم الأملاكـا
إني أويـت لكل مــأوى في الحياة فمــا رأيت أعز من مـأواكا
وتلمست نفسي السبيل إلى النجـاة فلم تجد منــجى سـوى منجاكــا
وبحثت عــن سر السعــادة جاهدا فوجدت هـذا السـر في تقواكــا
فليرض عني الناس أو فليسخطـوا أنا لم أعـد أسعى لغـير رضاكـا
أدعوك يا ربي لتغـفر حوبتي وتعيننـي وتمدنـي بهداكا
فاقبل دعائي واستجــب لرجاوتـي ما خاب يومـا من دعــا ورجاكا
يـا رب صــار العلــم كفـرا عندما سخـرت يــا ربــي لــه دنياكــا
علمتــه من علمك النووي مـا علمتـه فإذا بـه عاداكا
مـا كــاد يطلق للعلا صاروخــه حتــى أشـاح بوجهـه وقلاكـا
واغتر حتى ظن أن الكـون في يمنــى بنـي الانسان لا يمناكــا
وما درى الإنسان أن جميــع ما وصلت إليه يداه مـن نعمـاكا
أو ما درى الإنسان أنك لو أردت لظلــت الـذرات في مخباكــا
لو شئت ياربي هــوى صاروخه أو لو أردت لما أستطاع حراكا
يا أيها الإنسان مهـلا وائــتــئـد واشكر لربــك فضل ما أولاكـا
واسجـد لمولاك القديــر فإنما مستحدثات العلم مـن مولاكا
الله مازك دون ســائر خلقه وبنعمـة العقـل البصير حباكا
أفـإن هــداك بعلمـه لعجيبــة تـزور عنه وينثني عطفاكــا
إن النـواة ولكتـرنـاتها التي تجري يـراها الله حين يراكـا
ما كنت تقــوى أن تفتــت ذرة منهـن لـولا الله الــذي سواكا
كل العجائب صنعة العقــل الذي هو صنعــة الله الذي سواكا
والعقل ليــس بمــدرك شيئا إذا ما الله لـم يكتب لـه الإدراكـا
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, نشكركم  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
14 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/14م

 معالم الإيمان المستنير م4 ح5 إثبات وجود الخالق
أيها المسلمون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
ثانيا: إثبات وجود الخالق بالطريقة التي يحتاج فهمها إلى تركيز وإعمال عقل:
أيها المؤمنون:
من خلال خبرتي المتواضعة في التدريس, والتي استغرقت أكثر من خمسة وعشـرين عاما وجدت أن أفضل الطرق, وأرقى الأساليب لإيصال الأفكار والمعلومات هي طريقة السؤال والجواب؛ لذا فإني سأسلك هذه الطريقة وسأتبع هذا الأسلوب في إثبات وجود الخالق بالطريقة العقلية المفصلة لمن لا يقتنع بالطريقة السهلة الميسرة, وهو يمر في مرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة إثبات العجز والنقص والاحتياج للأشياء المدركة المحسوسة.
المرحلة الثانية: مرحلة إثبات المحدودية للأشياء المدركة المحسوسة.
فإذا أثبتنا هذه الصفات للأشياء المدركة المحسوسة, فإننا نكون قد توصلنا إلى أنها مخلوقة لخالق خلقها وهو الله تعالى الذي يتصف بصفات تناقض صفات هذه الأشياء المخلوقة, فهي تتصف بالعجز والنقص والاحتياج والمحدودية, وهو سبحانه يتصف بالقدرة والكمال والغنى, وعدم المحدودية.
أولا: مرحلة إثبات العجز والنقص والاحتياج للأشياء المدركة المحسوسة:
أيها المؤمنون: وللسير في هذه المرحلة أوجه سؤالي لمن أريد إقناعه بموضوع حلقتنا, وأتركه يجيب, وإن عجز عن الإجابة أساعده في الوصول إليها, ولا أنتقل معه في النقاش من نقطة إلى أخرى حتى أشبع الأولى بحثا وأتفق وإياه عليها.
السؤال الأول: عدد مدركات العقل التي يستطيع العقل إدراكها عن طريق الحواس الخمسة المعروفة, واحصرها في أشياء ثلاثة أساسية.
الجواب: الأشياء التي يدركها العقل, وتقع تحت الحواس تنحصر في ثلاثة لا غير هي: الكون والإنسان والحياة. فالشمس والقمر والنجوم وسائر الكواكب التي تسبح في الفضاء, والسماء والأرض والسهول والجبال والصحارى الشاسعة والبحار الزاخرة والمحيطات العميقة, كلها تندرج تحت مسمى الكون. والإنسان هو ذلك الكائن الحي المعروف الذي يعيش على سطح الأرض, وقد أفرد وفصل عن سائر الكائنات الحية لتميزه بالعقل. والحياة هي ما نشاهده في الكائنات الحية من الحركة والنمو والتكاثر, وهي موجودة في الإنسان والحيوان والنبات, وسائر الكائنات الحية, صغيرها وكبيرها, ذكرها وأنثاها. ومظهرها فردي, تبدأ في الفرد, وتنتهي فيه.
السؤال الثاني: هل هذه المدركات موجودة قطعا؟
الجواب: كون هذه المدركات المحسوسة موجودة أمر قطعي لأنها مشاهدة بالحس.
السؤال الثالث: هل الأشياء المدركة المحسوسة عاجزة وناقصة ومحتاجة إلى غيرها؟
الجواب: كون هذه الأشياء المدركة المحسوسة عاجزة وناقصة ومحتاجة إلى غيرها أمر قطعي لأنها بالمشاهدة لا تستطيع التصرف والانتقال من حال إلى حال إلا بغيرها.
السؤال الرابع: أعط أمثلة على احتياج الأشياء المدركة إلى غيرها.
الجواب: الأمثلة على احتياج الأشياء المدركة المحسوسة إلى غيرها كثيرة نذكر منها ثلاثة:
مثال (1) النار تحرق إذا كانت المادة الأخرى فيها قابلية الاحتراق, فهي محتاجة إلى المادة القابلة للاحتراق.
مثال (2) وبعض الأحماض تذيب بعض العناصر ولا تذيب غيرها, فهي محتاجة إلى العناصر التي فيها قابلية الذوبان.
مثال (3) وبعض العناصر تتحد مع عناصر أخرى وتتفاعل معها ولا تتفاعل مع غيرها, فهي محتاجة إلى العناصر التي فيها قابلية الاتحاد والتفاعل.
السؤال الخامس: هل يقال: إن الأشياء المدركة المحسوسة احتاجت لبعضها, ولكنها في مجموعها مستغنية عن غيرها؟
الجواب: لا يقال ذلك؛ لأن الحاجة إنما تبين وتوضح للشـيء الواحد, وتلمس لمسا, ولا تفترض افتراضا لشـيء غير موجود, فالأشياء التي من الكون لا يحصل من اجتماعها شيء يحصل منه الاستغناء أو الحاجة. فالحاجة والاستغناء متمثلة في الجسم الواحد, ولا يوجد شيء من مجموع ما في الكون حتى يوصف بأنه مستغن أو محتاج, فإنه يكون وصفا لشـيء متخيل الوجود, لا لشيء موجود, ولذلك يرد هذا السؤال, لأنه سؤال فرضي تخيلي لا يجاب عنه.
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
16
من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/16م

معالم الإيمان المستنير م4 ح6 إثبات وجود الخالق
أيها المسلمون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
أيها المؤمنون:
لا زلنا في مرحلة إثبات العجز والنقص والاحتياج للأشياء المدركة المحسوسة, ونتم وإياكم موضوع "إثبات وجود الخالق بالطريقة التي يحتاج فهمها إلى تركيز وإعمال عقل" سالكين أسلوب السؤال والجواب:
السؤال السادس: هل يقال: إن الأشياء احتاجت لبعضها, فلا يكون دليلا على أنها محتاجة لخالق؟
الجواب: لا يقال ذلك؛ لأن البرهان إنما يكون منصبا على مجرد الاحتياج, لا الاحتياج إلى الخالق, فمجرد وجود الاحتياج في شيء يثبت الاحتياج في كل شيء, كذلك فإن ثبوت الاحتياح ولو لمرة واحدة, يدل على ثبوت الاحتياج, كمن يمشـي خطوة فقد ثبت له وصف المشي, وكمن يتكلم كلمة واحدة فقد ثبت له وصف التكلم.
السؤال السابع: ما هو الكون؟
الجواب: الكون هو مجموعة أجرام, وكل جرم منها يسير بنظام مخصوص لا يملك أن يغيره.
السؤال الثامن: هل النظام جزء من الكون؟
الجواب: النظام ليس جزءا من الكون؛ لأن سير الكواكب في مدار معين لا يتعداه, والمدار كالطريق هو غير السائر, والنظام الذي يسير به ليس مجرد سير فقط, بل تقيده بالسير في هذا المدار, وأيضا فإن السير نفسه ليس جزءا من الكوكب بل هو عمل له.
السؤال التاسع: هل النظام خاصة من خواص الكون؟
الجواب: لو كان النظام خاصة من خواص الكون لكان من خواصه أن ينظم سير نفسه, وحينئذ يستطيع أن ينظم نظاما آخر ما دام من خواصه التنظيم, والواقع أنه لا يستطيع ذلك؛ ولهذا لا يمكن أن يكون النظام من خواصه.
السؤال العاشر: هل النظام شيء خارج عن الكون؟
الجواب: النظام إما أن يكون جزءا من الكون, أو خاصية من خواصه, أو شيئا آخر غيره, ولا يمكن أن يكون غير واحد من هذه الثلاثة مطلقا, وما دام ليس جزءا منه, وليس من خواصه, فهو من غيره قطعا, فيكون الكون بذلك قد احتاج إلى غيره أي احتاج الكون إلى نظام.
السؤال الحادي عشر: هل يقال: إن كون الكوكب مسيرا في مدار معين هو خاصية ناتجة عن اجتماع الكواكب مع بعضها في جسم واحد, وهو جزء لا يتجزأ من هذا الجسم؟
الجواب: لا يقال ذلك؛ لأن الكواكب لم تكن لكل منها خاصية وهو منفرد, ثم صارت له خاصية بالاجتماع في جسم واحد, بل ظلت هذه الخاصية خاصية لكل كوكب بمفرده خاصية له وحده, ولم يجتمعا ويكونا جسما واحدا فقط, ولذلك تكون الخاصية للكوكب, ولا تكون لاجتماع الكواكب في جسم واحد؛ لأن الاجتماع يشكل جسما آخر لم يحصل.
السؤال الثاني عشر: هل الحياة محتاجة؟
الجواب: احتياج الحياة إلى الماء وإلى الهواء ملموس ومحسوس لا نقاش فيه.
السؤال الثالث عشر: هل الإنسان محتاج؟
الجواب: إن احتياج الإنسان إلى الحياة, ثم إلى الطعام, وغير ذلك ملموس ومحسوس أيضا, وعليه فإن الكون والإنسان والحياة محتاجة قطعا.
السؤال الرابع عشر: هل يقال: إن ما في الكون من أشياء احتاجت لبعضها, وهي أشكال لشيء واحد وهو المادة, فالمادة احتاجت لنفسها, ولم تحتج إلى غيرها, فهي ليست محتاجة.
الجواب: لا يقال ذلك؛ لأن المادة حتى تتشكل بأشكال مختلفة لا تستطيع أن تتشكل إلا بنسبة معينة مفروضة عليها فرضا من غيرها. فالماء حتى يتحول إلى بخار يحتاج إلى نسبة معينة من الحرارة حتى يتحول, وهذه النسبة ليست من المادة, وإلا لاستطاعت أن توجدها كما تشاء, ولما فرضت عليها, فكونها مفروضة عليها معناه أنها جاءت من غيرها, فهي محتاجة إلى هذه النسبة, ومحتاجة إلى من يوجد هذه النسبة, أي ثبت لها وصف الاحتياج لغيرها.
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
18
من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/18م

معالم الإيمان المستنير-م4-ح7- إثبات وجود الخالق
أيها المسلمون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أيها المؤمنون: لا زلنا في مرحلة إثبات العجز والنقص والاحتياج للأشياء المدركة المحسوسة. ومع السؤال الخامس عشر: ما مدلول كلمة محتاج؟
الجواب: مدلول كلمة محتاج يعني أنه مخلوق؛ لأن مجرد حاجته تعني أنه عاجز عن إيجاد شيء ما من العدم, أي عاجز عن إيجاد ما احتاج إليه, فهو ليس خالقا, وما دام ليس خالقا فهو مخلوق؛ لأن الوجود كله لا يخرج عن كونه خالقا أو مخلوقا, ولا ثالث لهما, وأيضا فإن المحتاج لا يمكن أن يكون أزليا, لأن مدلول كلمة أزلي تعني أن لا يستند إلى شيء؛ لأنه إذا كان في تصرفه وتحوله يحتاج إلى غيره, يكن احتياجه إلى غيره في وجوده من باب أولى, ولأنه لو احتاج في وجوده إلى غيره لكان غيره موجودا قبله, فلا يكون أزليا, فمدلول كلمة "الأزلي" أنه لا يستند إلى شيء, ولا يحتاج إلى شيء, وما دام المحتاج ليس أزليا, فهو مخلوق قطعا, وعلى هذا فكون الأشياء المدركة المحسوسة محتاجة أمر قطعي, وهذا يعني أن كونها مخلوق لخالق أمر قطعي أيضا, وعلى هذا فإن الكون محتاج وهو مخلوق لخالق.
السؤال السادس عشر: ما مدلول كلمة خالق؟
الجواب: الخالق لا بد أن يكون غير مخلوق؛ لأنه لو كان مخلوقا لما كان خالقا, لأنه لا يوجد إلا خالق ومخلوق, وهما شيئان متباينان, فأحدهما غير الآخر قطعا, ولذلك فإن من صفات الخالق كونه غير مخلوق, فما ليس بمخلوق هو الخالق. ولا بد أن يكون الخالق أزليا, أي لا أول له ولا آخر؛ لأنه إذا كان له أول وآخر كان مخلوقا. إذ قد بدئ وجوده من حد معين, فكونه خالقا يعني بأن يكون أزليا, إذ الأزلي تستند إليه الأشياء, ولا يستند إلى شيء وهذا الأزلي هو الخالق وهو مدلول كلمة الله أي هو الله تعالى. سبحانه لا إله إلا هو. وقد عبر القرآن الكريم في سورة الإخلاص عن معنى كلمة أزلي بتعبير آخر فقال: [اللـه الصمد]. والصمد هو الأزلي تستند إليه الأشياء, ولا يستند هو إلى شيء. قال المفسرون: هو المقصود في الحوائج كلها.
السؤال السابع عشر: هل يقال: إن الخالق خالق لشيء, ومخلوق لشيء آخر؟
الجواب: لا يقال ذلك؛ لأن البحث ليس بحثا عن شيء معين كالإنسان أو الإله, بل البحث عن المخلوق من حيث هو مخلوق, لا عن مخلوق معين, وعن الخالق من حيث وصفه بالإيجاد من العدم, فلا يكون الشـيء خالقا ومخلوقا في وقت واحد, فالخالق هو ما سوى المخلوقات.
أيها المسلمون:
بهذا نكون قد أثبتنا صفة العجز والنقص والاحتياج للأشياء المدركة المحسوسة وهي الكون والإنسان والحياة, وهذا يعني أنها مخلوقة لخالق وهو الله تعالى.
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
20
من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/20م

المعلم الرابع: إثبات وجود الخالق (ح8)
أيها المؤمنون: ننتقل وإياكم إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة إثبات المحدودية للأشياء المدركة المحسوسة ومع:
السؤال الخامس عشر: هل الإنسان محدود؟
الجواب: الإنسان محدود؛ لأنه ينمو في كل شيء إلى حد ما ولا يتجاوزه، فهو محدود، وكذلك قدراته وطاقاته الجسدية والعقلية محدودة، فسمعه محدود، وبصـره محدود، وعقله محدود، وعمره محدود، ورزقه محدود، وكل شيء فيه محدود.
السؤال السادس عشر: هل جنس الإنسان محدود؟
الجواب: جنس الإنسان كذلك محدود؛ لأن ما يصدق على الفرد يصدق على الجنس كله، مهما تعددت أفراده، والفرد الواحد يموت، معناه جنس الإنسان يموت، وهذا يعني أن جنس الإنسان محدود.
السؤال السابع عشر: هل الحياة محدودة؟
الجواب: الحياة محدودة، لأن مظهرها فردي فقط، والمشاهد بالحس أنها تنتهي في الفرد، فهي محدودة، وما دامت الحياة تنتهي بالفرد الواحد، فمعناه أن جنس الحياة ينتهي فهي محدودة.
السؤال الثامن عشر: هل الكون محدود؟
الجواب: الكون محدود؛ لأنه مجموع أجرام، وكل جرم منها محدود، ومجموع المحدودات محدود بداهة، وذلك لأن كل جرم منها له أول وله آخر، فمهما تعددت الأجرام فإنها تظل تنتهي بمحدود.
السؤال التاسع عشر: هل المحدود أزلي؟
الجواب: المحدود ليس أزليا، وإلا لما كان محدودا؛ لأن المدرك المحسوس إما أن يكون له أول فيكون ليس أزليا، وإما أن يكون لا أول له فيكون أزليا، وثبت أن المحدود له أول، فلا يكون أزليا؛ لأن مدلول الأزلي أن لا أول له، وما لا أول له لا آخر له قطعا؛ لأن وجود آخر يقتضي وجود أول؛ لأن مجرد البدء لا يكون إلا من نقطة، وهذا يعني أن النهاية لا بد منها.
السؤال العشرون: هل المحدود مخلوق:
الجواب: حين ننظر إلى المحدود نجده ليس أزليا، وإلا لما كان محدودا، فلا بد أن يكون المحدود مخلوقا لغيره، فكون الكون والإنسان والحياة محدودة، معناه أنها ليست أزلية، وإلا لما كانت محدودة، وما دامت ليست أزلية فهي مخلوقة لغيرها، مخلوقة لخالقها الأزلي، مخلوقة لله تعالى، لا إله إلا هو سبحانه.
السؤال الحادي والعشرون: هل القول بأن الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق حقيقة قطعية أم إنه فرض جرى ترتيب البرهان عليه؟
الجواب: إن القول بأن الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق ليس فرضية، وإنما هو حقيقة قطعية؛ لأننا لم نقم الفرضية أولا ورتبنا عليها البرهان حتى يحتاج إلى إثبات الفرضية ليصح البرهان، وإنما وضعنا الأشياء المدركة المحسوسة موضع البحث فعلقنا النظر إلى أنها محتاجة قطعا.
السؤال الثاني والعشرون: من خلق الخالق؟
الجواب: في مضمون السؤال الجواب عليه,، فالله خالق، وكونه خالقا يجعلنا لا نتصوره مخلوقا، إذ لو كان مخلوقا لما استطاع أن يخلق. ألا ترى أن الإنسان مثلا، وهو أرقى وأقوى المخلوقات، مع كل ما أوتي من إمكانات لم يستطع أن يخلق شيئا من عدم، فكيف نتصور خالق هذا الكون مخلوقا. ويقول علماء التوحيد: إن مثل هذا السؤال لا معنى له، ويقولون: إذا سرنا مع السائل شوطا عندما سأل من خلق الله؟ فقلنا لهم: غيره وليكن "س" مثلا. يعود السائل يسأل: ومن خلق غيره؟ فنقول له: غيره وليكن "ص" مثلا. يعود السائل يسأل: ومن خلق غيره؟ فنقول له: آخر وليكن "ع" مثلا. وماذا بعد ذلك؟ فإننا بالتالي لا بد أن نصل في النهاية إلى ذات لا بداية لها ولا خالق، ونفهم من هذا كله أن الخالق هو الله وحده لا إله إلا هو، ولا خالق سواه.
أيها الأحبة الكرام:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
22 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/22م


المعلم الرابع: إثبات وجود الخالق (ح9)

أيها المؤمنون:
السؤال الثالث والعشرون: معلوم أن الله على كل شيء قدير , فهل يقدر على إيجاد إله أقوى منه؟
الجواب: واضح أن السؤال خطأ من ناحيتين: لأن صاحب القدرة المطلقة لا يسأل ولا يطلب منه إيجاد قدرة مطلقة مثله, فضلا عن إيجاد قدرة أقوى منه. هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى, فإن قدرة الله عز وجل قدرة مطلقة لا حدود لها, ولا توجد قدرة مطلقة أخرى مثلها فكيف لنا أن نتصور قدرة أقوى منها, إن جاز لنا هذا التعبير. ولو سرنا شوطا أبعد في المسايرة, وقلنا: إن الله تعالى يقدر على إيجاد ذلك الإله, فهل يكون هذا الإله خالقا؟ كلا, إنه مخلوق, وما دام مخلوقا, فهو ليس خالقا, وما دام ليس خالقا, فهو ليس إلها؛ لأن من صفات الإله ألا يكون مخلوقا, فما ليس بمخلوق هو الخالق.
السؤال الرابع والعشرون: كيف آمن الإنسان بالله عقلا مع أن عقله عاجز عن إدراك ذات الله سبحانه وتعالى؟
الجواب: الإيمان إنما هو إيمان بوجود الله, ووجود الله مدرك من وجود مخلوقاته, وهي الكون والإنسان والحياة, وهذه المخلوقات داخلة في حدود ما يدركه العقل فأدركها, وأدرك من إدراكه إياها وجود خالق لها وهو الله تعالى؛ لذلك كان الإيمان بوجود الله عقليا, وفي حدود العقل. إن إدراك ذات الله مستحيل؛ لأن ذاته وراء الكون والإنسان والحياة, فهو وراء العقل, والعقل لا يمكنه أن يدرك حقيقة ما وراءه لقصوره عن هذا الإدراك. ثم إن عقل الإنسان محدود, وذات الله غير محدودة, فأنى للمحدود أن يدرك غير المحدود!
وهنا تحضرني قصة الإمام أبي حنيفة النعمان مع الملحدين الذين طالبوه أن يريهم الله جل في علاه, وكان قد حفر حفرة صغيرة عند شاطئ البحر, وجعل يغرف من ماء البحر, ويصب في الحفرة, فقالوا له: ما الذي تفعله يا أبا حنيفة؟ فقال لهم: أريد أن أنقل ماء البحر إلى هذه الحفرة! فقالوا له: هل جننت؟ كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تستوعب ماء البحر الكبير؟ فقال لهم: أأنا المجنون أم أنتم؟ وكيف تستوعب عقولكم الصغيرة رؤية الله الكبير, فاقتنعوا, وكفوا عن طلبهم؟!
السؤال الخامس والعشرون: قصور العقل عن إدراك ذات الله هل هو من مقويات الإيمان, أم من عوامل الارتياب والشك؟
الجواب: قصور العقل عن إدراك ذات الله يجب أن يكون من مقويات الإيمان, وليس من عوامل الارتياب والشك. لأنه لما كان إيماننا آتيا عن طريق العقل كان إدراكنا لوجوده إدراكا تاما, ولما كان شعورنا بوجود الله مقرونا بالعقل, كان شعورنا بوجوده يقينيا. وهذا يجعل عندنا إدراكا تاما, وشعورا يقينيا بجميع صفات الألوهية, وهذا من شأنه أن يقنعنا أننا لن نستطيع إدراك حقيقة ذات الله على شدة إيماننا به سبحانه. فيجب أن نسلم بما أخبرنا به الله مما قصر العقل عن إدراكه, أو الوصول إلى إدراكه؛ وذلك للعجز الطبيعي عن أن يصل العقل الإنساني بمقاييسه النسبية المحدودة إلى إدراك ما فوقه, وإدراك ذات الله يحتاج إلى مقاييس ليست نسبية, وليست محدودة, وهي مما لا يملكه الإنسان, ولا يستطيع أن يملكه.
السؤال السادس والعشرون: ماذا يترتب على الإيمان بالله تعالى؟
الجواب: الإيمان بالله تعالى آت عن طريق العقل, وهو الركيزة التي يقوم عليها الإيمان بالمغيبات كلها, وبكل ما أخبرنا الله به, وما دمنا آمنا به تعالى, وهو يتصف بصفات الألوهية, يجب حتما أن نؤمن بكل ما أخبرنا به سواء أأدركه العقل أو كان مما وراء العقل؛ لأن المخبر صادق وهو الله تعالى, وصدق الخبر من صدق المخبر, ومن أصدق من الله قيلا؟
أيها المؤمنون:
سئل الإمام علي كرم الله وجهه ثلاثة أسئلة فيما يتعلق بالذات الإلهية وهي: أين الله؟ وكيف الله؟ ومتى كان الله؟
فأجاب على سؤال: أين الله؟ مَنْ أيَّنَ الأَيْنَ لا يُسْأل أيْن! وعلى سؤال: كيف الله؟ مَنْ كيَّفَ الكَيْفَ لا يُسْأل كيْف! وعلى سؤال: متى كان الله؟ ومتى لم يكن؟
أيها الأحبة الكرام:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 24 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/24م
 

No comments:

Post a Comment