Tuesday, October 31, 2017

جريدة الراية: تراجعات لا مراجعات

جريدة الراية: تراجعات لا مراجعات

  12 من صـفر الخير 1439هـ   الموافق   الأربعاء, 01 تشرين الثاني/نوفمبر 2017مـ
المراجعات التي طرحها زكي بني رشيد والمراجعات التي قامت بها الجماعة الإسلامية في مصر، والمراجعات التي تحدث بها الغنوشي وأخيرا المراجعات الحمساوية، هذه المراجعات أو التراجعات أو التنازلات، جاءت بعد إخفاق الحركات جميعها بالوصول إلى غاياتها، على فرض وجود غاية، بمعنى أنها خرجت تحت ضغط الواقع، وليس نتيجة دراسة فقهية غلّبت رأيا جديدا أو اجتهادا على اجتهاد، وإلا فإنه لا بأس أن يراجع مجتهد أو تراجع حركة اجتهاداتها، فإن تبين لها الخطأ فلا بأس من الرجوع، فإن الرجوع إلى الحق فضيلة وشرف، أما إن كانت التراجعات أو المراجعات، تحت ضغط الواقع فإن هذه حقها أن تسمى تراجعات وليس مراجعات...
فما معنى أن تترك الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد السلاح في تغيير منكرات المجتمع، مع أنهم كانوا لا يقبلون حتى مناقشتهم في أدلتهم وبالذات حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه «إلا أن تروا كفرا بواحا» يستدلون به على أن تغيير المنكر لا يكون إلا بحمل السلاح، ثم ينتهي بهم الأمر ليس بترك السلاح فحسب، بل بكونهم أعوانا للنظام المصري، الذي يقتل المسلمين؟!...
وما معنى أن يترك الإخوان المسلمون قولهم بأن القرآن دستورنا ويطالبون بدولة مدنية، يكون الله عز وجل فيها مثله مثل أي مشرع أو واضع دستور؟!...
وما معنى أن تترك حماس ميثاقها الداعي إلى إبادة كيان يهود، وبأن ما كان من النهر إلى البحر (فلسطين التاريخية)، أصبح من النهر إلى النهر، وما كان خيانة بالأمس بنص الميثاق الذي كتبوه بأيديهم، أصبح فضيلة وشرفا، وإلا فما وساطة السيسي للمصالحة بين فتح وحماس، وما قول مساعد وزير الخارجية الأمريكي بأن المصالحة الحمساوية الفتحاوية خطوة بالاتجاه الصحيح، وبأن على حماس التراجع عن ميثاقها بتدمير كيان يهود، وقول مبعوث الرئيس الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات إن التطورات التي تشهدها المصالحة الفلسطينية، تتناسب تمامًا مع رؤيتنا وجدول الأعمال الأمريكي؟!...
إن المراجعات أو إعادة النظر بطريقة سير أي جماعة أو حركة لا ينبغي أن يحكمه الواقع ومتغيراته، فالمتغير لا يضبط الثابت، وأقصد هنا الإسلام عقيدة ونظام حكم وإلا فنحن أمام عقائد أرضية وليس عقيدة الإسلام.
إن الحركة إذا كانت تصدر برأيها عن أصل لا يعتريه النقص أو الخلل، فإنه ليس لها أن تغير أو تبدل في مواقفها، فإن الأمر ليس لها، وما أعمالها وتصرفاتها إلا تبعٌ لقاعدة الحلال والحرام، فهو وجهة النظر وهو الركيزة التي يجري التفكير على أساسها، وهذا هو الفرق بين كون الحركة حركة إسلامية أو علمانية، وليس كونها إسلامية بمعنى أن أفرادها يدينون بالإسلام، وإلا فإن كثيراً من أبناء الحركات العلمانية يصلّون ويصومون ويذكرون الله في ليلهم ونهارهم، إذن فإن الحركة التي تسمي نفسها حركة إسلامية لا يجوز لها أن تقبل الخالق تبارك وتعالى في المساجد وترفضه تحت قبة البرلمان وفي المحافل الدولية...!!
إننا نفهم أن تكون حركة علمانية لا يعني لها الخالق سبحانه وتعالى شيئا، أو حركة شيوعية لا تعترف بالخالق أصلا، بأن تراجعاتها أو مراجعاتها تمليها الحالة السياسية أو الموقف الدولي، أما إذا فرض أن الحركة هي إسلامية، بمعنى أنها تأسست على الأحكام الشرعية، فقبلت بالأدلة من قرآن وسنة، ثم تكون مراجعاتها كأي حركة علمانية أو شيوعية، فهذا ما لا قِبل لنا بفهمه أو استيعابه، فهل ما كان واجبا عندهم، أصبح حراما وهل ما كان مطلوبا شرعا أصبح ممنوعا شرعا؟!...
فالفصل بين الدعوي والسياسي ليس من الدين في شيء، والمطالبة بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية ليس من الإسلام في شيء، والقبول بدولة فلسطينية على حدود ما احتل عام 67 ليس من الإسلام في شيء.
إن تغيير المسميات لا يغير من الواقع شيئا، فإما أن يكون الخالق عز وجل هو المهيمن على كل شيء وإلاسلام قيماً على كل العقائد والأديان، وإلا فإننا أمام حالة من ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾، ولا أدري كيف يمكن إقناع بعض أبناء (الحركات الأسلامية) بقبول النقيضين، فإذا طلب منه أن يرفع صور مرسي في غزة طاف بها المدينة بأكملها، وإذا طلب منه رفع صورة السيسي (ساجن مرسي) بعد مصالحة حماس وفتح في مصر، فإنه يخلع أي قناعة له سابقة، فاللاحق ينسخ السابق إذا لم نستطع الجمع بينهما، وكأني بهؤلاء مع حوزاتهم "وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد"!!...
نسأل الله الثبات، ونسأله لهم الهداية والرشاد.
بقلم: خالد الأشقر (أبو المعتز)

جريدة الراية: الرأسمالية وفكر التسوية؛ نشأته وخطره

جريدة الراية: الرأسمالية وفكر التسوية؛ نشأته وخطره

  12 من صـفر الخير 1439هـ   الموافق   الأربعاء, 01 تشرين الثاني/نوفمبر 2017مـ
نشأ فكر التسوية بعد صراع دموي طويل في أوروبا انتهى بتسوية تاريخية منعت الحسم بين حكم الدين وحكم الإلحاد، حيث تمت الاستعاضة عنهما بالعقيدة العلمانية. ومن العلمانية نشأت فكرة أن يشرع الشعب لنفسه. وهذا النمط من التشريع كان يحتاج إلى الحريات المطلقة، ومن الحريات المطلقة أعطيت الحرية الاقتصادية. ومن باب الحرية الاقتصادية دخل الرأسماليون إلى الحكم وسيطروا عليه تمام السيطرة. وبهذا نشأ المبدأ الرأسمالي والنظام الرأسمالي والعقيدة العلمانية، ونشأ منهاج التسوية نمطًا أساسيًا في التعاطي مع عقد الحياة، سيما في حل النزاعات حتى وإن كان نزاعا بين حق وباطل.
وقد كانت الذروة لهذه الرأسمالية عندما انتهت الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي والشيوعية وخلت الساحة إلى حد بعيد للرأسمالية ومبدئها، فتزعمت أمريكا العالم وأوهمت الشعوب بأنها ستقودهم إلى السعادة ورغد العيش. فكان من أول ما قدمته للشعوب في تلك المرحلة مشروع العولمة وبأنها ستقرب بين الشعوب عبر تقوية وسائل الاتصالات وتطبيق فكرة اقتصاد السوق.
لكن الأمر انتهى بالصدمة عند هذه الشعوب حين ازداد الفقر والبطالة وتضخمت العملة وتوالت الانهيارات الاقتصادية مقابل الثراء المتصاعد لمجموعة صغيرة من الناس في العالم. فأدركت الشعوب أنه قد تم كشفها أمام جشع الرأسماليين وخططهم لاحتكار أسواقهم والهيمنة على مقدراتهم. ثم أضيف إلى ذلك سلسلة من الحروب التي اجتاحت أنحاء كثيرة من العالم، والتي تركزت بشكل أساسي في العالم الإسلامي الذي ظهرت فيه دعوات للخروج والتحرر من المنظومة الدولية، فعوملت هذه الدعوات بوحشية.
وقد نتج عن هذه الحروب ما يشبه آثار الحروب العالمية، حيث استعملت فيها جميع أنواع الأسلحة ووسائل القتل ما دون القنبلة الذرية. فقتل بذلك الملايين وجرح عشرات الملايين ودمرت مدن كثيرة وشردت شعوب بأكملها. كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم، وبتصوير مباشر من كاميرات الأخبار! فزاد هذا الأمر من الصدمة عند الشعوب ومن حقدها على أسياد النظام الرأسمالي.
وعلى أثر هذا التردي في الوضع العالمي بدأت الشعوب تعيد النظر في "منهاج التسوية"، وبدأ التمرد على الرأسماليين، وفي مقدمتهم أمريكا. وقد تلا هذا التمرد عدد من الانسحابات من مشروع العولمة، وعاد التوجه من جديد إلى فكرة حسم الصراع ما بين الأيديولوجيات. وقد أطلق الغرب تسمية "التطرف" على دعوات الحسم التي ظهرت عند الشعوب مثل "الإسلام المتطرف" و"اليمين المتطرف".
ولكي تحافظ أمريكا على موقعها في العالم بدأت تحاول أن تعيد العالم إلى أجواء شد الحبال الشرس عبر إثارة التناقضات لكي تُشغل الشعوب بصراعات استنزاف وذلك لمحاولة تيئيسهم من الحسم وإعادتهم إلى فكرة الحل "بالتسوية" من جديد.
وقد ظهر هذا في مناطق عدة من العالم، فظهر في سوريا، حيث شحنت أمريكا بلاد الشام بالجيش الإيراني والروسي والكردي، كما استغلت تنظيم الدولة لمحاولة استنزاف مخزون الثورة، ثم عملت على الوسوسة للفصائل للقبول "بالتسوية السياسية" مع النظام تحت ضغط الاستنزاف.
في اليمن دفعت أمريكا إيران لتدعم حرب الحوثيين والسعودية لتدمر اليمن من أجل استنزاف خصومها من عملاء الإنجليز ليقبلوا بالتسوية.
في ليبيا دفعت أمريكا بعميلها حفتر لاستنزاف البلاد كي يقبل خصومها بالتسوية.
في مصر عرضت أمريكا على الإخوان منصب الرئاسة مقابل "التسوية السياسية بكبح جماح الثورة" وحماية رؤوس العسكر من السقوط على أيدي الثوار.
في أفغانستان تقوم أمريكا بالضغط على تنظيم طالبان لكي تدخله في التسوية السياسية مع الحكومة الأفغانية.
في منطقة الصين حاولت أمريكا إدخال روسيا والآن اليابان في صراع مع كوريا الشمالية من أجل جر الصين إلى تسوية تكبلها إقليميا ودوليا.
هكذا هو فكر التسوية... ينشأ بعد نفاد صبر الخصوم وطول أمد الاستنزاف، فتبدأ وساوس شياطين الإنس والجن بالضغط على أصحاب القضية، فتحاول أن تقنعهم بالتفريط بمبادئهم وثوابتهم تحت عناوين متعددة، مثل "الواقعية" و"تغليب المصلحة" و"نحن مع ما يطلبه الشعب" و"الناس تعبت"… وغيرها من العناوين التي تعود في حقيقتها إلى فكرة واحدة، وهي أن قادة الصراع بالأساس غير مؤهلين لهكذا أعباء وقد نفد ما عندهم من مخزون الصبر وأصابتهم الخيبة.
وما يسعنا مع هؤلاء إلا أن نشفق عليهم وعلى الأمة المكلومة قبلهم.
وهنا لا بد من العودة إلى سيرة رسول الله ﷺ وأن نتذكر كيف أنه كان يرفض دائما التنازل عن ثوابت قضية الإسلام، ألا وهي أن يكون الحكم خالصا لسيادة الشرع، رغم كل عروض التسوية التي قدمها له خصوم الإسلام. فوجدناه لم يقبل بنصف الحكم ولا بمعظمه ولا بتغيير أي جزئية أنزلها الله ولو أدى ذلك إلى هلاكه.
فقد وعدت قريش سيدنا محمدًا ﷺ بكثير من المغريات لكنه رفض أي مساومة وأي تسوية. فقد جاء إليه عتبة بتفويض من قريش وعرض عليه أمورًا، فكان من جملة ما عرضه عليه أن يترأس قريشًا، لكنه رفض رفضا قاطعا. قال عتبة: "إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد به شرفاً سوّدناك علينا، حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا؛ وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه".
وقد أيد القرآن موقف رسول الله ﷺ ورفضه الدائم لأي تسوية تعرضها قريش مهما كانت عظيمة ومغرية. قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾. وكان إصراره ﷺ رغم حالة الضعف الأمني التي كانت تعتري دعوته، ورغم استحكام قريش بشبابه وإذاقتهم أصنافا من الشقاء، من مقاطعة وإهانات وسجن وتعذيب وقتل وتشريد... وذلك أن سنة الله في الدعوة النقية أنها ستواجه بالرفض والأذى. قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، وقال سبحانه: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾.
جميع هذه الآيات تخبرنا أن الله يريد أن يختبر صبرنا كما اختبر صبر الأمم التي من قبلنا، وأن الطريق في هذا الصبر هو التأسي بسيدنا محمد ﷺ، حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.
فيا أيها المسلمون، تأسوا برسول الله ﷺ، لا تحيدوا عن منهاجه فهو لم يحِد، ولا تغرينكم الوعود بالتسوية، فإنها من منهاج ملة الكفر، وإن الشياطين تَعِدُ بالنار ولا تعد بالفلاح.
بقلم: المهندس صلاح الدين عضاضة

جريدة الراية: الدولة هي المسؤولة عن حالات الانتحار المتعاظمة في الأردن

جريدة الراية: الدولة هي المسؤولة عن حالات الانتحار المتعاظمة في الأردن

  12 من صـفر الخير 1439هـ   الموافق   الأربعاء, 01 تشرين الثاني/نوفمبر 2017مـ
شهد عام 2016 أعلى عدد حوادث انتحار في تاريخ الأردن، ذهب ضحيتها 120 شخصاً وبارتفاع بلغت نسبته 6.1% مقارنة مع عام 2015،، وبمعدل حالة انتحار كل ثلاثة أيام، وتمت بطرق مختلفة منها إطلاق نار وحرق وشنق وشرب سموم وتناول كميات كبيرة من الأدوية والقفز عن مرتفعات، وسجلت منذ مطلع العام الحالي 2017 نحو 28 حالة انتحار خلال أول شهرين فقط.
ومن جهة ثانية فقد أظهر تقرير لجمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" ارتفاعاً كبيراً في جرائم الانتحار بين الأحداث بنسبة 100%، حيث ارتكبت 16 جريمة خلال عام 2016 مقابل 8 جرائم خلال عام 2015. وكان هنالك أيضاً ارتفاعٌ كبيرٌ في جرائم الانتحار المرتكبة من قبل الطلاب، حيث ارتكبت 18 جريمة انتحار عام 2016 مقابل 5 جرائم انتحار عام 2015 وبارتفاع وصل إلى 260%.
وتشير تقارير عام 2010 لمنظمة الصحة العالمية إلى أن نحو مليون شخص في العالم ينتحرون سنويًا، أي ما يعادل حالة انتحار واحدة كل 40 دقيقة، مما يرفع معدلات الانتحار بنسبة 60% في جميع أنحاء العالم عن الخمسين سنة الماضية، كما تتوقع الدراسة حدوث 1.53 مليون حالة انتحار في العالم عام 2020.
ولا تبدو هذه الوفيات تثير أي اهتمام أو تقصٍّ جدي لدى الدولة وأجهزتها في الأردن للحد منها ومعالجة أسبابها، ويقع جل الاهتمام بهذه الظاهرة على عاتق الجمعيات والمؤسسات التي يقوم عليها أفراد وجماعات والإعلام الرديف في لفت النظر، إثر غياب المسؤولية الرعوية للدولة، ويتم تناولها كظاهرة مرضية نفسية على الأغلب تعنى بها المؤسسات الصحية، وتتناولها بالتحليل والاستنتاج على هذا الأساس النفسي دون حلول عملية جذرية، وهي بذلك تتجنب البحث الحقيقي في الأسباب، عندما تختبئ وراء الأمراض النفسية لتبرر تزايد حالات الانتحار للأفراد المقدمين على الانتحار، تماما كما تبحثها منظمة الصحة العالمية، بدل البحث فيما وراء سوء الأحوال والأهوال التي يعاني منها الناس، والتي تؤدي إلى ضنك العيش وبروز الشعور المستدام من سوء الاستمرار في الحياة وعدم القدرة على تحمل أعبائها، فيلجأ الضعاف إلى إنهاء أو محاولة إنهاء حياتهم، فوراء كل حالة انتحار 10-20 محاولة انتحار لم تنجح.
فالإنسان بوصفه إنسانا إن لم يتوصل إلى معرفة غاية وجوده في هذه الحياة فإنه سيسير فيها وفق هوى النفس حيث توجهه أنماط العيش التي يحياها في مجتمعه، والتي تنشر سماته وأنماطه أجهزة الحكم، وتروج له في مجتمعاتنا كطراز عيش غربي عبر شتى المنابر الإعلامية ووسائل الاتصالات الحديثة، وليس حسب ما تقتضيه فطرة الإنسان بالرضا والقناعة، فالحضارة الغربية جعلت المادة إلهاً يُعبد، واعتزت بالفردية فجعلت الفرد مركز اهتمامها وأصبح هو يدور حول ذاته يقدسها، وهذا التركيز على الذات هو أساس لكل المشكلات النفسية.
بينما نجدُ أنَّ الإسلامَ بعقيدتهِ العقليةِ الموافقةِ لفطرةِ الإنسانِ وشريعتهِ التي نَظَّمَتْ ونَسَّقَتْ إشْباعَ جميعَ غرائزِ الإنسانِ وحاجاتِهِ دونَ إِغْفالِ أيٍّ مِنْها أَوْ إِطْلاقِ بَعْضِها على حسابِ بعضٍ، نجدُه قد حَقَّقَ بهذهِ العقيدةِ والشريعةِ السعادةَ والصحةَ النفسيةَ في نفوسِ مُعْتَنِقِيهِ، مستشعرين قول الرسول ﷺ: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».
فعندما يتمكن الإنسان من إدراك حقيقة وجوده وأنه مخلوق لخالق سخّر له هذه الدنيا، يلتزم فيها بما فرضه الله عليه من أوامر ونواه، لتستقيم فيها حياته وحياة مجتمعه، فإنه لن يجعل منها أكبر همه، وهو سائر فيها يبتغي رضوانه، لأنّه على يقين بوجود حياة أخرى دائمة، سيبعث فيها ليحاسبه ربه على ما قدمت يداه، أما من يراها حياة واحدة ليس بعدها حياة فإنه لن يتوانى عن وضع نهاية لها إذا أحس بضيقها وضنكها فلا يرقب بعدها حياة.
فالانتحار ظاهرة غريبة عن المسلمين إذ لا يجوز للمسلم أن يضع حدّا لحياته وأن يقتل نفسه لأنّه على يقين أنّ الله سيعذّبه عذابا شديدا، ولأنه يعلم أنّه سيلقى ربه وسيوفيه جزاءه جهنم وبئس المصير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «من تردى من جبل فَقَتَلَ نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سُمّاً فقتل نفسه، فسُمُّه في يده يتحسّاه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يَجَأُ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً».
إنّ المسلمين اليوم وإن تزايدت حالات الانتحار بينهم فإنها لا تعود إلى نظرتهم إلى الحياة التي علّمهم دينهم إياها، بل هي نتاج حضارة غربية دخيلة عليهم أفسدت حياتهم وصرفتهم عن دينهم وأضاعت هيبتهم وعزتهم، هذا هو السبب الجذري لهذه الظاهرة ولارتفاع نسبتها ارتفاعا كبيرا لافتاً، أي التصوّر الخاطئ لمعنى الحياة، ونظرة مغلوطة عقيمة عقم النظام الذي دعا لها عبر سنوات من الترويج الممنهج للأفكار والعقائد الدخيلة على طراز عيشنا الإسلامي منذ أن غابت عنه أحكام الإسلام وشريعته واستبدل بها مبدأ الحريات وفصل الدين عن الحياة، التي تجعل همَّ الناس نيل أكبر قسط من المتع الدنيوية بكافة أشكالها، فيصدم المرء عند سعيه ولهاثه وراء سراب لا يستطيع تحقيقه ولا يلزمه فيقع في صراع نفسي أو عاطفي يؤدي به إلى الاضطراب وبؤس الحياة، ووضع حدٍّ لها.
ويؤيد ذلك الدراسات وإحصائيات منظمة الصحة العالمية، التي تظهر انخفاض نسبة الانتحار في البلاد الإسلامية بشكل لافت للنظر، وخصوصا في حقبة النصف الثاني من القرن الماضي، أي منذ عام 1950 حتى عام 2000م حيث بدأت هذه الدراسات، بالرغم من غياب التشريع الإسلامي، وهيمنة النظام الرأسمالي بفساد نظامه الاقتصادي، ومن أبرز هذه الدراسات، دراسة تحت عنوان "وبائيات الانتحار من منظور عالمي" (Global perspective in the epidemiology of suicide, A) للباحثين، خوسيه مانويل بيرتولوتيه وأليكساندرا فلايشمان، من منظمة الصحة العالمية عام 2002، التي أظهرت انخفاض نسبة الانتحار لدى المتدينين بالمقارنة مع الملحدين، بل وأظهرت انخفاض نسبة الانتحار لدى المسلمين إلى حد قريب من الصفر مقارنة مع أصحاب الديانات الأخرى من النصارى والهندوس والبوذيين، كما يظهر الجدول التالي عدد حالات الانتحار لكل 100 ألف نسمة:
إن عدم رعاية الدولة لشؤون الناس، بأحكام الإسلام، هو الذي أوجد الظلم بدل العدل، والفقر بدل ضمان إشباع الحاجات الأساسية؛ من مأكل وملبس ومسكن وعلاج، وتعليم وأمن، وهو الذي أوجد الخوف بدل الطمأنينة والأمن، فغاب عدل الإسلام، وغابت أحكام الإسلام وأفكاره ومشاعره، وتحكمت في الناس غرائزُهم وأهواؤهم، فتتهيأ في نفسيات بعض شبابنا وسوسة تحدثهم بالإقدام على إنهاء حياتهم. كما يحدث في العالم نتيجة تحكم مبدأ فصل الدين عن الحياة على طراز العيش البشري الذي يؤدي للاضطراب النفسي والانتحار.
فسياسة الدولة في تغريب المجتمع هي السبب الرئيس وراء تعاظم حالات الانتحار في مجتمعاتنا فضياع نفس مسلمة واحدة هو كثير بحق الدولة، والعودة لمفاهيم العقيدة الإسلامية والقيم التي أرساها الإسلام هي التي تنقذ شبابنا من ضنك العيش والإحباط والاكتئاب النفسي، وذلك بتوفير أساسيات الحياة، وكمالياتها ما أمكن، وهذا لا يتحقق إلا بدولة الخلافة على منهاج النبوة، التي تحتاجها البشرية جمعاء وليس المسلمون فحسب، فما زال مليون إنسان يقتلون أنفسهم في العالم كل عام نتيجة فساد النظام الرأسمالي الغربي الذي يسود المعمورة، والذي يخلو من القيم، إلا النفعية المادية والتنافس على ملذات الحياة، والتي جعلت منها الأنظمة الحالية في بلاد المسلمين، هي الأساس.
فلو كان الإسلام مطبقا لجعلت أحكامه من النفس البشرية قيمة تحافظ عليها، فقد كانت الحياة الطيبة هي السائدة في المجتمع الإسلامي، فنتج عن ذلك الأمن والراحة النفسية والاستقرار والرقي في كل مجالات الحياة، أما في الدار الآخرة، فالمسلم يعلم أن حياته ستكون طيبة أيضاً في جنات عدن في مرضاة ربه جل جلاله في الأبدية التي لا تفنى ولا تنتهي. قال تعالى: ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾، فالحل الحقيقي والجذري لهذه المأساة، لا يكون إلا بعودة الإسلام تشريعاً ومنهجاً يسود العالم برحمته وعدله.
بقلم:د. أحمد حسونة
نائب رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن