Thursday, May 31, 2018

حديث الصيام: انبذوا الوطنية نبذ النواة

حديث الصيام: انبذوا الوطنية نبذ النواة

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
أما بعد أحبتي الكرام فأحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتقبل الله منكم الصيام والقيام وسائر الطاعات.
حديثي معكم الليلة يدور حول أمر هو بحق السم الزعاف، هو بحق الخنجر الذي عمل ويعمل في الأمة تقطيعاً وتمزيقاً، هو بحق عقبة كأداء أمام توحد الأمة.
حديثي معكم حول الوطنية.
لغةً فقد ورد في لسان العرب أن كلمة الوطن تعني المنزل تقيم به، وكل مقام قام به الإنسان لأمر فهو موطن له. وورد في الصحاح أن الوطن هو محل الإنسان، وهكذا بقية القواميس الأخرى فإن ما ورد فيها يدور حول هذا المعنى.
أما في الاصطلاح الحديث فإن الوطن لم يرد له مصطلح ولم يتغير معناه وظل المكان الذي يقيم فيه الإنسان مع غيره؛ ولكن كلمة المواطنة أصبحت تعني الانتماء للوطن المعين والولاء له والاستعداد للدفاع والتضحية في سبيله والدفاع عنه، وظهرت كلمة أخرى لها علاقة بذلك وهي كلمة الوطنية والتي تعني الارتباط بين الناس على أساس الوطن الواحد.
أحبتي الكرام، إن نظرة الإسلام لمكان إقامة الإنسان تأتي من خلال النظام الذي يطبق في مكان الإقامة ومن خلال المجتمع الذي يتواجد على هذا المكان، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾. وبذلك أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين إلى أرض الله الواسعة حيث يمكنهم إقامة الدين، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم. ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم بها خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم هناك، ثم بعد ذلك هاجر رسول الله r والصحابة الباقون إلى المدينة المنورة. كما واعتبرت الدار دار إسلام إذا طبق فيها الإسلام ولو كان جل أهلها من غير المسلمين واعتبرت الدار دار كفر إذا طبقت فيها أحكام الكفر ولو كان جل أهلها مسلمين.
أحبتي الكرام، إننا أصحاب رسالة عالمية حدودها حدود هذا الكوكب الذي نعيش عليه، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾، والرسالة العالمية لا تحدها أوطان ولا حدود جغرافية ولا تقتصر على شعب واحد أو قوم واحد.
إن الرابطة الصحيحة التي تصلح لأن تربط الإنسان بالإنسان هي الرابطة العقائدية التي ينبثق عنها نظام يعالج مشاكل الإنسان في حياته كلها وينظم علاقات الأفراد في المجتمع الواحد. فقد هاجر الرسول إلى المدينة في الوقت الذي كانت فيه غارقة في حروب دامية مستعرة ونزاعات قبلية مستمرة استمرت لسنوات طويلة، ولم تتوقف هذه الحروب إلا بعد دخول الإسلام إليها والتفاف الناس حول العقيدة الواحدة عقيدة التوحيد، قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾. فالاعتصام بحبل الله المتين هو الذي يجعل المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
وفي حقيقة الأمر فإن الواقع التاريخي يبين أن الدعوات الإقليمية من وطنية وقومية لم تظهر في العالم الإسلامي إلا بعد الغزو الاستعماري لبلاد المسلمين، وذلك حين قام بتجزئة البلاد الإسلامية بعد احتلاله لها ليسهل عليه السيطرة عليها عملاً بمقولة "فرق تسد". قال الجاسوس الإنجليزي الشهير "لورنس" "وأخذت طول الطريق أفكر في سوريا... وفي الحج، وأتساءل: هل تتغلب القومية ذات يوم على النزعة الدينية؟ وهل يغلب الاعتقاد الوطني الاعقتاد الديني؟ وبمعنى أوضح، هل تحل المشاكل العليا السياسية مكان الوحي والإلهام، وتستبدل سوريا مثلها الأعلى الوطني بمثلها الديني؟". وكان فيصل هو الزعيم الذي ينشده الإنجليز، أو هو (نبي الوطنية) كما سماه لورنس.
زبدة القول أحبتي في الله، أن الإسلام قد قرر أن الولاء والتضحية تكون في سبيل عقيدة الإسلام، عقيدة التوحيد، ولإعلاء كلمة الله على وجه الأرض، والإسلام يعلو ولا يُعلى عليه حدوداً رسمها سايكس وبيكو!
فالله الله في ثورتكم، الله الله في هذه الفرصة التاريخية التي يجب استغلالها لصناعة عهد جديد ودولة جديدة ومجتمع جديد، يكون فيه حقاً وصدقاً القرشي والحبشي والرومي والفارسي عباد الله إخوانا، سواسية أمام القانون، لا تفرقهم جنسية ولا قومية، كما كان سلفهم أبو بكر وبلال وصهيب وسلمان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
انبذوا الوطنية نبذ النواة (2)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
أما بعد أحبتي الكرام فأحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتقبل الله منكم الصيام والقيام وسائر الطاعات.
حديثي معكم الليلة يدور حول أمر هو بحق السم الزعاف، هو بحق الخنجر الذي عمل ويعمل في الأمة تقطيعاً وتمزيقاً، هو بحق عقبة كأداء أمام توحد الأمة.
بداية أقول، إن فكرة الوطنية جزء لا يتجزأ من المؤامرات الغربية لتكريس تجزئة بلاد المسلمين إلى أردن وفلسطين وسوريا ومصر وليبيا...، وقد تجلت هذه الفكرة بشكل خطير في الشعارات التي نراها في كل زاوية: الأردن أولاً، مصر للمصريين، القضية الفلسطينية شأن فلسطيني، وهكذا كرست الوطنية تفتيت الأمة الإسلامية إلى دويلات، مع أن الإسلام حرّم أن يكون للمسلمين أكثر من حاكم، بل أمر بإطاحة رأس الحاكم الثاني إذا ظهر وللمسلمين إمام يحكمهم، قال عليه الصلاة والسلام «إذا بويع لخليفيتن فاقتلوا الآخر منهما».
إن الوطنية أحبتي في الله هي الرابطة التي تجمع الناس الذين يعيشون داخل حدود دولة من هذه الدول، وتفصلهم عن سائر الناس الذين هم خارج تلك الحدود. وبذلك يصبح اللبناني مرتبطا فقط باللبناني ويصبح المصري مرتبطاً فقط بالمصري، حتى تنقسم الأمة وتتعدد همومها، ولا تعمل سويّاً في سبيل قضية واحدة هي قضية الأمة.
أحبتي الكرام، إن الإسلام لم يأمر بالدفاع عن "الوطن" وإنما أمر بالدفاع عن البلاد الإسلامية بغض النظر عن كونها وطناً للمجاهد أو غير ذلك. فواجب الجهاد لتحرير فلسطين من دولة يهود وتحرير الأندلس من الأوروبيين والدفاع عن أراضي البوسنة والهرسك والشيشان وبلاد كشمير في الهند، لا يناط فقط بأهل تلك البلاد طالما لا يستطيعون رد العدوان وحدهم، وإنما يناط الواجب بكل المسلمين الذين يلونهم ثم الذين يلونهم حتى يتحقق الفرض.
ثم إن الرسول لم يتمسك بتراب "وطنه" مكة الذي أخرج منه بغير حق هو وصحابته الكرام، وقد كان في استطاعته ذلك بعد الفتح. لكنه رجع إلى المدينة عاصمة الدولة الإسلامية وأقام فيها ما تبقى من أيام حياته، ولم يوص المسلمين بدفن جثمانه الطاهر في تراب "الوطن" مكة المكرمة، وهكذا فعل أصحابه رضوان الله عليهم من بعده، فشهداء بدر وأحد دفنوا في البقيع في المدينة وأبو عبيدة دفن في غور الأردن، وأبو أيوب الأنصاري دفن قرب أسوار القسطنطينية، وحفظة القرآن الكريم من الصحابة دفنت أعداد منهم في أطراف الهند وبحر قزوين خلال الفتوحات الإسلامية، ولم يصدر عن رسول الله ولا عن صحابته الكرام أي إشارة "وطنية" أو حنين للديار، بل كان همهم الأول قضيتهم المصيرية إعلاء كلمة الله ونشر الإسلام وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
أحبتي الكرام، إن الإسلام اعتبر الوطنية من الدعاوى الجاهلية النتنة، من ذلك ما رواه جابر رضي الله عنه، حيث قال: "كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمعها الله رسوله قال: «ما هذا؟» فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال النبي : «دعوها فإنها منتنة» رواه البخاري.
فاعتبر عليه السلام الانحياز والتفرق على أساس أن أصل هذا من المدينة فهو أنصاري وذاك من مكة فهو مهاجري، وهذا ينصر قومه على هذا، اعتبر هذه الدعاوى نتنة وأمر بتركها، وقال في رواية: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم»!
وفي سنن أبي داود، عن النبي أنه قال: «ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية».
إن الدعوة إلى القومية أو الوطنية هي ترويج للفكر الغربي الغريب عن الاسلام. والرسول يقول: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». والواجب يحتم على المسلمين أن ينبذوا كل الأفكار والأطروحات الدخيلة، ويعودوا من جديد إلى إحياء الرابطة الإسلامية لإقامة مجتمعهم على أساس العقيدة الاسلامية، فتسوده أفكار الإسلام ومشاعره وأنظمته.
أحبتي الكرام، يالها من فرصة تاريخية، بل يا لها من فضيلة كبرى نثقّل بها موازيننا، بأن نعبّد الطريق لإقامة دولة إسلامية؛ خلافة على منهاج النبوة، تضع حدود الاستعمار تحت قدمها وتقتلع الوطنية من ذهن المسلمين، لتكون سوريا الشام دار إسلام يهاجر إليها المسلمون من كل حدب وصوب، وتنطلق منها الدعوة لضم بلاد المسلمين، فيذهب لبنان غورو إلى الجحيم ويذهب أردن غلوب إلى الجحيم وتذهب سعودية الإنجليز إلى الجحيم، ولتذهب الدولة الوطنية إلى الجحيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
  15 من رمــضان المبارك 1439هـ   الموافق   الخميس, 31 أيار/مايو 2018مـ

No comments:

Post a Comment