Monday, December 17, 2012

خُدعة التعديل الدستوري

خُدعة التعديل الدستوري

الشيخ عصام عميرة  الجمعة 30 محرم، 1434هـ  14/12/2012م

(الخطبة الأولى)
أيها الناس: كلنا يتابع ويعلم أن المرجل السوري يغلي وحرارته ترتفع سريعا، ولكنا سنرجئ الحديث عنه إلى الأسبوع المقبل بإذن الله عسى أن يحمل لنا هذا الأسبوع أخبارا سارة. وسنبحث اليوم مسودة الدستور المصري المعدل الذي سيعرض على الاستفتاء العام يوم غد لأخذ الرأي عليه، فإن حاز على موافقة أغلبية الأصوات – لا سمح الله، وهذا هو المتوقع - صار دستورًا نافذًا وحاكمًا لمصر. ورغم أن كثيرا من مواد هذا الدستور الأساسية
مخالف للإسلام بشكل صريح، ومع ذلك يروج له الإسلاميون على اختلاف مشاربهم بحجة أنه الأفضل منذ مائة عام. وبغض النظر عن المصلحة الوهمية التي قد يتخيلها البعض في ذلك، فإننا كمسلمين علينا أن ننقاد إلى حكم الله، فحيث شرع الله فثَمَّت المصلحة! فلا يجوز التصويت على الدستور ابتداء! ويأثم من يدعو إلى التصويت ويأثم من يذهب ليصوت. والإسلام لم يأت ليحقق المصلحة، بل إن المصلحة تكون حيث يطبق شرع الله، فلا يصح قلب المعادلة، فالله سبحانه وتعالى يقول: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وقد تكرر قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} في القرآن أربع مرات لتأكيد أهميته، وبيان علم الله بما يصلح الناس وجهل الناس بما يصلحهم. فاتقوا الله يا إخوتنا في مصر الكنانة، ولا تُحلوا عليكم وعلينا غضبه، فالله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}. وأول ما عُرض من التعديل الدستوري في تاريخ الإسلام كان من كفار قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعُرض عليه أن يكون ملكاً إن قبل المساومة، ولكنه رفض، ولم يقبل إلا أن يكون التشريع لله وحده، فصبر حتى أذن الله له بأخذ الحكم كاملاً في المدينة، بعد أن أصبح للإسلام رأي عام هناك، فنجح وأنشأ أقوى دولة في ذلك العصر.
أيها الناس: إن الدستور في كل دولة هو الأحكام العامة التي تبين شكل الدولة وأعمال كل سلطة فيها، والنظام الأساس الذي يُسَيِّر أعمال الناس كلها في جميع المجالات، من اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها، فمن باب أولى، ونحن مسلمون، أن تؤخذ هذه من القرآن والسنة، ولا يصوت عليها بحال من الأحوال، فمن نحن حتى نصوت على قول الله عز وجل بالرفض أو القبول؟ بل يجب علينا أن نأخذه ولا نأخذ شيئا سواه، عملا بقوله سبحانه وتعالى {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. فالدستور هو الحاكم في كل دولة دستورية وهو المرجع، وهو الذي على أساسه تدار البلاد ويحكم على العباد، فهو الذي يحدد المسموح والممنوع، وهو الذي يعاقب المخالف، ويجند قوة الأمة لردعه أو إقصائه. فهو الذي جعل العاملين لإقامة دولة خلافة المسلمين خارجين عن القانون أصوليين متطرفين ومتشددين، وهو الذي وصم المجاهدين المخلصين بالإرهابيين، وهو الذي سمح للخونة والجواسيس من أرباب السفارات الأجنبية بالإقامة في بلاد المسلمين إقامة مشروعة، وأعطاهم الحصانة ومنع عنهم المساءلة. والدستور هو الذي جعل الملك ملكا والرئيس رئيسا والأمير أميرا والسلطان سلطانا، وكلهم طواغيت مسلطون على رقاب العباد في بلاد المسلمين لا يحكمون بشرع الله، ولا يرقبون في مسلم إلا ولا ذمة. والدستور أيها السادة الكرام هو الذي أتي بالمجرم بشار رئيسا لسوريا بعد تعديل دستوري طفيف، أقره مجلس سخيف، لا يمثل مسلمي سوريا في الصيف أو الشتاء أو الربيع أو الخريف، بل هو زمرة من المصفقين والمطبلين والمزمرين، أبعد ما تكون صفة عن النواب والممثلين، وقد علمتم ما فعل الرئيس المنتخب دستوريا بشعبه وما يفعله بهم حتى اليوم من قتل ودمار وتشريد وتعذيب، بل إنه قصفهم بصواريخ سكاد التي لو سقطت على الجبال الراسيات لخرت من هولها هدا.
أيها الناس: أليس الدستور المصري الملعون هو الذي أتى بفرعون المخلوع؟ وهل يتولى الحكمَ في بلاد المسلمين ملكٌ أو أمير أو رئيس أو سلطان إلا وفق الدساتير الملعونة التي قسمت بلاد المسلمين ونصت على أن يكون أبناء الطواغيت خلفاءَ لهم عند هلاكهم أو عزلهم؟ فكيف يُقبل هذا المنطق السقيم بعد ثورات ما يسمى بالربيع العربي؟ وما وجد الربيع العربي إلا ليستأصل هذا الدستور الذي أتى بالطواغيت الذين أطاح بهم! ما لكم كيف تحكمون؟ إنكم يا أهلنا في مصر إذا صوتم على دستوركم الباطل هذا، وأقررتموه، فإنكم تكونون قد أبطلتم ثورتكم، وخنتم شهداءها، وأوجتم سابقة خطيرة في بلاد المسلمين، وسنة سيئة، عليكم وزرها ووزر من يعمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئا. فلا يجوز لكم الذهاب إلى صناديق الاقتراع للتصويت "بلا"، لأن في هذا قبولاً لمبدأ التصويت على الأحكام الشرعية، وهذا مرفوض ولا يجوز شرعاً، والله تعالى يقول: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾.

(الخطبة الثانية)
أيها الناس: إذا كان هذا هو الذي يحصل في الدول التي تحترم دستورها، فكيف بالدول التي لا تحترم دستورا ولا قانونا، ولا تقيم لمثل هذه الأمور وزنا، وقد جاءكم نبأ القذافي وكريموف وغيرهما من الطواغيت الذين يدسترون لأنفسهم ما يشاءون من القوانين، ويرضون لأنفسهم ما لا يرضون لكم، ويتصرفون بالبلاد والعباد كأنهم مما ملكت أيمانهم. وما أسهل ما ينقلب الدستوريون على ما وضعوه من دساتير وقوانين، وما أهون عليهم أن يدوسوها بأقدامهم، فلا يوجد في دساتيرهم ما يضمن عدم المساس بها. أما الإسلام فدستوره الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من إجماع صحابة وقياس شرعي بعلة من الكتاب أو السنة أو الإجماع. وهذا مقدس لا يناله نقص ولا عيب، ولا صوت يعلو فوقه، ولا يدانيه تشريع. فهل يستوي من لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد مع من خالطه الشيطان، ووضعته يد الإنسان؟ قال تعالى وهو أصدق القائلين: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
أيها الناس: لقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه ما قبل المساومة في دين الله لمصلحة أو لمكسب آني شخصيا كان لنفسه أو لصحابته على حساب دينه، حتى اشتهر قوله عليه الصلاة والسلام لعمه "والله يا عم لو وضعو الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته أو أهلك دونه". وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الأمر لله يضعه حيث يشاء". ولما حصلت الفرصة الأكثر إغراء، حين عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على بني شيبان، وهم من قبيلة قوية ذات منعة. وتلا عليهم القرآن فمالوا إلى نصرته حتى قال له المثنى بن حارثة: (إنما نزلنا على عهدٍ أخذه كسرى علينا؛ ألا نحدث حدثًا، ولا نؤوي محدثًا، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك، فإن أحببت أن نؤيدك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا)، كان مما قاله لهم: (إن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه). فيجب على أهل مصر وغيرها من المسلمين أن يرفضوا خدعة التعديل الدستوري، وينصروا الله حتى ينصرهم، وذلك بإقامة دولة الخلافة الراشدة التي تطبق شرع الله كاملا وتتبنى الدستور المنبثق من الكتاب والسنة وما أرشدا إليه دون تأخير أو تعديل، ودون استفتاء أو تصويت، فالأمر لله يضعه حيث يشاء.

No comments:

Post a Comment