Monday, December 26, 2022

جريدة الراية: حقيقة الشغور الرئاسي في لبنان

 

جريدة الراية: حقيقة الشغور الرئاسي في لبنان

 

  27 من جمادى الأولى 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 21 كانون الأول/ديسمبر 2022مـ

ما زالت جلسات مجلس النواب تعقد كل خميس للتصويت على انتخاب رئيس للبنان، برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وفي كل مرة ينتهي الأمر لعدم اختيار الرئيس، بسبب عدم حصول المرشحين على الثلثين في الجلسة الأولى (85 صوتاً)، أو على الغالبية المطلقة في الجلسة الثانية وهي النصف زائداً واحد (65 صوتاً). ليستمر الشغور الرئاسي بعد خروج عون من القصر الجمهوري يوم الأحد 2022/10/30، قبل يوم من انتهاء ولايته الرئاسية، علماً أنَّ منصب الرئاسة في لبنان سُحبت منه الكثير من الصلاحيات بناءً على اتفاق الطائف الذي أبرم سنة 1989 لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان، إلا أنه يبقى منصباً ذا قيمة ولو معنوية لنصارى لبنان، لا سيما بعد أن كرس اتفاق الطائف العُرف الذي كان سائداً بأن رئاسة الدولة من حق النصارى الموارنة، ورئاسة الحكومة للمسلمين "السنة"، ورئاسة مجلس النواب للمسلمين "الشيعة".

وبنظرة متفحصة لما يحصل:

استطاعت أمريكا بعد وقوع لبنان في الأزمة الاقتصادية الخانقة وتهاوي الليرة اللبنانية الوصول بلبنان إلى أمرين اثنين، أنجزت أحدهما وهو ملف الترسيم البحري المفضي للتطبيع مع كيان يهود الغاصب لأرض فلسطين الذي أداره بكل تفاصيله المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين، فبسطت بذلك أمريكا سيطرتها على حركة حقول الغاز في شرق المتوسط، وهو ملفٌ مهمٌ لأمريكا داخلياً وخارجياً، لا سيما في أزمة الغاز القائمة بسبب تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، التي أوقعت أمريكا فيها روسيا. وأما الأمر الثاني الذي تسير فيه فهو دفع لبنان لدخول منظومة صندوق النقد والبنك الدوليين بعد أن طلبت من السياسيين الفاسدين تقديم أوراق لخطة إصلاح للصندوق، يتباطأ الفاسدون في إنجازها، وتضغط أمريكا عبر ملفات عدة، وأهمها ملف الكهرباء الذي يديره أيضاً بشكل مباشر عاموس هوكشتاين.

ألزمت أمريكا كل الأطراف بقبول الترسيم البحري، ووقع عليه عون، ثم خرج من القصر قبل يوم من انتهاء ولايته كما أشرنا، وخرج معه بالتالي صهره، رئيس التيار الوطني الحر الطامع بالرئاسة، المعاقب أمريكياً، خرجا بسلاسة غير متوقعة، في إشارة إلى انتهاء دورهما الذي أناطته بهما القوة الحاكمة في لبنان، أمريكا. وعِلاوة على ذلك، نجحت أمريكا في جعل أدعياء المقاومة والممانعة في لبنان وعلى رأسهم حزب إيران، بترك أمر الترسيم للدولة اللبنانية وعدم الإقدام على أي عمل أمني ضد كيان يهود الغاصب.

تُبقي أمريكا اليوم لبنان على أجهزة التنفس الاصطناعي، فتسمح ببعض الوقود لمحطات الكهرباء من العراق، وبعضه القليل من إيران، وببعض الكهرباء من سوريا والأردن، رغم استمرار تعطل أمر الكهرباء من هذين البلدين بسبب الموقف المضلل من أمريكا بشأن عقوبات قيصر على سوريا، وتسمح للمصرف المركزي بالتلاعب بالدولار عبر رجلها في المصرف رياض سلامة وهندساته المالية.

استطاع نبيه بري رئيس مجلس النواب، صاحب العلاقات المعروفة مع أمريكا، أن يُلزم مجلس النواب بفهم دستوري لموضوع الجلسة الأولى والثانية في انتخاب رئيس الدولة، ليكون الأمر بأنَّ كل جلسة يعقدها مجلس النواب لانتخاب الرئيس هي جلسة جديدة، فيحتاج الناجح للمنصب 85 صوتاً في الأولى، وما لم يحصل أحد على ذلك، وهو المتوقع بسبب عدم التوافق بين الكتل النيابية على رئيس للبنان، تعقد الجلسة الثانية ويحتاج الناجح 65 صوتاً، وهو ما لم ولن يحصل بسبب أنَّ الكثرة الغالبة في مجلس النواب تنسحب من الجلسة الثانية، وهم جماعة بري وحزب إيران في لبنان وأحلافهم! ولقد اعترض نوابٌ على هذا الفهم الدستوري، على اعتبار أنَّ الفهم الأدق هو أنَّ أول جلسة تعقد بعد فراغ منصب رئيس الدولة هي جلسةٌ أولى، وما يليها يكون دائماً جلسةً ثانية. وبغض النظر أي الفهمين هو الأصح، إلا أنَّ رأي بري وحزب إيران وأحلافهم أي الكتل الأقوى في المجلس هو الذي أقر، لذلك تظهر هذه المسرحية الهزلية كل خميس في مجلس النواب، ولقد حضرت أولى الجلسات السفيرة الأمريكية في لبنان دورثي شيا، فالملف بيد أمريكا ورجالاتها تتلاعب به بحرفية.

تنفق الإدارة الأمريكية على الجيش اللبناني ملايين الدولارات من المساعدات العسكرية، ما يبقيه قادراً على القبض على الملف الأمني في البلد الآن وحين يلزم.

تدرك أمريكا أنها استطاعت عبر رجالاتها في لبنان وشبيحتهم من قمع واستيعاب حراك تشرين الأول 2019، وعلى تشتيت قوى الحراك بين براثن أحزاب السلطة الفاسدة، وأكثر ما يدل على ذلك عدم قيام أي تحرك رغم عِظم الأزمات التي تتوالى، وهي أقسى بمرات من الأزمة التي فجرت حراك 2019.

القوى الدولية الأخرى التي كانت تشارك أمريكا في لبنان، مثل فرنسا وبريطانيا، هما في أضعف حالاتهما في البلد، وليس أدل على ذلك من زيارات ماكرون الفاشلة للبنان عقب تفجير مرفأ بيروت في 2020/8/4.

حتى القوى السياسية المحلية التابعة لقوى دولية مناوئة لأمريكا، والتي كانت متمثلة في فريق يطلق عليه 14 آذار بعد خروج النظام السوري من لبنان سنة 2005 إبان اغتيال رفيق الحريري، هذه القوى اضمحلت وتقلصت مع اضمحلال وتقلص نفوذ أسيادها.

وعليه، فأمريكا مطمئنةٌ لسيطرتها على الغاز والنفط بعد الترسيم، ومطمئنةٌ على سير لبنان في الدخول في منظومة صندوق النقد والبنك الدوليين، ومطمئنةٌ لهدوء المنطقة بعد الترسيم البحري حتى مع تجدد وصول نتنياهو للسلطة الذي صرح مؤخراً أنه لن يلغي مفاعيل الترسيم لأنها لمصلحة يهود، ومطمئنة إلى عدم ارتطام البلد بقعر الهاوية بسبب إبر المسكنات التي تعطيه إياها، ومطمئنةٌ لآلية انتخاب الرئيس عبر المجلس النيابي، ومطمئنةٌ لعدم انفلات أمن البلد بوجود الجيش وحزب إيران وأحلافه، ومطمئنةٌ إلى أنه لا حراك جديد في لبنان يطيح برجالاتها، ومطمئنةٌ إلى أن القوى الأخرى الدولية وأحزابها في لبنان ضعيفة مهلهلة؛ ولعل من مظاهر طمأنينتها للوضع القائم، هو ذلك المبنى لسفارتها الذي سيكون أكبر مبانيها في المنطقة على مساحة 174 ألف متر مربع، وتكلفة قدرت عند وضع أساساته في 2017 بمليار دولار! وينجز في 2023، فعلام تستعجل أمريكا في إعطاء الضوء الأخضر لتنصيب رئيس لبنان طالما كل الأمور بيدها وتحت سيطرتها؟!

فإذا رأت أمريكا أنَّ شغور هذا المنصب قد يؤثر على قوتها وطمأنينتها، أمرت كل القوى السياسية بالذهاب إلى اتفاق دوحة جديد كالذي أتى بميشال سليمان حينها رئيساً للبنان؛ ويبدو أن أمريكا لا ترى أية مشكلة في حال لبنان اليوم وفي حالة الشغور الرئاسي.

بقلم: المهندس مجدي علي

No comments:

Post a Comment