Sunday, August 25, 2013

الإسلام الحاضر الغائب بين الاستدعاء والاستعداء

بهدوء وبالعقل : الإسلام الحاضر الغائب بين الاستدعاء والاستعداء 

تُطرح الآن وبقوة في ساحة الصراع أفكار وأحكام ومفاهيم إسلامية ، يستدعيها أطراف الصراع وينزلونها على الواقع بالشكل الذي يخدمهم في الصراع من ناحية فكرية أو من ناحية مصلحية ، ويستعديها أطرافٌ أخرون ويأخذونها مدخلاً لتبرير العداوة للإسلام الاستعداء له ترسيخاً لفكرة فصل الدين عن السياسة .
ومن هذه المفاهيم الإسلامية التي تُطرح وبقوة الآن ثلاثة مفاهيم هى :
أولاً : الخوارج .
ثانياً : الشرعية والتغلب .
ثالثاً : الجماعات والأحزاب والعمل للإسلام من خلالها .
وقبل مناقشة هذه المفاهيم الثلاثة لابد من بيان أن هذه المفاهيم حينما تُستدعى وتُناقش لكي تنزل على الواقع ، فإنها يجب أن تُستدعى في بيئتها ، أي تُستدعى في واقع وجود حكمٍ للإسلام متمكينٍ أي في حال وجود دولةٍ إسلامية ، ولا تُستدعى في حال وجود دولةٍ غربية النموذج ، ديمقراطيةٍ في الحكم .
فأولاً : من حيث مفهوم " الخوارج "، فالذي يخرج على نظام الدولة الغربية الديمقراطية وإن كانت تحكم مسلمين ، وإن كان حكامها مسلمين ، لايصح فيها فقهاً، إسلامياً ولا حتى غربياً ، أن يُطلق عليهم " خوارج " . فالخوارج في الدولة الإسلامية وكمفهومٍ إسلاميٍ بحت يُطلقُ على مجموعةٍ من المسلمين الذين يعيشون تحت حكم دولةٍ إسلامية ، أي تحت سلطان الإسلام ، ويريدون أن ينفصلوا عن هذه الدولة بكيانٍ أخر لأي سببٍ من الأسباب ويحملون السلاح على الدولة الإسلامية ،و يدعون أو يبررون هذا من أجل تحقيق ذلك الانفصال ، ولو حتى كانوا يرون كفر هذه الدولة أو كفر حكامها أو كفر المحكومين فيها ، ولذا رفض الأمام على رضى الله عنه وصفهم بالكفر وقال " إنما من الكفر فروا " ! .
فمصطلح " الخوارج " كمفهومٍ شرعي يعني مجموعة من الناس تكتلت على حمل السلاح على الدولة الإسلامية للإنفصال عنها لأي سببٍ من الأسباب . فهو كواقع لابد من توفر شرط أساسي فيه وهو وجود الدولة الإسلامية التي يُطلق عليها دولة الخلافة، ثم وجود الكتلة ، أي المجموعة من الناس ، ووجود فكرة التمرد والانفصال عن الدولة ، ووجود فكرة حمل السلاح لتحقيق ذلك.
وحيث أنه لامشاحة في الاصطلاح ، فمن الممكن أن نقول أن مفهوم مصطلح " الخوارج " يقابله في الفقه الغربي مفهوم مصطلح " الانفصاليون " مع إختلاف جذري في البيئة التي يُستدعى فيها أياً منهما .
ولابد أيضاً من إدراك أنه – أي مصطلح ومفهوم " الخوارج " – لا ينطبق على من يقوم بالعمل المسلح ضد الدولة الديمقراطية المدنية ( العلمانية ) لإقامة الدولة الإسلامية مكانها ، وليس معنى ذلك جواز القيام بالعمل المسلح من أجل إقامة الدولة الإسلامية لأن ذلك مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أقام الدولة على أساس من الصراع الفكري والكفاح السياسي ورفض رفضاً جازماً الصراع والكفاح المسلح في محاولة إقامة هذه الدولة حتى أقيمت في المدينة.
فمقابل مصطلح ومفهوم " الخوارج " في النظام الغربي الديمقراطي من يُطلق عليهم : إنفصاليون أو متمردون أو ماشابه ، ولكن لا يصح أن يطلق عليهم " خوارج " ، لخصوصية المصطلح والمفهوم بالخروج المسلح على الدولة الإسلامية ومحاولة الانفصال عنها ولو حتى بحجة عدم أوقلة تحكيم شرع الله . ومن ثمَّ لا ينطبق على من يجتمع ويعارض نظام الدولة الديمقراطية بالسلاح وصف الـ " الخوارج " ، وإن كانوا مخطئين شرعاً في حمل السلاح ، ولا ينطبق عليهم أحكام الخوارج من حيث التصدي لهم أو قتالهم أو قتلهم ، فلا يُستدعى الإسلام في وصفهم وبالتالي إنزال الأحكام عليهم تبريراً وتشجيعاً وتسكيناً لمسلمين يقتلون مسلمين ، ويبقى قول الله سبحانه وتعالى ينطبق على الجميع " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " ، وكذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يقول صلى الله عليه وسلم " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر". فلا يغرن أحد جهل المتعالمين ولا منطق الحاقدين على الإسلام والمسلمين ، وليحذر الجميع من إراقة دماء المسلمين من أي طرف وتبرير ذلك تحت أي ذريعة ، لا بذريعة " الخوارج " ولا بذريعة " إقامة الحكم بما أنزل الله " !.
ثانياً : الشرعية والتغلب ، مصطلحان يدوران حول مشروعية وجود الحاكم في سدة الحكم ، والمصطلحان لهما مفهوم إسلامي فقهي في الفقه الإسلامي ، ولهما مفهوم فقهي غربي في الفقه الغربي ، وكلاهما يختلفان جذرٍ من حيث البيئة التي يُستدعيان فيها . فالشرعية من الممكن أن تكون شرعية غربية ديمقراطية ، ومن الممكن أن تكون شرعية إسلامية ، فالإسلام شرعاً يجعل الشرعية للحاكم الذي يأخذ السلطان من الأمة برضاها واختيارها ونيابةً عنها ، ودون جبرٍ لها ولا له ، بعقد ينص على الحكم بما أنزل الله من قبل الحاكم والسمع والطاعة له من المسلمين تحت هذا الشرط ، وهذا الشرط فقط !. أما الشرعية الغربية الديمقراطية فهى تستأجر الحاكم الذي يطبق عليها ما توافقت أو تراضت عليه من تشريعات شرعتها بالأغلبية وبالأغلبية فقط دون أي إعتبارٍ لأي شئ أخر !. وشتان بين شرعيةٍ وشرعية !!.
أما الانقلاب على الشرعية الغربية الديمقراطية سواءً عسكرياً أم شعبياً ، لا علاقة له بأحكام " التغلب " الذي يعني أن يقوم أصحاب القوة والمنعة في الدولة الإسلامية بالتعدي على الشرعية الإسلامية وسلطان الأمة بالتخلص من رئيس الدولة الإسلامية ووضع صاحب القوة والمنعة مكانه ، مع استمرار الدولة الإسلامية بحكمها وأنظمتها ومؤسساتها ، ويظل هذا الرئيس المتغلب ، قائد الانقلاب على الشرعية الإسلامية ، آثم أمام الله وغير شرعي لإغتصابه سلطان الأمة ، وتأثم الأمة إن سكتت عليه ، فإن سكتت رضاً به وبحكمه مع استمرار حكمه بالإسلام صار له شرعية بهذا السكوت وبهذا الرضا ، وهذا هو الواقع الذي تدور حوله أحكام " المتغلب " في الفقه الإسلامي ، فلا تنسحب أبداً ، ولا يجوز أن تنسحب على الانقلاب على الشرعية الغربية الديمقراطية . أما عزل رئيس الدولة الإسلامية إنما يكون بحكم محكمة المظالم ، ويمكن أن تسمى بالمحكمة العلياً أو أيٍ من هذه التسميات ، والتي يكون تخصصها النظر في قضايا التظلم من الحكام من أول رئيس الدولة إلى أصغر موظف فيها وله صفة الحكم ، فهي التي تمتلك صلاحية عزله إذا تخلف فيه أي شرط من شروط توليه الحكم ، وحينئذ يصير معزولاً ، فالإسلام لايعرف شرعية سوى شرعية خليفة المسلمين رئيس الدولة ، الذي أخذ الحكم نيابةً عن الأمة بعقد البيعة على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله ، والمنقلب على هذه الشرعية بالقوة إذا لم يتمكن من الحكم فهو من " الخوارج " ، وإذا تمكن فهو " متغلب " ولا شرعية له ، وإذا تم السكوت عنه والرضا به من المسلمين على أساس الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صارت له شرعية !.
ثالثاً : أما الجماعات والأحزاب والعمل للإسلام من خلالها ، فهذه الجماعات والأحزاب حتماً ستكون سياسية نظراً لاستحالة فصل الدين عن السياسة في الإسلام ، ونظراً لأساس المشروعية التي قامت عليها وهى قوله تعالى " ولتكن منكم أمةٌ يدعون للخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأؤلئك هم المفلحون " ، وكذلك نظراً لأن الأصل في السياسة أنها رعاية شئون الناس بمعالجات ومشاريع سياسية للمجتمع ككل ويكون الهدف هو تطبيقها من خلال الوصول إلى الحكم ، وكذلك أيضاً لأنها تقوم بمحاسبة ومراقبة الحكام ، فهى حتماً لابد وأن تكون سياسية تمارس السياسة على هذا الأساس ، وليست السياسة هى مجرد ممارسة العمل السياسي ، كما يصورها البعض ، فقط تحركات وصفقات أوأعمال دعائية للوصول إلى سدة الحكم أو إلى المجالس النيابية والبرلمانات!. فمشروعية الجماعات والأحزاب السياسية في الإسلام على هذا الأساس من الآية ومن العمل الذي تقوم به وكونها يجب أن تكون حتماً سياسية ليست موضع نقاش بل وليست موضع خلاف فقهي !.
أما إنزال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح عليها والذي يقول : " عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم". وقلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن". قلت: وما دخنه؟. قال: "قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر". قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟. قال: "نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها". قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: "هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا". قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: " فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك". ، فهو إنزالٌ من باب الجهل إو استجهال الناس وإلباس الحق بالباطل عليهم ، فالحديث كما يعلمه الفقهاء يحذر من دعاةٍ على أبواب جهنم ، أي يدعون إلى الكفر والمعصية الصريحين ، وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء الدعاة كفار ولا يجب وصفهم بهذا أبداً كأعيان ، وهم منا ويتكلمون بألستنا سواءً بلغتنا أو نيابة عنا وما أكثرهم اليوم، أليس هناك فرق و أحزاب تدعو إلى معصية الله جهاراً نهاراً وتصف نفسها بالليبرالية والمدنية والوطنية والعلمانية والقومية واليسارية والاشتراكية ؟!. فالحديث يبين موقف المسلم من ذلك وهو " إعتزال تلك الفرق " مهما كلف المسلم ذلك من مشاق وتضحيات وصعوبات . أليس الحديث يحث المسلم على التمسك بالإسلام وشرعه لدرجة العضد عليه بالنواجز ، أليس من التمسك بالإسلام والعض عليه بالنواجذ العمل على تحكيم شرعه وإقامة دولته دولةً تحكم بنظام الخلافة التي لا خلاف بين الفقهاء قاطبة على فرضية إقامتها ؟! ولمن يريد أن يعرف حقيقةً ما الذي يجب أن يعض عليه بالنواجذ فليستمع لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن تأمّر عليكم عبد ؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة " فالعضد بالنواجذ يكون على سنته صلى الله عليه وسلم ومن سنته إقامة دولة الإسلام ، دولة الخلافة والخلفاء الراشدين، ومن سنته صلى الله عليه وسلم الحكم والتحاكم بالإسلام فقط ولا غير ، وكذلك هى سنة الخلفاء الراشدين ، ولم يقل صلى الله عليه وسلم سنة العلماء ولو كانوا من أمثال العلماء العظام مثل مالك وأبي حنيفة وأحمد والشافعي !، وحذرنا صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع ، موضع الحكم ، وفي هذا الموضع بالذات من محدثات الأمور ومن البدعة !!!.
ألا قاتل الله الجهل والجهلاء والمتعالمين والمتفيهقين علماء السوء والضلالة .

No comments:

Post a Comment