Wednesday, January 4, 2023

جريدة الراية: أضواء على الحرب في أوكرانيا وما يهمنا منها

 

جريدة الراية: أضواء على الحرب في أوكرانيا وما يهمنا منها

 

  11 من جمادى الثانية 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 04 كانون الثاني/يناير 2023مـ

قام الرئيس الأوكراني زيلينسكي بزيارة واشنطن التي أعلنت مدّه بأحدث الأسلحة، وخطب أمام كونغرسها وشكرها على مساعدتها مبيّنا أنها ليست صدقة، وإنما استثمار لأمريكا في الأمن الدولي وفي نشر الديمقراطية. وعقبه وزير خارجيته دميتري كوليبا معلنا الدعوة إلى قمة سلام، وفي الوقت نفسه دعا إلى محاكمة حكام روسيا على جرائم الحرب، بينما أعلن الرئيس الروسي بوتين ووزير خارجيته لافروف أن أمريكا والناتو يريدون تفكيك روسيا أو تدميرها.

1-    قام الرئيس الأوكراني زيلينسكي بزيارة إلى واشنطن يوم 21/12/2022 واجتمع مع رئيسها بايدن الذي أعلن أن الإدارة الأمريكية وضعت خطة خاصة لتجهيز بطارية صواريخ باتريوت لتشغيلها في أوكرانيا خلال 6 أشهر، وتبلغ الصفقة 1,85 مليار دولار. كما ألقى خطابا أمام الكونغرس قال فيه: "إن ما تقدمه أمريكا من مساعدات ليس صدقة، وإنما استثمار في الأمن الدولي والديمقراطية التي نسعى لتحقيقها بأكثر الطرق مسؤولية" (الأناضول 22/12/2022). فالرئيس الأوكراني يدرك أن هذه الحرب هي حرب أمريكا للهيمنة والسيطرة، فيقول إن مساعدات أمريكا ليست صدقة، وهذا الكلام ينطبق على كل مساعدات أمريكا لأية دولة أو لأية مسألة، فهي ليست صدقة وإنما استثمار للهيمنة وبسط النفوذ ونشر الأفكار المضللة والأنظمة الفاسدة. فهي تقدم مساعدات لمصر بمبلغ نحو 3 مليارات دولار نصفها للجيش المصري، فهذه ليست صدقة ولا مساعدات إنسانية وإنما هي لتأمين بقاء نفوذها في مصر وخاصة على الجيش الذي هو أداة مهمة لتغيير النظام الفاسد التابع لأمريكا وبالتالي تطهير البلاد من رجسها وتطهير فلسطين من رجس يهود الغاصبين، وهذا الكلام ينطبق على كل بلد تقدم له أمريكا مساعدات. وقد وقعت تركيا تحت النفوذ الأمريكي باسم مشروع ترومان للمساعدات، حتى إن أوروبا وقعت تحت الهيمنة الأمريكية باسم مشروع مارشال للمساعدات. فأخطر ما يكون هو قبول المساعدات من أية دولة وخاصة الاستعمارية كأمريكا. فأمريكا تستثمر في بسط نفوذها ومن أدواتها نشر الديمقراطية وهي نظام كفر ليكون سائدا عالميا، وتركز عليه في بلاد المسلمين حتى تحول دون عودة الإسلام إلى الحكم.

2-    أعلن وزير خارجية أوكرانيا دميتري كوليبا يوم 26/12/2022 كما ذكر لوكالة أسوشيتدبرس الأمريكية أن "أوكرانيا تود عقد قمة سلام بحلول نهاية شباط/فبراير القادم" أي بعد مرور عام على الهجوم الروسي على أوكرانيا. وقال: "ستقوم أوكرانيا بكل ما في وسعها للفوز بالحرب في عام 2023... وإن كل حرب تنتهي بطريقة دبلوماسية. تنتهي كل حرب نتيجة إجراءات تتخذ في ساحة المعركة وعلى طاولة المفاوضات". وحول سؤال ما إذا كانت موسكو ستدعى إلى القمة قال: "يجب أولا إجراء محاكمات جرائم الحرب في محكمة دولية". فالوزير الأوكراني يدعو إلى قمة سلام بعد هزيمة روسيا، ويريدها أن توقع على وثيقة الاستسلام في قمة السلام كما حدث مع ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. فيطل عقد محاكمات جرائم حرب للمتسببين في الحرب، أي محاكمة حكام روسيا كما حصل مع محاكمة قادة النازيين في ألمانيا! ويقول يجب أن ننتصر في الحرب ومن ثم تبدأ المفاوضات. فكل ذلك يدل على أن الحرب ستطول، والحرب أصبحت ليس لطرد روسيا من مناطق احتلتها فحسب، بل لتحطيم أو تهميش رأس روسيا وتركيعها للنظام الدولي الذي تهيمن عليه أمريكا. ووزير خارجية أوكرانيا لا ينطق إلا بما تمليه عليه أمريكا. ومثل ذلك في قضية فلسطين، فطالما عقدوا قمم سلام وكانت كلها تصب في خانة تثبيت كيان يهود وتركيز النفوذ الأمريكي في المنطقة ومنع قيام المارد الإسلامي وانتفاضه في وجههم وتطهيره البلاد من رجسهم، رجس أمريكا والغرب وأداتهم يهود. علما أن الأمة تتلمس طريق النهضة والتحرير وتبحث عن قيادتها الإسلامية الواعية المخلصة.

3-    قال الرئيس الروسي بوتين يوم 25/12/2022 لوكالة تاس الروسية "لقد سعينا دائما لضمان حل جميع النزاعات التي تنشأ بالوسائل السلمية من خلال المفاوضات. ولكن لسوء الحظ تصرف الطرف الآخر على العكس من ذلك، لقد بدأوا كما قلت مرات عديدة اتخاذ إجراءات قاسية وذات طابع عسكري"، وقال "إن خصوم روسيا يتبعون سياسة فرق تسد، يهدفون إلى تفكيك روسيا". وقد أكد وزير خارجيته لافروف لوكالة تاس يوم 26/6/2022 ذلك بقوله: "نحن من جانبنا على استعداد لمناقشة القضايا الأمنية سواء الخاصة بالوضع في أوكرانيا أو على المستوى الاستراتيجي الأوسع. دعونا ننتظر حتى تنضج واشنطن لتدرك فشل مسارها الحالي وتتأكد من عدم وجود بديل عن بناء علاقات معنا على أساس الاحترام المتبادل والمساواة مع مراعاة إلزامية المصالح الروسية المشروعة". وقال: "ليس سرا أن الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة وحلفائها في الناتو هو هزيمة روسيا في ميدان المعركة كوسيلة لإضعاف بلدنا بدرجة كبيرة أو حتى تدميرها".

فالرئيس الروسي أصبح يدرك أن أمريكا لا تريد التفاهم مع روسيا، وإنما تريد أن تنزل بروسيا ضربات قاسية جدا تخضعها لها وتجعلها تحت هيمنتها كما جعلت أوروبا تحت هيمنتها أو تفككها أو تدمرها كما قال هو ووزير خارجيته. ولو أدرك الأمر منذ زمن بعيد وفكر في كيفية الحد من هيمنة أمريكا وغطرستها بل في كيفية مزاحمتها وزحزحتها عن مقعدها الدولي بوصفها الدولة الأولى في العالم لما حل به وببلاده ما حل. وإنما قام وبكل غباء يخدمها ويحقق لها مصالحها في قضايا عدة. فحدث أن قام يخدمها في سوريا ضد أهلها الثائرين على النظام الإجرامي العلماني التابع لأمريكا، فأوعزت إليه بعد اجتماعه مع رئيسها آنئذ أوباما ليقوم بالتدخل لحسابها منذ 1/10/2015 متوهما أن أمريكا ستسكت عنه في أوكرانيا بعدما قام بضم القرم لروسيا ودعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا، وها هي أمريكا بعدما استفرغت أغراضها منه في سوريا وتمكنت من المحافظة على النظام وعميلها الطاغية بشار أسد حتى الآن، وصارت تركيا أردوغان بديلا عنه في الأعمال القذرة في سوريا، حركت أمريكا عميلها زيلينسكي ليستفز روسيا في بداية العام 2022 بدعوى أنه يريد تخليص شرق أوكرانيا من قبضة روسيا حتى تورطها في مستنقع أوكرانيا. فحلت ببوتين وبروسيا اللعنة، وقد حلت بإيران لعنة وستحل بها لعنات، كما ستحل بحزبها في لبنان الذي يخشى ذلك فيعمل على إرضاء أمريكا وكيان يهود حيث وافق على ترسيم الحدود البحرية معه، وستحل بأردوغان تلك اللعنات عاجلا أو آجلا، فالله ينتقم من الظالمين ولو بعد حين. والعاقبة للمتقين وهو وليهم وناصرهم، ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

بقلم: الأستاذ أسعد منصور

No comments:

Post a Comment