Wednesday, January 20, 2021

جريدة الراية: قرغيزستان إلى أين؟

 جريدة الراية: قرغيزستان إلى أين؟

 

  7 من جمادى الثانية 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 20 كانون الثاني/يناير 2021مـ

جرت في قرغيزستان انتخابات رئاسية مبكرة في 10 كانون الثاني/يناير 2021م، حصل فيها صدر جباروف على أكثر من 79٪ من الأصوات. وبعد الانتخابات قدم الرئيس المنتخب العديد من الوعود لتحسين الظروف المعيشية للشعب وتطوير الاقتصاد. فما مدى صحة هذه الوعود؟

بادئ ذي بدء، لا بدّ أن نتحدث قليلاً عن الوضع الاقتصادي الحالي في قرغيزستان؛ حيث بلغ الدين العام لقرغيزستان حوالي 5 مليارات دولار، ما شكّل ما نسبته 68٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وتمت الموافقة على عجز الموازنة بمبلغ 120 مليون دولار، وفي عام 2020 بلغ معدل التضخم 10٪.

في الواقع، لم يقدم الرئيس المنتخب حديثاً صدر جباروف تطبيقا معيّنا. فعندما اقترح جباروف في البداية شكلاً رئاسياً للحكومة ومشروع دستور جديد، تعرض لانتقادات حادة من المعارضة الموالية للغرب وأُجبر على الانسحاب. ومع ذلك، يمكن الاستشهاد بما يلي على أنها التدابير الرئيسية التي ينوي جباروف استخدامها في إصلاح الدولة:

1.  محاربة الفساد

لقد كانت مكافحة الفساد عاملاً رئيسياً في إصلاح البلاد منذ عهد أتامباييف. في ذلك الوقت، سمحت مكافحة الفساد لأتامباييف بهزيمة خصومه. وكان هذا هو الحال في عهد جينبيكوف، حيث استخدم جينبيكوف هذا لكسر أتامباييف. ومع قدوم جباروف اشتد هذا الإجراء. ومن المعروف أن كامتشيبيك تاشييف الشريك السياسي لصدر جباروف، هو رئيس لجنة الدولة للأمن القومي حالياً. ويتم الإشراف بشكل عام على جميع الشؤون في البلاد من لجنة الدولة للأمن القومي، التي بدأت الآن باعتقال بعض كبار المسؤولين الفاسدين، وكذلك المسؤولين الصغار. حتى إن بعض أنصار جباروف تم اعتقالهم، وفي غضون ذلك صدر قانون العفو الاقتصادي، ووفقا لهذا القانون فإن الفاسد إذا عوض الأضرار التي لحقت بالدولة، فلن يسجن.

ومع ذلك، لا يتوقع أن تكون مكافحة الفساد كما وعد المسؤولون، وهناك عدة أسباب لذلك:

أولاً: لا يوجد في المجتمع مفهوم "الفساد حرام"، بل هناك أفكار رأسمالية تقوم على المنفعة.

ثانياً: إن مكافحة الفساد ليست متساوية للجميع كما كان من قبل، فعلى سبيل المثال، معظم الفاسدين الذين يدعمون الحكومة الجديدة لم تتم مقاضاتهم. والسبب في ذلك هو أن منظمي الانقلاب ومن احتلوا البيت الأبيض كانوا موالين للغرب. ومع ذلك تولى جباروف (الموالي لروسيا) الحكم، ولذلك عارضه الموالون للغرب بشدة. هذا هو السبب في أن جباروف مجبر على الاعتماد على بعض المرتشين والأوليغارشي. سيكون هناك استفتاء على دستور جديد، تليه انتخابات برلمانية، وفي كل هذا جباروف مضطر على الاعتماد على هؤلاء.

ثالثاً: ذكرنا أعلاه الوضع الاقتصادي للدولة؛ لذلك لا يمكن منح موظفي الخدمة المدنية راتباً لائقاً. ومع ذلك، هناك نقطة يجب التأكيد عليها: فقد قال جباروف في مقابلته "إن باكاييف أبلى بلاء حسنا في أول عامين، وفي وقت لاحق أحضر أقاربه إلى الإدارة العامة. أنا لن أفعل هذا الأمر".

في الواقع، إن باكاييف في السنوات الأولى حوّل مبالغ كبيرة من الأموال التي ذهبت إلى جيوب المرتشين، حولها إلى الدولة لكسب ثقة الناس. وإذا فعل جباروف الأمر نفسه فقد تكون هناك بعض الفوائد للشعب، مثل القضاء على المخططات الفاسدة المتعلقة بالكهرباء والاستخدام الصحيح للاستثمارات. ويمكن الاعتماد في هذا العمل على دعم الشعب، على سبيل المثال فإن أتامباييف احتفظ بسلطته تحت شعار محاربة الفساد، وأعطى الشعبُ به لجينبيكوف فترةً راحة لمدة ثلاث سنوات، وهو الآن على استعداد لإعطاء فترة راحة لصدر جباروف أيضاً. لقد بدأت اليوم عملية إعادة أراضي كبار ملاك الأراضي إلى الدولة على أساس أنها تمت خصخصتها بشكل غير قانوني، فإذا استولت الدولة على هذه الأراضي ووزعتها على الناس فإنها ستعطي الأمل للشعب.

2. تشغيل السكان

إن تشغيل السكان يتكرر كما كان من قبل. أي يتكرر إيجاد فرص عمل من خلال تحويل المعادن إلى المستثمر الأجنبي، خاصة إلى المستثمرين الروس والصينيين. لقد اشتد هذا الاتجاه خلال رئاسة أتامباييف، ولكن في عهد جينبيكوف استغل الموالون للغرب شعور السكان المحليين لتثبيط الشركات الروسية عن تعدين اليورانيوم والشركات الصينية عن تعدين الذهب. والآن إذا أدخلت الحكومة الجديدة رجالها إلى البرلمان فسوف تفتح الطريق لهذه الشركات مرة أخرى، وتكون أسماء الاتفاقات مختلفة فقط، لكن الجوهر هو نفسه، ولا يسمح للآخرين بمعرفة كيفية عملهم. وهذا يخلق عدداً صغيراً من فرص العمل إلا أنه لا يكفي أن يعود عمالنا المهاجرون. كما يؤدي إلى استغلال شعبنا ونهب ثرواتنا وإلحاق أضرار جسيمة بالبيئة. وقد كان صدر جباروف معروفاً بمعارضته لمستثمر أجنبي في منجم ذهب كومتور وقد أثار قضية تأميم منجم ذهب كومتور، لكنه الآن تخلى عن هذه الخطوة بحجة أنه "لم يتبق في كومتور إلا قليل من الذهب"!

3. قضية الكوادر

إن الحكومة الجديدة ستواجه تحديات من حيث الكوادر؛ فإذا استخدمت كوادر قديمة، فهم فاسدون من بقية عهد أكاييف، وإذا كانت ترغب في استقدام كوادر شابة، فكلهم تقريباً متأثرون بالثقافة الغربية وليست لديهم خبرة في هذا العمل.

 

4. ​​الرصيد السلبي

يبلغ ​​الرصيد السلبي المتوسط للتجارة الخارجية لقرغيزستان 3 مليارات دولار. يتم استيراد الأحذية والهواتف والأقمشة الاصطناعية من الصين، وهذا لن يتغير. وتستورد الوقود والمنتجات المعدنية من روسيا وهذا لن يتغير أيضا. أطلق إنتاج المنتجات المحلية في الصناعات الغذائية الخفيفة، وهذه هي الطريقة التي يمكن بها للشعب الحصول على بعض الامتيازات.

كما أسلفنا، كان صدر جباروف معروفاً للجمهور من خلال "كومتور"، لكنها كانت في ذلك الوقت حركة شعبوية. وواجه في وقت لاحق صعوبات بسبب هذا العمل، ولكنه وقف بحزم شديد. بعد كل هذه المصاعب قد ينشأ فيه شعور بخدمة للناس، فقد كان والده رجلا إسلاميا، كما أن مشاعر جباروف نفسه إسلامية؛ ولذلك أيده في البداية ذوو المشاعر الإسلامية. فقد خرجوا بالتكبيرات في التجمعات وأدوا صلاة الجمعة في الميادين. وفي الحقيقة إنهم كانوا يتطلعون إلى الإسلام، ولكنهم لا يفهمون كيف سيأتي. كما أن صديق صدر كامجيبيك لديه مشاعر إسلامية، وقد كان وزيرا ونائبا لكن اسمه لم يذكر في أي قضية فساد. كما أنه يتمتع بسمعة طيبة في مسقط رأسه. وفي الوقت الذي كان فيه الناس يعانون المشقة، قدموا قروضاً غير ربوية. إنه أحد السياسيين القلائل الذين قاموا بأعمال حسنة وحافظوا على سمعتهم بين الناخبين، ومع ذلك، فهو يميل للهيمنة الديكتاتورية في الحكم.

يرغب أهل قرغيزستان في رعاية قادتهم ولو قليلا، ولذلك هم يأملون في هؤلاء القادة بسبب الصفات المذكورة أعلاه. إلا أن الحل الحقيقي والجذري الذي يجب أن يدركه أهل قرغيزستان، هو تحكيم شرع الله دون سواه.

بقلم: الأستاذ حورون عبد الحق

No comments:

Post a Comment