Sunday, May 26, 2019

الرسالة العشرون: ذكرى غزوة بدر الكبرى (1)

الرسالة العشرون: ذكرى غزوة بدر الكبرى (1)

الحَمدُ للهِ الذي فَتحَ أبوَابَ الجِنَانِ لِعبَادِهِ الصَّائمينْ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشرَفِ الأنبيَاءِ وَالمُرسَلينْ، المَبعُوثِ رَحْمَةً لِلعَالمينْ، وَآلهِ وَصَحبهِ الطيِّبينَ الطَّاهرينْ، وَمَنْ تبِعَهُ وَسَارَ عَلى دَربهِ وَاهتدَى بهَديهِ وَاستَنَّ بسُنَّتهِ، وَدَعَا بدَعوَتهِ إلى يَومِ الدِّينْ.
احبتنا الكرام : السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وبعد: إليكم الرسالة العشرين من "الرسائل الرمضانية من هدي القرآن والسنة النبوية"، وهي بعنوان: "ذكرى غزوة بدر" (القسم الأول).
إخوةَ الإيمانِ: أيها الصائمون:
قالَ اللهُ تعَالى في مُحكم ِكِتابهِ وَهُوَ أصدَقُ القائلينَ: ]وَلقدْ نصَرَكمُ اللهُ ببَدرٍ وَأنتمْ أذِلةٌ فاتقوا اللهَ لعلَّكم تشكرُونَ[. إنَّ مِنْ أعظمِ ذِكرَيَاتِ هذِهِ الأمَّةِ المُبَارَكةِ، التي حَدثتْ في شهرِ رَمَضَانَ المُبارَكِ، ذكرَى غزوة بدرٍ الكبرَى، التي وَقعَتْ في اليَومِ السَّابعَ عَشرَ منهُ، وذلكَ مِنَ السَّنةِ الثانيةِ  لِلهجرَةِ وَقد أبلى فيها المُسلمُونَ بَلاءً حَسَناً فنصَرَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلى أعدَائِهم مِنَ المُشركينَ نَصْرا ً مُؤزّراً، عَلى الرَّغم ِ مِنْ أنهُم كانوا أقلَّ عَدَدا ً وَعُدَة ً مِنَ المُشركينَ، وَلمْ يَأخذوا لِلقاءِ أهْبتهُ وَعُدَّتهُ.
ففي شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قافلة تجارية لقريش بقيادة أبي سفيان بن حرب عائدة من الشام إلى مكة، فيها أموال لقريش، وتجارة من تجاراتهم عليها ثلاثون رجلًا من قريش. فندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين لاعتراض هذه القافلة وقال لهم: «هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها». فخفَّ بعض الناس، وثقل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حرباً، فكان مجموع من خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً.
وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسَّس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان، حتى أصاب خبراً أن محمداً وأصحابه قد خرجوا للاستيلاء على القافلة، فغيَّر طريقه المعتاد، وأرسل إلى قريش من يستنفرهم للدفاع عن أموالهم، ويخبرهم أن محمداً قد عرض لتجارتهم وأموالهم. وبعد أن نجت القافلة طلب أبو سفيان من أبي جهل الرجوع، فقال أبو جهل: (والله لا نرجع حتى نردَ بدراً، فنقيم فيها ثلاثاً، ننحر الجزور ونسقي الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبداً!). فوافوها  فسُقوا كؤوس المنايا مكان الخمر، وناحت عليهم النوائح بدل القيان!
فخرجت قريش بألف رجل مجهزين بالأسلحة، معهم مائة فرس، وسبعمائة بعير، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يعرف شيئاً مما فعله المشركون، وكان خروجه للعير بثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً فقط، حتى إذا قرب من ماء بدر بثَّ العيون والأرصاد لمعرفة أخبار القافلة. فعلم أنَّ قريشاً خرجت بهذا الجيش الضخم، وأنها في طريقها إلى ماء بدر.
فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في قتال المشركين بعد أن أخبرهم بما علمه من أخبارهم. فتكلم عدد من الصحابة وأحسنوا القول، منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، والمقداد بن الأسود رضي الله عنه الذي قال: (امض يا رسول الله لما أمرك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجاهدنا معك مَن دُونه حتى تبلغه). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا ودعا له.
ولكنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على أخذ رأي الأنصار في هذه الموقعة لسببين: لأنَّ أكثر من كان معه منهم. ولأنهم عاهدوه على أن ينصروه ويمنعوه من أعدائه في المدينة، ولم يبايعوه على القتال خارجها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشيروا عليَّ أيها الناس» فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه: (والله لكأنك تريدنا يا رسول الله). فقال: «نعم». قال سعد رضي الله عنه: (قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا على أنَّ ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أمرك الله، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصُبرٌ عند الحرب، صُدقٌ عند اللقاء، ولعلَّ الله يريك منا ما تقرُّ به عينك، فسِرْ على بركة الله). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سِيرُوا على بركة الله وأبشرُوا، فإنَّ الله وَعَدني إحدى الطائفتين، والله إني لكأنِّي أنظرُ إلى مصارع القوم». وللحديث بقية.
اللهُمَّ أقـِرَّ أعْيُنَنَا بـِقيَامِ دَولةِ الخِلافَة، وَاجْعلْنـَا مِنْ جُنُودِهَا الأوفِياء المُخلِصينْ.
وَالسَّلامُ عَليكـُم وَرَحمَةُ اللهِ  وَبَرَكاتهُ.
  21 من رمــضان المبارك 1440هـ   الموافق   الأحد, 26 أيار/مايو 2019مـ

No comments:

Post a Comment