Wednesday, September 30, 2015

جريدة الراية: مآسٍ متكررة تحصل خلال موسم الحج..

جريدة الراية: مآسٍ متكررة تحصل خلال موسم الحج..

حوادث الحرم المكي (واقعها وجوانب المعالجة)
ذكرت قناة الإخبارية السعودية أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز أمر بتشكيل لجنة تحقيق عليا في حادثة التدافع في مشعر منى، التي أدت إلى وفاة 717 حاجا وإصابة 863، وجاء ذلك عقب ترؤس ولي العهد اجتماعا طارئا للقيادات الأمنية في الحج لبحث أحداث منى، من جانبه أشار المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية إلى أن ما وصفها بالأسباب الظاهرية للحادث ربما تكون الكثافة والتداخل في الحركة في أحد التقاطعات، فضلا عن ارتفاع درجات الحرارة والإعياء نتيجة الجهد الذي بذله الحجاج بعد النفرة من عرفات إلى مزدلفة. وقال المتحدث اللواء منصور التركي إنهم ينتظرون نتائج التحقيق التي ستجريها اللجنة المكلفة بذلك من قبل ولي العهد، وفي معرض رده على سؤال في مؤتمر صحفي، قال التركي إنه لا مجال للربط بين الحادث وبين مرور أي مواكب رسمية. بدوره أكد وزير الصحة السعودي أن التدافع وقع بسبب عدم الالتزام بقواعد السير والمسارات الخاصة بذلك وبالوقت المخصص لرمي الجمرات وأضاف الوزير للإخبارية السعودية أن تحقيقات معمقة جارية حاليا للتحقق أكثر من أسباب الحادث. (الجزيرة نت 2015/09/24م)
وفي وقتنا الحاضر صارت الدولة السعودية الثالثة مسؤولة عن هذا الأمر وما زلنا بين عام وآخر نفجع بحوادث كارثية ومشاكل تنظيمية في موسم الحج يقول النظام بعدها أنه وضع الخطط والحلول لمعالجتها وتفاديها ومع ذلك كله فما زالت مشاكل تنظيم الحج تتوالى وكوارثه تستمر..
ولفهم المشكلة وحجمها لا بد من استعراض سريع لأهم الحوادث في الحرم منذ عام 1975م وحتى هذا العام وهي كما يلي:
• 1975: حريق مخيمات منى، الوفيات: 200، المصابون: غير معروف، نتيجة التحقيق: انفجار أسطوانة غاز.
• 1979: حادثة جهيمان، الوفيات: 153، المصابون: 560، نتيجة التحقيق: جماعة مسلحة.
• 1987: مظاهرات إيرانية، الوفيات: 402، المصابون: 649، نتيجة التحقيق: مظاهرات منددة بأمريكا وتدخل قوات الأمن.
• 1989: اعتداء مسلح، الوفيات: 16، المصابون: 560، نتيجة التحقيق: جماعة مسلحة.
• 1990: تدافع الأنفاق بمنى، الوفيات: 1426، المصابون: غير معروف، نتيجة التحقيق: الازدحام الشديد وتوقف نظام التهوية في النفق.
• 1994: تدافع رمي الجمرات، الوفيات: 270، المصابون: غير معروف، نتيجة التحقيق: الازدحام الشديد.
• 1996: حريق مخيمات منى، الوفيات: 3، المصابون: 99، نتيجة التحقيق: سخان كهربائي.
• 1997: حريق مخيمات منى، الوفيات: 343، المصابون: 1500، نتيجة التحقيق: سخان كهربائي.
• 1998: تدافع رمي الجمرات، الوفيات: 118، المصابون: 180، نتيجة التحقيق: الازدحام الشديد.
• 2001: تدافع رمي الجمرات، الوفيات: 35، المصابون: غير معروف، نتيجة التحقيق: الازدحام الشديد.
• 2003: تدافع رمي الجمرات، الوفيات: 14، المصابون: غير معروف، نتيجة التحقيق: الازدحام الشديد.
• 2004: تدافع رمي الجمرات، الوفيات: 244، المصابون: غير معروف، نتيجة التحقيق: الازدحام الشديد.
• 2005: تدافع رمي الجمرات، الوفيات: 3، المصابون: غير معروف، نتيجة التحقيق: الازدحام الشديد.
• 2006: انهيار فندق قرب المسجد الحرام، الوفيات: 76، المصابون: 62، نتيجة التحقيق: المبنى قديم وعدد الزوار كان كبيرا جدا.
• 2006: تدافع رمي الجمرات، الوفيات: 363، المصابون: 289، نتيجة التحقيق: الازدحام الشديد.
• 2009: سيول في مختلف المناطق، الوفيات: 48، المصابون: غير معروف، نتيجة التحقيق: هطول الأمطار الغزيرة.
• 2015: سقوط رافعة الحرم، الوفيات: 107، المصابون: 238، نتيجة التحقيق: الرياح الشديدة وخطأ المقاول.
• 2015: تدافع رمي الجمرات، الوفيات: 769، المصابون: 934، نتيجة التحقيق: الازدحام الشديد.
الاستعراض أعلاه هو لأهم الحوادث الجماعية فقط، يضاف إلى ذلك الكثير جدا من الحوادث الفردية والجانبية الأخرى مثل صعوبة التنقلات في بعض المواقع أو سوء الخدمات كالطعام والشراب والسكن والصرف الصحي وغيرها في مواقع أخرى، وهذه المشاكل الجانبية تتكرر في كل عام وفي مختلف المناطق ويقع ضررها على جميع الحجاج بشكل عام.
ومن المتابعة والرصد يمكن أن نقول بأن المشكلة قد تجاوزت في حجمها المشاكل العفوية العابرة والتي يمكن أن تقع في أي مكان، فتكرر الحوادث عبر السنين دليل على أن هناك مشكلة حقيقية ولم تعالج بالشكل الصحيح. ولا ننسى أثناء تقديمنا لهذه المشكلة أن نأخذ بالاعتبار الحقائق التالية:
• إن تعداد الحشود في الحج لا يعتبر من التجمعات البشرية الضخمة على مستوى العالم بل حتى إنه يعتبر من التجمعات الأقل من المتوسطة حيث إن أعلى رقم وصل إليه الحجاج هو قرابة 2.5 مليون حاج وذلك في عام 2006م وذلك على مدة 6-7 أيام مدة الحج الفعلية. وهو عدد صغير مقارنة بتجمعات بشرية أخرى في مناطق مختلفة. يذكر أن هناك احتفالات دينية للهندوس في الهند يبلغ عدد زوارها أكثر من عشرين مليون شخص كأكبر تعداد لتجمعات بشرية سلمية وهو حج الهندوس والذي يتم أربع مرات كل 12 سنة وينتقل بين أربع مناطق.
• المشكلة الأساسية في طبيعة حشود الحج في الإسلام تكمن في العامل الزمني والمكاني الذي تتطلبه الفروض العملية لأداء المشاعر في الحج، ومن أهم هذه المشاكل هو التفويج من وإلى منى والتي تتم خلال أيام 8-12 ذو الحجة في كل موسم حج.
• أقصى مساحة لمنى يمكن استغلالها هي 7.82كم مربع وهي من جمرة العقبة ومن جهة المزدلفة وادي المحسر طولا والعرض هو عرض الوادي المحصور بين الجبال والتي تقع منى بينها وهي منطقة الوادي، وفي الوقت الحالي يتم استغلال مساحة 4.8كم مربع فقط من المساحة الإجمالية أي ما يعادل نسبة 61% من المساحة الإجمالية لمنطقة منى. أما بالنسبة لبقية المشاعر فليس هناك حوادث تذكر بسبب المساحة أو التوقيت، كالتي تحدث في الجمرات ومنطقة منى.
جوهر المشكلة:
من استعراض الرصد التاريخي للحوادث والحقائق التي ذكرت أعلاه يمكن تلخيص المشكلة بالنقاط التالية:
• إن منطقة منى والجمرات هي المنطقة الأعلى في حدوث الكوارث حيث إن 82.5% من نسبة الوفيات في الحوادث التي ذكرناها في جدول الرصد وقعت في هذه المناطق؛ حيث إن 12 حادثة من أصل 18 حادثة وقعت في منى.
• مشكلة منى من ناحية فنية تكمن في نقطتين؛ وهما: المبيت لكامل أعداد الحجاج والتفويج في القدوم والرواح من وإلى منى وخلال رمي الجمرات.
• لقد قامت الحكومة السعودية ببناء المخيمات (الخيام القماشية والبلاستيكية) في كامل المساحة المستغلة وهي 61% من إجمالي المساحة الكاملة للمنطقة مع الأخذ بالاعتبار بأن هذه المساحة المستغلة يجب تجهيزها لبناء المناطق السكنية والخدمية والطبية والأمنية وجميعها يجب أن تكون في هذه المنطقة. وبقية المناطق هي عبارة عن جبال يصل ارتفاع بعضها إلى 500 متر، وهو الأمر الذي يزيد الأمر صعوبة رغم وجود تقنيات حديثة - تم استعمال بعضها لإزالة الجبال في منطقة الحرم - وهذه الجبال تستحوذ على بقية المساحة غير المستغلة في منى.
• تغافلت حكومات العقلية التجارية السعودية عن كون منطقة منى أرضاً مملوكة لعامة المسلمين ومخصصة للمشاعر المقدسة لا يجوز التصرف بها بالتمليك أو البيع أو الإيجار، فعن عائشة رضي الله عنها قلنا: يا رسول الله ألا نبني لك بيتا بمنى يظلك. قال: «لا، مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ» أخرجه الإمام أحمد والدارمي وأبو داود، والترمذي وابن ماجه والبيهقي.
بعض الحلول والمعالجات الممكنة بشكل مختصر:
• كمنهجية للحلول وبالأخذ بالاعتبار أن الحج مشروع سنوي يفصل بين كل موسم حج وآخر 11 شهرا ونصف تقريبا فإن جميع المشاريع يجب أن تتبع منهجية المشاريع السريعة والفاعلة المستمرة بهدف المحافظة على جودة الخدمة واكتمال جميع أركان الحج في الوقت المناسب وبالفاعلية الكاملة، وعليه فإن المشاريع الطويلة والضخمة تزيد من حجم المشكلة خلال فترات هذه المشاريع وهذا ما لاحظناه في مشكلة مشروع قطار الحرمين حيث إنه ساهم في حل جزء من الأزمة ولكن المدة الطويلة للمشروع والتأخر الذي حصل في تسليمه جعل منه مشروعا محدود الفائدة أو أن فائدته متأخرة جدا حيث كان من المفترض أن يكون وقت هذا المشروع قبل 10 سنوات من تاريخه.
• وكحل هندسي فإن الحل موجود وميسر ويمكن تطبيقه بكل سهولة؛ فالمساحات والمناطق لها شكلان بالتوسع إما عامودي أو أفقي، ونظرا لضيق المساحة الأفقية لمنى فيمكن التوسع بها عاموديا وذلك عن طريق بناء أبراج سكنية بارتفاعات مناسبة تغطي العدد المطلوب وذلك بناء على دراسة دقيقة لأعداد الحجاج وخطط الزيادة السنوية مع الأخذ بالاعتبار للقدرة الاستيعابية لبقية المشاعر.
• العمل على زيادة المساحة الأفقية للمنطقة وذلك بالعمل على إزالة الجبال وهو وكما ذكرنا سابقا حل متوفر يجب العمل على دراسته بغض النظر عن تكلفته أو الوقت الذي يحتاجه. فقد قامت الحكومة السعودية بإزالة جبل عمر وبناء الفنادق والشقق السكنية والشركات العملاقة الضخمة (شركة جبل عمر) وكما قامت ببناء برج الساعة وأبراج وقف الملك عبد العزيز السكنية والفندقية الشاهقة ولم تتعذر هناك بوجود الجبال أو العقارات المملوكة أو غيرها من الأعذار.
• الاستفادة من التوسع العامودي للمنطقة وذلك في مجال الخدمات الصحية وخدمات المواصلات والأنفاق الأرضية والجسور المرتفعة وهي جميعا مما يمكن تنفيذه في عصر التقنيات الحديثة وذلك لتسهيل عملية التنقل من وإلى منى.
إن العناية بالمشاعر المقدسة وخدمة الحرمين الشريفين وخدمة زواره هي مسؤولية أمام الله أولا وأخيرا، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن تصبح عملاً تفاخرياً يتم من خلالها تدوين الأسماء والأرقام التفاخرية أو التجارة والمزايدة في أسعار العقارات وبيع الأراضي وتأجيرها.
اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشدٍ، وأعنهم على إقامة خليفة لهم يحكم فيهم بكتابك وسنة نبيك ويحميهم ويحمي مقدساتهم، ويجمع الحرمين الشريفين بثالثهم وبكافة أقطار المسلمين تحت راية واحدة، ويجمع تنظيم الحج ورعاية الحجيج بباقي أحكام الدين حتى يسير المسلم حاجّا ملبيّا في أرض الله وفي ظل حكم الله دون أن يحجبه حاجب أو يحجزه حاجز أو يخشى على نفسه سوء رعاية أو فساد تنظيم، أنت القادر على ذلك سبحانك لا إله إلا أنت..
بقلم: ماجد الصالح - بلاد الحرمين الشريفين
16 من ذي الحجة 1436
الموافق 2015/09/30م

No comments:

Post a Comment