Monday, December 31, 2012

الحصار التركي للثورة السورية

الحصار التركي للثورة السورية

pdf كتبه: عصام الشيخ غانم، الجمعة 14صفر الخير 1434هـ الموافق 28 كانون الأول/ديسمبر 2012م

ذكرت قناة الجزيرة القطرية بالأمس خبر منع السلطات التركية لقافلة المعونات الإنسانية إلى سوريا التي يتقدمها مئة عربي ومسلم من دخول أراضيها عبر الحدود اليونانية، تلك القافلة التي تحمل 40 سيارة إسعاف ومواداً طبية، وكان ذلك المنع التركي بذريعة عدم حصول هذه القافلة على التصريح. وقبل أيام قليلة أيضاً ذكرت الفضائيات العربية أن تركيا رفضت إدخال الطحين إلى سوريا عبر معبر يسيطر عليه الثوار، وقد اشترطت لذلك انسحاب جبهة النصرة وأحرار الشام من ذلك المعبر في الوقت الذي يعاني فيه الشعب السوري أزمة شديدة في الخبز، هذا ويترافق ذلك مع تعمُّد النظام السوري المجرم قصف المخابز الآلية المركزية موقعاً أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى.
وتشكو تركيا من أزمة لجوء المواطنين السوريين الهاربين من جحيم القصف الجنوني في سوريا، حيث بلغ عدد اللاجئين السوريين إليها قرابة الـ150 ألفاً، وقد بدأت بالأمس 200 منظمة غير حكومية تركية في حملة الغذاء والغطاء لتوفير مقومات الحياة الدنيا للاجئين السوريين في تركيا، ما يطرح سؤالاً كبيراً: وهل هذا العدد غير الكبير من اللاجئين تعجز عن القيام بأعبائه خزينة الدولة في تركيا؟ وأين هو الاقتصاد الأردوغاني الذي تتغنى به الحركات الإسلامية "المعتدلة" في العالم العربي؟
ومن جهة أخرى فقد كان رئيس وزراء تركيا أردوغان ووزير خارجيته أغلو من أوائل القادة في العالم الإسلامي الذين وجهوا التحذيرات الساخنة للأسد منذ بداية الثورة، حتى ظنَّ كثيرون بأن تركيا ربما تتدخل عسكرياً لنجدة شعب سوريا من نظام الأسد المجرم، فارتفعت شعبية أردوغان في الداخل السوري والمحيط العربي والإسلامي على أثر النبرة العالية للخطاب ضد بشار أسد، ومع الزمن تكشف للثوار في سوريا وللعالم بأن هذه الجعجعة لم ينتج عنها أي طحين، بل إن المظاهرات المؤيدة لسوريا داخل الشعب التركي قد تساءلت: ما بال أردوغان يرعد كثيراً ولا يمطر؟
فهل هذه حوادث معزولة؟ أم إنها سياسة حصار مدروسة تنتهجها تركيا ضد الثورة السورية؟
كان إسقاط النظام السوري للطائرة التركية في المياه الدولية في البحر المتوسط فرصة أمل الثوار منها أن توفر لتركيا سبباً قوياً للتدخل، وكان ذلك في الوقت الذي تطرح فيه القوى الدولية فكرة المنطقة العازلة في الشمال، بعد أن وقف النظام الدولي بقيادة أمريكا في موقف بالغ الحرج من عدم فعل شيء أمام المجازر المروعة التي يرتكبها النظام السوري ضد الشعب. لكن آمال الثوار في سوريا سرعان ما تبخرت، ولم تتدخل تركيا على الرغم من الأخبار الاستفزازية التي بثتها الصحف بأن جيش الأسد قد اعتقل الطيار التركي حياً وقتله وألقاه في البحر.
وأخذت الأحداث حول الثورة السورية تتسارع بتسارع محموم لأعمال القتل الفظيعة التي يرتكبها نظام الإجرام في سوريا، فأعلنت قطر والسعودية عن ضرورة تسليح الثوار السوريين، ووصلت بالفعل بعض شحنات السلاح إلى تركيا، ليقف الثوار مذهولين من منع السلطات التركية إدخال هذه الشحنات إلى سوريا، وهكذا لم تستفد الثورة على الأرض من الجعجعات الأردوغانية. وحفظاً لماء الوجه فقد قامت تركيا بإنزال طائرة سورية قادمة من موسكو لتفتشيها وحجز شحنات السلاح الروسي من على متنها، في رسالة للثوار في سوريا بأن تركيا تقوم بشيء ما ضد الأسد.
وعلى الرغم من قصف جيش الأسد لقرى تركية موقعاً أعداداً من القتلى والجرحى شمال حلب، وفي أكثر من مرة، اكتفى نظام أردوغان برمي بعض القذائف داخل سوريا فقط دون أن يكون ذلك كافياً لحفظ ماء وجهه أمام العائلات التركية الثكلى في القرى التركية المنكوبة، ناهيك عن قتل آمال الثوار في سوريا بإمكانية نجدة الجار القوي المسلم من بطش الأسد وزمرته.
كان الموقف التركي عصياً على الفهم لدى قطاع واسع من الشعب العربي الذي عوًل كثيراً على "إسلامية" أردوغان وتغنى بإنجازاته، ورأى فيه قيادة ملهمةً لباقي الحركات الإسلامية. لكن شريحة من المخلصين الواعين في المنطقة الإسلامية كانت على يقين من عقم الاعتماد على النظام التركي، وأن نبرته تسير علواً وانخفاضاً بالتناغم التام والتنسيق المحكم مع المسؤولين الأمريكيين، وأنه يستحيل فهم المواقف التركية دون النظر في المواقف الأمريكية مما يجري في سوريا.
لكن، وعندما طلبت تركيا ذات الجيش الجبار مساعدة الناتو ضد هجمات محتملة للنظام السوري، ذلك النظام الذي بلغ درجةً من الضعف بحيث لا يستطيع دفع الثوار بأسلحتهم الخفيفة عن مراكز المدن السورية لا سيما حمص وحلب ومدن كثيرة أخرى بعد سيطرة الثوار على الأرياف، وبدأ الجيش الأمريكي بنصب صواريخ باتريوت المتطورة تحت ذريعة حماية تركيا، واستقدمت وحدات ألمانية في إطار الناتو لنصب بطاريات صواريخ باتريوت أخرى، أخذت لعبة أردوغان في سوريا نهايتها.
وهنا بدأت مؤامرات تركيا ضد الثورة السورية تنفضح بشكل سافر لا ينكرها إلا أعمى. فدون الدخول في التفاصيل التي أصبح السوريون يفهمونها بدقة فإن مبادرة الأخضر الإبراهيمي الأخيرة وهو المبعوث للأمم المتحدة أي مبعوث أمريكا، وهو كذلك مبعوث الجامعة العربية، أي مبعوث أمريكا كذلك، ومتى كانت الجامعة العربية تخرج عن إرادة أمريكا؟ ومتى كان للأمم المتحدة سياسة غير أمريكية؟ نعم، هذا المبعوث الأمريكي يطرح الآن مبادرة يستشف منها الإبقاء على الأسد للعام 2014م، وإذا ما فشل ذلك برفض الداخل السوري لذلك، فإنه سيعدله إلى بعض شخصيات نظام الإجرام مثل فاروق الشرع، وكأنه بعيد عن إجرام الأسد عبر ما يزيد عن 40 عاماً، وبالمجمل فإن السياسة الأمريكية من خلال خطة الإبراهيمي تريد الحفاظ على النظام السوري الحالي ببشار أو بدون بشار، وإدخال تعديلات على النظام تفرضها ظروف الثورة السورية، وقد بات هذا الموقف الأمريكي واضحاً وضوح الشمس، حتى إن قادة المعارضة الخارجية قد استغربوا من نقاش أمريكا معهم في تونس ضرورة الحفاظ على بنية أجهزة الأمن السورية كما هي الآن، تحت ذرائع واهية مثل، منع إبادة العلويين، ومن أجل هذه الذريعة تريد أمريكا الإبقاء على الضباط العلويين في أعلى هرم البنية الأمنية لسوريا القادمة.
والمراقب الواعي لحقيقة المواقف التركية كان يرى وخلال شهور الثورة السورية الطوال أن تلك المواقف لم تخرج عن كونها مرآة تعكس المواقف الأمريكية، فقد فكرت أمريكا بتلزيم سوريا لتركيا الجارة لمنع الدول الأخرى من التدخل في صياغة سوريا ما بعد الثورة، فكانت الجعجعات العالية من أردوغان وأوغلو ضد الأعمال الوحشية التي يقوم بها النظام السوري، وكانت حمى الاتصال حول سوريا من قبل المسؤولين الأتراك حتى مع النظام السوري، وذكرت الأنباء وقتها بأن عنوان التحركات التركية هو إيجاد حكومة في سوريا تكون فيها رئاسة الوزراء للاخوان المسلمون وتبقى الدولة بقيادة الرئيس بشار الأسد وكذلك طبعاً الأجهزة الأمنية، وكان من قرائن ذلك الزيارات بل والاقامة من قيادات الإخوان المسلمين في الخارج إلى تركيا وفي تركيا، ومن أجل اعلان الجهوزية فقد أعلن مرشد الإخوان البيانوني من تركيا وثيقة العهد التي تعهد فيها بنبذ الاسلام تحت عنوان "الدولة المدنية التعددية" وتعهد بعدم المساس بالطائفة العلوية النبيلة، وكانت هذه الوثيقة ملزمة لكل الإخوان المسلمين.
أصيبت هذا الخطة الأمريكية التي تنفذها تركيا بالنكسة أمام ثقة أمريكا التي تجددت بأن نظام بشار قادر على الصمود في وجه الثورة، وبالتالي لا داعي لاستعجال هذا البديل التجميلي في سوريا، وليس هذا فحسب، فقد كانت أمريكا تشك في خطتها هذه أمام اصرار الشعب السوري على المضي في الثورة حتى إسقاط الأسد. وعند هذه النكسة طلبت تركيا من الإخوان المسلمين الانخراط في المجلس الوطني السوري فشكلوا ما يقارب من نصفه، في إطار خطة أمريكية جديدة، فأظهر الاعلام أزلام المعارضة على أنهم قادة الثورة السورية. وهنا برزت تركيا من جديد، لكن كداعم للمجلس الوطني السوري، فكان حضور الاجتماعات والمؤتمرات لهذا المجلس بدعوات لأزلام المعارضة توجه من الحكومتين التركية والقطرية. فكانت تركيا هي الواجهة للسياسة الأمريكية في الاتصالات مع المعارضة، التي كانت تتصل بها أمريكا مباشرة أيضاً، وفي المقابل كانت قطر واجهة السياسة الإنجليزية في الاتصالات مع المعارضة السورية.
كانت ثورة الشعب السوري أعلى صوتاً وأرسخ قدماً وأقوى من كل المؤامرات الدولية لاختطافها بعملاء جدد للغرب، فقد برزت الانشقاقات العسكرية بشكل ملفت عن جيش الأسد، وأخذ هؤلاء المنشقون يحملون السلاح لحماية المتظاهرين السلميين من شبيحة النظام، وتوسع ذلك، ففهمت أمريكا ومعها أوروبا عقم المضي في خطة "المجلس الوطني السوري"، وإذا أضيف إلى ذلك شدة المنازعات بين أعضاء المجلس والتي مصدرها اختلاف تبعيتهم للدول الأوروبية لأمريكا وتناقض السياسات الأوروبية الأمريكية من حيث المصالح والنفوذ، فكان كل طرف يتنافس سياسياً وبالأموال القذرة لبناء عملاء له داخل المجلس الوطني ليقفوا في وجه خصومه، فإن الخطة الأمريكية تجاه "المجلس الوطني السوري" قد فشلت فشلاً ذريعاً، لكن دون أن تدفنها أمريكا، وبالتالي تركيا، فاستمرت تركيا بالحفاظ على الاتصال مع هؤلاء العملاء الجدد، بيد أن دوائر الاستخبارات الأمريكية قد أنتجت خطة جديدة لتركيا يجب تنفيذها بسرعة على أمل الإمساك بخيوط الثورة السورية المبتعدة عن أي نفوذ أجنبي، وكانت هذه الخطة تحت عنوان "الجيش الحر".
طلبت أمريكا من تركيا أن تؤوي قادة سوريين عسكريين لبناء قيادة للحراك العسكري في الثورة السورية، وبدأ رياض الأسعد الاتصالات لقيادة كتائب الجيش الحر، وأمام بعض الشكوك الأمريكية بشخصية رياض الأسعد، فقد دعمت العقيد مصطفى الشيخ فأعلن نفسه زعيماً لما أسماه المجلس الأعلى لقيادة الجيش الحر في سوريا، وكان هذا الإعلان من تركيا. وقد رعت تركيا بدقة وعناية كافة الاتصالات التي يجريها مصطفى الشيخ ورياض الأسعد مع قادة الكتائب السورية التي صارت تظهر تباعاً على ساحة العمل العسكري السوري. وهنا بدأت موجة هجرة الضباط المنشقين إلى الشمال أي إلى تركيا، فكانت تركيا قد أوكل اليها مسألة بناء قيادة لهذا الحراك العسكري للثورة السورية. ومع قليل من الزمن تبين أن هؤلاء الضباط يعقدون في تركيا اجتماعات مع ضباط المخابرات المركزية الأمريكية ويخضعون إلى ما يشبه الفحص الأمني في تركيا لبيان مدى صلاحيتهم لهذه المهمة الأمريكية التي تنفذ في تركيا وبأيدي تركية أيضاً.
وهنا دخلت تركيا في مرحلة العمل السري لأخذ القيادة العسكرية في الثورة السورية خدمةً للمصالح الأمريكية فيها، وخفت مع ذلك جعجعة أردوغان الإعلامية، وكان التركيز في هذه المرحلة هو محاولة اللحاق بتطورات الثورة السورية المتسارعة وبناء قيادة عسكرية لها يكون ولاؤها لأمريكا مباشرة أو عبر الولاء لتركيا،واستمرت هذه الخطة قرابة العام، وهي ترتطم بصخرة صلبة في الثورة السورية. فبكل المقاييس والمعايير لم تكن الثورة السورية شبيهةً بأي من ثورات الربيع العربي التي سهل على الغرب النفوذ اليها والتحكم بها، وذلك لعدة أسباب لسنا بصددها. ومن الناحية العسكرية كانت كتائب الثورة السورية كثيرة بحيث استعصى معها العمل التركي، وأما الضباط المنشقون أو الذين طلب منهم الانشقاق لهذه الغاية والذين تجاوبوا مع الدعوات الأمريكية والتركية فقد فشلوا في الإمساك بقيادة الكتائب العسكرية على الأرض، وبقيت تلك الكتائب والألوية عصية على أمريكا وتركيا، بل تولد رأي عام شديد ضدهم في الداخل السوري، ففي الوقت الذي كان فيه الشعب السوري يرى بصيص أمل في إمكانية أن ينقذه الضباط المنشقون من هجمات الأسد العسكرية ضد الثورة وضد الاحتجاجات السلمية، كان هؤلاء الضباط الذين سرعان ما تعارف عليهم السوريون باسم "ضباط الخارج" غارقون في المداولات الأمريكية التركية في فنادق خمس نجوم لإضفاء صورة مدنية ديمقراطية أي غير اسلامية على الثورة في سوريا، بل إن مصطفى الشيخ قد حذر مراراً من تأخر الدعم الخارجي عن العسكريين المنشقين وأن ذلك التأخير ينتج على الأرض تطرفاً إسلامياً. وعندما اتضحت هذه الصورة فقد تنصلت الكتائب العسكرية على أرض سوريا من هؤلاء الضباط الذين أعلنتهم تركيا قيادة للجيش السوري الحر. وهنا اشتدت أزمة الاستعصاء في الثورة السورية على صانعي القرار في أمريكا، وبرز فشل المساعي التركية على صعيد الحراك العسكري في الثورة السورية، فانتقلت تركيا إلى عداء مباشر للثوار السوريين.
وقد تمثل هذا العداء في رفض التعامل مع نقاط الحدود التي يسيطر عليها الثوار لا سيما إذا كانت الكتائب التي تشغل تلك النقاط الحدودية تابعة لتلك المجموعات التي رفضت الاتصالات التركية ورفضت دعواتها للسير في المشروع الأمريكي الذي ينفذه أردوغان.
وأمام الحالة الإسلامية في الثورة السورية وتزايد انخراط الجماعات المسلحة في الثورة لتحقيق أهداف إسلامية في دولة ما بعد بشار، تقزم الدور التركي بحيث لم يعد المراقب يجد فرقاً بينه وبين الدور الأردني الذي يستضيف قوات نخبة أمريكية تحت ذريعة التعامل مع الأسلحة الكيماوية في سوريا، وانكشف عوار خطير في المواقف الدولية التي لا تعتبر سيطرة بشار أسد على الأسلحة الكيماوية خطراً، وإنما ترى كل الخطر من احتمال سيطرة الجماعات المقاتلة عليها، فالأردن يستضيف قوات أمريكية ضد الثورة السورية، و(اسرائيل) تقوم بأعمال محمومة من اتصالات وإرسال طائرات استطلاع فوق سوريا للتأكد من استمرار سيطرة بشار الأمينة على السلاح الكيماوي وعدم وقوعها في أيدي ثوار سوريا، وتركيا تستضيف الناتو الذي يعزز من وجوده الدفاعي بالباتريوت ضد الثورة السورية.
ولا يمكن أن تنطلي على أي عاقل أن خطط الناتو هي ضد الأسد، فهو في أشد حالاته ضعفاً، ولا يشكل خطراً على الإطلاق على تركيا، والجيش التركي بالتأكيد قادر وبجدارة على التعامل مع أي أخطار جزئية قد يشكلها الأسد على تركيا حسب ما تروجه وسائل إعلام التدليس، بمعنى أن تركيا والناتو على أراضي تركيا، هم جزء من خطة أمريكية كما ينفذ جزء منها عبر الأردن، والآخر عبر (اسرائيل)، فهي تنفذ في تركيا أيضاً ضد الثورة السورية التي غلبت عليها وبشكل أكيد الحالة الإسلامية، وقد امتد فيها تأثير حزب التحرير إلى خروج الشعب السوري منادياً بإعادة الخلافة الإسلامية بشكل علني وقد رفع في مظاهراته رايات رسول الله، وتقلصت بشكل حاد في تلك المظاهرات رايات الاستعمار التي يروج لها المجلس الوطني بما فيه من إخوان مسلمين وكذلك الائتلاف الوطني الجديد.
وأمام هذه السلسة من الفشل في المؤامرات الأمريكية والدولية التي انخرطت فيها تركيا وغير تركيا خدمةً للكفار، فقد طوت أمريكا بعد الانتخابات الرئاسية فيها صفحات مشاريعها الفاشلة وأعلنت العداء للمجلس الوطني السوري الذي وصفته كلينتون بأنه لا يمثل السوريين، وأعلنت أمريكا بعصبية ظهرت على سفيرها "فورد" أنه لا يوجد أي خطة للحل في سوريا إلا خطة وحيدة رسمتها هي وأطلقت عليها اسم خطة "رياض سيف" للإيهام بأنها سورية المنبع، والتي بموجبها تم قبر المجلس الوطني وإنشاء بديل له سمته "الائتلاف الوطني السوري" في الدوحة وأظهرت عليه مسحة "إسلامية" بإعطاء قيادته لإمام الجامع الأموي الشيخ معاذ الخطيب حتى توهم للسورين الثائرين بأن هذا الائتلاف الجديد يستجيب لتطلعات ثورتهم الإسلامية، وأخذت تدفع بكل قوة من أجل أن يكون هذه هو الطريق الوحيد لسوريا القادمة، حل سياسي مع النظام ببشار أو بدونه، وأن المعارضة السورية أي الطرف المقابل للنظام السوري هو الائتلاف الوطني السوري بغض النظر عن رأي السوريين فيه، وأسكتت كافة أصوات عملائها وعملاء الإنجليز والفرنسيين في المجلس الوطني، وأعلنت هذا الائتلاف السوري البلسم الشافي للمعارضة السورية وأنه الممثل الشرعي للشعب السوري غصباً عن السوريين، وهي تحاول الآن عبر خطط الإبراهيمي وعبر دور أكبر سياسي وعسكري لروسيا، وعبر فتح الطريق دولياً أمام إرسال قوات دولية إلى سوريا لدعم الائتلاف ضد الجماعات المسلحة الإسلامية بعد أن أعلنت أمريكا بعض تلك الجماعات "جماعات إرهابية"، بغض النظر عن رأي السوريين في كل ذلك، وقد هدد الإبراهيمي من دمشق في زيارته الأخيرة بأن يلجأ إلى مجلس الأمن لتنفيذ خطته بالقوة، أي أنه واثق من موافقة روسيا على هذا الحل الأمريكي الذي يعطي روسيا دوراً مهماً في حل الأزمة السورية، وغني عن التعريف ما في معنى اللجوء إلى مجلس الأمن للحل من فرضه على الثوار في سوريا.
وهذا الحل ليس المقصود بفرضه بشار أسد، فهو يبحث عن سبيل النجاه بنفسه، ونفوذه على الأرض ينحسر ساعة بعد ساعة، إذن فالمقصود هو فرضه على الجماعات الإسلامية المسلحة التي أعلنت أنها ستقيم الخلافة الإسلامية في سوريا ما بعد بشار أسد، وبما أن تلك الجماعات قد أعلنت ذلك علناً والتنسيق العلني مع حزب التحرير، فإن تلك الجماعات ولا شك واثقة من قدرتها على ذلك، وأمريكا تضع في سبيل ذلك كل العقبات، بما فيها منع تركيا للطحين عن الشعب الثائر في سوريا، ونصب صواريخ الباتريوت في تركيا، وعبر سماح تركيا بمرور سفن أسطول البحر الأسود الحربية الروسية التي تكاثرت بشكل ملفت عبر مضيق البوسفور لتهديد الثورة السورية على سواحل سوريا.
وأمام هذا اليأس الأمريكي من الولوج إلى الثورة في سوريا، وفشلها الذريع في الإمساك بقيادتها الشعبية والعسكرية، فقد كانت خطتها الجديدة وما تحمل في طياتها من لاعبين أكبر من تركيا، مثل الإبراهيمي ومجلس الأمن والقوات الروسية، لكل ذلك انزوت تركيا أردوغان عن ساحة البروز في الأزمة السورية، وصار دورها كما تخطط له أمريكا يندرج فقط كأحد اللاعبين في الحل، فمثلها مثل الأردن، ومثل (اسرائيل) ومثل روسيا في تنفيذ الحل الأمريكي الذي أخذ يتسارع من أجل إخماد الثورة السورية.
وإذا كنا نجزم بأن الثورة السورية التي أفشلت كل الخطط الأمريكية التي جرى تنفيذها عبر تركيا وغير تركيا، فإننا نكاد نجزم بأنها أي الثورة السورية قادرة على إفشال المخطط الجديد رغم الزخم الكبير الذي تسير به أمريكا وأدواتها ومنها تركيا، ونجزم بأن ثورة الشام سينتج عنها بعونه تعإلى عملاق الإسلام دولة عالمية تعمل على حل مشاكل سوريا والمسلمين وفق أحكام الشرع الحنيف. نعم، رغم كل ذلك فإننا نود أن نوجه نصيحة لمن يسمون ـ"حركات الإسلام المعتدل" مفادها أن الثورة السورية قد أسقطت القناع الذي كان يغطي وجه أردوغان، وأن المسلم يجب عليه أن يفكر ويتصرف لا سيما في الفترة الحالية فترة الخير الكثير للإسلام والمسلمين، يجب أن يتصرف وفق أحكام ربه، لا وفق ثقةٍ جوفاء في زعماء لا يقدمون ولا يؤخرون لأمتهم مثل أردوغان، وهم في سلك العمالة للأمريكان مثلهم مثل كل الزعامات التي يعمل الربيع العربي على تنظيفها، وأن العلاقة الجديدة التي يرسيها رئيس مصر مع الأمريكان هي تلك القديمة التي كان قد أرساها مبارك معهم، وأن هذا المسعى مذموم من ربنا ومذموم شعبياً، وقد آن الأوان لكل ذي عقل يقرأ التطورات على الأرض أن يعمل للتغيير، تغييراً حقيقياً تفهمه الشعوب من خلال صلابة ثوراتها كما هو حاصل الآن في الثورة السورية، قبل أن تصبح تلك الجماعات المسماة بـ"المعتدلة" جزءًا من الماضي، وتضمحل مع اضمحلال النظام الجبري القائم، فمن يطالب بإصلاح هذا النظام الجبري هو جزء منه، وأحكام الإسلام توجب الثورة كلياً، وخير أمة الإسلام يزداد بشكل مضطرد، وأعلاه في الشام التي وصفها رسولنا محمد عليه السلام بأنها "عقر دار الاسلام"، وأن ولادة دولة الخلافة العملاقة أمر مرتقب بإذن الله تعإلى بين عشيةٍ أو ضحاها.وما ذلك عليه بعزيز. 

No comments:

Post a Comment