Wednesday, November 17, 2021

جريدة الراية: مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021 ما الغاية منه؟

 جريدة الراية: مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021 ما الغاية منه؟

 

12 من ربيع الثاني 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2021مـ

عقدت قمة المناخ 26 في غلاسكو بأسكتلندا يومي 1 و2021/11/2 بحضور أكثر من 120 من قادة الدول المشاركة، وتستمر القمة على مستوى ممثلي الدول المشاركة حتى 2021/11/12، وقد مددت يوما واحدا.

دعا القرار الصادر عن القمة في يومها الأخير إلى "تسريع الجهود نحو التخلص التدريجي من الطاقة المستمدة بلا انقطاع من الفحم ومن الدعم الفعال للوقود الأحفوري" واعترضت الهند والصين واليابان لكونها أكثر الدول التي تعتمد على استخدام الفحم، والسعودية التي تعتمد على إنتاج النفط ومعها دول الأوبك، وأستراليا التي تعتبر منتجا كبيرا للفحم، على هذه المادة وطالبت بالتقليل من هذا التسريع. واعترضت البرازيل والأرجنتين لكونهما أكبر منتجي لحوم الأبقار. إذ يطالب القرار بالتقليل من استهلاك اللحوم لتخفيض انبعاث غازات الاحتباس الحراري وفرض رسوم على لحوم الأبقار وتسيير حملة دولية بعنوان "يوم الاثنين بلا لحم" لحض الناس على التخلي عن أكل اللحم ليوم واحد. وينص القرار على "الاعتراف بالحاجة إلى الدعم من أجل انتقال عادل" في إشارة إلى دعوات أولئك الذين يعملون في صناعة الوقود الأحفوري للحصول على دعم مالي أثناء إنهاء الوظائف والأنشطة الاقتصادية. ومعنى ذلك أن الدول التي تعتمد على الفحم والنفط والغاز ستتضرر إذا التزمت بهذه الاتفاقية، فالكثير سيخسر عمله، وكثير من النشاطات الاقتصادية ستتوقف وترجع الدول المنتجة للنفط والغاز دولا فقيرة وعليها أن تستورد التكنولوجيا والأجهزة والمعدات التي تلزم لإنتاج الطاقة النظيفة، فهي مؤامرة على الدول النامية حتى لا تصبح دولا متقدمة بل يجب أن تبقى متأخرة وفقيرة حسب النظرة الاستعلائية الغربية. واعترضت الدول الغنية عن مطالبتها بتقديم الدعم للدول الفقيرة التي ستتضرر من جراء تخليها عن الوقود الأحفوري واللحوم. علما أنها كانت قد تعهدت عام 2009 للدول النامية بمساعدات بمقدار 100 مليار دولار ولكنها لم تف بوعودها.

فبينما الغرب الذي لوث البيئة ورفع درجة حرارة الأرض على مدى قرنين ونصف وقد بدأ يطور الوسائل لاستخدام ما يسمى بالطاقة النظيفة، بدأ يضغط على ما يسمى بالدول النامية لتتخلى عن الوقود الأحفوري ويعدها بتقديم بعض التعويضات التي لا تساوي شيئا ولا يفي بها أيضا. ولم يكترث الغرب بالاختناقات التي كانت تحدث للعمال في مناجم الفحم والأمراض التي كانت تصيبهم وتقضي عليهم، لأن أصحاب رؤوس الأموال لا يهمهم حياة العمال ولا تلوث البيئة ولا ارتفاع درجة الحرارة للأرض. وعندما بدأت الأصوات تعلو في الغرب تطالب بالاهتمام بالبيئة وشكلت جمعيات وأحزاب وأوجدت رأيا عاما في الغرب منذ السبعينات من القرن الماضي بدأ التفكير في الأمر. فأقرت الأمم المتحدة عام 1992 اتفاقا يتعلق بالحفاظ على البيئة وخفض درجة حرارة الأرض بوقف انبعاث الغازات الدفيئة الناتجة عن الطاقة الأحفورية، وعقبها اتفاق كيوتو للمناخ بعد شهر في العام نفسه. واعترف الاتفاق بأن البلدان النامية التي تعتمد اقتصاداتها بصفة خاصة على إنتاج الوقود الأحفوري سوف تتضرر في حال تخليها عن إنتاجه. ولكن الدول المتقدمة التي اعتبرت مسؤولة عن تلوث البيئة وارتفاع درجة حرارة الأرض لن يهمها ذلك كثيرا بسبب تقدمها في إنتاج الطاقة النظيفة وبدأت تحصد مئات المليارات من الدولارات عن طريق إنتاج أجهزة إنتاج الطاقة النظيفة ومن إنتاج السيارات الكهربائية.

عقدت قمة باريس للمناخ عام 2015 فوقعت 190 دولة بما فيها أمريكا على عهد أوباما على اتفاقية تتعهد فيها القيام بإجراءات تهدف إلى الحد من الاحترار العالمي بأقل من درجتين مئويتين فوق المستوى الذي كان عليه قبل الثورة الصناعية. ويحل الاتفاق محل برتوكول كيوتيو الذي ينتهي العمل به عام 2020. وجاء الرئيس الأمريكي ترامب ليعلن عام 2017 قرار انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس للمناخ. إذ إن ترامب يعتمد على الشركات التي تعمل بالطاقة الأحفورية في تكساس، فيعمل لمصالحها لكسب الدعم المالي وجمع الأصوات. وأما بايدن وحزبه الديمقراطي فيعتمد على الشركات الإلكترونية والكهربائية التي تطور الطاقة النظيفة. ولهذا ما إن وصل بايدن إلى الحكم حتى أعلن عودة أمريكا لاتفاق باريس وجاء بنفسه إلى قمة المناخ في غلاسكو ليؤكد دعمه للاتفاق المزمع عقده.

وقد ركزت أمريكا على الصين التي تعتبر من أكثر الدول النامية التي تعتمد على الطاقة الأحفورية والتي تتقدم صناعيا وتطور صناعتها العسكرية، فتريد الحد من ذلك تحت ذريعة الحد من انبعاث الغازات الدفيئة. فقد أعلن يوم 2021/11/12 أن الصين وأمريكا اتفقتا "على الحد من انبعاث غاز الميثان والتخلص من ثاني أوكسيد الكربون والتحول إلى الطاقة النظيفة" وأنهما "ستعملان معا من أجل تحقيق الهدف المتعلق ببقاء الارتفاع في درجة الحراراة عند حدود 1,5 درجة مئوية". فقال المبعوث الصيني لقمة المناخ شاي زينهوا "إن الدوليتن عقدتا أكثر من 30 اجتماعا افتراضيا"، بينما قال المبعوث الأمريكي للمناخ جون كيري "في حين يوجد الكثير من الخلافات بين أمريكا والصين إلا أن التعاون حول المناخ أمر ضروري".

ومن هنا يبدو أن الأطراف التي بدأت تستعمل الطاقة النظيفة وتتخلى عن استعمال الوقود الأحفوري من مصلحتها وقف استعماله لضمان الهيمنة والسيطرة وليس حرصا على البيئة بعدما لوثتها لمئات السنين وأدت إلى الكثير من الأمراض المزمنة والخطيرة لعمالها البائسين وقضت على حياتهم وهم في منتصف العمر، فلم يخطر ببالها وقف استعماله، وكل ما كان يهمها هو إرضاء أصحاب رؤوس الأموال الذين لا يهمهم شيء سوى تحصيل الأرباح الطائلة. وعندما علت الأصوات المطالبة بوقف استعماله والمحافظة على البيئة وبدأت الأحزاب السياسية وهي أحزاب الخضر التي تشكلت من أجل ذلك تكسب الرأي العام فاضطرت الأحزاب السياسية الأخرى بتبني ذلك، وقد تقدم الغرب خلال عشرات السنين التي خلت من تطوير الطاقة النظيفة حتى أغلق أكثر مناجم الفحم. حتى إنه صار يطالب بوقف تربية المواشي من بقر وإبل وغنم ليضرر الدول النامية وهو يعمل على إنتاج اللحم الصناعي وتشجيع أكله حتى يشغل مصانعه ولتعتمد عليه دول العالم في اللحوم وليحصد الأرباح الطائلة، علما أن هذه المصانع تلوث البيئة أكثر. فالغرب خبيث في كل سياساته، فلا يؤمن جانبه، ويظن الناس البسطاء والسذج أنه إنساني متمدن يعمل لصالح الإنسان وما هو كذلك.

بقلم: الأستاذ أسعد منصور

جريدة الراية: الانتخابات العراقية وصراع الفاسدين

 جريدة الراية: الانتخابات العراقية وصراع الفاسدين

 

12 من ربيع الثاني 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2021مـ

أعلنت مفوضية الانتخابات العراقية انتهاء فرز الأصوات يدوياً في 2021/11/11 وكانت النتائج مطابقة للتصويت الإلكتروني الذي جرى في 2021/10/10، وبذلك أسدل الستار على نتائج الانتخابات بفوز الكتلة الصدرية بأكبر عدد من المقاعد؛ 73 صوتاً، والأحزاب الكردية 65، وتكتل تقدم لمحمد الحلبوسي 38، ودولة القانون 37، فيما منيت بقية الكتل بخسارة مقاعد كثيرة قياساً لما حصلوا عليه في انتخابات 2018.

وخلال هذا الشهر أعلنت الكتل الخاسرة اعتراضها على نتائج الانتخابات وخاصة مليشيات الحشد الشعبي التي قامت بالتظاهر وحاولت اقتحام المنطقة الخضراء وقالت إن التزوير هو الذي سلبها الأصوات حيث أعلن هادي العامري رئيس تحالف الفتح رفضه لنتائج الانتخابات قائلاً: "لا نقبل بهذه النتائج المفبركة مهما كان الثمن". (شفق نيوز 2021/10/12)، فيما أعلن أبو علي العسكري المسؤول الأمني لكتائب حزب الله العراقي رفضه للنتائج أيضاً، وكذلك صرح قيس الخزعلي متهماً الأمم المتحدة بالتأثير على الانتخابات وخاصة في العد والفرز اليدوي وقال "إن ممثلة الأمم المتحدة ليست طرفاً حيادياً في الانتخابات وأنه ربما يقاطع العملية السياسية" رغم أنه قال "على الأغلب سيتم تشكيل حكومة توافق وليس أغلبية، من أجل إشراك جميع التيارات السياسية".

من جانب آخر قالت المتحدثة باسم الأمم المتحدة جين ساكي: "نهنئ الحكومة العراقية على إنجازها لوعدها بإجراء الانتخابات المبكرة".

إن رفض نتائج الانتخابات كان بالدرجة الأولى من الإطار التنسيقي الذي يضم الأحزاب الشيعية والحشد، معتبرين خسارتهم للكثير من الأصوات نتيجة التلاعب بأصوات الناخبين.

ويبدو أن رفض الحشد لنتائج الانتخابات ليس بسبب خسارته لمقاعد كثيرة، فإن تكتل عمار الحكيم حصل على 4 مقاعد فقط، بينما كانت حصته في انتخابات 2018 هي 40 مقعداً ومع ذلك لم يعترض على النتائج، أما الحشد فإنه أصيب بالصدمة نتيجة لتصريح أطلقه مقتدى الصدر يوم 2021/10/11 بعد إعلان نتائج التصويت الإلكتروني وفوز الكتلة الصدرية بأعلى الأصوات حيث قال: "يجب حصر السلاح بيد الدولة، ويمنع استعمال السلاح خارج هذا الإطار وإن كان ممن يدعون المقاومة، وآن للشعب أن يعيش بسلام بلا احتلال ولا إرهاب ولا مليشيات تخطف وتروع وتنتقص من هيبة الدولة". (الفضائية العراقية وقنوات أخرى في 2021/10/11).

إن تصريح مقتدى الصدر أصاب المليشيات المسلحة لأنه طالب بحلها، والمعلوم أن هذه المليشيات تضم العشرات من الفصائل المسلحة المدعومة من إيران بالمال والسلاح وكذلك لها مخصصات من الحكومة العراقية، وأصبحت هذه المليشيات قوة مقاتلة رسمية باسم الحشد الشعبي ومنتشرة في جميع أنحاء العراق (باستثناء المنطقة الكردية) وتتدخل في عمل دوائر الدولة والجمارك على الحدود مع الدول المجاورة وتقوم بالاعتقال والقتل والتهجير والاستيلاء على الأراضي والممتلكات وتسيطر على الكثير من مفاصل تجارة البلد.

لذلك كان رد فعل الحشد الشعبي قوياً بالتظاهر منذ إعلان النتائج ولحد كتابة هذه السطور.

وما استفزهم أكثر تصميم مقتدى الصدر على تقليل دورهم حيث صرح في تغريدة له على تويتر: "على مدعي التزوير الإذعان وعدم جر البلاد إلى الفوضى".

وشكل الصدر لجنة برئاسة حسين العذاري للتفاوض مع الكتل الأخرى لتكوين التحالفات البرلمانية والتمهيد لتشكيل الحكومة.

إن مقتدى الصدر بتصريحه جعل السلاح بيد الدولة يتوافق مع سياسة أمريكا الحالية في العراق والتي تريد تقليل دور الحشد وتقزيم المليشيات المسلحة، وهذا الأمر كان واضحاً منذ قيام أمريكا باغتيال سليماني والمهندس قبل أكثر من عام، ويبدو أن إيران موافقة على هذا الأمر، حيث قام رئيس الحرس الثوري الإيراني قاآني بزيارتين للعراق الأولى فور إعلان النتائج في 2021/10/11 والثانية بعد ساعات من محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في 2021/11/7، والتقى مع كبار المسؤولين ودعا إلى التهدئة.

إن الصراع على كراسي البرلمان يزداد حدة بعد كل انتخابات تجري في العراق بعد 2003 وذلك بسبب الفوضى التي تعم البلاد وانهيار كافة مؤسسات الدولة بسبب الفساد المالي والإداري حيث أصبحت المناصب في كافة دوائر الدولة وفي البرلمان وسيلة لسرقة المال العام وثروات البلاد، وأصبحت المليشيات المسلحة داعمة للطبقة الفاسدة التي تسيطر على مقدرات البلاد، لذلك نجد هذا الصراع والتكالب على المناصب بهذا الشكل الجنوني وعلى حساب الشعب المغلوب على أمره والذي يرى الخراب في كل مفاصل الدولة ولا يملك إلا أن يدعو الله العلي القدير أن ينقذه من هؤلاء الأشرار الذين تسلطوا على رقاب الناس بدعم من الكافر المحتل أمريكا ويدها الطولى إيران.

إن الأصل فيمن يتولى مصالح الناس وإدارة مؤسسات الدولة أن يعمل على رعاية المصالح وأن يستغل موارد الدولة للبناء والتعمير وتحقيق أفضل سبل العيش لكل أفراد المجتمع، وأن يتمثل قول رسول الله : «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». ولكن كيف يتحقق ذلك وأحكام الكفر هي المطبقة في بلاد المسلمين؟! إن رعاية مصالح الأمة لا تتم إلا إذا تم تطبيق شرع الله من رجال يحكمون الناس بأحكام الإسلام المستنبطة من الكتاب والسنة وليس من الديمقراطية الفاسدة.

أيها المسلمون: إنه لا خلاص لكم إلا بنبذ هذه الفئة الفاسدة التي قبلت لنفسها أن تكون تابعة لدول الكفر وتحكم بأحكام الكفر، وعليكم العمل لإعادة مكانتكم بين الأمم أعزاء وفيكم مهابة، وليس أذلاء عبيداً تستجدون على أبواب السفارات الأجنبية عطف الكافر الذي أمرنا الله عز وجل بعدم الخضوع له وعدم اتباعه.

بقلم: الأستاذ علاء الحارث

جريدة الراية: أزمة غياب السلطة في لبنان؟

 جريدة الراية: أزمة غياب السلطة في لبنان؟

 

12 من ربيع الثاني 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2021مـ

جُعلت السلطة في أصلها لأجل رعاية شؤون الناس لا للتسلط عليهم وإهدار كرامتهم ونهب خيراتهم، بينما السلطة في بلاد المسلمين منذ هدم الخلافة صُنعت لتأمين مصالح الغرب، والتسلط على رقاب الناس، ومنع تحررهم من الاستعمار، واستعادة سلطانهم السياسي الذي جعله الله حقا لهم.

والحكم في لبنان منذ أن صنعته فرنسا وسلمته للموارنة من النصارى كان همهم أسيادهم في الخارج، وتزيد سوءا عن الحكومات الجبرية في بلاد المسلمين بكونها سلطة طائفية وعنصرية وحاقدة، يديرها قادة طائفيون أشبه بقادة العصابات، علاوة على أنهم طبقة من اللصوص المجرمين سرقوا المال العام وسفكوا دماء أهل لبنان وعمقوا الانقسامات بين أهله.

وفي هذة المدة التي يعيش فيها لبنان أزمة جديدة اقتصادية فوق أزماته، حيث انهارت العملة وغلت أسعار المواد الغذائية والدواء والاستشفاء والمحروقات، بل وفُقد بعضها نتيجة احتكار حيتان المال وكبار التجار الفجار ومعظمهم من الحكام أو شركائهم، وتسبب بهذه الأزمة الجديدة والأزمات القديمة أمور عدة يبرز فيها غياب السلطة التي ترعى الشؤون.

* فلبنان منذ أعلنته فرنسا في سنة 1920 هو دولة هشة مشوهة غير قابلة للحياة إلا بتنفس صناعي، يتمثل بالسيطرة عليه من دولة إقليمية أو عالمية، كفرنسا ثم بريطانيا ثم أمريكا.

* عدم رعاية شؤون الناس بوصفهم سواسية أمام القانون، بل بحسب قوة الطائفة، وهو ما يجعله دوماً قابلاً للانفجار في أية لحظة كما حدث منذ مدة في حوادث عدة مثل حادثة خلدة، والطيونة - عين الرمانة.

* هذا الحكم الذي يعتمد الطائفية في مؤسسات البلاد أدى إلى انقسام أهل البلد وتقاتل الطوائف والمذاهب بين الفينة والأخرى وتكتلت كل طائفة حول زعيمها ضد الطائفة الأخرى وتعززت العصبية والحقد خاصة ضد المسلمين من المهجرين من أهل فلسطين وسوريا.

* تقديس نظام الحكم الرأسمالي في لبنان للقيمة المادية والمصلحة الآنية، ما جعله يعمل لإنقاذ أرباب رؤوس المال، من البنوك التي تعتمد الربا أساسا في تعاملاتها، فلبنان يدفع سنويا ربا الدين حوالي 8 مليار دولار، إضافة لسكوت النظام عن تهريب مليارات الدولارات خلال الأزمة رغم منع نقل الأموال.

* وقد بلغ المال العام الذي نهبه هؤلاء مئات المليارات، وفي ظل تهافت الناس على حاجاتهم الأساسية المفقودة باهظة الثمن نرى الحكام يختلفون ويعطلون البلد لأجل مناصب يسرقون من خلالها ما تبقى في جيوب الناس.

كل ذلك هو تعبير عملي عن غياب السلطة والدولة التي ترعى الشؤون، ووجود حكام يجعلون البلد مزرعة تجر عليهم الأرباح ولو كان هذا على حساب انهيار البلد ودخول أهله في نفق مظلم.

وهنا لا بد من وقفة للنظر في العلاج الناجع لأزمات لبنان، والذي يتمثل في:

* إسقاط الطبقة السياسية الحاكمة ومصادرة أموالها وأموال شرائها وحيتان المال وكبار التجار المحتكرين ومعاقبتهم عقوبات زاجرة رادعة ليكونوا عبرة لغيرهم.

* إلغاء التعامل بالربا ووقف دفع العوائد الربوية الضخمة التي ضربت الاقتصاد.

* فرض ضرائب على الأغنياء بقدر ما يسد حاجة الفقراء.

* كشف عملاء الخارج وعدم الخضوع للإملاءات الخارجية.

ولا يتوهمن أحد أن هؤلاء السياسيين يعالجون الأزمة الاقتصادية وغيرها، من خلال تشكيل حكومة أو السير في شروط صندوق النقد الدولي الذي سيؤدي إلى مزيد من سيطرة الخارج على ثروات البلاد وحكمه.

حتى ما ذكرناه من علاجات فهي معالجات آنية ريثما يهيئ الله تعالى لهذه الأمة الحل الجذري بإعادة سلطانها وتحكيم شرع ربها، ويرجع لبنان إلى أصله جزءا من أمة لا يفرق بينها حدود ولا يسود فيها عميل حقود، وتقودها دولة وسلطة ترعى الشؤون كما أمرها رب العالمين.

بقلم: الشيخ د. محمد إبراهيم

 رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية لبنان

جريدة الراية: ما وراء توتير العلاقات بين الجزائر والمغرب؟! جـ1

جريدة الراية: ما وراء توتير العلاقات بين الجزائر والمغرب؟! جـ

 

12 من ربيع الثاني 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2021مـ

بدءا يجب أن يكون معلوما أن من بديهيات الفقه السياسي أن دويلات الوظيفة الاستعمارية في سياساتها الخارجية هي رهن وقيد للرؤية السياسية والاستراتيجية للدولة الاستعمارية الفاعلة فيها، فالأمر من مقتضيات الوظيفة الاستعمارية ومن كون الفاعل فاعلا والمفعول فيه وبه محلَّ فعل. وعليه لا يتأتى لهذه الكيانات الطفيلية في بلاد المسلمين أن تخرج قيد أنملة عن المرسوم والمخطط له من المستعمر الفاعل وتحديدا في سياساتها الخارجية، فهذه الكيانات وحكامها العملاء ليسوا سوى أدوات لسياسة المستعمر.

حقيق أن وراء الأكمة ما وراءها، هناك دسائس وخبايا استعمارية تظهر بعض أطرافها وتختفي أخرى، إلا أن الحقيقة الفاضحة التي تعلو الأكمة هي أن بلاد المسلمين من مشرقها إلى مغربها مستعمرة للغرب الكافر تتناوشها كلابه، ثمنها يدفع من دماء أبنائها وثرواتهم، والأنكى والأفحش ثمنا يُدفع من إسلامهم العظيم. وما كان توتير العلاقات بين الجزائر والمغرب إلا من ملحقات تلك الدسائس والسياسات والمخططات الاستعمارية.

اندلعت الأزمة الحالية بعيد قرار إدارة ترامب الأمريكية الاعتراف بمغربية الصحراء بتاريخ 10 كانون الأول/ديسمبر 2020، واتخذ من التطبيع مع كيان يهود وبرنامج تجسسه "بيغاسوس"، عطفا عليه دعوة ممثل المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة إلى حق تقرير المصير لسكان منطقة القبائل بالجزائر، فتيلاً لإشعال نار الأزمة، ثم أعقبها إعلان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في آب/أغسطس 2021، وبعد شهر من ذلك تم إغلاق المجال الجوي بالجزائر أمام طيران المغرب، ثم كان قرار الرئيس عبد المجيد تبون بعدم تجديد عقد استغلال خط أنابيب الغاز الذي يزود إسبانيا مرورا عبر المغرب والاقتصار على أنبوب الغاز البحري ميدغاز الذي وضع في الخدمة عام 2011، ثم كان البيان الأخير للرئاسة الجزائرية يوم الأربعاء 03 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 عن مقتل ثلاثة سائقي شاحنات جزائريين أثناء تنقلهم بين نواكشوط وورقلة في قصف نسب للمغرب. هكذا توالت أحداث توتير العلاقات وتصعيد التوتر واصطناع الأزمة.

هذا عن الطرف الظاهر من الدسيسة الاستعمارية التي تنفذها الأدوات بأساليب خبيثة للتعمية عن حقيقة السياسة الاستعمارية. أما الطرف الخفي وهو الأهم معرفته وهي السياسة الاستعمارية جذر وأصل البلية والتي ما كانت هذه السياسات المحلية إلا أساليب في تنفيذها. وعليه ولفهم تلك السياسة لا بد من معرفة صاحبها، وهل هي من باب المناورة السياسية للمستعمر الواحد أو من باب الصراع الاستعماري.

فمتى عُلِمَ أن النظامين في المغرب والجزائر تبعيتهما وولاؤهما وعمالة حكامهما هي لبريطانيا قصرا وحصرا انتفى بذلك الصراع الاستعماري، وأصبحت السياسات الخارجية للنظامين تصنف في باب المناورة السياسية التي تدار بأساليب مختلفة شديدة التركيب والتعقيد والخفاء لتحقيق أهداف السياسة الاستعمارية الواحدة لبريطانيا تحديدا. وعليه فممتنع ومتعذر النظر إلى السياسات الخارجية للكيانات الوظيفية كسياسات متضاربة تهدف لنسف الأصل الاستعماري الواحد، بل حقيقتها أنها سياسات متكاملة متجانسة في نسق السياسة الاستعمارية الواحدة، حتى وإن كانت هذه السياسات في ظاهرها توحي للوهلة الأولى أنها سياسات متضاربة بل ومتناقضة، ولكن بإمعان النظر وسبر أغوار عمقها السياسي وربطها بأصلها الاستعماري ينجلي الغموض فيبرز الهدف الواحد من وراء هكذا سياسات للكيانات الوظيفية الاستعمارية. وبناء عليه يصبح فهم ظروف وسياق الوقائع والأحداث وربطها بأصلها الاستعماري هو الكفيل بكشف الرؤية الاستعمارية الكامنة وراء الأزمة المفتعلة والتوتر المصطنع بين الجزائر والمغرب.

أما الخط الاستعماري العام الحاكم لهكذا أزمات في بلاد المسلمين عامة بين هذه الكيانات الطفيلية التي أقامها الاستعمار على أنقاض دولة الخلافة، فهو اصطناع أزمات حدود وصراعات أنظمة عميلة لتغذية النعرات والعصبيات الوطنية والقومية لتثبيت الانقسام والتشرذم وتركيزه كواقع لا كحالة مَرَضِية وجب التخلص منها، عطفا عليها ذلك التوظيف السياسي المقيت للأزمات والعدوان الخارجي المزيف في التعمية عن العطالة السياسية لهكذا أنظمة وظيفية وعطبها المدمر في تدبير وإدارة شؤون المجتمع والخراب الذي أنتجته عقود من إفلاسها فضلا عن التعمية عن العدو الخارجي الأصيل والحقيقي وهو المستعمر الغربي الكافر.

أما الخط الاستعماري الخاص والناظم للأزمة بين المغرب والجزائر فيجد نسقه وسياقه كما تجد الأزمة خلفيتها ومبررات وجودها في قضية الصحراء. فالأزمة المصطنعة نشبت بُعيد نشوء قضية الصحراء التي كانت صناعة أمريكية بامتياز، حتى وإن وظفها النظام بالمغرب في التخلص من عساكره المشاكسين بعد الانقلابين الفاشلين (1771 و1972) والزج بهم في رمال الصحراء وإبعادهم عن دائرة الحكم. فأمريكا بعد فشل الانقلابين واستعصاء قلع النفوذ البريطاني في كل من المغرب والجزائر والذي تجذر عبر حاكمي البلدين الحسن الثاني وبومدين، أصبح الطريق إلى هذين البلدين مغلقا أمام أمريكا إلى أن وجدت الفرصة في حركة البوليساريو لاستقلال الصحراء في سبعينات القرن الماضي، فأسندتها أمريكا وأبرزتها وشرعنت وجودها كممثل لأهل الصحراء في المحافل الدولية، ثم بدأت أمريكا في التدخل الفعلي بعد ذلك مباشرة عن طريق تأثيرها في إصدار قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن المتعلقة بالصحراء وعبر إيفاد مبعوثيها إلى المنطقة.

ولمواجهة التحركات الأمريكية وضعت بريطانيا خطتها وأوكلت للمغرب والجزائر تنفيذها، فكان للنظام المغربي الشق المتعلق بالمواجهة المباشرة عسكريا وسياسيا لقطع اليد الأمريكية "البوليساريو"، وكان للنظام الجزائري الشق المتعلق بالتحجيم والاحتواء لتعطيل وشل الحركة.

وكان من مستلزمات التحجيم والاحتواء اصطناع واجهة عدائية واختلاق أزمة بين النظامين في المغرب والجزائر، وذلك الذي كان، ففي عام 1976 اندلعت مناوشات عسكرية بين البلدين، وفي آذار/مارس 1976 تم قطع العلاقات بين المغرب والجزائر على خلفية دعم الأخيرة لجبهة البوليساريو. وهكذا انطلق النظام الجزائري في تنفيذ السياسة التي رسمت له في تحجيم واحتواء حركة البوليساريو والتحكم والضبط لإيقاعها، وكان ذلك حيث تم إيواؤها وحُدد لها مكان وجودها وانتقي لها في مكر ودهاء تامين مخيم تندوف بولاية بشار بالجزائر مقرا لقيادتها ومستقراً لها، أي داخل حدود وتحت سلطة النظام الجزائري، وليس على أرض الصحراء الأمر الذي يعطي البوليساريو استقلالية وقدرة على الحركة والمناورة أوسع، لكن وجودها في تندوف يجعل سقف حركتها تحت سقف الجزائر فضلا على اعتمادها الكلي تسليحا ومؤونة عليها، ما يجعل سياسة الاحتواء فعالة، وهكذا كانت واستمرت الأزمة كأسلوب لإدارة سياسة التحجيم والاحتواء.

ثم كان بعدها إغلاق الحدود بين البلدين وخاصة الشرقية للمغرب عام 1994، إلا أن الظرف حينها لم يكن البتة قضية الصحراء، بل حراك أهل الجزائر على أساس الإسلام وترنح النظام تحت ضغط الشارع، فكان إغلاق الحدود لقطع الاتصال والتواصل بين أبناء الأمة الواحدة خشية امتداد وانتشار وتوسع حراك أهل الجزائر إلى المغرب، فيصبح حينها حراكا عابرا للحدود الاستعمارية ما يقوض الدولة الوطنية ووظيفتها الاستعمارية، ويعطي زخما وقوة للحراك في تحويله لحراك أمة وليس حراك شعب داخل كيان استعماري وتحت سقف وطنيته.

بقلم: الأستاذ مناجي محمد

جريدة الراية: السودان يتقلب بين نار الأنظمة المدنية والعسكرية ولا مخرج إلا بالخلافة

 جريدة الراية: السودان يتقلب بين نار الأنظمة المدنية والعسكرية ولا مخرج إلا بالخلافة

 

12 من ربيع الثاني 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2021مـ

أعلن البرهان في بيان الانقلاب الذي بثه التلفزيون القومي أن القوات المسلحة بصفتها السلطة المؤسسة للفترة الانتقالية ومن منطلق مسؤولياتها الوطنية في حماية أمن وسلامة البلاد وفي سبيل سعيها لتحقيق تطلعات الشباب وفي ظل تكالب القوى السياسية على السلطة والاصطفاف الجهوي والعنصري فقد قامت القوات المسلحة والدعم السريع والأجهزة الأمنية الأخرى باتخاذ خطوات تحفظ ثورة ديسمبر حتى بلوغ أهدافها النهائية والوصول لدولة مدنية كاملة وفق انتخابات حرة ونزيهة، وقال إن القرارات تشمل إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد والتمسك الكامل والالتزام التام بما ورد في الوثيقة الدستورية واتفاق سلام السودان الموقع في جوبا، وقام بحل مجلسي السيادة والوزراء وإعفاء جميع الولاة وتجميد عمل لجنة إزالة التمكين، وأنه سيعمل على تحسين معاش الناس وتهيئة المناخ للأحزاب للاستعداد للانتخابات.

وهكذا منذ أن هدم الكافر المستعمر الخلافة يتقلب السودان بين الحكم العسكري والحكم المدني، وكلاهما ينبع من مستنقع آسن واحد وهو النظام العلماني الرأسمالي الذي يسيطر على مفاصل الحكم في السودان. وباستقراء الحكومات التي توالت على حكم السودان يظهر ذلك جليا، فقد بلغ عدد الحكومات منذ الاستقلال وحتى حكومة حمدوك الانتقالية التي تم حلها، أكثر من خمسين، فقد شهد ما يسمى العهد الوطني الأول في الفترة من كانون الثاني/يناير 1958 وحتى 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1985 تكوين 5 حكومات. ثم في فترة الحكم العسكري الأول برئاسة إبراهيم عبود التي امتدت من 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1958 وحتى 21 تشرين الأول/أكتوبر 1964 تكونت حكومتان بتعديل وزاري واحد.

وخلال عامي 1964-1965 قامت حكومات تشرين الأول/أكتوبر التي امتدت من يوم 21 تشرين الأول/أكتوبر 1964 وحتى نهاية عام 1965، وشهدت البلاد خلال هذه الفترة قيام ثلاث حكومات بتعديلين، وخلال عام واحد كانت جملة حقائبها 40 حقيبة وزارية.

وفي فترة الديمقراطية الثانية التي أعقبت حكومة تشرين الأول/أكتوبر وانتهت بانقلاب أيار/مايو 1969 ثم تكونت أربع حكومات ائتلافية.

وخلال حكم النميري تكونت حكومات استمرت طوال 16 عاماً، عشر حكومات برئاسته شخصياً. ثم تلتها فترة حكومة الانتفاضة برئاسة المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي ودكتور الجزولي دفع الله رئيساً للوزراء ولم تشهد هذه الحكومة تعديلات كثيرة تذكر.

وفي فترة الديمقراطية الثالثة التي امتدت من 6 نيسان/أبريل 1986م وحتى 30 حزيران/يونيو 1989 تم تشكيل 5 حكومات كلها برئاسة الصادق المهدي، بلغت جملة حقائب حكومات هذه الفترة ذات السمة الائتلافية 106 وزيراً. وفي ظل حكم الإنقاذ الذي بدأ منذ 30 حزيران/يونيو 1989 وحتى عام 2013 شهدت البلاد خلال هذه الفترة تكوين أكثر من 16 وزارة وتعديلاً وزارياً بلغت جملة حقائبها أكثر من 400 حقيبة وزارية.

وبعد نجاح حراك أهل السودان الذي انطلق في كانون الأول/ديسمبر 2018، وإسقاط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، أعلن عبد الله حمدوك عن تشكيل حكومته، لتكون أول حكومة بعد الثورة.

رغم هذا الكم الهائل من التعديلات والتشكيلات الوزارية، والأعداد الفلكية للوزراء، والانقلابات العسكرية، رغم كل ذلك يزداد الحال سوءاً على سوء، ولا يزال الناس يطالبون بإسقاط النظام، وهذا خير دليل على أن التغيير الذي ينشده الناس لم يتم حتى الآن! فهذه الحكومات لم تفهم معنى التغيير، ولا معنى الحكم، وربطوه بأشخاص، وغضوا الطرف عن أساس المشكلة؛ وهو النظام والدستور والقوانين التي تحكم البلاد، لأن أنظمة الحكم الموجودة بعيدة كل البعد عن نظام الإسلام من حيث الشكل والمضمون، فهي ليست مأخوذةً من كتاب الله وسنة رسوله ، بل هي أنظمة على النقيض من نظام الإسلام، وهذا أمر محسوس ملموس للمسلمين لا يختلفون عليه. وعندما تفشل هذه الحكومات يظن الناس أن الفشل يتعلق بالأشخاص لا بالأفكار ولا الأنظمة فمن الطبيعي أن تفشل هذه الحكومات، لأنها لم تقم على فكرة صحيحة.

فأي نظام ليس من الإسلام يصاحبه الفشل حتماً، لذلك فإن التغيير الحقيقي ليس في تغيير الوجوه بوجوه جديدة في حكومة قديمة جديدة، تقوم على النظام الرأسمالي الديمقراطي نفسه في الحكم وسياسة شئون الناس؛ إن الحكم عندهم هو مغنم (سلطة وثروة)، وأكلٌ لأموال الناس بالباطل عبر الجبايات والضرائب الحرام، من أجل أن تمتلئ بطون المستوزرين وأشباههم، الذين يرتعون في مال الأمة على حساب معاناتها وفقرها.

إن التغيير الحقيقي الذي تنشده الأمة إنما يتمثل في تغيير النظام برمته، لأنه أسّ الداء ورأس البلاء، ووضع نظام منبثق عن عقيدة الأمة؛ الإسلام العظيم الذي يتساوى فيه الحاكم والمحكوم أمام الحكم الشرعي، بل الحاكم فيه خادم للأمة؛ وليس متسلطاً عليها ليجلد ظهرها ويأكل مالها! نظام يتسابق فيه الساسة والحكام للسهر على حاجات الأمة الأساسية؛ من مسكن ومأكل وملبس وتعليم وتطبيب وأمن، وهو نظام الإسلام الذي أسسه النبيُّ ، وسار على خطاه الصحابة الكرام، والخلفاء العظام، فامتلأت الدنيا عدلاً بعد أن ملئت جوراً، وها هو الجور يعود في ثياب الرأسمالية. فلنُعِدْها خلافة كخلافة الراشدين، فنسعد بها في الدنيا بعيش رغيد، وننشر العدل في ربوع العالم، ويرضى بها عنا ربُّ العالمين.

وقد حدد الإسلام شكل الدولة، وصفتها، وقواعدها، وأركانها، وأجهزتها، والأساس الذي تقوم عليه، والأفكار والمفاهيم والمقاييس التي تُرعى الشؤون بمقتضاها، وجعل دستورها منبثقاً عن كتاب الله وسنة رسوله ، وما أرشدا إليه. وهو نظام خاص متميز لدولة متميزة هي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؛ فهي وحدها القادرة على إنهاء مسلسل الانقلابات العسكرية، أو المدنية التي لا تستند إلى عقيدة الأمة. فالخليفة ليس حاكماً متسلطاً، كما أنه ليس له من الحقوق أكثر ما للأمة، فهو أول من يجوع إذا جاع الناس، وآخر من يشبع عندما يشبعون، يضع نصب عينيه حديث النبي : «وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا».

لقد لدغنا من جحور هذه الأنظمة مرات ومرات، فلنعمل مع العاملين لإعادة حكم الإسلام؛ بإعادتها راشدة على منهاج النبوة، فهي عزكم ومرضاة ربكم، فوق كونها فرضاً، قال الحبيب : «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».

بقلم: الأستاذ عبد الخالق عبدون علي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان

جريدة الراية: أحداث إثيوبيا تؤكد خطورة النظام الفيدرالي على وحدة البلاد

 جريدة الراية: أحداث إثيوبيا تؤكد خطورة النظام الفيدرالي على وحدة البلاد

 

12 من ربيع الثاني 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2021مـ

اشتد هذه الأيام الصراع في إثيوبيا بين الحكومة الفيدرالية، وجبهة تحرير التيغراي التي أعلنت في 2021/10/31م، أنها تحالفت مع قوات من إقليم أورومو وأنها تقدمت جنوبا واستولت على ديسي وكومبولتشا (أقرب نقطة من العاصمة الإثيوبية) ومطارها ويمكن أن تزحف صوب العاصمة أديس أبابا. وفي 2021/11/1م أعلنت أديس أبابا حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد، ودعت السكان إلى تنظيم صفوفهم للدفاع عن المدينة عن طريق حمل السلاح والدفاع عن أحياء العاصمة.

لقد تفجرت هذه الأحداث منذ العام 2018، عندما تولى آبي أحمد عميل أمريكا وضابط المخابرات السابق، السلطة في إثيوبيا وأعلن إصلاحات سياسية، وشملت هذه الإصلاحات تنحية قادة في الجيش والمخابرات من أبناء إقليم تيغراي، وتعيين قادة من قوميتي الأمهرة والأورومو في مواقعهم، وتعمقت الأزمة بعد تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في آب/أغسطس 2020 بسبب جائحة كورونا، ما أدخل البلاد في نزاع دستوري، واتهمت قوى المعارضة، ومنها جبهة تحرير تيغراي، اتهمت آبي أحمد باستغلال الجائحة لتمديد ولايته، ونُظمت الانتخابات في الإقليم من جانب واحد في 9 أيلول/سبتمبر 2020م، لكن الحكومة المركزية رفضت الاعتراف بنتائجها، واشتدت حدة الخلاف بين أديس أبابا وجبهة تحرير تيغراي، وتحولت إلى نزاع مسلح منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2020م، إثر ذلك تدخل الجيش الإثيوبي في الإقليم، ونظمت فيه الحكومة المركزية انتخابات جديدة لتشكيل حكومة محلية جديدة، وفي حزيران/يونيو 2021م، استعادت جبهة تحرير تيغراي السيطرة على عاصمة الإقليم ميكيلي، وشهدت المدينة احتفالات لأنصار الجبهة.

إن المراقب للأحداث في إثيوبيا يعلم أن أمريكا هي المتحكمة في الأوضاع فيها بواسطة عملائها من الحكام والسياسيين، وأدواتها مثل الاتحاد الأفريقي، فأمريكا هي التي فصلت أريتريا عن إثيوبيا، وجنوب السودان عن شماله، وها هي تهيئ إثيوبيا للطريق ذاته فقد "وصفت واشنطن ما يحدث في إثيوبيا بالحرب الأهلية" (الجزيرة نت 2021/11/10م)، كما أرسل الاتحاد الأفريقي الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانغو مبعوثه الخاص إلى المنطقة، واجتمع مع آبي أحمد. وانتقل إلى ميكيلي عاصمة تيغراي للقاء قادة جبهة تحرير شعب تيغراي. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الوزير أنتوني بلينكن تحدث مع أوباسانغو الأربعاء وأعلن "دعما قويا" لجهود الوساطة التي يبذلها، كما أعرب عن أمله في وجود "إمكان" للتقدم، وقال بلينكن إن القتال في إثيوبيا يجب أن ينتهي، وأضاف في تغريدة على تويتر "يجب أن تبدأ مفاوضات سلام على الفور دون شروط مسبقة سعيا لوقف إطلاق النار". (الجزيرة نت 2021/11/5م).كما "قدم المبعوث الأمريكي إلى القرن الأفريقي جيفري فيلتمان مقترحات وخارطة طريق لإنهاء الأزمة في إقليم تيغراي بإثيوبيا، التي تتضمن وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات إلى ما قبل الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وإيصال المساعدات الإنسانية، وبدء الحوار فورا" (الجزيرة نت 2021/11/6م).

وتحت عنوان: إثيوبيا.. هل نحن أمام يوغسلافيا جديدة في القرن الأفريقي؟ الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل إثيوبيا وبقاء نظامها الحالي، فهل تذهب إلى حد التفكك؟ تقول مجلة لوبس (L’Obs) الفرنسية "إن إثيوبيا تعاني الآن من اضطرابات مأساوية جديدة تهددها بالانهيار وتغرقها في جحيم الصراعات العرقية القومية". وفي مقال بصحيفة الواشنطن بوست بتاريخ 2021/11/9م تحت عنوان: "كيف مزق رئيس الوزراء آبي أحمد إثيوبيا؟". وتحت عنوان: "تصاعد خطير لخطاب الكراهية عبر الإنترنت و"إهانات عرقية" في إثيوبيا" حذرت منظمة العفو الدولية من أن إثيوبيا تتأرجح على شفا كارثة حقوقية وإنسانية، وسط تطورات مقلقة مرتبطة بتفاقم نزاع تيغراي. كان هناك ارتفاع مثير للقلق في عدد التعليقات على وسائل التواصل التي تدعو إلى العنف العرقي. (الجزيرة نت 2021/11/9م). كما نشرت واشنطن بوست بتاريخ 2021/11/7م تحت عنوان: "الحرب الأهلية الشاملة على أبواب إثيوبيا". وقد نشرت الجزيرة نت تحت عنوان: "من صناعة الحكام إلى حلم الانفصال.. تعرف أكثر على جبهة تيغراي الإثيوبية" بتاريخ 2021/11/3م، ما نصه: "ما يزيد المخاوف من أن إقليم تيغراي قد يذهب في خطوة أبعد من المواجهة، ويقرر الانفصال عن دولة إثيوبيا المركزية، مستندا إلى الحق الذي منحته له المادة (39) من دستور البلاد لعام 1995، والتي تجيز لكل شعب من شعوب إثيوبيا حق تقرير المصير والانفصال غير المشروط". كما اتهمت وزيرة الدولة في مكتب الاتصال الحكومي الإثيوبي سلاماويت كاسا الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بالسعي لتفكيك إثيوبيا، وقالت كاسا في حديثها لحلقة 2021/11/10 من برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة إن "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" تحاول إدخال البلاد في حرب أهلية من أجل تفكيك إثيوبيا.

لقد فشلت أنظمة المستعمر الديمقراطية التي منها الفيدرالية في الحفاظ على وحدة البلاد وصهر الشعوب، بل زادت الشقة وعمقت الجراح في كل أنحاء البلاد، ومكنت للمستعمر من تأجيج الصراعات وبث الفتن على قاعدة فرق تسد، ولن يوقف هذه الفوضى التي تصنعها الدول الاستعمارية إلا دولة تقيم الإسلام وتطبق شرعه، وتساوي بين الناس في الحقوق، وتقيم العدل، وتحقق الأمن، ولا يكون ذلك إلا في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فهلا أدرك أهل هذه البلاد هذه الحقيقة ولفظوا أنظمة المستعمر وأيدوا نظام رب العالمين؟!

بقلم: الأستاذ محمد جامع (أبو أيمن)

 مساعد النطاق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان

جريدة الراية: خمس عشرة سنةً مرّت على المُصالحة الفلسطينية والنتيجة صفر!

 جريدة الراية: خمس عشرة سنةً مرّت على المُصالحة الفلسطينية والنتيجة صفر!

 

12 من ربيع الثاني 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2021مـ

بعد انتخابات عام 2006 في فلسطين وفوز حركة حماس فيها، وسيطرتها على قطاع غزة بالقوة، وبعد انفصال السلطة في غزة عن السلطة في الضفة، بعد ذلك بعام بدأت مُحاولات المصالحة بين سلطة رام الله وسلطة غزة بوساطات عربية ودولية مُتعدّدة، واستمرت بين مدٍ وجزر حتى هذا العام الجاري 2021، ولكنّها لم تُسفر عن شيء، وكانت نتيجتها صفراً.

فَمِن اتفاق مكة إلى اتفاقات القاهرة الكثيرة بين الفصائل الفلسطينية، وحواراتها العقيمة، والتي استمرت طوال الخمس عشرة سنة الفائتة، فكل ما جرى في هذه الاتفاقات والحوارات التي استغرقت آلاف الساعات من العمل داخل القاعات المغلقة، وبُذلت فيها جهود مُضنية استنزفت الكثير من الوقت والجهد والمال، والنتيجة أنّ كل ذلك انتهى من دون طائل.

لقد ألغى رئيس السلطة محمود عباس - وبكل بساطة - كل تلك الجهود بجرة قلم، وأعاد مُفاوضات المصالحة الشاقة إلى المُربّع الأوّل، فاشترط وبشكلٍ تعسفي اعتراف حماس وبشكل صريح ومُسبقاً وبدون مُواربة بكيان يهود القائم على الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948، وألغى كل ما توصلت إليه الفصائل الفلسطينية من توافقات واتفاقات.

وظهر ذلك جليّاً عندما قام مُنيب المصري وهو الشخصية الفلسطينية النافذة قبل شهرين بمحاولة وساطة أخيرة، التقى فيها بقادة حركة حماس وهم: إسماعيل هنيّة وصالح العاروري وصلاح البردويل وحُسام بدران، ووصف لقاءه بهم بالإيجابي فقال: "إنّ حماس أكّدت على نيّتها إنهاء الانقسام وإتمام المُصالحة الوطنية، وإنّها وافقت على الاعتراف بقرارات الشرعية ضمن برنامج مُتكامل يستند لحوارات القاهرة، كما وافقت على التزام حكومة وحدة وطنية بقرارات الشرعية إذا كان ذلك استناداً لاتفاق مكة".

وأرسل المصري هذه الرسالة كوثيقة إلى محمود عباس فاستخف عباس بها، وبكل عنجهية واستكبار كتب رداً على ذيل الوثيقة: "الأخ مُنيب، المطلوب من حركة حماس حتى تكون شريكة أن تعترف بشكل رسمي وبتوقيع إسماعيل هنية بقرارات الشرعية الدولية، ومن دون ذلك فلا حوار معهم".

فهدَمَ عباس كل ما توافقت عليه الفصائل خلال تلك السنين الطويلة، ولم يُراعِ كل ما وقّعوه من وثائق وعرائض، وكل ما التزموا به من (ثوابت واستحقاقات) بحسب فهمهم، وألقى بها عرض الحائط، ولم يحسب حساباً لأي شيء، ولم يستجب لكل ما توصلت إليه تلك الفصائل من قرارات وتوافقات، ولم يأبه لأحد سوى للكفار من قادة أمريكا وكيان يهود.

لم يستجب عباس إلا لأمريكا التي لا تريد مُصالحة بين الفصائل إلا بعد اعترافها بكيان يهود، وكذلك استجاب لدولة يهود التي لها مُتطلبات أمنية لا يُلبيها لها إلا السلطة الفلسطينية من خلال استمرار التعاون والتنسيق الأمني معها.

وحيث إنّ أمريكا ما زالت تُعطّل المصالحة فلا يملك عباس إلا تعطيلها وفقاً للأوامر الأمريكية، وذلك لأنّه مُجرد عبد مأمور لأمريكا والكفار.

وبما أنّ أمريكا لا تُريد المصالحة في هذه الأوقات بشكلٍ خاص، فإنّ حكام مصر العملاء لأمريكا قاموا هم أيضاً بتعطيلها، فقاموا بالإعلان عن إرجاء المصالحة بين فتح وحماس إلى أجلٍ غير مُسمّى.

فحماس التي قدّمت تنازلات خطيرة في العام 2017 عندما غيّرت ميثاقها وقبلت بدولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، وهي التي غيّرت من وصفها الإسلامي إلى وصفها الوطني فعرّفت نفسها بأنّها حركة تحرّر وطني، فهذه التنازلات النوعية الكبيرة لم تكفِ أمريكا وكيان يهود، فتريدان منها تقديم المزيد، وهذه هي طبيعة الأعداء مع الذين يستجيبون لهم، فلا يكتفون إلاّ بجر الحركات المخلصة إلى مستنقعاتهم الآسنة وإغراقهم فيها.

إنّ على حركة حماس أنْ تُدرك جيداً أنّ سلطة عباس سلطة عميلة تُنفّذ حصراً أجندة أمريكا السياسية وأجندة كيان يهود الأمنية، وأنّها تقوم بوظيفتها تلك على أحسن وجه، وأنّها لا تملك الخروج عمّا رُسم لها قيد أنملة.

لذلك كان من الخير لحماس وللفصائل المخلصة وللأمة الإسلامية ولأهل فلسطين أن يبادروا إلى نبذ هذه السلطة الخائنة ومُقاطعتها، وعلى حماس أنْ تتخلّى نهائياً عن فكرة المصالحة مع سلطة هكذا شأنها، فلا خير في التصالح مع سلطة عميلة ذليلة تغدر بأهل فلسطين وتتواطأ مع كل أعداء الأمّة.

بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني

جريدة الراية: الإنقلاب الأمريكي في السودان وواجب الأمة

 جريدة الراية: الإنقلاب الأمريكي في السودان وواجب الأمة

 

12 من ربيع الثاني 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2021مـ

في جواب سؤال أصدره أمير حزب التحرير، العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله، قبل أكثر من سنتين، بتاريخ 2019/09/23م، وعقب توقيع طرفي الحكم المتناقضين، للوثيقة الدستورية وتشكيلهما معاً؛ العسكر والمدنيين لمجلس السيادة، جاء فيه: "إن الحكم في السودان وفق الوثيقة الدستورية يكاد يكون مُشكَّلاً من فريقين بصلاحيات متفاوتة وبولاءات خارجية متصارعة وسينعكس هذا الأمر على عملهما في حل مشاكل الناس وسلامة عيشهم، وسيكون هَمّ كل منهما خدمة الاتجاه الذي يواليه، ومن ثم يتربص أحدهما بالآخر ليُقصيه بوسائل داخلية وخارجية... والمعروف عن إنشاء مثل هذه المجالس في السودان أنها لم تكن تُنشأ إلا مرتبطة بالفترات الانتقالية والأزمات... وذلك إلى أن يتمكن الجيش من ترتيب أوراق الدولة وحل المجلس وفرض رئيس للبلاد من ضباط الجيش"، إنه الوعي السياسي الذي يُري السياسي المبدئي ما لا يراه السياسيون الواقعيون، وهذا ما حدث، حيث بدأ البرهان، ومنذ وقت مبكر، بترتيب أوراق الدولة، حيث وضع يده على ملف السلام المزعوم، واستخدمه أداة لزرع الشقاق في شرق السودان، إلى أن وصل به إلى التمرد والإغلاق الكامل، وخنق الحكومة، ثم استخدم من يسمون بشركاء السلام في شق صف الحرية والتغيير، وحشد الجماهير في صف العسكر ضد المدنيين، وعلق اجتماعات مجلس السيادة، وشل حكومة حمدوك تماماً، حيث خرج حمدوك ليعلن أنها أخطر أزمة تمر بها الحكومة الانتقالية، فأوفدت سيدته بريطانيا وزيرة الشئون الأفريقية ومبعوثها لدعم حمدوك، لكن أوراق اللعبة لم تكن في أيديهم، لذلك كان وصول المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان حاسماً.

فعشية مغادرة طائرته لمطار الخرطوم شرع العسكر بتعليمات من أمريكا في الانقلاب وحل مجلسي السيادة والوزراء، وإعلان حالة الطوارئ، لذلك فأول رد فعل لأمريكا كان تصريح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس الذي قال: "إن الولايات المتحدة تعتبر ما حدث في السودان هو سيطرة عسكرية، وإن كلمة "انقلاب" تحتاج إلى تقييم قانوني" (قناة الحرة 2021/10/26)، ثم لما بدأت أصابع الاتهام تشير إلى المبعوث الأمريكي فيلتمان في الانقلاب رد في حديث لقناة سكاي نيوز قائلاً: "إنه غادر الخرطوم مطمئناً إلى أن البرهان قد وعده بالالتزام الكامل بما اتفقا عليه، وبالتمسك بالتحول المدني الديمقراطي، ولكن اتضح أن البرهان كذب على الشعب السوداني"، والإدارة الأمريكية لا تصف ما حدث في السودان بأنه انقلاب، ففي مؤتمره الصحفي يوم الأربعاء 2021/10/27 وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي بالبيت الأبيض جيك سوليفان الانقلاب بأنه "انتكاسة كبيرة مثيرة للقلق" (رويترز). وأورد موقع عربي 21 بحسب صحيفة نيويورك تايمز أن كارين جان بيير، المتحدثة باسم الرئيس بايدن، قالت للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية: "نحن نرفض تصرفات الجيش وندعو إلى الإفراج الفوري عن رئيس الوزراء والآخرين الذين وضعوا قيد الإقامة الجبرية" فهي بذلك لا ترفض الانقلاب إنما تحتج على اعتقال رئيس الوزراء وطاقم حكمه فقط.

أما روسيا التي تتحرك بضوء أخضر من أمريكا، فقد وصفت خارجيتها الانقلاب بأنه "دليل على أزمة حادة ناجمة عن اتباع سياسة فاشلة على مدى عامين"، كما أن نائب مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة السفير ديمتري بوليانسكي قبيل لحظات من بدء جلسات مشاورات بمجلس الأمن الدولي حول تطورات الوضع في السودان قال: "لماذا نقول على ما حدث في السودان انقلاباً عسكرياً؟! لماذا لا يكون انتقالاً للسلطة كما تم عند عزل البشير قبل سنتين؟" (عربي بوست) وهو يعني أن يظل الفيتو الروسي مصلتاً لإفراغ أي بيان يصدر عن مجلس الأمن من الإدانة والضغط على انقلابيي السودان ما أدى لتعطيل مشروعي قرار!!

أما بريطانيا وصويحباتها في القارة العجوز، فقد طار صوابهم، وردوا بعنف شديد على انقلاب الجيش، فقد قالت فيكي فورد وزيرة الشئون الأفريقية في تغريدة على تويتر: "الانقلاب العسكري الذي وقع في السودان خيانة غير مقبولة للشعب السوداني" (رويترز). أما فرنسا فقد غرد رئيسها ماكرون قائلاً: "تدين فرنسا بأشد العبارات محاولة الانقلاب في السودان". أما ألمانيا فقد قال وزير خارجيتها هايكو ماس: "إن الانقلاب العسكري في السودان يعتبر تطوراً كارثياً للأحداث"، وأضاف: "أدين بشدة أعمال العسكريين المشاركين في الانقلاب". وعلى خلفية دعوته للشباب للتظاهر، أمهلت الحكومة يوم الأحد 2021/10/31م السفير البريطاني جايلز ليفر 21 يوماً لمغادرة البلاد.

هذه هي قصة انقلاب رجال أمريكا في الجيش، ووأدهم لمشروع رجال أوروبا، وبخاصة بريطانيا، والذين غرتهم أحلامهم باستلام السلطة من رجال أمريكا من خلال مطالبتهم وضغطهم لتسليم رئاسة السيادي للمدنيين، وهيكلة المؤسسة الأمنية ووضعها بيد رئيس الوزراء، ولا عزاء لهم في انزعاج أسيادهم في أوروبا، ولا نفاق أمريكا لهم، فأمريكا التي وضعت السيسي، ودعمت انقلابه على رئيس منتخب في مصر، وهو يسفك الدم الحرام لآلاف المدنيين المعتصمين، بل وصفه الرئيس السابق ترامب بأنه دكتاتوره المفضل، أمريكا هذه سوف تدعم هؤلاء الانقلابيين حتى يشتد عودهم في الوقت الذي تنافق فيه المدنيين وتنافق العالم، وبحسب فرانس 24، فقد اتصل وزير خارجيتها بلينكن على رئيس الوزراء حمدوك في مقر إقامته الجبرية يوم الأربعاء 2021/10/27، وتحدث معه مرحباً بإطلاق سراحه، ومطالباً بإطلاق سراح جميع المحتجزين.

إن الحكومة المدنية التي سيشكلها البرهان تحت حراب الجيش، سوف تكون امتداداً للحكومة الانتقالية المقبورة، ستنشط في تحقيق أجندة الكافر المستعمر، وتحقيق مصالحه في السودان، وذلك كما يلي:

- استمرار فصل الدين عن الحياة، وتصفية التشريعات والأنظمة من الأحكام الشرعية، والدخول في حضارة الغرب الكافر كافة بمساواة المرأة بالرجل، وتقديس اتفاقية سيداو، وإباحة المثلية والعهر، وكل ما من شأنه أن يشفي غليل الكافر المستعمر في خير أمة أخرجت للناس، ومن ذلك حديث البرهان في مؤتمره الصحفي يوم 2021/10/26، حيث قال إنهم لن يسمحوا لأي جماعة أيديولوجية بالسيطرة على البلاد.

- الاستمرار في تطبيق أوامر صندوق النقد والبنك الدوليين، وما يسمى برفع الدعم عن السلع والخدمات، برفع أسعار الوقود والخبز والكهرباء وكل الخدمات وإفقار العباد، وتسليم ثروات البلاد للشركات الرأسمالية الناهبة للثروات.

- المسارعة في حلف التطبيع مع كيان يهود، وتوقيع الاتفاق معه في البيت الأبيض في أقرب وقت ممكن.

بعد أن استدارت ثورات الربيع العربي في بلاد المسلمين، ورجعت إلى حيث بدأت يتبلور الخلاص الآن في طريق ذي اتجاه واحد يفضي إلى الإسلام العظيم، الذي صاغه أنظمة حياة باجتهاد صحيح حزب التحرير، تطبقه دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي بين فكرتها وواقعها، تنزل نصر الله سبحانه وتعالى باستجابة نفر من أهل القوة والمنعة المخلصين، يردون سلطان الأمة المغتصب، فتقلع جذور الاستعمار الغربي، ويُطبق الإسلام، فيفيض خيراً وبركة على العالم فهلمّ أيها المسلمون.

بقلم: الأستاذ حاتم جعفر (أبو أواب) المحامي – ولاية السودان