الديمقراطية
نظام كفر ولا يلتقي أبدا مع نظام دولة الإسلام
في إطار
حق الرد ، من الأستاذ عماد الدين حدوق عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير إلى الشيخ
راشد الغنوشي:
الديمقراطية نظام كفر ولا يلتقي أبدا مع نظام دولة الإسلام ، دولة الخلافة
نظم حزب النهضة يوم الجمعة 2013/01/11 ندوة سياسية تحت عنوان (الإسلاميون و خيارات إدارة الحكم )، وقد تطرق رئيس حزب النهضة السيد راشد الغنوشي في المحاضرة التي ألقاها بالمناسبة إلى رؤية حزب التحرير في نظام الحكم قائلا:" إن من يحدد نمط المجتمع هو التدافع و التفاعل المجتمعي، مع أن بعض الحركات الإسلامية مثل حزب التحرير يرى أن الدولة أو رئيس الدولة الإسلامية هو الذي يحدد نمط المجتمع و نوع الإسلام لأنه لا يقول بتنوع الاجتهادات في الإسلام"( منقول عن جريدة الصريح الصادرة بتاريخ 12/01/2013).
و إذا كانت عادتنا في حزب التحرير هي رسم الخط المستقيم بجانب الخط المعوج و بالتالي لا نرد على أقوال الأشخاص و إنما نباشر طرح الأفكار و مقارعتها بالحجة، إلا أن السيد راشد الغنوشي الذي تعرض لحزب التحرير في محاضرته صراحة و ذلك بنسب فهم مغلوط لفكر الحزب، ثم محاولة انتقاده بناء على هذا النقل المغلوط، قد اضطرنا إلى الرد على أقواله مباشرة مثلما تعرض لحزب التحرير مباشرة ، إذ تقتضي الأمانة الموضوعية و الفكرية أن يكون الناقل للأفكار حريصا أشد الحرص على الإطلاع على الفكرة المراد نقلها بعد فهمها الفهم الصحيح، أما أن يكون النقل بهذه الكيفية لما تبناه حزب التحرير بخصوص تحديد نمط الحكم في الدولة الإسلامية و كيفية تبني القوانين و تنفيذها، فإن هذا النقل إما أن يكون بغاية التضليل الفكري أو لسوء و قصور في فهم أطروحات حزب التحرير .
يقتضي البحث في نمط الحكم في الدولة الإسلامية تحديد الأفكار والتعريف بالمفاهيم ، وعلى هذا، فلما نقول دولة الخلافة أو الدولة الإسلامية ، فإننا نعني نظاما وطرازا معينا ومخصوصا للحكم قائما بذاته مستمدا من أسسه العقدية و الفكرية وله نوعية محددة من المعالجات (القوانين) منبثقة عن القاعدة الفكرية المنشأة لهذه الدولة .
ولهذا فإن العقيدة الإسلامية هي المصدر والأساس الفكري لجميع التشريع الإسلامي وهي المحددة له ولمداه ولمؤداه ، والذي يفضي في النهاية بالمسلم إلى نيل رضوان الله عز وجل ، بما أنه ملزم بإتباع مجموع المفاهيم والمقاييس والقناعات المنبثقة والمبنية والمتفرعة عن هذه العقيدة.
ومن هنا فالقول بأن من يحدد نمط المجتمع هو التدافع و التفاعل المجتمعي، هو قول وتحديد وتعريف لمجتمع غير إسلامي وفيه خلط معرفي بين مفهومي المجتمع والدولة في التفكير السياسي النظري ، كما أنه ومن جهة ثانية تصور يتجافى مع مجموع المفاهيم والمقاييس والقناعات التي ارتضتها واعتنقتها الأمة الإسلامية ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) "النساء 56" ، ومصداقا لقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به..والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ..
وحتى لا نبق نفصل الفروق بين تعريف المجتمع وتعريف الدولة أو نظام الحكم ، فإننا سنحمل قول الأستاذ الغنوشي على أنه قصد بأن تدافع المجتمع هو الذي يحدد نظام الحكم ، ليقيم مقارنة طرحه مع ما نسبه للحزب بالقول بأن حزب التحرير يرى بأن رئيس الدولة الإسلامية هو من يحدد نمط المجتمع ونوع الإسلام المتبنى في هذا المجتمع لأنه لا يقول بتنوع الاجتهادات .
إن المشكل المعرفي الذي يريد البعض من أبناء المسلمين أن يكرسوه انطلاقا من إرادتهم في تبني المفاهيم الغربية عن الحياة ، هو محاولة ملاءمة ما يسمى بالدولة المدنية مع الدولة الإسلامية ومحاولة تركيبهما على بعضهما بناء على العقيدة الرأسمالية المتمثلة في الحل الوسط ، أي يمكن بالتوافق أن نقوم بمزج نظام الدولة الإسلامية بنظام الدولة الغربية المدنية .
ولكن التصادم بين النظامين لاختلاف أساسهما الفكري والعقائدي لا يتيح ذلك البتة ، لأنهما لا يركبان على بعضهما لاختلاف مناهج التفكير والتشريع فيهما وذلك للتباين الكلي وعدم إمكانية الالتقاء بين قاعدتهما الفكرية ، أي لا يمكن مثلا أن نحل مشكل كيميائي أو فيزيائي باستعمال معادلة رياضية أو قاعدة نحوية أو صرفية ، كما لا يمكن أن نمزج اللون الأبيض باللون الأسود لأننا سنفقد اللونين معا..
ويكمن الاختلاف الجوهري بين الإسلام والرأسمالية في مفهوم السيادة - أي:
من له حق التشريع - هل الإنسان أم خالق الإنسان؟ .
تعرف السيادة في فقه القانون الدستوري كيفما نشأ في الفكر الغربي ، بأنها السلطة العليا التي لها حق إصدار القوانين وإلزام الناس بها جميعاً من دون أن تكون محدودة أو مقيدة أو خاضعة لأي تأثير خارجي عنها أي لا تستمد مشروعيتها من أحد، فهي سلطة واحدة مطلقة عليا لها حق التشريع. وقد ظهر مفهوم السيادة نتيجة الصراع الذي نشأ خلال القرن السادس عشر في فرنسا بين الملوك من جهة، والإقطاعيين والباباوات في الجانب المقابل، عند ذاك اعتمدت نظرية السيادة وطرحت كحجة فكرية من الملوك لفرض سيطرتهم في البلاد ضد الأمراء الإقطاعيين، ولتدعيم سيطرتهم خارجيا ضد الإمبراطور والباباوية .
ومن هنا تسرب الضعف والوهن للكنيسة التي كانت تعتمد على فكرة الحق الإلهي لإخضاع الشعب لها، لصالح الملوك الذين اعتمدوا نظرية السيادة كغطاء فكري وقانوني لافتكاك هذه الطاعة ، ليصبح الدخول في كنف الملك عند الفلاسفة طوق نجاة للخلاص من التشرذم والانقسام الذي أحدثته الحروب الدينية، وبعد ذلك افتكت الثورة الفرنسية مفهوم السيادة ليصبح عند الشعب .
وعليه فإن مفهوم السيادة هو نتاج صراع بعيد وغريب ومنبت عن طبيعة الحكم في الإسلام لأن المجتمع الإسلامي لم يكن يعاني البتة من مشاكل الإقطاع ولا السلطة الدينية مثلما حدث في أوروبا .
كما أن الاعتراف بالسيادة لأي جهة إنسانية هو مفهوم بعيد عن الإسلام ، لأنه مؤسس على معاندة الخالق ومضاددته، بل واتخاذ ربا من دونه هو المشرع الإنساني (.. ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) الأعراف 54 .
ولسنا نرى في هذا المستوى من البحث بأن الأستاذ راشد الغنوشي في حاجة إلى تذكيره بمفهوم الحاكمية في الإسلام ، لأن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم قد فصلها صراحة في أكثر من موضع ، من ذلك أنه كان في دعوته يقول ( وأن لا يتخذ بعضنا البعض أربابا من دون الله ) ، كما أن الحديث المروي عن عدي ابن حاتم الطائي ينهي أي خلاف أو شبهة فكرية لقوم يعقلون ، فقد روى بأنه دخل على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتلو آية ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) التوبة 31 ، فقال عدي للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ما عبدوهم ، فقال صلى الله عليه وسلم " أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم ، فتلك عبادتهم لهم "..
والمحصلة من كل هذا هي أن التدافع المجتمعي ليس هو من يحدد طراز الحكم في الإسلام ولا يمكن مطلقا أن نصف دولة تتخذ شرعا غير شرع الله نظاما بأنها إسلامية ، بل أن القول بهذا الأمر هو مغالطة فكرية وتضليلا سياسيا ، فهذه الدولة والنظام الذي أنتم بصدد إعداده عبر المجلس التأسيسي ليس نظاما إسلاميا البتة ولا يمكن أن يكون كذلك لأنه من صنع البشر الآلهة المتخذة من دون الله ربا.
نظام دولة الخلافة نظام نسيج وحده
وعليه فإن نظام دولة الخلافة يخضع بشكل آلي وعضوي إلى حكم الله ولا يملك الحكام مخالفته ولا تملك الأمة ذاتها تعديله أو تبديله ، ومن هنا كانت الدولة الإسلامية التي أقيمت في القرن السابع الميلادي أول دولة قانونية دستورية بالمعنى التام للكلمة .
ولقد لخص الربعي ابن مالك في جوابه عن سؤال وجهه له حاكم الفرس لماذا جئتم يا أجلاف الصحراء بقوله :" لقد جئنا لنحرر من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.." وعلى هذا الأساس يتضح مفهوم الحرية في الإسلام ، أي أن لا يتحكم في الإنسان ويحدد مصيره قوانين صادرة عن أناس مثله عاجزون ومحدودون وتتحكم فيهم الرغبات الإنسانية ونوازعها النسبية المتغيرة والمتحولة .
ولذلك فإن حزب التحرير يسير على نفس النهج ولا يبدل ، فلا الخليفة ولا الأمة يمكنها مخالفة أوامر الله ونواهيه ، فالأحكام الشرعية قيود قانونية لسلطة الأمة لا تملك الخروج عنها ولا تجاوزها؛ وليس للأمة مجتمعة أو متفرقة، متفقة مع رئيس الدولة أو مختلفة معه، ممثلة في هيئة تأسيسية أو غير ممثلة؛ أن تتصرف في أوامر الله ونواهيه لأنها لا تملك الخروج عن هذه النصوص ولا التعديل أو التبديل فيها ولا الزيادة أو النقصان منها ولا نسخها ، كما أن الخليفة لا يمكنه البتة أن يخرج عن حدود التفويض الذي تعاقد عليه مع الأمة لكي يحكمها بشرع الله .
وعليه فلا التدافع بين أفراد المجتمع هو الذي يحدد نظام الدولة الإسلامية ولا للخليفة الحق في الخروج عن فحوى عقد النيابة ( التفويض ) الذي منحته له الأمة عبر انتخابها له بأن يحدد لها نظاما مغايرا لنظام الإسلام ، فكلاهما محكوم بمقتضيات الشريعة الإسلامية فلا يتعداها ، وجزاء التعدي على ذلك من كليهما هي جزاء النكول والنكوث عن الموجبات العقدية لعقد الخلافة والمحددة بدورها مسبقا من الشرع الحنيف .
فالمولى عز وجل خاطب الإنسان عموما وكلف المسلمين بتنفيذ الأحكام الشرعية ، ولما كان الأمر متعين التنفيذ في ذمة كل مسلم ، ولما كان التنفيذ على جماعة المسلمين يقتضي وجود شخص ينوبهم في تطبيق شرع الله عليهم لاستحالة التنفيذ من الجماعة ، كان الخليفة أو رئيس الدولة الإسلامية نائبا عن الأمة في تنفيذ حكم الله سبحانه وتعالى الذي اختارته .
فلا يستطيع الحاكم تجاوز الحدود المقررة في كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا يستطيع الأفراد أو المجتمع أن يتواطئوا أو يمالئوا حاكماً على إهدار أحكام الشريعة، لأن كليهما ارتضيا وأذعنا اختيارا وعن تراض بعقد الخلافة الذي بموجبه فوضت الأمة وظيفة رعاية شؤونها والنظر فيها بما يحقق مصالحها وفق ما جاء به الشرع الحنيف لرئيس الدولة الإسلامية .
فالديمقراطية المتبناة منكم مؤسسة على فكرة أن الشعب سيد نفسه ليحكم نفسه بالمنهج الذي يراه مناسباً، وهذا مغاير للإسلام ولا يمكن البتة أن يلتقي معه ؛ لأن الإسلام قائم على التسليم لله وحده بسلطة التشريع، فالنظام الديمقراطي يسير في خط متوازي مع نظام الدولة الإسلامية ولا يلتقي معه أبدا لاختلاف أساسيهما الفكريين .
ومن ثم، فإن اجتهاد المسلمين في النصوص الشرعية للكشف عن حكم الله في المستحدثات هو أقصى ما يمكنهم القيام به في علاقتهم بالشرع وهو مضبوط بمقاييس محددة وثابتة لأنها من جنس القاعدة الفكرية المنبثقة أو المبنية عليها ، ولكن في النظم الديمقراطية فإن للبشر حرية وضع هذه المقاييس والمعالجات بحسب أهوائهم ورغباتهم ، فإرادة الشعب هي العليا تبرم ما تشاء وتنتقض ما تشاء، لا يحدها في ذلك حد.
وعلى كل حال وحتى لا نطيل البحث أكثر مما يجب ، فإنه لا التدافع المجتمعي ولا سيادة الشعوب هي من تقرر نظامها في ما يسمى بالنظم الديمقراطية ، فهذه عبارات وشعارات جوفاء استغلتها الرأسمالية للتحكم في الشعوب وتقرير مصائرها.
مآزق الديمقراطية وسمو الإسلام وثباته
ولقد اتفق المفكرون السياسيون وفقهاء القانون الدستوري خلال مراجعاتهم الجديدة الديمقراطية بأن من يحدد النظام هي جماعات الضغط والإعلام ، كما اتضح لهم أن التفريق بين السلط ونظرية العقد الاجتماعي هي أفكار خيالية لا يمكن أن تنطبق على الواقع المعيش ، لأن السلطة التنفيذية بلوبياتها هي التي تشرع في واقع الأمور ، ولك أن تطلع مثلا على النظام الانقليزي الذي يتولى فيه الحزب الأكثر تمثيلية في البرلمان رئاسة الحكومة فتصبح الحكومة باعتبارها السلطة التنفيذية هي السلطة التشريعية ، كما أن واقع شعوب العالم وخصوصا منها البلدان ذات النظم الديمقراطية الحديثة يؤكد على أن من يشرع لهذه البلدان هو صندوق بنك النقد الدولي والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والجمعيات الصهيونية ، وإذا خرج منهم أحد عن السياق فإن مجلس الأمن بآلته الحربية تكون له بالمرصاد..
أما بالنسبة للشطر الثاني من كلمتك والتي تعرضت فيها بالنقد إلى حزب التحرير بأنه "يرى أن الدولة أو رئيس الدولة الإسلامية هو الذي يحدد نمط المجتمع و نوع الإسلام لأنه لا يقول بتنوع الاجتهادات في الإسلام"، فإن هذا الموقف مغلوط وغير مطابق لما يتبناه الحزب جملة وتفصيلا .
فلقد ورد في المادة الثالثة من مشروع دستور دولة الخلافة لحزب التحرير : يتبنى الخليفة أحكاما شرعية معينة يسنها دستورا وقوانين ، وإذا تبنى حكما شرعيا في ذلك ، صار هذا الحكم وحده هو الحكم الشرعي الواجب العمل به ، وأصبح حينئذ قانونا نافذا وجبت طاعته على كل فرد من الرعية ظاهرا وباطنا.
وأساس ذلك ، هو أن الآراء وكثرة الاجتهادات الإسلامية الصحيحة تقتضي توحيد موقف واحد للدولة عند تنفيذ القوانين تجاه رعاياها ، وبغض النظر عن التأصيل المفصل لهذه المادة الدستورية في كتب الحزب - وخصوصا منها كتاب مقدمة الدستور أو الأسباب الموجبة له -والتي ندعوك كما ندعو أهلنا في تونس الإطلاع عليه للوقوف على عظمة شرع ربها العظيم وكماله -، فإن جميع الدساتير العالمية تؤكد على أن رئيس الدولة هو من يمضي على القوانين التي تصدر عنه
فإذا حظيت هذه الآلية بالقبول في النظم الديمقراطية ، فكيف لا نقبل بها عندما يكون أساسها إسلامي ، بالرغم من أن هذه القوانين صادرة في الأنظمة الوضعية عن المجالس التشريعية البشرية التي لا تجعل لرئيس الدولة غير حق الرفض وإعادتها للبرلمان ، فيتحمل إذا قبل بها المسؤولية تجاه شعبه من دون أن تكون له أية إرادة في اختيار هذه القوانين ، ولا نقبل بتبني مجموعة الأحكام الشرعية التي تقتضي التطبيق في نفس الدولة لما تكون متبناة من الخليفة بعينها دون سواها من الآراء الشرعية ، وبعد أن يكون قد أخذ الرأي فيها من مجلس الأمة ، بل يجوز حمله على خلافها من محكمة المظالم ( المحكمة الإدارية حاليا التي يدعي الغرب بأنه أول من أنشأها ) إذا كان ما يتبناه فيه ضعف في الدليل الشرعي ، سواء منها مباشرة أو من أي فرد من الأمة وجيها كان أو ضعيفا .
حزب التحرير يتبنى أن الاجتهاد فرض
أما بخصوص قولك بأن حزب التحرير لا يقول باختلاف الآراء والاجتهاد في الإسلام ، فهو كذلك نقل غير صحيح لما يتبناه ، فحزب التحرير يرى أن الاجتهاد فرض كفاية على المسلمين ، وقد ضمن هذا الموقف في المادة الدستورية التاسعة ضمن مشروع الدستور المقترح منه على الأمة ، وفرض الكفاية كما هو معلوم يكون فرض عين على كل المسلمين إذا خلت الأمة من المجتهدين .
وعليه فإن الأمانة العلمية والموضوعية يقتضيان التثبت عند نقل مواقف الآخرين ، وحزب التحرير سيظل يدور مع رحى الإسلام حيثما دارت ، بعدما افترق الكتاب والسلطان ( فصل الدين عن الحياة ) كما نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك صراحة بقوله في الحديث الذي أخرجه الطبراني من حديث معاذ ابن جبل رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خذوا العطاء ما دام عطاء ، فإذا صار رشوة في الدين فلا تأخذوه ، ولستم تاركيه يمنعكم الفقر والحاجة ، ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار ، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب ، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم ، إن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم ، قالوا يا رسول الله كيف نصنع ؟ قال كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب ، موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله .
والحمد لله رب العالمين
08 من ربيع الاول 1434
الموافق 2013/01/21م
الديمقراطية نظام كفر ولا يلتقي أبدا مع نظام دولة الإسلام ، دولة الخلافة
نظم حزب النهضة يوم الجمعة 2013/01/11 ندوة سياسية تحت عنوان (الإسلاميون و خيارات إدارة الحكم )، وقد تطرق رئيس حزب النهضة السيد راشد الغنوشي في المحاضرة التي ألقاها بالمناسبة إلى رؤية حزب التحرير في نظام الحكم قائلا:" إن من يحدد نمط المجتمع هو التدافع و التفاعل المجتمعي، مع أن بعض الحركات الإسلامية مثل حزب التحرير يرى أن الدولة أو رئيس الدولة الإسلامية هو الذي يحدد نمط المجتمع و نوع الإسلام لأنه لا يقول بتنوع الاجتهادات في الإسلام"( منقول عن جريدة الصريح الصادرة بتاريخ 12/01/2013).
و إذا كانت عادتنا في حزب التحرير هي رسم الخط المستقيم بجانب الخط المعوج و بالتالي لا نرد على أقوال الأشخاص و إنما نباشر طرح الأفكار و مقارعتها بالحجة، إلا أن السيد راشد الغنوشي الذي تعرض لحزب التحرير في محاضرته صراحة و ذلك بنسب فهم مغلوط لفكر الحزب، ثم محاولة انتقاده بناء على هذا النقل المغلوط، قد اضطرنا إلى الرد على أقواله مباشرة مثلما تعرض لحزب التحرير مباشرة ، إذ تقتضي الأمانة الموضوعية و الفكرية أن يكون الناقل للأفكار حريصا أشد الحرص على الإطلاع على الفكرة المراد نقلها بعد فهمها الفهم الصحيح، أما أن يكون النقل بهذه الكيفية لما تبناه حزب التحرير بخصوص تحديد نمط الحكم في الدولة الإسلامية و كيفية تبني القوانين و تنفيذها، فإن هذا النقل إما أن يكون بغاية التضليل الفكري أو لسوء و قصور في فهم أطروحات حزب التحرير .
يقتضي البحث في نمط الحكم في الدولة الإسلامية تحديد الأفكار والتعريف بالمفاهيم ، وعلى هذا، فلما نقول دولة الخلافة أو الدولة الإسلامية ، فإننا نعني نظاما وطرازا معينا ومخصوصا للحكم قائما بذاته مستمدا من أسسه العقدية و الفكرية وله نوعية محددة من المعالجات (القوانين) منبثقة عن القاعدة الفكرية المنشأة لهذه الدولة .
ولهذا فإن العقيدة الإسلامية هي المصدر والأساس الفكري لجميع التشريع الإسلامي وهي المحددة له ولمداه ولمؤداه ، والذي يفضي في النهاية بالمسلم إلى نيل رضوان الله عز وجل ، بما أنه ملزم بإتباع مجموع المفاهيم والمقاييس والقناعات المنبثقة والمبنية والمتفرعة عن هذه العقيدة.
ومن هنا فالقول بأن من يحدد نمط المجتمع هو التدافع و التفاعل المجتمعي، هو قول وتحديد وتعريف لمجتمع غير إسلامي وفيه خلط معرفي بين مفهومي المجتمع والدولة في التفكير السياسي النظري ، كما أنه ومن جهة ثانية تصور يتجافى مع مجموع المفاهيم والمقاييس والقناعات التي ارتضتها واعتنقتها الأمة الإسلامية ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) "النساء 56" ، ومصداقا لقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به..والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ..
وحتى لا نبق نفصل الفروق بين تعريف المجتمع وتعريف الدولة أو نظام الحكم ، فإننا سنحمل قول الأستاذ الغنوشي على أنه قصد بأن تدافع المجتمع هو الذي يحدد نظام الحكم ، ليقيم مقارنة طرحه مع ما نسبه للحزب بالقول بأن حزب التحرير يرى بأن رئيس الدولة الإسلامية هو من يحدد نمط المجتمع ونوع الإسلام المتبنى في هذا المجتمع لأنه لا يقول بتنوع الاجتهادات .
إن المشكل المعرفي الذي يريد البعض من أبناء المسلمين أن يكرسوه انطلاقا من إرادتهم في تبني المفاهيم الغربية عن الحياة ، هو محاولة ملاءمة ما يسمى بالدولة المدنية مع الدولة الإسلامية ومحاولة تركيبهما على بعضهما بناء على العقيدة الرأسمالية المتمثلة في الحل الوسط ، أي يمكن بالتوافق أن نقوم بمزج نظام الدولة الإسلامية بنظام الدولة الغربية المدنية .
ولكن التصادم بين النظامين لاختلاف أساسهما الفكري والعقائدي لا يتيح ذلك البتة ، لأنهما لا يركبان على بعضهما لاختلاف مناهج التفكير والتشريع فيهما وذلك للتباين الكلي وعدم إمكانية الالتقاء بين قاعدتهما الفكرية ، أي لا يمكن مثلا أن نحل مشكل كيميائي أو فيزيائي باستعمال معادلة رياضية أو قاعدة نحوية أو صرفية ، كما لا يمكن أن نمزج اللون الأبيض باللون الأسود لأننا سنفقد اللونين معا..
ويكمن الاختلاف الجوهري بين الإسلام والرأسمالية في مفهوم السيادة - أي:
من له حق التشريع - هل الإنسان أم خالق الإنسان؟ .
تعرف السيادة في فقه القانون الدستوري كيفما نشأ في الفكر الغربي ، بأنها السلطة العليا التي لها حق إصدار القوانين وإلزام الناس بها جميعاً من دون أن تكون محدودة أو مقيدة أو خاضعة لأي تأثير خارجي عنها أي لا تستمد مشروعيتها من أحد، فهي سلطة واحدة مطلقة عليا لها حق التشريع. وقد ظهر مفهوم السيادة نتيجة الصراع الذي نشأ خلال القرن السادس عشر في فرنسا بين الملوك من جهة، والإقطاعيين والباباوات في الجانب المقابل، عند ذاك اعتمدت نظرية السيادة وطرحت كحجة فكرية من الملوك لفرض سيطرتهم في البلاد ضد الأمراء الإقطاعيين، ولتدعيم سيطرتهم خارجيا ضد الإمبراطور والباباوية .
ومن هنا تسرب الضعف والوهن للكنيسة التي كانت تعتمد على فكرة الحق الإلهي لإخضاع الشعب لها، لصالح الملوك الذين اعتمدوا نظرية السيادة كغطاء فكري وقانوني لافتكاك هذه الطاعة ، ليصبح الدخول في كنف الملك عند الفلاسفة طوق نجاة للخلاص من التشرذم والانقسام الذي أحدثته الحروب الدينية، وبعد ذلك افتكت الثورة الفرنسية مفهوم السيادة ليصبح عند الشعب .
وعليه فإن مفهوم السيادة هو نتاج صراع بعيد وغريب ومنبت عن طبيعة الحكم في الإسلام لأن المجتمع الإسلامي لم يكن يعاني البتة من مشاكل الإقطاع ولا السلطة الدينية مثلما حدث في أوروبا .
كما أن الاعتراف بالسيادة لأي جهة إنسانية هو مفهوم بعيد عن الإسلام ، لأنه مؤسس على معاندة الخالق ومضاددته، بل واتخاذ ربا من دونه هو المشرع الإنساني (.. ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) الأعراف 54 .
ولسنا نرى في هذا المستوى من البحث بأن الأستاذ راشد الغنوشي في حاجة إلى تذكيره بمفهوم الحاكمية في الإسلام ، لأن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم قد فصلها صراحة في أكثر من موضع ، من ذلك أنه كان في دعوته يقول ( وأن لا يتخذ بعضنا البعض أربابا من دون الله ) ، كما أن الحديث المروي عن عدي ابن حاتم الطائي ينهي أي خلاف أو شبهة فكرية لقوم يعقلون ، فقد روى بأنه دخل على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتلو آية ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) التوبة 31 ، فقال عدي للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ما عبدوهم ، فقال صلى الله عليه وسلم " أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم ، فتلك عبادتهم لهم "..
والمحصلة من كل هذا هي أن التدافع المجتمعي ليس هو من يحدد طراز الحكم في الإسلام ولا يمكن مطلقا أن نصف دولة تتخذ شرعا غير شرع الله نظاما بأنها إسلامية ، بل أن القول بهذا الأمر هو مغالطة فكرية وتضليلا سياسيا ، فهذه الدولة والنظام الذي أنتم بصدد إعداده عبر المجلس التأسيسي ليس نظاما إسلاميا البتة ولا يمكن أن يكون كذلك لأنه من صنع البشر الآلهة المتخذة من دون الله ربا.
نظام دولة الخلافة نظام نسيج وحده
وعليه فإن نظام دولة الخلافة يخضع بشكل آلي وعضوي إلى حكم الله ولا يملك الحكام مخالفته ولا تملك الأمة ذاتها تعديله أو تبديله ، ومن هنا كانت الدولة الإسلامية التي أقيمت في القرن السابع الميلادي أول دولة قانونية دستورية بالمعنى التام للكلمة .
ولقد لخص الربعي ابن مالك في جوابه عن سؤال وجهه له حاكم الفرس لماذا جئتم يا أجلاف الصحراء بقوله :" لقد جئنا لنحرر من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.." وعلى هذا الأساس يتضح مفهوم الحرية في الإسلام ، أي أن لا يتحكم في الإنسان ويحدد مصيره قوانين صادرة عن أناس مثله عاجزون ومحدودون وتتحكم فيهم الرغبات الإنسانية ونوازعها النسبية المتغيرة والمتحولة .
ولذلك فإن حزب التحرير يسير على نفس النهج ولا يبدل ، فلا الخليفة ولا الأمة يمكنها مخالفة أوامر الله ونواهيه ، فالأحكام الشرعية قيود قانونية لسلطة الأمة لا تملك الخروج عنها ولا تجاوزها؛ وليس للأمة مجتمعة أو متفرقة، متفقة مع رئيس الدولة أو مختلفة معه، ممثلة في هيئة تأسيسية أو غير ممثلة؛ أن تتصرف في أوامر الله ونواهيه لأنها لا تملك الخروج عن هذه النصوص ولا التعديل أو التبديل فيها ولا الزيادة أو النقصان منها ولا نسخها ، كما أن الخليفة لا يمكنه البتة أن يخرج عن حدود التفويض الذي تعاقد عليه مع الأمة لكي يحكمها بشرع الله .
وعليه فلا التدافع بين أفراد المجتمع هو الذي يحدد نظام الدولة الإسلامية ولا للخليفة الحق في الخروج عن فحوى عقد النيابة ( التفويض ) الذي منحته له الأمة عبر انتخابها له بأن يحدد لها نظاما مغايرا لنظام الإسلام ، فكلاهما محكوم بمقتضيات الشريعة الإسلامية فلا يتعداها ، وجزاء التعدي على ذلك من كليهما هي جزاء النكول والنكوث عن الموجبات العقدية لعقد الخلافة والمحددة بدورها مسبقا من الشرع الحنيف .
فالمولى عز وجل خاطب الإنسان عموما وكلف المسلمين بتنفيذ الأحكام الشرعية ، ولما كان الأمر متعين التنفيذ في ذمة كل مسلم ، ولما كان التنفيذ على جماعة المسلمين يقتضي وجود شخص ينوبهم في تطبيق شرع الله عليهم لاستحالة التنفيذ من الجماعة ، كان الخليفة أو رئيس الدولة الإسلامية نائبا عن الأمة في تنفيذ حكم الله سبحانه وتعالى الذي اختارته .
فلا يستطيع الحاكم تجاوز الحدود المقررة في كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا يستطيع الأفراد أو المجتمع أن يتواطئوا أو يمالئوا حاكماً على إهدار أحكام الشريعة، لأن كليهما ارتضيا وأذعنا اختيارا وعن تراض بعقد الخلافة الذي بموجبه فوضت الأمة وظيفة رعاية شؤونها والنظر فيها بما يحقق مصالحها وفق ما جاء به الشرع الحنيف لرئيس الدولة الإسلامية .
فالديمقراطية المتبناة منكم مؤسسة على فكرة أن الشعب سيد نفسه ليحكم نفسه بالمنهج الذي يراه مناسباً، وهذا مغاير للإسلام ولا يمكن البتة أن يلتقي معه ؛ لأن الإسلام قائم على التسليم لله وحده بسلطة التشريع، فالنظام الديمقراطي يسير في خط متوازي مع نظام الدولة الإسلامية ولا يلتقي معه أبدا لاختلاف أساسيهما الفكريين .
ومن ثم، فإن اجتهاد المسلمين في النصوص الشرعية للكشف عن حكم الله في المستحدثات هو أقصى ما يمكنهم القيام به في علاقتهم بالشرع وهو مضبوط بمقاييس محددة وثابتة لأنها من جنس القاعدة الفكرية المنبثقة أو المبنية عليها ، ولكن في النظم الديمقراطية فإن للبشر حرية وضع هذه المقاييس والمعالجات بحسب أهوائهم ورغباتهم ، فإرادة الشعب هي العليا تبرم ما تشاء وتنتقض ما تشاء، لا يحدها في ذلك حد.
وعلى كل حال وحتى لا نطيل البحث أكثر مما يجب ، فإنه لا التدافع المجتمعي ولا سيادة الشعوب هي من تقرر نظامها في ما يسمى بالنظم الديمقراطية ، فهذه عبارات وشعارات جوفاء استغلتها الرأسمالية للتحكم في الشعوب وتقرير مصائرها.
مآزق الديمقراطية وسمو الإسلام وثباته
ولقد اتفق المفكرون السياسيون وفقهاء القانون الدستوري خلال مراجعاتهم الجديدة الديمقراطية بأن من يحدد النظام هي جماعات الضغط والإعلام ، كما اتضح لهم أن التفريق بين السلط ونظرية العقد الاجتماعي هي أفكار خيالية لا يمكن أن تنطبق على الواقع المعيش ، لأن السلطة التنفيذية بلوبياتها هي التي تشرع في واقع الأمور ، ولك أن تطلع مثلا على النظام الانقليزي الذي يتولى فيه الحزب الأكثر تمثيلية في البرلمان رئاسة الحكومة فتصبح الحكومة باعتبارها السلطة التنفيذية هي السلطة التشريعية ، كما أن واقع شعوب العالم وخصوصا منها البلدان ذات النظم الديمقراطية الحديثة يؤكد على أن من يشرع لهذه البلدان هو صندوق بنك النقد الدولي والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والجمعيات الصهيونية ، وإذا خرج منهم أحد عن السياق فإن مجلس الأمن بآلته الحربية تكون له بالمرصاد..
أما بالنسبة للشطر الثاني من كلمتك والتي تعرضت فيها بالنقد إلى حزب التحرير بأنه "يرى أن الدولة أو رئيس الدولة الإسلامية هو الذي يحدد نمط المجتمع و نوع الإسلام لأنه لا يقول بتنوع الاجتهادات في الإسلام"، فإن هذا الموقف مغلوط وغير مطابق لما يتبناه الحزب جملة وتفصيلا .
فلقد ورد في المادة الثالثة من مشروع دستور دولة الخلافة لحزب التحرير : يتبنى الخليفة أحكاما شرعية معينة يسنها دستورا وقوانين ، وإذا تبنى حكما شرعيا في ذلك ، صار هذا الحكم وحده هو الحكم الشرعي الواجب العمل به ، وأصبح حينئذ قانونا نافذا وجبت طاعته على كل فرد من الرعية ظاهرا وباطنا.
وأساس ذلك ، هو أن الآراء وكثرة الاجتهادات الإسلامية الصحيحة تقتضي توحيد موقف واحد للدولة عند تنفيذ القوانين تجاه رعاياها ، وبغض النظر عن التأصيل المفصل لهذه المادة الدستورية في كتب الحزب - وخصوصا منها كتاب مقدمة الدستور أو الأسباب الموجبة له -والتي ندعوك كما ندعو أهلنا في تونس الإطلاع عليه للوقوف على عظمة شرع ربها العظيم وكماله -، فإن جميع الدساتير العالمية تؤكد على أن رئيس الدولة هو من يمضي على القوانين التي تصدر عنه
فإذا حظيت هذه الآلية بالقبول في النظم الديمقراطية ، فكيف لا نقبل بها عندما يكون أساسها إسلامي ، بالرغم من أن هذه القوانين صادرة في الأنظمة الوضعية عن المجالس التشريعية البشرية التي لا تجعل لرئيس الدولة غير حق الرفض وإعادتها للبرلمان ، فيتحمل إذا قبل بها المسؤولية تجاه شعبه من دون أن تكون له أية إرادة في اختيار هذه القوانين ، ولا نقبل بتبني مجموعة الأحكام الشرعية التي تقتضي التطبيق في نفس الدولة لما تكون متبناة من الخليفة بعينها دون سواها من الآراء الشرعية ، وبعد أن يكون قد أخذ الرأي فيها من مجلس الأمة ، بل يجوز حمله على خلافها من محكمة المظالم ( المحكمة الإدارية حاليا التي يدعي الغرب بأنه أول من أنشأها ) إذا كان ما يتبناه فيه ضعف في الدليل الشرعي ، سواء منها مباشرة أو من أي فرد من الأمة وجيها كان أو ضعيفا .
حزب التحرير يتبنى أن الاجتهاد فرض
أما بخصوص قولك بأن حزب التحرير لا يقول باختلاف الآراء والاجتهاد في الإسلام ، فهو كذلك نقل غير صحيح لما يتبناه ، فحزب التحرير يرى أن الاجتهاد فرض كفاية على المسلمين ، وقد ضمن هذا الموقف في المادة الدستورية التاسعة ضمن مشروع الدستور المقترح منه على الأمة ، وفرض الكفاية كما هو معلوم يكون فرض عين على كل المسلمين إذا خلت الأمة من المجتهدين .
وعليه فإن الأمانة العلمية والموضوعية يقتضيان التثبت عند نقل مواقف الآخرين ، وحزب التحرير سيظل يدور مع رحى الإسلام حيثما دارت ، بعدما افترق الكتاب والسلطان ( فصل الدين عن الحياة ) كما نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك صراحة بقوله في الحديث الذي أخرجه الطبراني من حديث معاذ ابن جبل رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خذوا العطاء ما دام عطاء ، فإذا صار رشوة في الدين فلا تأخذوه ، ولستم تاركيه يمنعكم الفقر والحاجة ، ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار ، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب ، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم ، إن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم ، قالوا يا رسول الله كيف نصنع ؟ قال كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب ، موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله .
والحمد لله رب العالمين
08 من ربيع الاول 1434
الموافق 2013/01/21م
No comments:
Post a Comment