Wednesday, February 24, 2016

جريدة الراية: إيران وذكرى الثورة... اصطدام الشعارات مع السياسات

جريدة الراية: إيران وذكرى الثورة... اصطدام الشعارات مع السياسات

 2016-02-24 
"الموت لأمريكا" و"محور الإرهاب"، شعارات تم تبادلها بين أمريكا وإيران منذ الثورة الإيرانية، تحمل رسائل إعلامية حادة، ولكنها تناقض الممارسات والوقائع السياسية للعلاقة الدافئة بين الدولتين: سبعة وثلاثون عاما مرّت على الثورة الإيرانية، تمكنت أمريكا عبرها من ركوب الثورة وتبديل الوجه الملتحي والعمائم بالوجه العلماني وربطات الأعناق، تماما كما ركبت موجة الثورة المصرية وبدلت الوجوه، بينما حافظت على ارتباط "الدولة العميقة" بأمريكا ومشاريعها. وفي ذكرى الثورة الإيرانية، هذه إضاءة على السياسة الإيرانية التي تسبح في الفضاء الأمريكي.
 كانت الثورة الإيرانية باكورة الفجر الثوري في الأمة الإسلامية، استقطبت حينها قلوب المسلمين واجتذبت مشاعرهم بعدما علّقوا الآمال العريضة عليها نتيجة ما رفعته من شعارات إسلامية وثورية ضد الاستبداد، مما تشوف له المسلمون منذ عقود، ومع ما مثّلته من مواقف صارخة حملت معاني التحدي: مثل إغلاق سفارة كيان يهود، واحتجاز الرهائن الأمريكان، ورفع شعار دعم الشعوب المستضعفة، ومن ثم احتضان حركات المقاومة لكيان يهود.
 ولكنها تكشفت عند أول محك سياسي- فكري، وذلك عند تداول الرؤية السياسية لمستقبل الدولة والأمة مع قيادة الثورة الإيرانية، وعندما دعاها حزب التحرير لإعلان دولة إسلامية جامعة للأمة تطبق الشريعة، فرفضت قيادة الثورة الخروج من قمقم القومية الفارسية، ولا من حدود المذهبية الضيقة، وتبخرت آمال الناس عند ذلك المحك، وكررت إيران المشهد السعودي ذي النكهة السنية، بنكهة شيعية وبلون دموي. وصارت إيران تدعي رعاية "الشيعة" كما تدعي السعودية رعاية "السنة"، مع أن الحقيقة أن الطرفين يسخّران المذهبية والطائفية لخدمة المستعمرين.
 كانت الثورة، فتغيرت الوجوه بعملية تجميل "دينية!" وتغير الخطاب الإعلامي، وصار محمّلا بشحنة من مشاعر العداء لأمريكا، وتم إخراج المسرحية (الثورية) بإتقان، ولكن العمالة لأمريكا لم تتغير، وما زالت الشواهد على المواقف السياسية المفضوحة تتتابع لتؤكد يوما بعد يوم على بطلان دعوى إيران بالمشروع الإسلامي، وعلى سخافة الحديث عن ثورية إسلامية في رسالتها السياسية.
وربما من الصعب حصر كشف الحساب لما اقترفته إيران من جرائم ضد شعوب العالم الإسلامي ومن بينهم شعب إيران، تنفيذا للسياسة الأمريكية: فهي قد بدأت عهدها بإراقة دماء المسلمين في العراق وإيران في حرب طاحنة بلا غاية سوى تنافس القوى الاستعمارية على النفوذ، ومن ثم صمتت صمت القبور أمام الغزو الأمريكي للخليج أولا وثانيا، وظل قادتها يستمتعون بتدمير العراق وتقتيل أبنائهم على أيدي قوات "الشيطان الأكبر"، بينما كانت فرصتهم - لو كانوا صادقين في العداء لها - لتقطيعه بعدما تمدد في العراق كالأفعى الرقطاء.
 ثم لما غرقت أقدام أمريكا في العراق عند اشتداد المقاومة، مدّت إيران طوق النجاة لأمريكا، وعطّلت تحرير العراق وأدامت شلال الدماء فيه، تماما كما فعلت في أفغانستان، ونفّذت توصيات بيكر-هاملتون في العام 2006، وقد أشاد تقريرهما "بالتعاون الإيراني-الأمريكي في أفغانستان"، وأوصى بتكراره في العراق.
 وهكذا ظلت إيران اليد الضاربة والساعي المخلص لأمريكا رغم شعارات العداء ـ ولأن أوروبا تدرك طبيعة الدور الإيراني في خدمة المصالح الأمريكية، ظلّت تحاول شحن العالم ضد إيران في محاولة لمزاحمة أمريكا على المصالح والنفوذ في المنطقة. وفي هذا السياق، حاولت أوروبا أن تستغل تصريحات قادة اليهود ضد نووي إيران، والتي كررتها للهروب للأمام من الضغط الأمريكي نحو حل الدولتين لقضية فلسطين، بينما كانت تُصور في الإعلام على أنها تعبير عن خطر حقيقي من قادة إيران، ولعل وزير الخارجية في حكومة نتنياهو السابقة "ديفيد ليفي" كان أصدق تعبيرا عن ذلك الواقع، عندما صرح في الإعلام العبري في 1997/6/1 قائلا: (إن إسرائيل لم تقل في يوم من الأيام أن إيران هي العدو).
ولما اشتدت حاجة أمريكا لإيران مع احتدام ثورة الشام وتفجر الوضع اليمني، رتبت أوراق الملف النووي الإيراني، حتى تسهل لإيران ممارسة دور الشرطي الأمريكي في المنطقة وتمكّنها من دور أكثر فعالية في الحفاظ على بشار ضد ثورة الشام. أما إيران التي تتقن الفن المسرحي (السياسي) فقد ادّعت أنها أخضعت أمريكا لإرادتها، حيث قال الرئيس الإيراني تعقيبا على الاتفاق النووي: "نصرنا النووي أظهر للعالم أن الإيرانيين قادرون على الفوز في أي معركة، بما في ذلك الدبلوماسية".
 لم تتوقف إيران عن تحقيق المصالح الأمريكية في اليمن وسوريا بعد العراق وأفغانستان ولم تختلف مواقفها عن مواقف أمريكا الحقيقية قيد أنملة: ففي سوريا تشارك في تنفيذ سياسة التدمير وإراقة الدماء حتى ينضج البديل الأمريكي عن بشار العميل، وفي اليمن تدعم الحوثيين ليكونوا الذراع الأمريكية التي تخترق النفوذ البريطاني العريق في اليمن، وتغيّر خريطة الوسط السياسي فيه، ويمكّن أمريكا من بسط هيمنتها فيه، عبر المفاوضات بعد الحرب.
 ويزداد بشاعة الوجه الإيراني عندما يلاحظ المسلمون حمل جثث الجنرالات الإيرانيين الذين يسقطون في دمشق وحلب وهم يقاتلون ضد ثورة الأمة، بينما يتحرك اليهود في تل أبيب والعفولة آمنين وهم على مرمى حجر منهم. وقد أمرت حزبها في لبنان أن يدير ظهره لليهود ليقتّل المسلمين في الشام دفاعا عن بشار وعن نفوذ أمريكا.
ثم يزداد التآمر الإيراني ضد الأمة الإسلامية وشعوبها اتساعا في الأفق وخطورة في العمق مع إشعال الفتن الطائفية، وفي ظل سعي أمريكا لإعادة ترسيم حدود الدول المصطنعة ضمن ما يعرف بسايكس بيكو الجديد. ويبرز دور إيران الطائفي والمذهبي - الذي يتكامل مع الدور السعودي - كمحفز رئيس لتنفيذ مشروع حدود الدم لإعادة توليد الدول على أسس قومية وطائفية.
 إن خلاصة المشهد الثوري الإيراني - في ذكرى الثورة - أن ساسة إيران - لا شعبها أو مذهبهم - قد تمكنوا من العمل بإتقان على تحقيق المصالح الأمريكية تحت شعارات إسلامية وضيعوا الثورة، ولا يمكن للشعارات السياسية ولا الجعجعات الإعلامية أن تغير حقيقة العمالة الأمريكية. 
الدكتور ماهر الجعبري
 عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين

No comments:

Post a Comment