Tuesday, August 26, 2014

مقالة: القدس تبكي للجيوش كرامتها



مقالة: القدس تبكي للجيوش كرامتها

ها قد مرت عقود عديدة، والقدس ترزح تحت هذا الاحتلال البغيض، احتلال لم يبقِ شيئًا في الأقصى إلا دنّسه، على مرأى أمة الإسلام ومسمعها، ليخرجه من طهره الذي تركه عليه القادة العظام، أمثال عمر بن الخطاب، وصلاح الدين، والظاهر بيبرس، والسلطان عبد الحميد. فتوالت النكبات على أقصانا، من حرق وتدنيس، حيث يدخل إخوان القردة والخنازير يومًا تلو الآخر، بسبب وبغير سبب، وهذا لا يخفى على حكام الضرار الجبناء.
أفبعد هذا كله لا يبكي الأقصى الشريف؟ ألا يبكي مسجده المبارك؟ ألا يبكي البيت الذي صلّى فيه الأنبياء يؤمهم الرسول الأعظم؟ بلى، يبكي وصوت بكائه يصل السماء، ويصرخ بصوت عالٍ: أين روادي؟ أين حماتي؟ أين المدافعين عن حرمتي التي انتهكت وتنتهك كل يوم؟
حقّ للأقصى البكاء، بل وندب ما وصل إليه حاله الذي لا يحرك لأجله ذو نخوة وكرامة ساكن, حقّ للأقصى الصراخ في وجوهنا: أهذا ما ترك لكم العظام؟ أهكذا تصونون الأمانة والعرض والكرامة؟ ولو قلنا للأقصى الشريف "عذراً" فهل يقبل منا هذا؟ لا والله لن يقبل، فهو يعلم أنه بيت لأمة المليار ونصف وأكثر, وأن أعداد جنود المسلمين في العالم تفوق العشرة ملايين, وأن عدد الدول التي يدين أهلها بالإسلام أكثر من 57 دولة وقطر. أفبعد هذا يقبل اعتذاراً منا على التقصير المتعمد في رفع الأذى عنه؟ وهل في هذه الدنيا من لا يعلم ما هو الأقصى؟
إنه أولى القبلتين، والمسجد الذي أسرى إليه الرسول الكريم وهو في مكة في جنح الليل ملبيا طلب الخالق البارئ، ليصلي بالأنبياء جميعا على هذه البقعة المختارة من بين بقاع الأرض كلها؛ من أجل أن تكون أرض المحشر والمنشر. إنها الأرض التي إن نطقت لافتخرت قائلة: لقد ارتويت بدماء الشهداء، ووقف على ظهري أعظم الخلفاء، وأشجع القادة، وخير الجيوش، وأفضل خلق الله على الأرض. إنها الأرض التي جعلها الله مهد الديانات، وممراً لكل الأنبياء، فما من نبي إلا مر بها، أو أقام فيها، أو مات عليها. إنها القدس التي جعلها الله مقدسة إلى قيام الساعة، وبارك فيها وبما حولها. ألا يعلم هذا كل مسلم غيور على دينه؟ ألا يعلم هذا كل جندي يسجد لله خمس مرات كل يوم؟ بلى يعلمون.
فيا أيتها الأمة الكريمة! أليست هذه الأرض لكم؟ أليست فيها كرامتكم وعزّتكم؟ أليست تُداس وتُهان أمام أعينكم؟ أفلا يحرك فيكم هذا الأمر ساكناً؟ ألا يجد فيكم آذان صاغية ومشاعر محترقة وعقول مدبرة لما يحدث لمهد الخلافة القادمة، وأرض المحشر والمنشر، مسرى رسولكم الكريم؟ أليس ما يحدث في الأرض المباركة من أعظم المنكرات، ويجب علينا تغييره بكل ما أوتينا من قوة؟ وتغييره لا يكون على التراخي ولا على الندب، فهو فرض على كل مسلم وأي فرض. وأي تقصير منا في هذا الأمر سنحاسب عليه. فهبي يا أمة الإسلام وقومي وانهضي من سباتك لتحرير مهد خلافتك القادمة إن شاء الله, ولا تتركي من جهدك جهداً إلا بذلتيه لتحرير أرض الإسراء.
أيها العلماء الأجلاء! ألستم ورثة الأنبياء؟ ألستم أشد الناس خشية لله؟ ألستم من تقرؤون القرآن والسنة فتتدبرونها؟ فلماذا هذا السكون القاتل؟ إن كلامكم له الأثر الأعظم في القلوب والعقول، فمتى ستنطقون بما يدور في عقولكم من فهم وتدبر لمعاني القرآن الكريم، لما للقدس من مكانة، وواجب المسلمين كافّة تجاه هذا الاحتلال البغيض؟
أيها العلماء الأتقياء! إن تحرير القدس واجب على كل مسلم، ولها مكانة في ديننا ونفوسنا لم تبلغها بقعة أرض أخرى، فمتى ستقولون الحق في حقها؟ أم أنكم اكتفيتم بصندوق لرعاية القدس أو مؤسسة ترعى شئون المسجد الأقصى؟ إنّ العالم لا يُعذر، والجاهل ينظر إليكم، ويضع الأمر في أعناقكم، أفلا ترون ثقل الأمانة التي وضعت على أعناقكم؟ هلمّوا يا ورثة الأنبياء، وقولوا الحق، واستنصروا للأقصى الحزين، وحثّوا من يملكون بأيديهم زمام الأمور على تحرير الأرض المباركة، فهذا عملكم وواجبكم، وإلا فسيحاسبكم الله على سكوتكم.
أيها الحكام! حكام المسلمين! إن حالكم لا يحسدكم عليه أحد، لما فيه من حرج عظيم ومسئولية عظيمة. لقد أخذتم من الدنيا ما لم يأخذه أي فرد من رعيتكم، وتنعمّتم بنعم الله ما لم ينعم به أسيادكم من قبل، واقترفتم من الذنوب ما لم يقترفها أحدٌ ممن سبقكم، وأفسدتم في الأرض كما لم يفسد أحد على البسيطة من قبل، وأشقيتم شعوبكم وعذبتموهم وأغرقتموهم في الفقر وأذقتموهم أشد العذاب في هذه الدنيا الفانية. أفلا يكفي ما فعلتم بمن حكمتم حتى الآن؟ ألا يكفي ما قد أسلفتم من خراب ودمار على خلق الله؟ ألا يوجد في قلب أحد منكم ذرة من إيمان، أو نخوة؟ أفلا تختموا أعمالكم بخير عمل وخير فعل يكفر عن سيئاتكم؟ ألا تفكرون كيف تكسبون الآخرة كما كسبتم الدنيا؟ تكسبونها بفعل يدخلكم جنة فيها متع لا تفنى ولا تنتهي، فقد بلغتم من الكبر عتياً، فما عليكم سوى أن تعودوا إلى رشدكم، وتعملوا بأمر ربكم، رب الحياة والممات، وتقيموا حكم الله في الأرض، وتعلنوها خلافة، وتحرّروا القدس. فما أدراكم لعل الله يجب ما فعلتم بأمتكم، ويغفر لكم ما قمتم به، ويدخلكم جناته. فيا أيها الحكام الذين بقي في قلوبهم ذرة من إيمان! هبّوا لتحرير أرض الإسراء، أرض المحشر والمنشر، لتفوزوا برضى الله وخلقه.
أيها القادة! أيتها الجيوش المسلمة! إن القدس تستصرخكم، ونحن على علم بما عندكم، وكلنا ثقة بكم في أن تمسحوا دموعها، ونعلم أن فيكم العقول والقوة الكافية لتحرير هذه الأرض من رجس يهود، وإعادتها إلى حضن أمتها التي اشتاقت لعزتها بأيديكم الطاهرة.
أيها الجنود! إن احتلال أرضكم ليس بجديد، وجهودكم يجب أن تنصب في تحريرها ورفع الضيم عنها وعن أمتكم التي أنجبتكم، فلا تخذلوها، ولا تركنوا إلى الظالمين الفاسقين الكافرين. إن أمتكم تعول عليكم أن تحرروا أرضها المغتصبة، وتنصروهم، وتعيدوا الحق لأصحابه، وترفعوا راية لا إله إلا الله فوق قبة الصخرة المشرفة خفاقة، وتطهّروا مهد خلافتكم القادمة بأيديكم. فهذا واجبكم، وأنتم أعلم به، وإن لم تقوموا به فلن تغفر الأمة لكم تقاعسكم، فهو واجبكم، وأنتم أهله، فإلى تحرير مسرى نبيكم هبّوا.
نعم، إن على الأمة واجب عظيم يجب ألا تقصّر فيه، وأن تصل ليلها بنهارها من أجل تحقيقه، وإن علماءنا الأجلاء لنا في أعناقهم حق، يجب أن يؤدوه قبل فوات الأوان. وإن للحكام الذين بقي في قلوبهم ذرة من إيمان فرصة لا يجب أن يضيعوها، بعمل يجبّ ما قبله بإذن الله. وأخيرا جيوشنا وقوتنا إن دوركم هو الدور المفصلي الذي يقلب الأمر رأساً على عقب، فالتغيير والتحرير بين أيديكم.
 كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ أبو يوسف
01 من ذي القعدة 1435
الموافق 2014/08/27م

No comments:

Post a Comment