Tuesday, April 28, 2015

هل راية رسول الله ﷺ خرافة كما يدعي شريف جابر؟

هل راية رسول الله خرافة كما يدعي شريف جابر؟

في مقالة نشرت على موقع ساسة بوست نشر شريف جابر مقالة بعنوان: هَوَس الرايات السود: بين الحقيقة والخرافة، يمكننا تلخيص أهم ما فيه بما يلي:
1) إن وجود راية أو علم لدولة الخلافة، أو لرسول الله ، أو للإسلام مجرد خرافة، وأنه من الأحكام الباطلة الدخيلة على دين الله، راجع الفقرة الأولى من المقال.
2) يأتي في الفقرة الثانية من المقال بمجموعة أحاديث تبين أن للرسول راية سوداء ولواء أبيضا، كما في الأحاديث الصحيحة، ومن ثم يتجاوز عن هذه الأحاديث ولا يعيرها أي دراسة فقهية لاستنباط الأحكام منها، ويكتفي بالخروج من الفقرة بتضعيف أحاديث أخرى حول ألوان الرايات الحمراء والصفراء وتضعيف أن فيها كتابة كلمة التوحيد، ومن ثم يأتي السؤال: بما أنك تقرر في هذه الفقرة وجود أحاديث صحيحة تبين أن للرسول راية، والكاتب يقر بوجود راية، فكيف يستقيم هذا مع ما جاء في الفقرة الأولى من أن فكرة أن للرسول راية هي خرافة وحكم باطل دخيل على دين الله تعالى؟
أقول وبالله التوفيق: اعلم يرحمك الله، أنه "لا بد أن يكون للجيش ألوية ورايات. والفَرق بين اللواء والراية هو أن اللواء ما يُعقد في طرف الرمح ويلوى عليه ويقال له العلم. قيل: سمي لواء لأنه يلوى لكبره فلا ينشر إلاّ عند الحاجة. وهو علم ضخم وعلامة لمحل أمير الجيش يدور معه حيث دار. أمّا الراية فهي عَلَم تعطى للجيش. وتكنى "أم الحرب"،، جمْعُها رايات، وهي - أي الراية - ما يُعقد في الرمح أو السارية، ويُترك حتى تصفقه الرياح.. وقد كان للجيش الإسلامي في أيام الرسول راياته وألويته. روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن النبي نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: «أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها ابن رواحة فأصيب». وقد روى الترمذي عن الحارث بن حسان البكري قال: (قَدِمنا المدينة فإذا رسول الله على المنبر وبلال قائم بين يديه متقلد بالسيف وإذا رايات سود، وسألت ما هذه الرايات؟ فقالوا: عمرو بن العاص قَدِم من غزاة). وجاء في الصحيحين أن النبي قال: «لأُعطِيَنّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فأعطاها علياً». وعن أنس عند النسائي (أن ابن أم مكتوم كانت معه رايات سوداء في بعض مشاهد النبي ). يتضح مما سبق أن الجيش زمن النبي كانت له رايات وألوية، وبالتدقيق في هذه النصوص يتبين أن الراية أصغر من اللواء، وأن اللواء يعقد لقائد الجيش، والراية تعطى للجيش، واللواء يكون على معسكر الجيش علامة على قائد الجيش، والرايات تكون مع قواد الكتائب والسرايا، ومع وحدات الجيش المختلفة. فالجيش فيه رايات كثيرة، بينما يكون له لواء واحد. هذا من حيث نسبة أحدهما للآخر.
أما من حيث اللون فقد ثبت أن راية الرسول كانت سوداء، ولواؤه أبيض. فقد روى الترمذي عن ابن عباس قال: «كانت راية رسول الله سوداء ولواؤه أبيض»، وروى كذلك عن جابر: «أن النبي دخل مكة ولواؤه أبيض». وحديث الحارث بن حسان المار آنفا وفيه «وإذا رايات سود» تدل على هذه الأحاديث على أن الراية ذات لون أسود، وأن اللواء أبيض.
أما من حيث الشكل فإن الوارد أن يكون للراية أربعة أركان، وأن تكون من صوف. فعن البراء بن عازب أنه سئل عن راية الرسول ما كانت؟ قال: (كانت سوداء مربعة من نمرة) رواه الترمذي وأحمد ومعنى من نمرة، أي من ثوب حِبَرَة، أي بردة من صوف، وأن يكون مكتوبا عليها: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وما يقال عن الراية يقال عن اللواء أيضا، فاللواء يكون له أربعة أركان، ويكون من الصوف، ويكتب عليه (لا إله إلا الله محمد رسول الله). إلا أنه أكبر من الراية، ويكتب عليه بخط أسود، بينما يكتب على الراية بخط أبيض .
3) ثم في الفقرة الثالثة يتساءل الكاتب عن الراية أللحرب هي أم هي علم وشعار للدولة؟ ويوحي بأنها مجرد وسيلة من وسائل الحرب في ذلك الزمان، لغايات منها أن لا يختلطوا بغيرهم، وأن الحكم الآن يختلف، فالحروب القديمة غير الحروب الحديثة، فلم يعد الآن من مبرر لوجود الرايات، فوسائل الاتصال الحديثة تغني عنها، والكاتب ينسى ما يشاهده بأم العين في الحروب الحديثة من لف جثمان القتلى بأعلام بلادهم، وتقديم الولاء للأعلام من قبل قادة الجيش واستعمالها في المراسيم، وما توليه الدول الحديثة من اهتمام مبالغ فيه بأعلامها!!
كما ينسى الكاتب أن الرسول أرسل سرايا ذات عدد قليل وعقد لهم الرايات، قيل بأن سرية حمزة بن عبد المطلب هي أول سرية وقد عقد لها الرسول لواء وكان في ثلاثين رجلا، وقيل سرية عبيدة بن الحارث في ستين رجلا هي أول سرية، وقد عقد لكل منهما لواء، والسؤال هو: من أين يفهم أن الراية للاتصال حين يكون العدد بالغ القلة بهذا الشكل؟ لا شك أن مسألة الاتصال من خيال الكاتب ولا علاقة لها بالواقع.
وحيث إنه في مقالته لم يجد رأيا للعلماء بزعمه يوجب لا وجود مثل هذه الرايات، ولا حتى ألوانها وأشكالها، فإن اتخاذها شعارات للدولة ترفع على المؤسسات هو من الخبل! وأنها ليست من الأحكام الشرعية! وينسى الكاتب أن الرسول كان يعطي الراية وهو في المسجد لقادة الجيش حين يرسلهم، وهي راية مخصوصة نصت أحاديث كثيرة على أنها من مرط لعائشة رضي الله عنها، ولونها أسود!
أقول وبالله التوفيق: اعلم أن الجيش جهاز من أجهزة الدولة، أولاه الرسول اهتمامه، فكون الراية أو اللواء يعقدان في حال الحرب، ويعطيان لقادة الجيش أو الألوية، فإن هذا ما هو إلا امتداد لدولة تظهر شعارا من شعاراتها في حروبها، والرسول يحتفظ بالراية واللواء في المدينة وحين يجهز الجيش فإنه يخرجهما ويعطيهما القائد، فهو إذن يتخذ لواء وراية في المدينة بوصفه رئيسا للدولة، فالراية واللواء موجودان في المدينة عند الرسول وعند سعد بن عبادة وعند علي رضي الله عنهما في السلم والحرب! فكيف يقال بأن الدولة لا تملك رايات ولا تتخذها، وأنها فقط للحرب ولا يمكن اتخاذها شعارا للدولة وعلما لها؟
قال ابن أبي شيبة في مصنفه: فِي عَقْدِ اللِّواءِ واِتِّخَاذِهِ.
34295- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ عَقَدَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
34296- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: ائْتِنِي بِرُمْحِكَ، فَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: سِرْ، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَك.
فعقد اللواء للقائد من أعمال الدولة، عمل عمله الرسول وعمله الخلفاء من بعده، فالراية أو اللواء يمثلان الدولة، ويمثلان أيضا تكليفا للجيش بطاعة ذلك الأمير الذي عقد له اللواء، والطاعة من أركان قيام أي جيش، فاللواء إذن يُعْقَدُ، ويُتَّخَذُ، ومعنى أنه يُتَّخَذُ أي أنه فعل داوم عليه الرسول والخلفاء الراشدون المهديون من بعده، ومن المعروف أن أفعال الرسول تشريع وهي للتأسي، وأفعال الرسول على ثلاثة أنواع: الأفعال الجبلية، والأفعال الخاصة به وسائر الأفعال مما ليس بخاص به ولا من الجبلية، واتخاذه للراية وعقده إياها لا يقع في دائرة الأفعال الجبلية، ولا الخاصة به، فهو تشريع، وهذه لا نزاع في أننا مأمورون بالاقتداء فيها بالرسول ، ولا نزاع في أنها دليل شرعي كأقواله وسكوته، فيجب العمل به لأنه فعله ؛ لقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ ولقوله تعالى: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي﴾ وهذا صريح وواضح وظاهر في العموم، فيشمل كل ما يقوم به الرسول من أعمال، كما يشمل الأقوال ويشمل السكوت؛ ولذلك كان اتباع الرسول في جميع أفعاله التي صدرت عنه، مما ليس مختصاً به، ومما ليس من الأفعال الجبلية، واجباً على كل مسلم؛ واتباع الرسول شيء، والقيام بالفعل على وجهه شيء آخر، فالفعل المباح يقام به على أنه مباح، والمندوب على أنه مندوب وهكذا، وحتى نفهم الحكم الشرعي في اتخاذ الرايات والألوية وعقدها للقادة، فإننا نبحث عن القرائن، فإن دلت القرائن على الوجوب كان حكم الفعل الوجوب، وإن دلت على الندب كان الحكم الندب وهكذا،
وهنا مسألتان ينبغي فهمهما: أولا: اتخاذ الراية، وهذا ولا شك حكمه الوجوب، وهو الطريقة الوحيدة التي سار عليها الرسول في عقد الإمارة لقادة الجيش، فحكم وجودها من حكم ما جعلت له، وهو الوجوب، والمسألة الثانية: ألوان الراية وأشكالها، وحكم هذا فيه تفصيل سيأتي.
إننا إذا بحثنا عن منطوق أحاديث في الراية نجد حديث الراية العمية، وأحاديث من قبيل: «لأعطين الراية غدا رجلاً يحبه الله ورسوله»، وكونه لم يرسل سرية إلا وعقد لواء لقائدها وأمر بطاعته، بدءا من أول سرية وهي سرية عبيدة بن الحارث، "قال ابن إسحاق‏:‏ فكانت راية عبيدة بن الحارث - فيما بلغني - أول راية عقدها رسول الله في الإسلام، لأحد من المسلمين" فإنه بذا يجعل طريقة تنصيب القائد وإيجاب طاعته بإعطائه اللواء أو الراية، فهذا أبو بكر رضي الله عنه يقول حين روجع في إمارة أسامة: والله لا أحُلَّنَّ رايةً عقدها رسول الله ، فجعل الراية عقدا، وجعل نزعها من القائد حلا لعقد عقده رسول الله ، بل فوق ذلك يثبت قوله هذا أن عقد الراية هو الطريقة الشرعية والوحيدة لتأمير أمير الجيش، فحين روجع في إمارة أسامة، لم يقل لا نستبدل به غيره، ولم يخطر له إلا أن يقول بأن هذا لواء عقده الرسول ، وكيف لي أن أحله، فقد كان متركزا في الدولة الإسلامية أن تأمير الأمير لا يتم إلا بطريقة واحدة وهي عقد لواء له، ومن ثم هو يستأذن أسامة - وقد عقد له رسول الله اللواء قبيل وفاته - في عمر، فالجند أمرهم لمن عقدت له راية الحرب، وطاعته عليهم واجبة. وبما أنها الطريقة الشرعية لعقد الإمارة، فحكم وجودها واجب، إذ لا يتم الواجب إلا بها.
وأما المسألة الثانية، وهي أشكال الرايات وألوانها فاعلم أن الراية واللواء يمثلان شعارا لدولة تجاهد لجعل كلمة الله هي العليا، فنهي الرسول عن القتال تحت رايات الجاهلية أمر بالقتال تحت راية الحق، واتخاذه لهذه الراية وعقدها للقادة دليل على أنهم يقاتلون تحتها، فهي تأخذ حكم ما جعلت له، فالحكم العام هو وجوب الجهاد، ووجوب تأمير أمير للجيش وعقد الإمارة بإعطائه اللواء، وهذا الأصل العام قام عليه الدليل، وتفاصيل كون الراية سوداء أو أن يكون مكتوبا عليها كلمة التوحيد لا يحتاج إلى دليل خاص به، ويكفي الدليل العام الذي يدل على أصله، ولا يقال إن هذه الأساليب أفعال للعبد فلا يصح أن تجري إلا حسب الأحكام الشرعية؛ لا يقال ذلك لأن هذه الأفعال جاء الدليل الشرعي على أصلها عاماً، فيشمل كل ما يتفرع عنها من الأفعال، إلا أن يأتي دليل شرعي على فعل متفرع عن الأصل فحينئذٍ يتبع حسب الدليل، فمثلاً قال تعالى: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ وهو دليل عام. وجاءت الأدلة على الأفعال المتفرعة عنها، لمقدار النصاب، وللعاملين، وللأصناف التي تؤخذ منها الزكاة، وكلها أفعال متفرعة عن: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ ولم تأتِ أدلة لكيفية قِيام العمال بجمعها، هل يذهبون راكبين أو ماشين؟ هل يستأجرون معهم أجراء لمساعدتهم أو لا؟ وهل يحصونها بدفاتر؟ وهل يتخذون لهم مكاناً يجتمعون فيه؟ وهل يتخذون مخازن لوضع ما يجمعونه فيها؟ وهل تُوضع هذه المخازن تحت الأرض أو تُبنى كالبيوت للحبوب؟ وهل زكاة النقد تجمع بأكياس أو بصناديق؟ فهذه وأمثالها أفعال متفرعة عن: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ ويشملها الدليل العام؛ لأنه لم تأت أدلة خاصة بها، فأما وجوب وجود راية، فهذا مما لا شك فيه، فهي أمر قام به الرسول على وجه مخصوص في كل الغزوات والسرايا، وجعل عقدا يوجب طاعة الجند بموجبه للقائد، فوجود راية هو أمر واجب، والمسألة الثانية: تفاصيل هذه الراية، وهذه إما أن يتبع فيها التفاصيل التي ارتضاها الرسول وإن لم ينص على وجوب اتباعها ولم يستوجب عقوبة على ترك اتباعها، من باب التأسي بالرسول عليه الصلاة والسلام، فحكم شكلها ولونها يتراوح بين الإباحة والندب، أو أن يقال بأنها من الأساليب الإدارية للدولة، وهذه لا تحتاج لدليل خاص بها، بل يشملها الدليل العام وهو دليل وجوب الجهاد، ودليل وجوب تأمير الأمير وعقد الراية له، وحينذاك يترك أمر تفاصيل شكلها للخليفة على أن لا تكون هذه الأشكال والألوان مما اقترن بالرايات العمية وأضحى علما عليها، كأعلام مصر والجزائر والسعودية والأردن وما شابه، فلا يجوز اتخاذها لأنها تمثل الراية العمية مضمونا، وحين نجد الرسول والصحابة من بعده اختاروا اللون الأسود، والشكل المربع، وكتابة كلمة التوحيد أحيانا، وأحيانا أن تكون الرقعة السوداء مخططة كجلد النمر، فإن الأولى هو التأسي بهم في هذه الأشكال والألوان، قال رسول الله : «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني» رواه مسلم والبخاري والنسائي، وأقل ما يقال هنا هو أن من يتأسى بالرسول لا يقال عنه بأنه مخبول، أو أنه يدخل في الإسلام ما ليس منه!.، وإليك بعض التفاصيل المتعلقة بالشكل والتسمية واللون:
أ‌- راية العقاب: في اللغة كلمة العقاب تأتي بمعنى الحرب، فحين نقول راية العقاب كأننا نقول: راية الحرب، لذلك كانت الراية التي اتخذها قصي بن كلاب تسمى راية العقاب، وتأتي في اللغة بمعنى طائر العُقاب، وفي لِسَانِ العَرَبِ: العُقَابُ: الذي يُعْقَدُ للوُلاة، شُبِّه بالعُقاب الطَّائر، وهي مُؤَنَّثَة ( و ) العُقَابُ: ( الرَّابِيَةُ، وكُلّ مُرْتَفِعٍ لم يَطُلْ جِدًّا).
ولكن الرسول اتخذ هذا الاسم علما لرايته، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الْفَضْلِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَتْ رَايَةُ النَّبِيِّ سَوْدَاءَ تُسَمَّى الْعُقَابَ.
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: وقال الطبري: وقد حدثني عبد الرحيم البرقي، قال: حدثني عمرو بن أبي سلمة، عن زهير، عن محمد قال: اسم راية الرسول: العقاب،
واحتفظ الصحابة باسم الراية كما هو: ففي فتوح الشام للواقدي: وأشرفت العساكر من كل جانب قال وأشرفت راية العقاب يحملها رافع بن عميرة الطائي،
وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق:
أَخْبَرَنا أبو القاسم بن السّمرقندي، نا أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة، نا حمزة بن يوسف السهمي، نا أبو أحمد بن عدي، نا عُمر بن سنان، نا أبو نُعيم الحلبي، نا خالد بن عمرو، عن ليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير مرثد بن يزيد، عن أبي هريرة قال: كانت راية النبي قطعة قطيفة سوداء كانت لعائشة، وكان لواؤه أبيض، وكان يحملها سعد بن عُبادة ثم يركزها في الأنصار في بني عبد الأشهل، وهي الراية التي دخل بها خالد بن الوليد ثنية دمشق، وكان اسم الراية العُقاب.
إذن فالراية بقيت كما هي، نفس الراية استعملها خالد رضي الله عنه في فتوح الشام! حرص الصحابة عليها شكلا واسما ولونا! بل فوق ذلك كانوا إذا استعر أوار الحرب حرصوا على أن تبقى عالية خفاقة فقطِّعت أيديهم وأرجلهم وأصيب بعضهم ببضع وثمانين جرحا في جسده وهو يحرص على أن لا تنزل تلك الراية!! ودم المؤمن أغلى عند الله من الكعبة، ولكنه بذله كي تبقى تلك الراية وما تمثله خفاقة عالية، ويأتي من يقول لنا: إنها أمر دخيل على الدين!! ولم يقل الفقهاء بوجوبها، فما قوله في قول الصحابة وفعلهم ببذل أرواحهم وأن تبقى عالية؟؟
وقال ابن كثير في النهاية في الفتن والملاحم: (1 / 55، 56): لأن راية الرسول كانت سوداء، يقال لها: العقاب، وقد ركزها خالد بن الوليد على الثنية التي شرقي دمشق حين أقبل من العراق، فعرفت بها الثنية، فهي إلى الآن يقال لها: ثنية العقاب ".
ب‌- لون الراية وشكلها:
قال الإمام الذهبي في تاريخ الإسلام: وقال سلام بن مسكين، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: كانت راية رسول الله يوم أحد مرطاً أسود كان لعائشة، وراية الأنصار يقال لها العقاب، وعلى ميمنته علي، وعلى ميسرته المنذر بن عمرو الساعدي، والزبير بن العوام كان على الرجال، ويقال المقداد بن الأسود، وكان حمزة على القلب، واللواء مع مصعب، فقتل، فأعطاه النبي علياً، قال: ويقال كانت ثلاثة ألوية، لواء إلى مصعب بن عمير للمهاجرين، ولواء إلى علي، ولواء إلى المنذر.
وفي مصنف بن أبي شيبة:
فِي الرَّايَاتِ السُّودِ.
34288- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ، قَالَ: قدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا النَّبِيُّ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَبِلاَلٌ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، مُتَقَلِّدًا سَيْفًا، وَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَدِمَ مِنْ غَزَاةٍ.
34289- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللهِ سَوْدَاءَ مِنْ مِرْطٍ لِعَائِشَةَ مُرَحَّلٍ.
34290- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الْفَضْلِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَتْ رَايَةُ النَّبِيِّ
سَوْدَاءَ تُسَمَّى الْعُقَابَ.
كما ترى سواء في أحد أو في غيرها من الغزوات، وسواء قاتل الرسول بنفسه أو أرسل غيره فالراية سوداء، صحيح أن ألوية الجيش كانت تتخذ ألوية بألوان مختلفة، إلا أن راية الرسول كانت دائما سوداء، واستمر الحال في عهد الصحابة، وصحيح أن العبرة بما تمثله الراية من شعار للدولة الإسلامية في حروبها،
ج- كتابة كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله فيها،
اعتبر الكاتب أن الحديث الوارد في هذه الكتابة ضعيف، قال الكاتب شريف جابر: "وكذلك ما ذكُر من كتابة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" على الراية فهو في عداد الضعيف كما قال العلماء ولم يثبت منه شيء، فقد روى الطبراني في الأوسط من طريق حيان بن عبيد الله، عن أبي مجلز، عن ابن عباس، قال: "كانت راية رسول الله سوداء، ولواؤه أبيض، مكتوب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله". قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، تفرد به: حيان بن عبيد الله اهـ. وقد رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" في ترجمة حيان هذا، وقال: "وَلِحَيَّانَ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُ مِنَ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ بِالْكَثِيرِ وَعَامَّةُ مَا يرويه إفرادات ينفرد بها". اهـ. وأعله الهيثمي في "مجمع الزوائد" بحيان. والحديث ضعفه الشوكاني في "نيل الأوطار". وقال ابن حجر في "فتح الباري": سنده واه" انتهى
نقول: لئن ضعف بعض علماء الحديث حيّان بن عبيد الله، فإن لغيرهم من علماء الحديث رأي آخر فيه، وكثير من الرجال ضعفاء عند بعض العلماء ولغيرهم من علماء الحديث رأي آخر فيهم ويروون عنهم،
قال الأستاذ شريف زايد في مقالة بعنوان: راية العقاب هي راية رسول الله التي سترفرف عما قريب على دار الخلافة "وحيان بن عبيد الله فقد ذكره ابن حبان من الثقات وذلك في كتابه "الثقات" جزء (6 / 230): (7491 - حَيَّان بن عبيد الله أَبُو زُهَيْر مولى بني عدي يروي عَن أبي مجلز وَأَبِيهِ روى عَنهُ مُسلم بن إِبْرَاهِيم ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل)، وذكره الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال (1 / 623): (2388- حيان بن عبيد الله، أبو زهير، شيخ بصري. عن أبي مجلز. قال البخاري: ذكر الصلت منه الاختلاط). والصلت هو بن محمد أبو همام، ذكره أبو الحجاج المزي في كتابه (تهذيب الكمال في أسماء الرجال 2 / 79) قال: أبو همام الصلت بْن مُحَمَّد الخاركي منسوب إلى "خارك" جزيرة في الخليج العربي قريبة من عمان، وقد روى له البخاري في الصحيح.
ومع ذلك فإن الموضوع هو كتابة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" على الراية واللواء، والاختلاط لا يضر في هذه الكتابة، وبخاصة وأن بينه وبين الرسول راويين في السند ثقتين: أبا مجلز لاحق بن حميد وابن عباس."
وقد جاء في أخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني: حدثنا أحمد بن زنجويه المخرمي، نا محمد بن أبي السري العسقلاني، نا عباس بن طالب، عن حيان بن عبيد الله، عن أبي مجلز، عن ابن عباس، قال: كانت راية رسول الله سوداء ولواؤه أبيض، مكتوب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله حدثنا أحمد بن زنجويه، نا محمد بن أبي السري، نا ابن وهب، نا محمد بن أبي حميد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي ، مثله.
فلئن قيل بأن الحديث المروي عن ابن عباس رضي الله عنه ضعيف، فإن مثله قد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه. فهذه طريق ثانية للحديث تبين أن الراية قد كانت تكتب فيها كلمة التوحيد.
4) في الفقرة الرابعة اعتبر الكاتب فكرة العلم الوطني حديثة وأن اتخاذ الراية شعارا للدولة هو من قبيل التأثر بالعلم الوطني، وتلك الفكرة لم تكن معروفة في القديم!! ولعله لم يطلع على أن الرايات كانت معروفة من أيام قصي بن كلاب، وكانت تعقد في دار الندوة، وتحتفظ بها عائلة بني عبد الدار، وحين جاء الإسلام كانت السدانة واللواء عند عثمان بن أبي طلحة من بني عبد الدار، وكانت راية الحرب في قريش عند أبي سفيان، وكانت راية المسلمين في المدينة عند سعد بن عُبادة في الأنصار في بني عبد الأشهل، وراية المهاجرين عند علي رضي الله عنه في المدينة، سواء أكانت في حرب أم في سلم!
5) في الفقرة الخامسة يجد الكاتب نفسه أمام إشكالية صريحة حول طبيعة الراية فقد تكون عِمِّيَّةً، مثل رايات العصبية القبلية، أو الرايات الشركية التي تحارب الإيمان، والكاتب إذ يجيد في بيان أن الفتنة إذ وقعت بين بعض المهاجرين والأنصار فتصايح بعضهم يا للمهاجرين وآخرون يا للأنصار، فنقل ذلك للرسول فقال: دعوها فإنها منتنة، حين اعتصب القوم لقومياتهم وعصبياتهم حتى تحت شعار المهاجرين وشعار الأنصار فإن هذا التعصب منتن يقسم الأمة، حين تجد الكاتب يكتب هذا ويصيب فيه، إلا أنه لا يعالج قضية الراية العمية إلا بالالتفاف السقيم حولها، فلا يتناول مثلا رايات الاستعمار التي وضعها سايكس وبيكو لتجزئة الأمة وأن علينا حربها وحرب ما تمثله من فكر جاهلي عمي، يفرق بين الأمة ما بين مصر وشام ويمن وعراق، ولا ما تمثله من كيانات تحكم بغير ما أنزل الله، وبالتالي فهي رايات عمية سواء أكانت خضراء عليها لا إله إلا الله كما راية آل سعود، أم كانت ملونة وعليها شعار النسر أم غيره، بل كل ما يهتم به هو سطحية التعامل مع المسألة بأن راية صفراء أو حمراء ولاؤها للدين هي راية صحيحة، وأن راية سوداء ولاؤها للكفر هي راية عمية، فالمشكلة في اللون والشكل لديه، ولا يرى جوهر المشكلة السياسية التي تحيق بالأمة اليوم من تقديس لرايات مصر والسودان والأردن وسوريا وأمثالها من رايات الاستعمار، أو أتباع الاستعمار وعملائه، وما تمثله، فلا تجد في مقالته شبه جملة تتناولها، إذ إن مشكلته هي مع راية الاسلام التي يعتبرها باطلا وحكما دخيلا على الإسلام!
بل إنه يتعاطف مع ما يسميه العلم السوري، علم الاستقلال عن فرنسا - كما يسميه - ولا أدري أيعيش على كوكب الأرض ليعلم أن سوريا لم تستقلّ عن الغرب الكافر، وأن الاستعمار هو من فَصَّلَ شكل تلك الراية وألوانها، ومع ذلك فإنه يصرح بالغاية من كل هذا الهوس في الحرب على راية رسول الله مقابل رايات الاستعمار، فيقول بملء الفم "ولو أخذنا الثورة السورية على سبيل المثال، حقّ لنا أن نتساءل: ما الفائدة من إثارة الفتن بالهجوم على مظاهرات ترفع علم الاستقلال عن فرنسا من قبل بعض الغلاة (وهو ليس العلم الفرنسي ولم يضعه الفرنسيّون كما يروّج الذين يضمنون أنّ أتباعهم لن يقرأوا وراءهم، بل رفعه أهل سوريا في مظاهراتهم ضدّ المحتلّ الأجنبي فكان شعارًا للاستقلال، وأعلام الانتداب مختلفة وهي معروفة على أية حال) أقول ما الفائدة من هذا العدوان وتمزيق الأعلام بدعوى أنها راية جاهلية؟ هل تحرّرت سوريا من طغيان النظام وداعش ولم يبقَ إلا اختيار لون العلَم؟!" انتهى قوله، وهو بهذا يوضح الغاية من وراء كل مقالته، تكريس أعلام الاستعمار، ومحاربة رايات الإسلام، فنقول:
أولا: الاستعمار هو من وضع علم سوريا بعد تمزيق دولة الخلافة:
قال الأستاذ أحمد القصص في مقالة مهمة بعنوان: حكم الشرع في تبنّي عَلَم الائتلاف وأشباهه
"وواقع هذا العَلَم أنّه يرمز إلى كيانٍ قُطْري نشأ في عهد الاحتلال الفرنسي، بقرار من المفوّض السامي الفرنسي. ففي سنة 1930م أصدر المندوب السامي الفرنسي هنري بونسو المرسوم 3111 الذي نصّ بموجبه على صياغة "دستور الجمهورية السورية"، ثمّ صدر هذا الدستور فيما بعد في عهد الاحتلال الفرنسي. وهذا الدستور أشار إلى أوصاف العَلَم في المادّة الرابعة من الباب الأوّل بما يلي:
"يكون العَلَم السوري على الشكل الآتي: طوله ضعف عرضه، ويقسّم إلى ثلاثة ألوان متساوية متوازية، أعلاها الأخضر فالأبيض فالأسود، على أن يحتوي القسم الأبيض منها في خطّ مستقيم واحد على ثلاثة كواكب حمراء ذات خمسة أشعة".
وبقي هذا العلم معتمَدًا حتّى قيام الجمهورية العربية المتّحدة، إثر إعلان الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958، حيث اعتُمد عَلَم الجمهورية العربية المتحدة. ثمّ بعد انهيار الجمهورية العربية المتّحدة في 28 سبتمبر 1961، أُعيد ذلك العَلَم، إلى أن وصل حزب البعث إلى السلطة من طريق انقلاب سنة 1963، فألغى هذا العَلَم واعتمد عَلَمًا جديدًا أقرب ما يكون إلى عَلَم النظام الحالي. وعليه فإنّ هذا العَلَم رمزٌ لدولة علمانية قُطْرية تحكم بغير ما أنزل الله، أقامها الغرب الكافر على أنقاض دولة الخلافة، عقب اتّفاقيات بين الدول الكبرى، كاتّفاقية سايكس-بيكو بين فرنسا وبريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى، ومقرّرات مؤتمر سان ريمو الذي عُقد في إطار عصبة الأمم سنة 1920 في إيطاليا، والذي فوَّض "الانتدابَ الفرنسي" القسمَ الشمالي من بلاد الشام. في تلك الظروف والأجواء وُلد ذلك العَلَم الذي يُعمل اليوم على ترويجه، وذاك هو الكيان السياسي الذي يرمز إليه". إذن فهي ليست راية اتخذها أهل سوريا بعد استقلالهم عن فرنسا كما يزعم شريف! وهي أيضا راية اتخذت عَلَما وشعارا لدولة علمانية فصلت الدين عن الدولة وحكمت بقوانين مستوردة، فهي تمثل راية عمية سواء أكان واضعوها من الفرنسيين أم القوميين العرب الذين نشأوا على عين الكافر المستعمر وسمعه وبصره!
ثانيا: حكم الشرع في أعلام الدول العربية والدول القائمة في البلاد الإسلامية وما تمثله من أنظمة تحكم بالكفر هو حرمة اتخاذها بأشكالها وألوانها وما تمثله من مفاهيم قامت عليها وهي رايات عمية جاهلية:
قال الأستاذ القصص في المقالة المشار إليها أعلاه: "وعليه فإنّه وفق هذه القاعدة يكون الصليب محرّمًا، مع أنّ الصليب في الأصل شكل من الأشكال الهندسية التي الأصل فيها الإباحة، ولكنّه خرج من عموم الإباحة لـمّا صار يرمز إلى معتقد كفرٍ يناقض العقيدة الإسلامية. وكذا النجمة السداسية المعتمدة لدى اليهود، وشعار المنجل والمطرقة على النحو المعروف لدى الشيوعيين، وشعار المثلَّث والبيكار المعتمد لدى الماسونية... فهذه كلّها أشكالٌ الأصل فيها الإباحة، ولكن لـمّا اعتُمدت رموزًا لأديان كفر وعقائد كفر خرجت من عموم الإباحة إلى الحرمة. وكذلك أعلام دول الكفار القائمة في العالم، وأعلام الدول القطرية القومية والوطنية القائمة في العالم الإسلامي، والتي بُنيت على أنقاض دولة الأمّة الواحدة، فإنّ رفعها أو اعتمادها صار محرَّمًا بمجرّد أن اتُّخذت أعلامًا لهذه الدول، مع أنّها في الأصل أشكالٌ من الأشكال المباحة." وذلك لأنها رايات عمية.
ثالثا: حديث الراية العِمِّيَّةِ وفقهه:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ» فأما الراية التي يدافع عنها الكاتب؛ راية الائتلاف، فهي ابتداء تدعو لعصبية سورية، ولا تبشر بدولة إسلامية عابرة للحدود والقوميات والوطنيات، تجمع المسلمين وتحكمهم بشرع الله، بل تقف عند غاية حدود القطر السوري كما فصلته اتفاقيات سايكس بيكو، والشأن الذي يعنيها هو شأن أهل سوريا دون غيرهم، فهي إذن راية تدعو لعصبية جاهلية، فقهاً ومعنى، والقتال تحتها إذن محرم بنص الحديث، والدفاع عنها دفاع عن شعار يكرس تفريق المسلمين ويكرس التعصب لجنس دون جنس وهو ما وصفه الرسول بدعوى الجاهلية، وأمر بنص الحديث: «دعوها فإنها منتنة»! أبعد هذا يطيب للكاتب أن يدافع عنها، فيدافع بذلك عن نتن، ويعتبر من يحاربها وما تمثله من شعار هو صاحب "هوس مدمر" هل من الهوس أن ننهى عن أمر منتن؟ وعن دعوى جاهلية؟
إننا نتفق مع الكاتب في أن الراية تمثل فكرا وهوية وانتماء، فالراية الجاهلية مهما تعددت أشكالها وألوانها ومضامينها راية عمية منهي عنها وعن القتال تحتها، وأن المسلم يحرص على راية تبين صفاء انتمائه للإسلام، ولكن الكاتب يأبى إلا أن يغالط نفسه وأن يشن حربه في الجبهة الخطأ!
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ثائر سلامة - أبو مالك
08 من رجب 1436
الموافق 2015/04/27م

No comments:

Post a Comment