Tuesday, November 8, 2022

جريدة الراية: قانون حماية الطفل مُضلل ومُدمّر ومسموم

 

جريدة الراية: قانون حماية الطفل مُضلل ومُدمّر ومسموم

 

  15 من ربيع الثاني 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 09 تشرين الثاني/نوفمبر 2022مـ

الحمد لله الذي جعل أبناءنا أمانة في أعناقنا، وكلفنا بتأديبهم وتعليمهم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾. ذكر القرطبي في تفسيره أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد قال عندما سئل عن هذه الآية: "أدبوهم وعلموهم". وقال قتادة: "تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصية الله وأن تقوم عليهم بأمر الله وتأمرهم به وتساعدهم عليه فإذا رأيت لله معصية قذعتهم عنها وزجرتهم عنها".

هذه الأقوال وغيرها قيلت والخلافة قائمة، ونظام التعليم إسلامي، وسياسة التعليم إسلامية، وقوانين التأديب إسلامية، ونظام العقوبات إسلامي، والبيئة التي ينشأ فيها الأطفال إسلامية، ومع ذلك فإن دور الآباء والأمهات مباشر ومهم، ولا يمكن الاستغناء عنه، فهم الحاضنة الأولى للأطفال، وتأثيرهم يأتي في المقام الأول، كما قال الشاعر: "وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوّده أبوه". وهذا لا يعني البتة أن نقلل من دور النظام والقانون الذي يضع سياسة التعليم، ويتولى رعاية الأطفال في المدارس والمجتمع، لأنه مهما بذل الآباء والأمهات من جهود في التربية والتنشئة، ولم يكن النظام والقانون والسياسة التعليمية منسجمة مع أفكارهم ومشاعرهم، فإن جهودهم تذهب أدراج الرياح، فسلطة القانون أقوى من سلطان رب الأسرة، وتأثير المجتمع أعظم من تأثير أضعف مكونات المجتمع وهي الأسرة.

ومنذ هدم دولة الخلافة إلى يومنا هذا والصراع يشتد بين الأسرة والمجتمع، وحتى هذه اللحظة لم تسجل الأسرة انتصارا واحدا ضد المجتمع، بل إن كل مؤشرات القيم تدل على الانهيار المتسارع فيها جميعا، وذلك لأن المجتمع يسير بقوة القانون لا برغبات الأسرة، حتى وصل الحال اليوم إلى بدء سن القوانين التي تعتدي على الفطرة الإنسانية، وتعاكس مفاهيم الأسرة المسلمة، وتنزع بالقوة آخر ما تبقى لديها من قيم محافظة، وتعابير دينية، كما حصل في الأردن ومناطق السلطة الفلسطينية مؤخرا من إقرار قانون حماية الطفل، وما هو في الحقيقة إلا قانون تخريب الطفل وحقنه بالسموم الفكرية الغربية وثقافتهم المنفلتة من أي عقال أخلاقي أو أسري.

ومن أراد الاستفاضة في ذلك فليرجع إلى بنود ذلك القانون المسموم، وكيف أن مجالس النواب التي أقرته قد ذهبت عقول أعضائها، ووقعوا على إعدام أبنائنا وأبنائهم، وفيه تمهيد لسحب الأبناء من آبائهم وأمهاتهم وإخوانهم الكبار بقوة القانون، وفيه تمهيد لتسليم الأبناء لأسر بديلة تشمل أُسَراً لا تؤمن بدينهم ولا أخلاقهم! نعم هم وقعوا على ذلك بتصويتهم على إقرارها، فحسبنا الله ونعم الوكيل.

إن الرد الحاسم والمزلزل على هذا القانون وأمثاله، هو العمل مع العاملين لإعزاز المسلمين بإقامة خلافتهم الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فالخلافة مصلحة حيوية للمسلمين وتعتبر قضيتهم المصيرية فهي الكيان التنفيذي الذي يحافظ على العلاقات الناتجة عن اتحاد الفكر والشعور والنظام بين الناس على مصلحة المبدأ، وهي التي تعيد المياه إلى مجاريها، وتضع الأمور في نصابها، وهي التي توقف مهازل سن القوانين التي تدمر الأطفال والأسر والمجتمع برمته، وهي التي توقف هذا الطوفان الكاسح للمفاهيم الغربية، وتتصدى لهذه الأمواج العاتية. وحتى ذلك الحين، فإن المطلوب من كل أب وأم أن يعملوا جاهدين، بكل ما أوتوا من وسائل مباحة، للتنديد بهذا القانون المسموم، وبث روح العمل الجاد لإقامة الخلافة في نفوس أبنائهم حتى تنمو فيهم فكرة التغيير الجذري، كما فعلت أم محمد الفاتح وأم صلاح الدين وباقي الأمهات في تلكم الأزمنة.

مما يروى أن أم صلاح الدين الأيوبي قد رأت ابنها صلاح الدين ذا الخمس سنوات يلعب في الحارة مع البنات (عريس وعروسة)، فإذا بها يحمر وجهها غيظا وتجره إليها وتضربه وتقول له: "يا بني، ما لهذا أنجبتك! بل أنجبتك لتلعب بهذين، وتقصد السيف والخيل، لتحرر المسجد الأقصى، ووالله لأشكونك لأبيك حين يعود". فما كان من الأب إلا أن جره إليه ورفعه إلى أعلى وقال: "لقد تعاهدنا أنا وأمك بأن ننجب من يفتح بيت المقدس، فلهذا أنجبناك"، ثم أفلته من قبضته من ارتفاع قامته، فقام صلاح الدين ينفض ثيابه ويسأله أبوه: "هل أوجعتك الوقعة؟" فيقول: "نعم كثيرا"، فيسأله أبوه: "لماذا لم تبك؟" فيجيبه: "ما كان لفاتح بيت المقدس أن يبكي". ولما كبر صلاح الدين خاض خمس عشرة معركة، أهمها حطين وتحرير بيت المقدس. وهكذا كانت أم محمد الفاتح تقول له: "يا محمد، هذه مدينة القسطنطينية التي بشر رسول الله ﷺ بفتحها على يد المسلمين، أسأل الله العلي القدير أن يكون هذا الفتح على يديك"، فيرد الطفل: "كيف يمكنني فتح هذه المدينة الكبيرة يا أمي؟" فتقول الأم: "بالقرآن والسلطان والسلاح وحب الناس يا بني".

فاللهم إنا نسألك أن تهدي أبناءنا وبناتنا إلى ما تحبه وترضاه، وأن تعيننا على تربيتهم على طاعتك وحسن عبادتك، وأن ترفع عنا تسلط حكامنا وسطوة قوانينهم المسمومة، وأن تمن علينا بإمام عادل يخلفهم، نبايعه على السمع والطاعة للحكم بكتابك وسنة نبيك، كي ينشأ فينا جيل كأجيال السابقين الأولين، يعيدون مجدَنا، ويبنون عزَّة الإسلام والمسلمين من جديد، وما ذلك على الله بعزيز.

بقلم: الأستاذة رولا إبراهيم

No comments:

Post a Comment