Wednesday, March 30, 2022

جريدة الراية: شباب الأمة وصناعة الأجيال التافهة

 

جريدة الراية: شباب الأمة وصناعة الأجيال التافهة

 

  27 من شـعبان 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 30 آذار/مارس 2022مـ

(يا ليتني فيها جذعا، وإن يدركني يومك لأنصرنك نصرا مؤزرا) هذه كانت أمنية ورقة بن نوفل أول ما سمع من النبي ﷺ تباشير النبوة، أمنية لم تتحقق لذلك العجوز، ولكنها متاحة اليوم لملايين الشباب في أمة محمد.

الشباب كانوا موضع رهان النبي ﷺ في الشدائد والملمات، يقول زيد بن ثابت: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَتَعَلَّمْتُ لَهُ كِتَابَ يَهُودَ وَقَالَ إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي» فَتَعَلَّمْتُهُ فَلَمْ يَمُرَّ بِي إِلَّا نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى حَذَقْتُهُ فَكُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ إِذَا كَتَبَ وَأَقْرَأُ لَهُ إِذَا كُتِبَ إِلَيْهِ. كانت تلك الكلمات: «مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي» كافية لأن لا ينام زيد ولا يهدأ حتى يحفظ لغة يهود في نصف شهر، فصار مترجم رسولنا الشخصي لرسائل يهود والأذن المتيقظة على دسائسهم. كم كان عمرك يا زيد؟ 16 عاما فقط. استطاع حل أزمة يعاني منها رسولنا، ويتصدى لأعدائه.

فانظر أيها الشاب اليوم إلى مؤهلاتك وقدراتك، واسأل نفسك: هل لو رآك الرسول اليوم سيكلفك بمهام كالتي كلف بها زيدا، أو كالتي كلف بها مصعب بن عمير ابن الـ22 ربيعا بتشكيل الرأي العام الإسلامي في المدينة ويكون أول سفراء الإسلام؟

أيها الشباب، لأن دوركم خطير ومرعب، لم يتوان المستعمرون والمستشرقون وصناع القرار العالمي عن تسخير ترسانتهم الثقافية والإعلامية والمالية والعسكرية كي يقنعوكم أن لا دور لكم ولا أهمية لكم في نصرة الإسلام.

هل سألتم أنفسكم لماذا برامج التعليم في مدارسنا لا تعلمنا عظمة الاعتزاز بديننا ووجوب تسويده ونصرته وإقامة دولة تحميه وتنشره للعالمين؟

السبب قاله المستشرق صموئيل زويمر رئيس جمعيات التنصير في الشرق الأوسط والذي كان يتولى إدارة مجلة العالم الإسلامي والتي ما زالت تصدر إلى الآن، زويمر التنصيري رئيس مجلة العالم الإسلامي والذي عمل في البحرين والكويت والسعودية وغيرها يبشر في عام 1899 أنهم انتهوا من إعداد المناهج المدرسية للمسلمين سنة 1899 قبل هدم الخلافة، ما إن شعر الكفار بضعف القلعة الحصينة (الخلافة) حتى سارعوا إلى تغيير مناهج الدراسة التي تعد جيلا قادما مهزوما، مشوه الفهم خائر القوة، منزوع النخوة والغيرة على حرماته.

وقد اشتدت تلك الحملات بعيد حروب الخليج وغزت مناهج التعليم بلاد المسلمين بحسب سياسة ممنهجة لم يخجل قادة الأرض من الإعلان السافر عنها.

تقول إلينا رمانسكي مسؤولة مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية عام 2003م: "أي منهاج دراسي لا يسير في هذا الاتجاه (يعني بحسب سياستهم) يجب تغييره".

توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق صرح في حزيران 2015م: "إن زيادة الإجراءات الأمنية لا تعالج جذور مشكلة التطرف، لا بد للعالم من أن يدعم تعليماً جديداً للثقافة والدين من أجل مكافحة الأيدلويوجية الإسلامية".

هل سألتم أنفسكم أيها الشباب لماذا تنفق شبكة إم بي سي أكثر من 14 مليون دولار تكلفة موسم واحد فقط من برنامج المسابقات "أراب آيدول"؟ ولماذا ذلك التزاحم المحموم على إنتاج النسخ العربية المتكررة لبرامج المسابقات الغربية تلك (سوبر ستار، ستار أكاديمي، أراب أيدول، ذا فويس....)؟ لماذا المئات من الأفلام والمسلسلات المدبلجة (العشق الممنوع) التي تعلم خروج الفتاة عن طاعة أبيها، وشيوع الزنا والخلاعة؟ لماذا تشهر المسابقات الرياضية ويلمع أبطالها تلميع القادة الفاتحين؟ لماذا هذا الحرص وذلك التفاني وتلك الملايين التي تنفق بسخاء مع أن شعوبنا وبالأخص الشباب يعيشون في فقر مدقع؟!

كل هذا من أجل غاية واحدة: إنتاج شاب تافه أبرز طموحه وغاية اهتماماته نعومة صوته، وجمال هندامه، وكثرة علاقاته الغرامية. إنتاج شباب فاقدي الغيرة والنخوة، يألفون المشاهد الإباحية، يألفون الاختلاط والعري. شباب لا يفكرون بتحرير فلسطين، لا يعرفون شيئا عن فرضية إقامة الخلافة، لا ينظرون إلى اليهود والنصارى على أنهم كفار.

وبالتالي فإذا ما تم إنتاج هذا النموذج المسخ المشوه للشباب فعندها يستطيع الكفار ترويج الأفكار التي تنكر السنة وتنكر الخمار والجهاد، وسائر ثوابت الدين، تشكك بأعظم مقدساته من دون أن تتحرك في جنود الإسلام، هؤلاء الشباب أية همة.

عندها يصبح مقبولا جدا أن تفاخر اتفاقية سيداو مثلا بموبقاتها، فتبيح الإجهاض، وتبرر العقوق، وتسلب المرأة عفتها وتنزع عن وجهها تاج الحياء، وتهدم الأسرة التي تحميها.

حتى إذا ما نجا الشاب من كل هذا تولت شبكات النت العبث بما تبقى من دينه عبر مواقع الإلحاد والتشكيك التي تتولى كبرها منظمات وشخصيات يتقاضون الملايين من تجارة الإلحاد وترويج المخدرات الفكرية.

ويا خجلة الجبين بعد كل هذا حين يفزع الشباب إلى مشايخهم فيفاجأون بأنهم استجاروا من الرمضاء بالنار، فيتلقاهم مشايخ الهزيمة، يبثون يأسهم في أنفاس هؤلاء الشباب، أنتم لا خير فيكم، أنتم لا تستحقون النصر، أمتنا متخلفة، جميع الأمم أفضل منكم! وهكذا تغلق على الشباب الأبواب ويحيط بهم الذئاب من كل حدب وصوب.

أمام هذه الحرب المكتملة الأركان لا بد من استنفار كافة الجهود لتحصين شبابنا:

أولا: الوعي، تنبه المستعمر مبكرا إلى خطورة الوعي فبدأ بتغيير مناهج التعليم، لذلك لا بد من وعي مواجه يثقف الشباب ثقافة عقائدية تغييرية سياسية، يقتل فيهم اليأس، ويزودهم بالحجج التي ترد شبهات المغرضين وتقبرها في مهدها. وهذا دور يساهم فيه الدعاة والأسرة والمثقفون ودور التعليم.

ثانيا: القدوة الصالحة، لا بد من إنتاج قدوات من الشباب، يمثلون لهم النموذج الإسلامي المبدئي، ويرافقونهم في المدرسة والجامعة والأندية والشارع.

ثالثا: العمل الجماعي، التنظيم الدعوي المستقيم هو الذي يعصم أفراد الشباب من أمواج التشكيك ويبقيهم في الأجواء الصحية ويشد عضدهم بإخوانهم.

رابعا: الإعلام المضاد، تسخير منصات الدعوة وتجهيزها بأحدث صورة من أجل التصدي لهجمات الملحدين والمفترين ومنكري الثوابت، وإبرازها وترويج محتواها ونشره على أبعد مدى.

أيها الشباب، أعداؤكم عرفوا مدى قوتكم فقرروا ترويضكم، كونوا عصيين على الترويض، أنتم لستم أمة يهود الذين هم أحرص الناس على حياة مهما كانت تافهة، أنتم لستم أمة النصارى الذين جعلوا دينهم طقوسا رهبانية ما كتبها الله لهم.

أنتم أبناء أمة حرم الله عليها الهزيمة، أنتم من أمة لا يرضى ربها ولا رسوله لكم أن تكونوا تافهين: يقول ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وأَشْرَافَهَا، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا».

نجم الشباب فيكم ليس هو صاحب الشعر الناعم والصوت المخنث، نجم الشباب هو ذلك الفتى الذي يفحم العلمانيين ويقنع المتشككين، ويفر من أمامه الملحدون؟

نجم الشباب هو البطل المفوه الواعي الذي يفضح ألاعيب السياسيين، ويكشف لأمته مؤامرات الطواغيت ولا تنطلي عليه مكائدهم.

نجم الشباب هو المتسلح بآيات القرآن المستحضر لنصوص السنة، ينير بهما الطريق لإخوانه وبني أمته.

نجم الشباب هو الشاب الذي لا يعيش لنفسه ورغباته بل يعيش لرسالته ومبدئه، يعتز بهما مهما تنازل حوله المتنازلون، ويرفع رأسه بدينه مهما طأطأ الخانعون.

فيا معشر الشباب:

قوتك، حفظك، طلاقة لسانك، معرفتك بفنون النت وأساليب التواصل، ثقافتك، خبراتك، دائرة معارفك...

هذه الطاقات التي أنعم الله بها عليك، هي موضع تقصد رسولك لنصرة دينه، وهي أسلحتك في الحرب العالمية لتشويه الإسلام، فلا تتركها تصدأ، بل أرِ الله جهدك في الذب عن حياضه، عل الله يرينا بعد هذا العسر يسرا، وبعد الهزيمة نصرا، ترفع فيه راية العقاب بيد أحد شباب هذه الأمة خفاقة عزيزة تشفي صدور قوم مؤمنين.

بقلم: الأستاذ أحمد الصوفي (أبو نزار الشامي)

No comments:

Post a Comment