Tuesday, August 31, 2021

جريدة الراية: مقتطفات إخبارية: 1-9-2021

 جريدة الراية: مقتطفات إخبارية: 1-9-2021

 

إن حزب التحرير يدعو الأمة ومختلف الفصائل والمخلصين الذين بالسلطة في أفغانستان إلى إدراك الأهمية الحيوية وضرورة إقامة الخلافة الراشدة لإدراك أن الحل الحقيقي لمعضلة أفغانستان والمنطقة لا يكون من خلال محادثات سلام واستمرار للحرب، وإنما من خلال إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وتطبيق الإسلام كاملا. لأجل هذا، فلتضعوا أيديكم بيد حزب التحرير وأدركوا أن الله يهب نصره لأولئك الذين ينصرون الإسلام.

===

يا أهل الشام أدركوا ثورتكم

إن ما تشهده درعا البلد اليوم من أحداث حيث تحاصرها عصابات طاغية الشام ومرتزقة إيران وحزبها في لبنان على عين روسيا المجرمة والنظام الدولي الصليبي، يظهر أن الثوار الصادقين هناك يسطرون على صفحات التاريخ أسمى آيات المجد وأروع مواقف الرجولة والصمود، وهم في الوقت نفسه يستنصرون إخوانهم في مناطق الشمال المحرر، إلا أنهم وللأسف الشديد لم يجدوا بعد صدىً لنداءاتهم يلبي صرخات الثكالى والأطفال والشيوخ والجرحى ويثأر لدماء الشهداء، ولم يجدوا بعد استجابة من العناصر الصادقين المتمرسين على أنواع السلاح وفنون القتال بفضل الخبرة التي امتلكوها في ساحات القتال ضد المجرمين والحاقدين على الإسلام والمسلمين.

وأما عدم تلبيتهم لتلك الصرخات فلا يعود سببه لقلة العدد والعتاد، ففي المناطق المحررة رجال يتوقون لنصرة إخوانهم ولفتح المعارك ضد نظام الإجرام ونصرة إخوانهم. وإنما يعود إلى الدور الخبيث الذي يقوم به الضامن التركي الذي يضمن لعصابات أسد وللحلف الصليبي الذي تقوده أمريكا تجميد الجبهات عبر تكبيل القادات الذين تم شراء ذممهم وربطهم بالمال السياسي القذر، الأمر الذي جعل منهم طواغيت ظلمة لحاضنتهم، وعصا غليظة في يد أعداء الثورة تسجن المخلصين أو تنفيهم وتمنع فتح الجبهات وأي عمل ضد نظام الإجرام، وتضيق عليهم معيشتهم وتفرض عليهم الضرائب والمكوس.

بالإضافة إلى الدور القذر الذي يلعبه شرعيو المصلحة والمفسدة الذين يثبطون همم الشباب الغاضبين الثائرين، عبر تصوير الواقع في المحرر بأنه واقع استضعاف، وفي المقابل يصورون لهم قوة النظام بأنها لا تقهر وأن خلفه قوى تدعمه من روس وإيرانيين وغيرهم وما علينا إلا طاعة القادة والمحافظة على دماء الناس وكأن الإسلام لا يوجب عليهم نصرة الأهل والإخوان!

إن إثم هذه الدماء الزكية التي تُسفك بشكل مستمر هو في رقاب الساكتين على ظلم القيادات المرتبطة، التي هادنت نظام الإجرام واستأسدت على أهل الشام وحاولت سلب سلطانهم وقرارهم وسحب مقومات القوة والصمود عندهم، لتوصلهم إلى مرحلة اليأس والاستسلام، وأشركت معها في سبيل تحقيق ذلك الحكومات الوظيفية التي أبدعت في أساليب التضييق الممنهج، عبر فرض الضرائب والأتاوات والمكوس على الناس، ورفع الأسعار واحتكار السلع والخدمات، ناهيك عن القمع والتسلط واتباع سياسة تكميم الأفواه.

وكذلك لا ننسى دور خطباء المساجد الذين تغافلوا في خطبهم عما يحصل في درعا وواجب الأمة في نصرتها من خلال الضغط على القادة لفتح معارك تربك النظام وتنهي الحصار.

نعم إن الواجب هو فتح معارك حقيقية على الساحل حيث حاضنة النظام، كما أن الواجب على الحاضنة احتضان المخلصين من العناصر ودعوتهم ليغيروا على القادة المرتبطين المتخاذلين، واتخاذ قيادة صادقة من إخوانهم الشرفاء الصادقين، يقودونهم نحو نصرة إخوانهم ومواصلة ثورتهم بعد تصحيح مسارها؛ ليكسروا خطوط الضامنين الحمراء، ويجتمع المخلصون تحت راية واحدة تعمل لتحقيق ثوابت ثورة الشام بفتح المعارك الحاسمة لإسقاط نظام الإجرام وإقامة حكم الإسلام.

فصححوا مساركم يا أهل الشام، واستعيدوا سلطانكم المسلوب، واسترجعوا قراركم المصادر، واعملوا مع حزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، ففي ذلك الصلاح في الدنيا والفلاح في الآخرة ﴿وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾.

===

أيها المسلمون غزة وكل فلسطين بانتظاركم لتنقذوها من يهود وتآمر حكامكم

إن كيان يهود قائم على الغدر والحقد ونقض العهود، ولن يوقف جرائمه ضد أهل فلسطين ومنها اعتداءاته وحصاره لأهل قطاع غزة إلا اقتلاعه من جذوره، وهذا لن يكون إلا بإسقاط الأنظمة الحامية له؛ من نظام السيسي الذي يشاركه الحصار فيعلن بشكل مفاجئ إغلاق معبر رفح بكلا الاتجاهين مباشرة بعد أحداث الأسبوع الماضي، إلى النظام الأردني الذي أشاد رئيس وزراء كيان يهود نفتالي بينت بالعلاقة معه أيضا بعد الأحداث الدامية، إلى الأنظمة الهلامية القائمة في جزيرة العرب، وهذا لن يكون إلا بالخطاب السياسي الواعي للأمة الإسلامية وأهل القوة والمنعة فيها لإنهاء هذه المهزلة التاريخية والصفحة السوداء فيتحركوا نحو الأرض المباركة لتطهيرها من يهود وتخليص أهلها من الذل والحصار والاضطهاد.

إن كيان يهود يمكر بأهل الضفة الغربية وقطاع غزة ويتحين الفرص لسفك دمائهم وتدمير أملاكهم وإن كان يحول بين ذلك الرغبة الأمريكية الحالية بعدم تفجر أحداث في فلسطين تشغلها في اللحظة التي تعطي الأولوية فيها لملفات أخرى، وأيضاً وضع حكومة يهود المهلهل والمهدد بالسقوط، ولكن هذه الظروف قد تتغير فنرى مزيداً من الجرائم والدمار وسفك الدماء أو تبقى فيستمر الحصار الذي لا تأبه له أمريكا والحكام العملاء التابعون لها ولو جاع معظم أهل القطاع، وهذا يوجب على المسلمين التحرك لنصرة إخوانهم اليوم قبل الغد، قال تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾.

===

أمريكا ملتزمة بتعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع كيان يهود وحماية أمنه

نشر موقع (نيوز 24، الأربعاء، 17 محرم 1443هـ، 25/08/2021م) خبرا جاء فيه: "قال وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستين، إن "الولايات المتحدة ملتزمة بتعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع (إسرائيل) وبحماية أمنها. وينعكس هذا في المساعدة الأمنية، وإدارتنا ملتزمة بضمان استمرار عمل القبة الحديدية في حماية المواطنين (الإسرائيليين) والحفاظ على قدرة (إسرائيل) على الدفاع عن نفسها ضد إيران وكل من يعاونها".".

الراية: لقد منحت أمريكا كيان يهود العام الماضي مساعدات بنحو 3,8 مليار دولار كجزء من التزام أمريكي على عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما منذ عام 2016 بمنح الكيان المسخ نحو 38 مليار دولار على مدى عشر سنوات تخصص كلها لأغراض عسكرية لتثبيته في الأرض المباركة فلسطين، ومحاولة اغتصاب المزيد من أراضي أهل فلسطين وتهجيرهم، والاعتداء على قطاع غزة، وإخافة المنطقة من التحرك ضد الوجود الأمريكي، والعمل لتحرير فلسطين. ولكن أمريكا قد أنفقت نحو تريليون دولار في أفغانستان وبنت جيشا من الأفغان للقتال نيابة عنها، إلا أن هذا الجيش قد انهار بعد عشرين سنة، واندحر الجيش الأمريكي الذي تجاوز عدده أكثر من 150 ألفا مع الحلفاء خائبا مخزيا. ولن يختلف الأمر في فلسطين عندما تبدأ معركة المسلمين قريبا بإذن الله تحت راية الإسلام في ظل دولة الخلافة على منهاج النبوة، مع أمريكا وكيان يهود الذي تدعمه فينهزم الجمع ويولون الدبر.

===

كبر مقتا عند الله أن تقول ما لا تفعل يا أردوغان!

نشر موقع (وكالة الأناضول، الأربعاء، 17 محرم 1443هـ، 25/08/2021م) خبرا قال فيه: "دعا الرئيس التركي أردوغان، المسلمين إلى تحمل المسؤولية من أجل أمنهم ورفاههم بجانب أمن واستقرار البشرية جمعاء. جاء ذلك في رسالة مصورة بعثها، الأربعاء، إلى الجمعية العمومية الرابعة لمنتدى شباب منظمة التعاون الإسلامي.

ودعا المسلمين إلى رفع أصواتهم أكثر ضد المظالم التي يشهدونها، مبينا أن العالم يشهد حاليا أكثر الفترات اضطرابا في تاريخ البشرية.

وتابع قائلا: "لا يكاد يمر يوم إلّا ونسمع نبأ تعرّض مسلم أو مسلمة للمضايقة والتمييز بسبب عقيدته وحجابه ولباسه في دول يفترض أنها مهد للديمقراطية".

وأردف: "لا يمكن لأحد منا أن يظل متفرجا على المظالم التي تحدث في العالم، لأننا أشخاص كُلّفنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".".

الراية: إن أردوغان يدعي أنه يدعو إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، في حين إنه يطبق ويدعو إلى تطبيق أكبر المنكرات من علمانية تفصل الإسلام عن الحياة وديمقراطية تحتكم لأهواء البشر وحريات قائمة على الفحش والفجور، ويطبق دستورا قائما على هذه الأسس التي أشاعت الفواحش والمحرمات في تركيا. وهو يحارب كل من يدعو إلى المعروف وينهى عن المنكر، حيث يعتقل ويسجن الذين يدعون إلى تطبيق الإسلام وإقامة الخلافة على منهاج النبوة، وكذلك الذين يعترضون على قوانين دولته العلمانية ويتصدى للحريات التي تسمح للشخص أن يمارس كل أنواع الرذيلة والفسق والفجور. بل إنه قد امتدح العلمانية في أكثر من مناسبة واعتبرها أفضل نظام، وعندما قال رئيس البرلمان التركي السابق إسماعيل قهرمان إنه يجب أن يستند الدستور إلى دين الشعب المسلم، اعترض عليه أردوغان، واعتبر كلامه رأيا شخصيا ولا يعبر عنه ولا عن حزبه وحكومته، كما ذكّر بأنه دعا أهل مصر إلى تطبيق العلمانية عند زيارته لها عام 2011 وأنه أقنع جماعة الإخوان المسلمين في مصر بتطبيق العلمانية، وأنه أقنع مرشدها بذلك عندما اعترض عليه، هذا غيض من فيض منكرات أردوغان الذي يدعي أنه يدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمعروف منه براء.

===

يا مجاهدي طالبان: كونوا الخزرجيين الجدد

يا معشر الطالبان: أنتم اليوم أقوى من أي وقت مضى، وقد أصبحتم حكاما لبلاد الأفغان، كما كان الخزرجيون حكاما ليثرب، فلما اتبعوا الحق ونصروا دعوة الحق، وعاهدوا النبي على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأموالهم في بيعة العقبة الثانية، نصرهم الله ومكن لهذا الدين القويم في ديارهم، وأقاموا الدولة الإسلامية الأولى، حتى وصل الإسلام إلينا وإليكم بفعل الجهاد والفتوحات. وفتح بيت المقدس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبني المسجد الأقصى أول مرة في أرض الإسراء والمعراج، ثم حرره صلاح الدين الأيوبي رحمه الله من الصليبيين. فكونوا الخزرجيين الجدد، وأعطوا النصرة لمن قد حمل الدعوة وجهز دستور الدولة - حزب التحرير - لتلتحم قوتكم معهم، ثم تعلن أفغانستان دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وسرعان ما سيركل أهل باكستان حكامهم الخونة، وتنضم إلى كيان الخلافة، وستتبعها دول وادي فرغانة جميعها في انضمام سريع ومذهل، وستأتون إلى بيت المقدس فاتحين ومحررين، وللمسجد الأقصى المبارك من أسره منقذين، لتنالوا الشرف الذي ناله الخزرجيون بنصرة رسول الله .

===

نظام السيسي ليس حريصا على قضية فلسطين بل متآمر عليها

نقلت وكالة رويترز عن مصدرين أمنيين مصريين أن إغلاق مصر معبر رفح يوم الاثنين قبل الماضي وفي كلا الاتجاهين حتى إشعار آخر، تم لأسباب أمنية في أعقاب التصعيد الذي جرى يوم السبت بين كيان يهود وحماس، حيث قصفت طائرات يهود مواقع في غزة بعد تبادل لإطلاق النار عبر الحدود بين غزة وكيان يهود في وقت سابق من ذلك اليوم. ورفح هو المعبر الوحيد بين مصر وغزة، حيث يفرض حصار تقوده دولة يهود قيودا صارمة على حركة البضائع والأفراد على مدى سنوات. وكانت مصر فتحت المعبر إلى أجل غير مسمى في شباط/فبراير، فيما وصفت بأنها محاولة لتشجيع المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية المجتمعة آنذاك في القاهرة. وقال الأستاذ خالد سعيد عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين في تعليق كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير: ليس غريباً أن يأتي كل هذا الظلم والعدوان من عدو لا يرقب فينا إلا ولا ذمة، إنما الغريب أن يتولى كبر هذا العدوان من يسمون الأشقاء، وعلى رأسهم النظام المصري الذي يزعم صباح مساء أنه مهتم بقضية فلسطين، ويبذل كل جهد لحلها وإعادة الحق لأهله، بينما المشاهد المحسوس أن مصر كانت منصة الإعلان عن الحرب على غزة أكثر من مرة، كما أنها تشارك في الحصار بإغلاق معبر رفح البري في وجه أهل قطاع غزة وهو المتنفس الوحيد لهم، ناهيك عن حالة الإذلال والابتزاز التي يمارسها بعض الضباط والجنود بحق الناس المسافرين من وإلى قطاع غزة، والاكتفاء بلعب دور الوسيط بين يهود وأهل فلسطين، وهو في تلك الوساطات أقرب إلى مطالب ومصالح يهود، وهو ما يظهر بوضوح في رسائل التهديد والوعيد التي يحملها ضباط المخابرات المصرية إلى قطاع غزة بين الفينة والأخرى، وما هذا الإغلاق الأخير للمعبر إلا شاهد من الشواهد التي تثبت أن النظام المصري ليس حريصا على حل قضية فلسطين بتحريرها، وإنهاء معاناة أهلها بالقضاء على كيان يهود، وعلى الفصائل أن تدرك هذه الحقيقة، وعليها أن تدرك أن الركون إلى هذه الأنظمة إنما يطيل من عمر القضية ومعاناة أهل فلسطين من جهة، ويعارض إرادة الأمة وسعيها للتخلص من تلك الأنظمة والتحرر منها من جهة أخرى.

===

لقد أصبحت أمريكا موضوعاً للسخرية والاستهزاء

أكد المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية باكستان في بيان صحفي أن حكام باكستان يحاولون إنجاز نصر للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، بعد هزيمتهم المهينة في ساحة المعركة، وذلك من خلال إيقاع المجاهدين الأفغان في فخ الشرعية والاعتراف الدوليين. اللذين يشكلان استراتيجية استعمارية تهدف إلى فرض النظام العالمي الغربي كمعيار واقعي لجميع الدول، بحيث لا يمكن لأحد أن يتحدى الهيمنة الرأسمالية. وقال البيان الصحفي: لقد أصبحت الولايات المتحدة موضوعاً للسخرية والاستهزاء، حيث إنها تتدافع بشكل محموم لإجلاء رعاياها والمتعاونين معها. وخاطب البيان القوات المسلحة الباكستانية: إنها فرصة مثالية لكم لإخراج أتباع أمريكا في باكستان من السلطة، وإعطاء نصرتكم لحزب التحرير لإقامة الخلافة على منهاج النبوة. فالخلافة هي التي ستوحد باكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى وبقية البلاد الإسلامية في دولة واحدة قوية متجاهلة مناشدات الدول الصليبية الغربية من أجل الحفاظ على الدول القومية التي فرقتنا وأضعفتنا لوقت طويل.

===

 المصدر: جريدة الراية

Sunday, August 29, 2021

الهجرة النبوية كانت أعظم حدث كوني، ولا يدانيه إلا حدث مثله:

 الهجرة النبوية كانت أعظم حدث كوني، ولا يدانيه إلا حدث مثله:

«إقامة الخلافة الراشدة الموعودة»

 

عبد الرؤوف بني عطا – أبو حذيفة

مجلة الوعي: العدد 420 - السنة السادسة والثلاثون – محرم 1443هـ – آب 2021م

إن الله سبحانه وتعالى قد سنَّ للناس سنة ماضية لا تتخلَّف ولا تتبدَّل، وهي: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ) والأحداث الكونية التي تغيِّر مجرى حياة الناس ونمطَ عيشهم وثقافتهم هي أحداث نادرة الوقوع، وقد سمَّاها القرآن بإنشاء القرون، فقال سبحانه: (ثُمَّ أَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قُرُونًا ءَاخَرِينَ ٤٢ ) أي أممًا وخلائق كما ورد في تفسير ابن كثير.

 ولو عدنا إلى حدث هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرَّمة إلى المدينة المنوَّرة لوجدناه هو الحدث الأبرز إلى يوم الدين، ولن يدانيه إلا حدث مثله، وهو إقامة الخلافة الراشدة الموعودة في آخر الزمان، والتي يبعث فيها الدين من جديد، تمامًا على ما أُنزل يوم أُنزل على رسولنا الكريم.

لقد كان لليلة الهجرة قصتها المليئة بالدروس والعبر، كانت ليلة اجتمع فيها صناديد الكفر وهم عاقدو العزم على اغتيال دعوة الحق باغتيال صاحبها، انطلقوا وهم ماضو الإرادة على إطفاء نورها بقتل بدرها… اجتمعوا واجتمع معهم مكر الشيطان حتى يضيع دمه في قبائل البغي والظلم والجهل والتخلف كما تفعل أمريكا اليوم ومعها المجتمع الدولي في محاربة الإسلام عن طريق ما يسمى بالتحالف الدولي… ولكن أنَّى لهذه الجموع والأحلاف، مهما بلغت عددًا وعدة، ومهما تآمرت وأجرمت، أن تقف أمام سنَّة الله هذه في التغيير. فحدث الهجرة كانت تقف وراءه إرادة جبَّار السموات والأرض، وتعلَّق به تغيير كوني شامل طال بخيره العالم أجمع، وأراد الله سبحانه له أن يمضي إلى قيام الساعة، وهو الآن في حالة انقطاع. وكما أنه لم يستطع أن يوقف حركته وبلوغه هدفه زعماء قبائل جاهليون منتفِخون، ولا قطاع طرق مفسدون محاربون، ولا صائدو مكافآت مأفونون… وكذلك سيكون يوم عودة مثل يوم الهجرة، بعون الله وتوفيقه، وعدًا مفعولًا وقدرًا مقدورًا.

وتشاء إرادة الله سبحانه أن تتوهج لمعة الهجرة الكونية لتخطَفَ الأبصار، ولتُشرق الأرض بنور ربها وتنيرَ أبصارَ من عمي عليهم الحق ونُكِسوا على رؤوسهم، ولتمرَّ اللحظة وصاحبها بسلام من بين أيديهم تشق طريقها كأشهر لحظة كونية مرت بالعالم على مرِّ تاريخه… فسبحان خالق الكون، ربِّ العالمين… صانع لحظات تَغَيُّرِهم الحاسمة الفاصلة، فلم تمضِ إلا سويعات قليلة حتى سُمع هناك في يثرب، في طيبة الخير، أصداء خبر وصول البدر إلى ثنية وداعها، ولتصدحَ حناجر المؤمنين هاتفةَ للحدث ولصاحبه ودعوته أن “طلع البدر علينا من ثنيات الوداع، وجب الشكر علينا ما دعا لله داع، جئت شرَّفت المدينة، مرحبًا يا خير داع” ليحدثَ بعدها الاستخلاف والتمكين، وليحلَّ الأمن محل الخوف…  وليتجمَّعَ الجميع حول صاحب الدعوة والدولة، وليسلموا (مهاجرون وأنصار) أمرهم له عن رضا، وكلهم إيمان بالله، وانتماء لدولة الإسلام الناشئة وطاعة لنبيِّها… الكل (مهاجرون وأنصار) يرحب بالرسول وصاحبه وهم متوشِّحون سيوفهم، جاهزون لحماية هذه الدعوة ورسولها. وحتى اليهود من أهل المدينة والمنافقون من مشركيها لم يخرجوا عن أجواء هذا الاحتفاء.

مع هذه الهجرة النبوية، وجدنا أنفسنا أمام مشهدية رائعة في سنة الصراع بين الحق والباطل: سيوف هناك في مكة تأهَّبت للقتل والإجهاز على الدعوة ورسولها من أجل حماية الكفر ونظامه. وسيوف هنا في المدينة تأهَّبت من أجل حماية رسالة الإسلام ورسولها عليه أفضلُ الصلاة وأتمُّ السلام… مؤامرة هناك في مكة حيكت لسفك دم الرسول من صناديد الأهل والعشيرة وغيرهم من الذين كفروا بدعوته فصاروا بيئة طاردة، واحتفالية وفرح هنا في يثرب بقدوم صاحب الدعوة، ليحلَّ على إخوة له مؤمنين به، ناصرين له ولدعوته، وليشكلوا له بيئة حاضنة حامية له من كل عادية. إن الهجرة النبوية كانت أعظم حدث كوني أرّخَ لبناء أعظم دولة لأعظم فكرة وأعظم أمة. إنها ذكرى فرض الله علينا أن نعيدَها من بعد ضياع، وأن يكون فينا ثلة خير من السابقين الآخرين الذين يتَّبعون السابقين الأولين بإحسان إلى يوم الدين.

نتذكر هذا الحدث وما سبقه وما رافقه من المعاناة والصبر على الأذى والتآمر، والخوف والرجاء والترقب؛ لنؤكد للجميع أننا على الدوام ننظر إلى هذا الحدث من زاوية جدُّ مختلفة، ولنتساءل معًا:

– إنه، ومن أول نزول القرآن، وفي سورة العلق تحديدًا، نزل ذكر الله الخالق للإنسان كإنسان بغض النظر عن عرقه أو لونه أو قومه أو أي اعتبار آخر، وذكر العلم والقلم والإكرام الذي يناله هذا الإنسان منهما وأولهما العلم بالله، وذكر الصراع بين الحق والباطل، وذكر الكافر الذي ينهى عن الخير والمؤمن الذي يأمر بالتقوى، وذكر المعاد والعذاب، وأمر المؤمن بأن يتقرب إلى الله بالسجود له سبحانه… فمن أول ما نزل من القرآن يفهم الإنسان أن هذه الدعوة هي له كإنسان.

– إن هذه الدعوة أتت لتكون تتمة للرسالات السابقة ولكنها بلون جديد يقوم على التوحيد، على عالمية الرسالة بعالمية النظام الذي جاءت به، والذي سار الرسول على طريق إرساء عالميته منذ خطواته الأولى، فها هو سلمان الفارسي، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي وأبو بكر العربي قد اجتمعوا عليها على السواء… أتت لتدعو أصحاب الدعوات الأخرى من يهودية ونصرانية ومجوسية وصابئة… ولم توفر واحدة منها… أتت لتعلن البراء من كل عرقية أو عصبية ولتحصر الولاء بما جاء به هذا الدين القيِّم…

– إن هذه الدعوة أتت لتستوعب أصحاب الأديان الأخرى، وتدرجهم في رعاية دولة الإسلام حين تركت أصحابها وما يعتقدون وما يعبدون، وتركت أمور أحوالهم الشخصية من زواج وطلاق ومأكل وملبس لهم بحسب أديانهم، على أن يكون النظام العام هو النظام الذي أنزله الله على رسوله، ولتتحقق بهذا عالمية النظام.

– إن هذه الدعوة قد أتت لتعلن أنها تحمل الدين الحق للبشر، وأن كل ما عداها هو الباطل إلى قيام الساعة، فهي كما رفضت وهاجمت أفكار الشرك والكفر السائدة في زمانها من عبادة الأصنام أو النجوم أو الدهريين الذين يقولون وما يهلكنا إلى الدهر… فهي على القياس كذلك ترفض ما يسمى اليوم بالديمقراطية والاشتراكية، وتلفظ دعوات الوطنية والقومية المنتنة، وتدعو على الدوام إلى عبادة الله الواحد الأحد القهَّار…            

– إن هذه الدعوة سعت من أول خطواتها إلى إقامة دولة تحكم بهذا الدين، فهو صلى الله عليه وسلم القائل فيها لكفار قريش: “كلمة تعطونيها تحكمون بها العرب وتدين لكم بها العجم”، وهو الذي طلب النصرة لإقامة الدولة، والتي تأكَّدت قريش بطلبه لها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو لإقامة دولة؛ لذلك حاربتها من هذه الزاوية محاربة شديدة وأعلنت النفير عليها، واجتمعت على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم لمنعها؛ ولكن الله غالب على أمره، فكانت ثمرتها بإقامتها في المدينة…

– إن الدولة التي أوجدها الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة إنما وجدت لتدوم لأنها تعلَّقت بها أحكام شرعية وأنظمة حياة، بامتثالها وطاعتها تتم عبادة الله، ومتى انقطعت انقطع معها حبل العبادة ووجب استئنافها. وبتعطُّلها تتعطَّل كل الأحكام الشرعية المنوطة بها، وبإيجادها تعود للتطبيق، وبغيابها تتحوَّل طريقة تطبيق الدين من دين عالمي إلى دين فردي شبيه بدين اليهود والنصارى. وهذا قبوله والسكوت عنه إثمه عظيم ما بعده إثم، وفي عدم العمل لعودته واستئنافه غضب من الله على القاعدين ما بعده غضب.

– إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اعتمد على مبدئية الدعوة وصدق المواقف من أول خطواتها حتى منتهاها للوصول إلى تحقيق هدفه. فهو عليه الصلاة والسلام لم يقبل المساومة عليها، ورفض عرض قريش له بأن يكون سيدهم، وأن يجعلوه أغناهم مقابل أن يتخلَّى عن دعوته، ورفض أن يساوم على الحكم عندما رفض عرض بنو صعصعة أن يكون الأمر أي الحكم لهم من بعده، مع أنه كان في أكثر الأوضاع شدة عليه وعلى صحابته وعلى دعوته…  وهذه المبدئية نحن أحوج ما نكون إليها اليوم فنرفض معها كل ما يلبس الحق بالباطل، ونرفض معها كل إشراك لغير الله في إقامة الدولة والحكم بما أنزل الله؛ فنرفض فكرة التدرج وما فيها من قبول لغير حكم الله، ونرفض فكرة المشاركة في الحكم مع أنظمة الكفر وما فيها من تحاكم لغير شرع الله، ونرفض كل مقولات الغرب في محاولاته الحثيثة لتمييع الإسلام من مثل مقولة “خذ وطالب” و”ما لا يدرك كلُّه لا يترك جلُّه” ونرفض مقولة الديمقراطية وتفسيرها ظلمًا وعدوانًا بالشورى؛ إذ إن قبول مثل تلك المقولات إنما تنمُّ عن ضعف في الإيمان، وضعف في التفكير، وضعف في الفهم، وضعف في الالتزام… مرده التأثر بالغرب. فالرسول صلى الله عليه وسلم نهانا أن نأخذ شيئًا مهما كان يسيرًا من خارجها، فعن جابر بن عبدالله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب، فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال: «أمتهوِّكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو باطل فتصدقوا به. والذي نفسي بيده لو أن موسى – صلى الله عليه وسلم – كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني». بل علينا أن نحافظ على هذه الدعوة نقية صافية كما جاء بها رسولنا الأكرم, ففي حديث رواه ابن ماجه عن العرباض بن سارية قال: وعظَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع. فماذا تعهد إلينا؟ قال: «قد تركتُكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدًا حبشيًّا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قِيد انقاد.”

– إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أصابته أشواك الدعوة كما أصابت أصحابه ليكون لهم وللمسلمين حتى قيام الساعة المثل والقدوة والأسوة الحسنة، فلم تقم الدولة بتدخل رباني مباشر بعيدًا عن مشاقِّ التكليف، ولم يتم في قيامها إهلاك الأقوام المناوئة والرافضة والمحاربة بنوازل من عند الله لا تبقي على أحد منهم، بل على العكس من ذلك، فقد حدثت فيها معارك وغزوات دالت على الكفار والمسلمين على السواء، حتى هلك الصناديد وآمنت بقية الناس ومنهم أبناء هؤلاء الصناديد وذراريهم… لقد قامت بشكل يجعل العمل لإقامتها متاحًا في كل زمان، ويتطلب أن تبذل له الجهود ويصبر عليه الصبر الجميل في الله، ويذاق في سبيلها البأساء والضرَّاء، كما هو حالنا اليوم؛ حتى تقوم كما قامت من قبل.

– إن هذه الدعوة أحيت الموات؛ فهي قامت في جزيرة العرب البعيدة عن مفهوم الحضارة، ومفهوم الدولة، والضاربة في العرقية والعصبية والرق والعبودية، والراتعة في ظلمات الأمية والجاهلية…

– إن هذه الدعوة لم تسيطر عليها فكرة الغلبة على الآخرين، ولا فكرة استغلالهم، ولا التنقُّص منهم… بل كان دأبها نشر هذا الدين وإدخال الناس فيه عن طريق إزالة أي عائق يحول دون اختيار هذا الدين عن طواعية واقتناع، ولهذا كانت الأكثر قبولًا وانتشارًا، وسيبقى كذلك إلى يوم الدين.

وهكذا نجد أن الدعوة في مكة بما أظهرته من مبدئية، وصبر على الأذى، ومن حرص على هداية الآخرين، وعدم الدعوة إلى الانتقام بعد ظهور الدين… وباعتمادها فقط على سلاح الحجة البالغة والكلمة الطيبة والدعوة الصادقة، وعدم الدعوة إلى استعمال السلاح في نشر الدعوة في مكة لإقامة الدولة، فلم تَسلِ الدماء، ولم تنتشر الأحقاد، ولم تنتشر ثقافة الانتقام… وكل ذلك لأن الإسلام هو دين هداية، والدولة دولة رعاية. والمسلم أحب إلى نفسه أن يهدي الناس من أن ينتقم لنفسه منهم… وهكذا نرى أن علائم المبدئية ظهرت على دعوة الرسول في مكة بشكل لافت، وكان من علائم نجاح الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته العالمية أنه خرَّج رجال دولة على غير نظير في القيادة، مؤهلين لهذه المهمة العالمية، فكانت مرحلة مكة مرحلة غرس الإيمان والتطلع لحمل الدعوة إلى الناس كافة، وكانت مرحلة المدينة هي المرحلة العملية لنشر الإسلام عالميًا، وكانت الدولة الإسلامية هي الآصرة التي تطبِّق الإسلام وتحافظ عليه وتحمله وتنشره: عقيدةً ونظامَ حياة. 

نعم، لقد غير يوم الهجرة واقع الناس؛ فها هم المهاجرون صارت لهم دار تسمى دار الهجرة، وصار اسم أهل المكان الأصليين الأنصار، وصار اسم “يثرب” “المدينة” و”طيبة الخير”… أسماء كلها دلالات على كيان جديد صهر المهاجرين الوافدين مع الأنصار أهل البلد في بوتقة واحدة بلا وثائق تميزهم عن بعضهم بأن هذا وافد وهذا مواطن، فالكل مسلمون يحملون وثيقة “الشهادتين” ويتفاضلون بالتقوى.

أيها المسلمون، إننا في حزب التحرير، نعلن لكم أننا نحمل الدعوة ذاتها التي جاء بها رسولنا الكريم، وسرنا وما زلنا على الطريقة ذاتها التي سار عليها صلى الله عليه وسلم، مؤمنين بأنها الطريقة الوحيدة التي سنتمكن بها من بناء دولة الإسلام كما بناها عليه الصلاة والسلام أول الأمر، متسلِّحين بسلاح الفكر والحجة وطلب النصرة ذاته لنحصد النتيجة ذاتها فنقيم دولة الإسلام بالمسلمين وفيهم؛ لتعود العزة لله ولرسوله وللمؤمنين في الأرض. وإننا لنبعث في دعوتنا نفس الألفاظ ودلالاتها: طريقة الرسول في حمل الدعوة، وطلب النصرة، ودار الهجرة أي دار الإسلام، والخلافة الراشدة على منهاج النبوَّة، والحكم بما أنزل الله، وإظهار الدين على الدين كله…

إن الدعوة إلى إقامة الخلافة الراشدة هي بمثابة إعلان عن حياة جديدة يرعاها نظام عالمي جديد بكل تفاصيله؟ هو نظام الإسلام، فلنكن من شهودها وجنودها وعمَّارها وأئمتها، ولنجعل من الهجرة مناسبة لهجر أنظمة الكفر وأئمته وأوليائه، وإقامة أمر الله وإظهاره على الدين كله.

لقد مضى قرن على الأمة من دون خلافة، وسيمر قرن آخر غيره إن لم تسلك الأمة طريق رسولها، وقادة الغرب يخشون أشد الخشية من أن يأتي يوم على المسلمين مثل يوم الهجرة؛ لأنهم يعلمون أن سيستأصل شأفتهم؛ لذلك نراهم يكيدون لهذه الدعوة حتى لا تصل إلى مبتغاها، ونحن علينا أن نعمل ببصر وبصيرة وصبر ونعلم أن الجنة هي سلعة الله الغالية. وعلينا أن نرفق بأمتنا فهي وإن كانت غائبة عن الوعي بفعل الكافر المستعمر وأعوانه، إلا أن هذا الغياب مفتعل وعارض ويمكن إزالته بتحري الصواب وإخلاص العمل لله وحده. وبالصبر حتى يقضي الله أمر الخير فيها فتقوم “خلافة راشدة على منهاج النبوة” وتتحقق البشرى.

وفي الختام، نتوجه إلى المسلمين كافة برسالة ندعوهم فيها إلى قراءة سيرة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لتطلعوا على الطريقة الشرعية لإقامة دين الله ودولة الإسلام، ومن ثم الاطلاع على منهج حزب التحرير الذي فصَّل فيه لمشروع نهضة الأمة ببناء دولة الخلافة على منهاج النبوة، حتى يتَّبع من يتَّبع عن بيِّنة، لافتين إلى أمر في غاية الأهمية ألا وهو أن الأمر كله بيد الله، فلا قيام لأي مشروع بدون إذنه وتوفيقه، فنسأله تعالى أن نكون أهلًا للنصر والتمكين. ولأن غايتنا بناء دولة الخلافة لاستئناف الحياة الإسلامية بكل تفاصيلها بنظام الإسلام، فليست الفكرة في استعجال الإعلان عن قيام الدولة بقدر ما هو الإعلان عن قيام دولة إسلامية قادرة على الحكم بما أنزل الله حقيقة. فنحن نقدر لهذا الحدث الكوني قدره الذي يستحقه، ونصل الليل بالنهار في عمل دؤوب هادف مثمر بإذن الله تعالى، نملأ به جنبات بلادنا الإسلامية، فنحن حزب سياسي محترف ولسنا هواة مغامرين نجرب أفكارنا في حياة الناس، بل نعمل وفق رؤية ومنهج شرعي مستوحى من كتاب الله وسنة رسوله، نعمل ونحن مطمئنون إلى أن الأمر لله وأنه سبحانه متمُّ هذا الأمر ولو بعد حين، نراه بإيماننا رأي العين… فاللهَ نرجو أن يعجِّل لنا بالنصر والتمكين؛ فيُفرج عن هذا الحدث الكوني عما قريب؛ لنعيش والمسلمين أجواء هذه اللحظات؛ فتشرق الأرض بنور ربها، ويتحقق فينا معنى الهجرة إلى الله وشريعته؛ فتهاجر أمتنا إلى رضوان الله وتخلع وتهجر كل أنظمة الكفر؛ فيتجلَّى في حركة حياتنا معنى أن لا إله إلا الله، وأن الله أكبر… وعلى الله قصد السبيل.

لـِمَاذَا كُلُّ هَذَا الرُّعْبُ مِنَ الإِسْلامِ؟ (1)

 لـِمَاذَا كُلُّ هَذَا الرُّعْبُ مِنَ الإِسْلامِ؟ (1)

 

ثائر سلامة، أبو مالك

مجلة الوعي: العدد 420 - السنة السادسة والثلاثون – محرم 1443هـ – آب 2021م

يقول أحد كبار رموز التخطيط الاستراتيجيّ للولايات المتّحدة الأمريكيّة، المستشرق الصهيوني الشهير المعاصر«برنارد لويس»: «لقد كانت عادتنا الّتي تعوّدناها في العالم الغربيّ هي أنه: كلّما اتّجه الشرقيّون إلينا كلّما ازداد تمسُّكنا بالغرب لنجعل أنفسنا مثالًا للفضيلة والتقدُّم؛ فإذا تشبّهوا بنا عددْنا ذلك أمرًا حسنًا، وإذا لم يكونوا كذلك عددْنا ذلك سوءًا وشرًّا؛ فالتقدّم هو في التشبُّه بنا، أمّا إذا لم يقتدوا بنا فذلك هو التقهقر والاضمحلال!! إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك بالضرورة، فعندما تصطدم حضارتان تسيطر إحداهما وتتحطّم الأخرى، قد ينبري المثاليّون والمفكّرون فيتحدّثون بطلاقة وسهولة عن تزاوجٍ بين أحسن العناصر من الحضارتين، إلاّ أنّ النتيجة العاديّة في هذا التلاقي هي تعايشٌ بين أسوأ العناصر من الاثنين1».

وكتب برنارد لويس أيضًا: «إن إرهاب اليوم هو جزء من كفاح طويل بين الإسلام والغرب… فالنظام الأخلاقي الذى يستند إليه الإسلام مختلف عما هو فى الحضارة الغربية المسيحية / اليهودية، وإن آيات القرآن تصدق على ممارسة العنف ضد غير المسلمين… وهذه الحرب هي حرب بين الأديان»[1].

وكتب المفكر الاستراتيجي الأمريكي «فوكو ياما» يقول: «إن الصراع الحالي ليس ببساطة ضد الإرهاب؛ ولكنه ضد العقيدة الإسلامية الأصولية التي تقف ضد الحداثة الغربية وضد الدولة العلمانية، وهذه الأيديولوجية الأصولية تمثِّل خطرًا أكثر أساسية من الخطر الشيوعي، والمطلوب هو حرب داخل الإسلام، حتى يقبل الحداثة الغربية والعلمانية الغربية والمبدأ المسيحي: “دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله”»[2]!.

ولقد فسر الرئيس الأمريكي الأسبق «نيكسون» مراد الأمريكان من «الأصولية الإسلامية» في كتابه: «الفرصة السانحة» فقال: «إنهم هم الذين يريدون بعث الحضارة الإسلامية، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وجعل الإسلام دينًا ودولة، وهم وإن نظروا للماضي فإنهم يتخذون منه هداية للمستقبل، فهم ليسوا محافظين، ولكنهم ثوار»[3]!.

وعلى درب هذه الشهادات، قالت «مارجريت تاتشر» رئيسة الوزراء البريطانية الأسبق: «إن تحدي الإرهاب الإسلامي إنما يشمل حتى الذين أدانوا أحداث 11 سبتمبر وابن لادن وطالبان، يشمل كل الذين يرفضون القيم الغربية، وتتعارض مصالحهم مع

الغرب [4]»!.

فهذه شهادات من صنَّاع قرار استراتيجي، ومن مفكّرين، ومن سياسيين قادة أداروا السياسة تُجاه العالم الإسلامي، وهذا هو منظورهم لطبيعة الصراع.

وكانت أمريكا قد وضعت مواصفات للمسلم المعتدل كما جاء في دراسة وتوصيات لمركز راند المدعوم من وزارة الخارجية الأمريكية في 2007م استغرقت ثلاث سنوات تحت اسم «بناء شبكات مسلمة معتدلة Building Moderate Muslim Networks[5]» فالمسلم المعتدل، بحسب الوصفة الأمريكية، هو الذي:

1 – يرى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية.

2 – يؤمن بحرية المرأة في اختيار «الرفيق»، وليس الزوج.

3 – يؤمن بحقِّ الأقليات الدينية في تولي المناصب العليا في الدول ذات الغالبية المسلمة.

4 – يدعم التيارات الليبرالية.

5 – يؤمن بتيارين دينيين إسلاميين فقط هما: «التيار الديني التقليدي» أي تيار رجل الشارع الذي يصلي بصورة عادية وليست له اهتمامات أخرى، و«التيار الديني الصوفي» – يصفونه بالتيار الذي يقبل الصلاة في القبور (!) – وبشرط أن يعارض كل منها ما يطرحه «التيار الوهابي».[6]

وكتبت كارين آرمسترونغ karen Armstrong (الراهبة التي تركت الدير لتصبح باحثة ومؤلفة مرموقة) قبل عشر سنوات من إطلاق جورج دبليو بوش أحدث حملة على الإسلام تقول: «يبدو أن الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي على وشك أن تستبدل بحرب باردة ضد الإسلام». وفي كتابها المعنون «محمد.. سيرة حياة نبي»، كتبت آرمسترونغ تقول: «في الغرب هناك تاريخ طويل من الشعور بالعداء تُجاه الإسلام، وما يزال هذا العداء …إن التحامل على الإسلام هو الذي دفع بالسكرتير العام لحلف شمال الأطلسي للقول عام 1995م بأن الإسلام السياسي لا يقلُّ خطورةً على الغرب من الشيوعية.»

وقال يوجين روستو Eugene Rostow[7]: «يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب؛ بل خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية…إن  الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا هي جزء مكمل للعالم الغربي فلسفته وعقيدته ونظامه، وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي، ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام، وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية؛ لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها»[8].

وطبقًا للمؤرخ والمفكر صامويل هنتينغتون، فإن أحد كبار المسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي السابق كلينتون وصف الإسلام بأنه نِدٌّ عالمي للغرب. كما كتب هنتينغتون لاحقًا: «خلال الفترة بين 1980ـ 1995 نفذت الولايات المتحدة 17 عملية عسكرية في الشرق الأوسط، طبقًا لوزارة الدفاع الأمريكية، وكانت جميعها تستهدف المسلمين، وهو رقم لم يسجله التاريخ العسكري للولايات المتحدة ضد أي شعب من أي حضارة أخرى.»

وكتب هنتينغتون في كتابه الشهير «صراع الحضارات»: «إن المشكلة بالنسبة إلى الغرب ليست مشكلة الأصوليين الإسلاميين، بل المشكلة بالإسلام نفسه، الذي يمتلك حضارة مختلفة يؤمن أصحابها بتفوقها… المشكلة في الغرب نفسه ذي الحضارة المختلفة والتي يؤمن أصحابها بتفوقها وصلاحيتها كنظام عالمي، يرغبون في فرض هذه الحضارة على العالم. «[9] ودعنا نشدد على عبارة «فرض هذه الحضارة على العالم».

وحينما سألت ليسلي شتال مقدمة البرامج من قناة سي بي أس الأمريكية وزيرة الخارجية الأمريكية الصلفة المتعجرفة مادلين أولبرايت: «هل تعتبرين دم نصف مليون طفل عراقي، إبادة كل تلك الضحايا ثمنًا يستحق العملية؟، فأجابت المتعجرفة الديمقراطية أولبرايت: «أعتقد أن هذا اختيار في منتهى الصعوبة؛ لكن الثمن كما نرى يستحق»[10].

ومن المعروف أن العملية كانت من أجل النفط، ومصالح الشركات الأمريكية الكبرى، ولإحكام سيطرة وسيادة واستعمار أمريكا للمنطقة، وفرضُ نمطِ معيشَتها على العراقِ وأهلهِ.

«إنهم يعلمون أننا نمتلك بلدهم، إننا نفرض عليهم الطريقة التي يعيشون ويتحدثون بها، وهذا هو الشيءُ العظيمُ بالنسبة لأمريكا في الوقت الراهن، إنّهُ شيءٌ طيبٌ، خاصة عندما يكون هناك قدرٌ كبيرٌ من النفطِ تشتدُّ حاجتنا إليه» اللواء وليام لوني، قائد القوات الجوية الأمريكية التي قامت بقصف العراق.[11]

في 7 كانون الثاني 1991م، أوضح الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون في جريدة نيويورك تايمز بأنه «نحن لا نذهب إلى هناك للدفاع عن الديمقراطية؛ لأن الكويت ليست بلدًا ديمقراطيًا، ولا يوجد بلد ديمقراطي في المنطقة، ونحن لا نذهب إلى هناك للدفاع عن الشرعية الدولية، نحن ذاهبون إلى هناك وعلينا أن نفعل ذلك لأننا لا نسمح لأحد أن يمس مصالحنا الحيوية»[12]

[1]1             – برنارد لويس – الغرب والشرق الأوسط – تعريب نبيل صبحي – بيروت – د.ت – ص60 نقلًا عن نشوء الحضارة الإسلامية للأستاذ أحمد القصص.

                 في «النيوز ويك» (عدد 14 يناير 2004م) 

[2]               في العدد السنوي « للنيوز ويك « (ديسمبر 2001 م – فبراير 2002م)،

[3]               نيكسون، الفرصة السانحة ص 140-141 ترجمة أحمد صدقي مراد 1992م، والأصولية بين الغرب والإسلام د. محمد عمارة ص 15.

[4]               الأصولية بين الغرب والإسلام د/ محمد عمارة. 

[5]               http://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/monographs/2007/RAND_MG574.pdf

[6]

                 تقرير « RAND 2007 « خطير جدًا .. تفاصيل خطيرة عنه يجب معرفتها! عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل.

[ كتب سيد قطب رحمه الله تعالى مقالًا عام 1952م بعنوان «إسلام أمريكاني» قال فيه: « والإسلام الذي يريده

الأمريكان وحلفاؤهم في الشرق الأوسط، ليس هو الإسلام

الذي يقاوم الاستعمار، وليس هو الإسلام الذي يقاوم

الطغيان، ولكنه فقط الإسلام الذي يقاوم الشيوعية! إنهم لا يريدون للإسلام أن يحكم، ولا يطيقون من الإسلام أن يحكم، لأن الإسلام حين يحكم سينشئ الشعوب نشأة أخرى، وسيعلّم الشعوب أن إعداد القوة فريضة، وأن الشيوعية كالاستعمار وباء. فكلاهما عدو، وكلاهما، اعتداء»….سيد قطب/ يونيه 1952م، من كتاب “دراسات إسلامية ص 119].

[7]8             رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية، ومساعد وزير الخارجية لشؤون الأمنلقومي، ومستشار للرئيس الأمريكي السابق ليندون جونسون لشؤون الشرق الأوسط حتى عام 1967م.

[8]ا              جلال العالم، قادة الغرب يقولون: أبيدوا

الإسلام، دمروا أهله، القاهرة، المختار الإسلامي للطباعة ط 2، ص 24-25، وظاهرة الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) في الغرب، أسبابها، مظاهرها، ونتائجها، إياد صلاح شاكر. دار الكتب العلمية، ص50.

[9]               عبد الحي زلوم: الإسلام… العدو الجديد بعد الشيوعية والولايات المتحدة وحلفاؤها هي “فرّاخة الإرهاب”

[10]              أنظر المقابلة على هذا الرابط، كذلك جون بيلجر: حكام العالم الجدد ص 80

[11]              حكام العالم الجدد جون بيلجر ص 80

[12]              أمريكا المستبدة وسياسة السيطرة على العالم «العولمة» مايكل بوغنون موردانت ص 142

بالخِلافة وحدها يُقام الدين… (2)

 بالخِلافة وحدها يُقام الدين… (2)

الخلافة ليست فرضًا عاديًّا، بل هي في أول سلم الفروض، وهي تاج الفروض (2)

                                                                 

عبدالخالق عبدون علي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير – ولاية السودان

مجلة الوعي: العدد 420 - السنة السادسة والثلاثون – محرم 1443هـ – آب 2021م

عندما نقول إن الخلافة هي تاج الفروض فلما يلي:

أولًا: إنه لا يختلف اثنان من المؤمنين بأن رسالة الإسلام تفرّدت عن غيرها من الرسالات بأنها أتت للناس كافة، قال تعالى: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا)، فهي صالحة لكل زمان ومكان، وفيها معالجات لجميع مشاكل الإنسان مهما تغيّرت هذه المشاكل وتنوّعت إلى يوم الدين، يقول الله سبحانه وتعالى: ( ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ ). كما أن الإسلام تميَّز عن غيره من المبادئ أنه دين وحضارة، وامتاز بأنه واقعي عملي، ينطبق على واقع الإنسان وليس دينًا نظريًا، بل نزل للعمل به؛ لذلك لم يقتصر الإسلام على الأفكار من بيان العقيدة والمعالجات فقط، بل بيّن كيفية تنفيذ هذه المعالجات، وكيفية حماية العقيدة، وكيفية حمل هذه العقيدة إلى العالم، وكانت هذه هي طريقته.

والطريقة أحكام شرعية فيها الأوامر والنواهي، فإن كان وجوب الإيمان والنهي عن الارتداد من الفكرة، كان التعامل مع المرتد وتطبيق الأحكام عليه من الطريقة. وكما أمرنا الله سبحانه وتعالى بالعفَّة ونهانا عن الزنا، وأمرنا بحفظ الملكية الفردية ونهانا عن السرقة؛ فإنه كذلك بيّن لنا كيفية المحافظة على العِرض وعقوبة الزاني، وبيَّن لنا أحكام النهب والاختلاس وحد السرقة، وهذه كلها أحكام شرعية يجب التقيُّد بها دون حيد، قال عز وجل: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا ٦٥)، وقال تبارك وتعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا ٣٦) [الأحزاب: 36]. وحاشى لله أن ينزّل أحكامًا شرعية لمعالجة مشاكل الإنسان دون بيان كيفية تنفيذ هذه الأحكام، كأن يقول لنا: لا تزنِ، ولا تسرقْ، ولا تشربِ الخمر… ثم يتركنا هكذا؛ لأنه بذلك تصبح المعالجات فلسفة خيالية لا يمكن تطبيقها على الواقع، وهذا يخالف ما عليه الإسلام الذي ما ترك صغيرة ولا كبيرة إلا بيَّنها للإنسان، ولم يترك مجالًا لأحكام الهوى والعقل أن تحكم البشر، قال تعالى: (وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ) [النحل: 89]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يُؤْمِن أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُون هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ» [صحيح البخاري]. ومن أوامر الله ونواهيه أنه أمرنا بالحكم بالإسلام ونهانا عن الحكم بغيره، قال سبحانه: (وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَٰسِقُونَ ٤٩ ) [المائدة: 49]، وقد بيَّن لنا كيفية تنفيذ هذا الحكم، فشرّع نظامًا تفصيليًا للحكم هو نظام الخلافة، بيّن فيه أجهزة الخلافة وشروط الخليفة والبيعة وأجهزة الدولة وغيرها من تفصيلات. وقد بيَّن حزب التحرير ذلك تفصيليًا في كتابي (نظام الحكم في الإسلام) و(أجهزة دولة الخلافة في الحكم والإدارة) وهما من منشورات حزب التحرير؛ فكانت هذه هي طريقة الإسلام لتنفيذ أمر الله بالحكم بما أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم وهي نظام الخلافة، الذي يبايِع فيه الناس خليفة على كتاب الله وسنة نبيِّه لينوب عنهم بتنفيذ شرع الله داخل الدولة؛ فيحافظ بذلك على عقيدة الأمة، ويمنع ظهور الكفر البواح، وينفذ الفروض، ويمنع المحرمات، ويأخذ الزكاة ويردها إلى مستحقَّيها، ويقيم الحدود، ويفصل الخصومات، ويرعى شؤون الناس، ويحمل الإسلام رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد، وبذلك يكون الإسلام حيًّا يمشي على الأرض يُطبَّق على الناس ويُحمل للعالم، وهذا لا يكون إلا بالخلافة؛ لذلك كانت تاج الفروض.

ثانيًا: ومما جعل الخلافة تاج الفروض، أن الإنسان بطبيعته بحاجة إلى إشباع غرائزه وحاجاته العضوية، وهذا الإشباع يحتاج إلى تنظيم معيَّن، وإلا عاش الإنسان مضطربًا في شقاء. ولا يستطيع الإنسان أن يضع نظامًا من نفسه لنفسه؛ لأنه ناقص وعاجز ومحتاج لغيره؛ لذلك كان يجب أن يكون هذا النظام من الخالق الذي خلق الإنسان وخلق معه الغرائز والحاجات العضوية، وهو سبحانه العالـِم بكيفية تنظيم هذا الإشباع، قال تعالى: (أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ ١٤) [الملك: 14]؛ وعليه كانت رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي النظام المنزَّل من الخالق لتنظيم إشباع غرائز الإنسان وحاجاته العضوية، فشرَع نظامًا مخصوصًا للعبادات نظَّم من خلاله إشباع غريزة التدين، وشرَع نظامًا اجتماعيًّا نظَّم من خلاله إشباع غريزة النوع، وشرَع نظامًا اقتصاديًّا وسياسيًّا فنظَّم من خلاله إشباع غريزة البقاء، وشرَع أحكامًا للمطعومات والمشروبات نظَّم من خلالها إشباع الحاجات العضوية. إلا أن هذه الأنظمة والأحكام لا يمكن أن تنظِّم حياة الإنسان وهي في بطون الكتب نتغنّى بها وبجمالها وكمالها، بل لا بد من أن تطبَّق في الحياة ليتحقَّق الإشباع المؤدِّي إلى السعادة والطمأنينة فعليًّا، فقوله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ ) [الأنفال: 60]، وقوله تعالى: ( وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ ) [البقرة: 275]، وقوله تعالى: (وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ
حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْۚ وَلَعَبۡدٞ مُّؤۡمِنٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ ) [البقرة: 221]، وغيرها من أحكام الله لا تظهر نتائجها إلا بجعل الإسلام في الحكم، ولا يكون الإسلام في الحكم إلا بإقامة الخلافة التي تُلزم الناس بهذه الأحكام وتعاقب كل من يخالفها. وإقامة الخلافة لا تكون إلا بإعطاء الأمة -بالرضا والاختيار- سلطانها عن طريق البيعة لخليفة ينفِّذ أحكام الله عليها وينظِّم علاقات الناس على أساسها، ليتمَّ إشباع الغرائز والحاجات العضوية وَفق شرع الله، من هنا أيضًا تكون الخلافة تاج الفروض.

ثالثًا: لو نظرنا من ناحية المجتمع سنجد أن رقي المجتمع وطمأنينة الإنسان فيه يعتمدان على ما يعتبره الناس أنه مصلحة، وعلى النظام الذي ينظِّم العلاقات والأفكار التي تشكِّل القناعات والمشاعر لدى الناس، فكان يجب أن تكون المصالح راقية ويكون النظام صحيحًا. وقد أثبت الواقع العملي أن الإنسان غير قادر على أن يضعَ لنفسه نظامًا صحيحًا أو يحدد المصالح الراقية، فحين تُرك الإنسان دون هداية وأَد البنات، وقطَع الطريق، وعبَد الحجر، وباشَر الزنا، وضيَّع الأنساب. ولم يحيَ الإنسان حياة كريمة إلا عندما أرسل الله سبحانه وتعالى له النظام الربّاني الذي بيَّن المصالح الراقية والأفكار المستنيرة والمشاعر السامية، فأرشد الإنسان إلى ما هو نافع له، وحدَّد الخير والشر، والحسن والقبيح. قال تعالى: (فَلَا تَضۡرِبُواْ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ٧٤)  [النحل : 74]. هذا وقد كان لهذا النظام الشرعي طريقة مخصوصة لتجسيده في علاقات الناس، هي الخلافة؛ لأن تنظيم العلاقات وفصل الخصومات ورعاية المصالح على أساس الإسلام لا يكون إلا بالحكم بما أنزل الله، وهذا لا يكون إلا بنظام الخلافة. ولو تفحَّصنا سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، لوجدنا أنه عليه الصلاة والسلام لم يرعَ مصالح الناس ولم يقضِ بخصومة ولم يجيِّش جيشًا، ولم يقدّم لأصحابه شيئًا وهم يسامون أنواع العذاب في مكة؛ لأن الإسلام لم يكن نظامًا للمجتمع المكيّ آنذاك، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن حاكمًا له؛ ولكنه حين استلم الحكم في المدينة، قضى بين الناس، وفصل الخصومات، وأخذ المال ووزَّعه، وأقام الحدود، وأمَّر الأمراء، واستقبل الوفود، وأبرم المعاهدات، وساس الناس بما أنزل الله ورعى مصالحهم بالإسلام، وخلَفه بذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، ساروا على نهج النبوة؛ فحفظوا عقيدة الأمة، وجمعوا القرآن، وضربوا أروع الأمثلة في رعاية الناس، فكان مجتمعهم يُساس على أساس الإسلام، راقية فيه المصالح والأفكار والمشاعر، فكان الناس يعيشون في طمأنينة وسعادة، سعادة تطبيق دين الله. ولم يكن  ذلك إلا بالخلافة التي يطلق عليها حقًّا أنها تاج الفروض.

رابعًا: مما يعزّز كون الخلافة تاج الفروض، أن الله سبحانه وتعالى أمر بتبليغ الإسلام وحمله للعالم، وكان ذلك واضحًا في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: «يا عمّ، إنما أردتُهم على كلمة واحدة تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية…» وما أدلُّ على ذلك من نص بيعة العقبة الثانية التي قال فيها العبّاس بن نضلة الأوسي: «يا معشر الأوس والخزرج، تعلمون على ما تقدمون عليه؟ إنّما تقدمون على حرب الأحمر والأبيض وعلى حرب ملوك الدنيا…» حتى إنها سمُّيت ببيعة الحرب، وبعد أن أُقيم حكم الإسلام في المدينة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حاكمًا للدولة الإسلامية، حمل رسالة ربه بالدعوة والجهاد للأمم الأخرى، ولم يتوقّف عند حدود المدينة، وكانت الدعوة التي يحملها إلى الأمم هي: «فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ أَوْ خِلاَلٍ، فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ. ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلاَمِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ. ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ « صحيح مسلم.

فحمل الإسلام بالدعوة والجهاد واجب على المسلمين بالطريقة التي سار عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إلا أن هذا بحاجة أولًا إلى تطبيق الإسلام على المسلمين وإقامة دار إسلام ليتحوّل إليها الناس القابلين على الإسلام، وهذا لا يكون إلا بإقامة الخلافة، وثانيًا بحاجة إلى تنظيم جهود الأمة وطاقاتها تحت قيادة واحدة، وهذا لا يتحقَّق إلا بمبايعة خليفة يطبِّق الإسلام ويحمله بالدعوة والجهاد مع الأمة إلى العالم؛ فمن هنا أيضًا تكون الخلافة تاج الفروض.

وهذا ليس كلامًا غريبًا على المسلمين، بل قد أجمع علماء الأمة المعتبَرين على أن الخلافة هي تاج الفروض، فعلى سبيل المثال لا الحصر يقول الإمام الماوردي في كتابه (أدب الدنيا والدين): «فليس دين زال سلطانه إلا بُدّلتْ أحكامُه، وطُمستْ أعلامُه… لما في السلطان من حراسة للدين والذبِّ عنه، ودفع الأهواء منه… ومن هذين الوجهين وجب إقامة إمام يكون سلطان الوقت، زعيم الأمة؛ ليكون الدين محروسًا سلطانه، والسلطان جاريًا على سنن الدين وأحكامه». والإمام ابن حزم يقول في كتابه (المحلَّى): «ولا يجوز التردُّدُ بعد موت الإمام في اختيار الإمام أكثر من ثلاث» وفي كتابه (الفصل في الملل والنحل): «وقد علمنا بضرورة العقل وبديهيته أن قيام الناس بما أوجبه الله من أحكام عليهم في الأموال والجنايات والدماء والنكاح، وإنصاف المظلوم، وأخذ القصاص… وأن ذلك لا يقوم إلا بالإمام». ويصف الإمام أحمد بن حنبل الفتنة بقوله: «الفتنة إذا لم يكن إمام يقوم بأمر الناس». والإمام الغزالي يقول: «الدين والسلطان توأمان؛ ولهذا قيل الدينُ أسٌّ والسلطان حارس، فما لا أسَّ له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع»، ويقول ابن تيمية في كتابه (السياسة الشرعية): «يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين إلا بها».

وليست الخلافة مجرد فرض بل هو أعلاها، هو تاج الفروض؛ لأنه لا يمكن لأحكام الله أن توجد على الأرض إلا بإقامة الخلافة؛ فيجب أن تكون الخلافة هي القضية المصيرية الأولى للأمة؛ لأن كل الفروض التي تصون حياة الإنسان وعِرضه وماله وعقله وكرامته لا تقوم إلا بالخلافة، فمن الذي يطبِّق القصاص، ويؤمِّن المال، ويمنع السرقة، ويحمي الأعراض سوى الخلافة، ومن سواها يعدُّ العدة للجهاد، ويجيِّش الجيوش، ويُرهبُ الأعداء، ويحفظ العزة للمسلمين، ويعلن النفير العام لحماية النساء والشيوخ والولدان… فإن كانت هذه كلها قضايا مصيرية، فإن الخلافة هي جماع القضايا المصيرية التي تستحق اتخاذ إجراء الحياة أو الموت تُجاهها.

والأدلة مستفيضة، من كتاب الله الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة رضي الله عنهم، على وجوب اتخاذ الخلافة قضية مصيرية، فالله سبحانه أمرنا بالحكم بالإسلام في آيات كثيرة، ذكرناها سابقًا، والرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بمبايعة خليفة في أكثر من مرة، روى الإمام مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جاهلية» وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على فرضية إيجاد خليفة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى إنهم لم يدفنوا جسد الرسول الطاهر وتركوه مسجّى على فراشه ليلتين واشتغلوا بتنصيب الخليفة.

ومنذ أن هدمت الخلافة في ذلك اليوم الأسود ونحن المسلمين تحيط بنا المصائبُ والفتن، ويلفُّنا القتل من قُدّامنا ومن خلفنا؛ فيهود الذين ضُربت عليهم الذِلةُ والمسكنة مكّنتهم بريطانيا من فلسطين أرضِ الإسراء والمعراج، ورسّخت أقدامهم أمريكا التي جمعت أمم الأرض لتحارب الإسلام وعودة الخلافة، فحطّموا العراق وأفغانستان تحطيمًا، ويذهب رئيسها ترامب إلى الهند، فينقضُّ الهندوس على المسلمين هناك قتلًا وفتكًا… وفي الصين يُسجن شعب بأكمله لأنّهم مسلمون، أمّا في البلاد التي ثار المسلمون فيها على النِّظام الغربيِّ وعملائه، فتكالبت عليهم أمم الأرض يساندون جزّار الشّام في ذبح المسلمين هناك كلّ يوم، ويتدخّلون في اليمن وليبيا اللتين أغرقوهما في حروب عبثيّة، تُمزّقهما تمزيقًا.

لقد شاهدنا نحن المسلمين بأمِّ أعيننا مآسيَ لا تُحصى منذ هدم الخلافة، شاهدنا سفك دمائنا على أيدي أعدائنا في طول البلاد وعرضها، من جبال الفلبّين إلى أودية كشمير، إلى غابات القرم، وسمعنا آهات الثّكالى وبكاء اليتامى وأنين الجوعى يفتق جِراحاتٍ أنّى لها أن تندمل! لقد شاهدنا كيف أنّ (العالم الحرّ) يفرض نموذج اقتصاده المدمّر، ونظامه الاجتماعيّ الأجوف على أرض المسلمين، رأيناهم ينهبون ثرواتِنا، ويُضعِفون مؤسّساتِنا الاجتماعيّة! نعم، هذا ما جنيناه بعد هدم الخلافة.

 إن الخلافة هي البضاعةُ والصناعة، هي العزّةُ والمنعة، هي حافظةُ الدين والدنيا، هي الأصلُ والفصل، بها تقام الأحكام، وتحدُّ الحدود، وتفتح الفتوح وترفع الرؤوس بالحق. هي التي شَرَع المسلمون بها قبل أن يشرعوا بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه صلوات الله وسلامه عليه، على أهمية ذلك وعظمته، وكل ذلك لعظم الخلافة وأهميتِها حيث رأى كبارُ الصحابة أن الاشتغال بها أولى من ذلك الفرض الكبير: تجهيز الرسول صلوات الله وسلامه عليه.

والخلافةُ هي التي تقضي على كيان يهود وتعيد فلسطين كاملة إلى ديار الإسلام… هي التي تقضي على سلطان الهندوس في كشمير، وحكم الروس في الشيشان وكل القفقاس وتتارستان… هي التي تعيد القرم وكلَّ بلاد الإسلام إلى أصلها وفصلها… هي التي تحرر البلاد والعباد من نفوذ الكفر وعملائه، وبطش زبانيته وأزلامه… هي التي تمنع تمزُّق العراق والسودان، وتعيد اللحمة إلى الصومال، وتزيل الحدود والسدود التي رسمها الكفار المستعمرون من أطراف المحيط الهادي حيث إندونيسيا وماليزيا إلى شواطئ الأطلسي حيث المغرب والأندلس… هي التي تنشر العدل والخير، وتُعز الإسلام والمسلمين، وتقطع دابر الظلم والشر، وتُذل الكفر والكافرين. فإلامَ نعيش في هذا الواقع الذي ورثناه جرَّاء هدم الخلافة؟!… ألم يكفِ مائة سنة من الوقوع في الإثم لمن لم يعمل لإيجاد الخليفة وبيعته بأن يتوب ويثوب ويعملَ مع العاملين؟!… ألم يقلِ الرسول صلى الله عليه وسلم: «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»؟!… ثم ألم يإنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق؟!… ألم تكفِ مائة سنةٍ من الضَّياع وعدم وجود الخـلافة حتى أصبحنا كالأيتام على مائدة اللئام؟!… ألم تكفِ تلك السنون لنصحوَ ونستيقظ؟!… ألم تكفِ مائة سنةٍ من تداعي الأمم علينا كتداعي الأكلة إلى قصعتها لأن نعتبر ونتعظ!؟… ألم يكفِ مائة سنةٍ من توالي المصائب على رؤوسنا؟!…

إن القعود عن إقامة خليفة للمسلمين معصية من أكبر المعاصي؛ لأنها قعود عن القيام بفرض من أهم فروض الإسلام، يتوقف عليه إقامة أحكام الدين، بل يتوقف عليه وجود الإسلام في معترك الحياة. فالمسلمون جميعًا آثمون إثمًا كبيرًا في قعودهم عن إقامة خليفة للمسلمين، فإن أجمعوا على هذا القعود كان الإثم على كل فرد منهم في جميع أقطار المعمورة، وإن قام بعض المسلمين بالعمل لإقامة خليفة، ولم يقمِ البعض الآخر، فإن الإثم يسقط عن الذين قاموا يعملون لإقامة الخليفة، ويبقى الفرض عليهم حتى يقوم الخليفة؛ لأن الاشتغال بإقامة الفرض يسقط الإثم على تأخير إقامته عن وقته وعلى عدم قيامه؛ لتلبُّسه بالقيام به، ولاستكراهه بما يقهره عن إنجاز القيام به. أما الذين لم يتلبَّسوا بالعمل لإقامة الفرض، فإن الإثم بعد ثلاثة أيام من ذهاب الخليفة إلى يوم نصب الخليفة يبقى عليهم؛ لأن الله قد أوجب عليهم فرضًا ولم يقوموا به، ولم يتلبَّسوا بالأعمال التي من شأنها أن تقيمه؛ ولذلك استحقُّوا الإثم، فاستحقُّوا عذاب الله وخزيه في الدنيا والآخرة. واستحقاقهم الإثم على قعودهم عن إقامة خليفة، أو عن الأعمال التي من شأنها أن تقيمه، ظاهر صريح في استحقاق المسلم العذاب على تركه، أي ترك فرض من الفروض التي فرضها الله عليه، لاسيَّما الفرض الذي به تُنفَّذ الفروض، وتُقام أحكام الدين، ويعلو أمر الإسلام، وتصبح كلمة الله هي العليا في بلاد الإسلام، وفي سائر أنحاء العالم.

وعليه فإنه لا يوجد عذر لمسلم على وجه الأرض في القعود عن القيام بما فرضه الله عليه لإقامة الدين، ألا وهو العمل لإقامة خليفة للمسلمين حين تخلو الأرض من الخلافـة، وحين لا يوجد فيها من يقيم حدود الله لحفظ حرمات الله، ولا من يقيم أحكام الدين، ويجمع شمل جماعة المسلمين تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله. ولا توجد في الإسلام أي رخصة في القعود عن القيام بهذا الفرض العظيم حتى يقوم.

قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ ٢٤ وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ٢٥).