Wednesday, September 16, 2020

جريدة الراية: أمريكا وعوامل التفكك؛ المتعددة والمتجددة ح6 والأخيرة

 جريدة الراية: أمريكا وعوامل التفكك؛ المتعددة والمتجددة ح6 والأخيرة

 

  28 من محرم 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 16 أيلول/سبتمبر 2020مـ

بعد استعراض أهم الأمور التي تنخر أوصال المجتمع في أمريكا، وتهدد وحدته واتحاده بالانهيار، وبعد استعراض بعض الآراء لمفكرين واقتصاديين وسياسيين وكتاب؛ والتي يتوقعون فيها انهيار هذا الاتحاد وتفككه وتشرذمه خلال الفترة القادمة؛ تماما كما حصل مع الاتحاد السوفيتي. نصل إلى السؤال الكبير والعريض هنا وهو: ماذا بعد انهيار أمريكا وتفكك اتحادها؟ وماذا بعد انهيار رأس المنظومة الرأسمالية في العالم الرأسمالي؟ وما هو البديل الذي تنظر إليه البشرية؛ وخاصة أن الكثير من أتباع الرأسمالية قد تركوها في بدايات القرن الماضي، عندما نشأت الاشتراكية، كما حصل مع دول أوروبا الشرقية، وكما حصل كذلك مع أتباع الأحزاب الاشتراكية في أوروبا الغربية وأمريكا، ثم تركوا الاشتراكية بعد انهدامها في نهايات القرن نفسه.

 فما هو البديل وقد أصبحت البشرية تعاني ما تعانيه من فساد الرأسمالية، حتى في عقر دارها، وأصبح هناك تململ كبير لتركها بسبب ظلمها، وبسبب عدم تحقيقها لما نادت به لسنوات طويلة؛ من حرية وحقوق إنسان؛ حتى في مركز هذا المبدأ (أوروبا وأمريكا)؟ ما هو البديل بعدما قام الناس وهدموا الكثير من قواعدها وأفكارها الرئيسة؛ مثل حرية السوق، وبعدما صاروا ينادون بهدم رؤوس المال والأعمال في وول ستريت، وأسواق لندن وباريس المالية؛ في مظاهرات عارمة حاشدة؛ تجوب أرقى المدن في تلك البلاد؟

إن الحقيقة الساطعة التي نصل إليها؛ هي أن المبادئ البشرية عاجزة عن وضع نظام يلائم البشر، ويقنع عقولهم، ويحقق السعادة والعدالة والطمأنينة في حياتهم؛ والسبب أن هذه النظم والمبادئ هي من نتاج عقول بشرية قاصرة. ولو نظرنا في تاريخ نشوء هذه المبادئ الهابطة العاجزة لرأينا أن النظام الرأسمالي قد قام كردة فعل غريزية تجاه ظلم الكنيسة والأباطرة ورجال الدين. وعندما أراد المفكرون والقادة وضع نظام ينظم شئون الحياة، انطلقوا من فكرة تأثرت بالواقع السابق، ولم تُبن على العقل بشكل صحيح؛ تأثروا بالعبودية في ظل الكنيسة؛ فنادوا بالحرية، وجعلوها أبرز شيء في حياتهم، بل جعلوها المعبود الأول في توجهاتهم جميعها، فكانت فكرة الحرية هي أساس كل القوانين الرأسمالية، بل أساس الحياة في بلاد الغرب.

أما الاشتراكية فكانت أيضا عبارة عن ردات فعل على ظلم الرأسمالية، ونظريات لطريقة الخلاص منها؛ حيث قام في أوروبا مفكرون، درسوا النظم الرأسمالية، وخلصوا إلى أنها ظالمة؛ لأنها تولد العبودية المالية من جديد، وتولد الطبقة الواحدة المتحكمة في كل مرافق الحياة، بمعنى آخر خرجوا بنتيجة هي: أن الرأسمالية التي قامت على ظلم الكنيسة، وعبوديتها هي أشد عبودية وأكثر ظلما من الكنيسة، لذلك يجب الخلاص منها بأفكار ونظم جديدة هي النظم الاشتراكية، التي تنزع صفة التحكم والبرجوازية من هؤلاء الرأسماليين... والنتيجة هي أن المبدأ الجديد قد وقع في الخطأ القاتل نفسه الذي وقع فيه الرأسماليون من قبل؛ وهو أنهم بنوا تفكيرهم الجديد على ردة فعل غريزية كذلك، وليس على العقل.

إن البديل لهذه الشعوب التائهة الضائعة؛ هو مبدأ مبني على العقل السليم والتفكير السديد، مبدأ رباني، يعرف ما يصلح الإنسان، ويسعد البشرية، وهو المبدأ الإسلامي؛ فهو وحده الدين الرباني الكامل الشامل، وهو وحده المبني على العقل؛ أي على تفكير صحيح يقود إلى إقناع العقل وإقامة الحجة عليه، ويقود إلى الهداية والرشاد والسداد. وقد جربت البشرية هذا المبدأ سنوات طويلة؛ فعاشت في ظله حياة ملؤها الطمأنينة والاستقامة والعدالة...

وبالفعل فإن الكثير من الناس في أوروبا وأمريكا هذه الأيام يتبعون الإسلام لمجرد المحاكمة العقلية، ولم يروا حسنه ولا عدالته في ظل نظام سياسي عملي، فكيف لو رأى هؤلاء الناس حسن الإسلام، وعدالته واستقامته؛ في ظل دولة تطبقه عمليا؟!

لقد مدح كتاب غربيون كثيرون دين الإسلام، ومدحوا استقامته وعدله، وشهدوا شهادة حق؛ بأنه الدين الحق، وأنه القادر على تخليص البشر مما هم فيه من ظلم. ومن هؤلاء المفكرين والكتاب المستشرقة الألمانية زغريد هونكة في كتابها الشهير "شمس العرب تسطع على الغرب"، حيث قالت: (إن الإسلام أعظم ديانة على ظهر الأرض سماحةً وإنصافاً، نقولها بلا تحيز ودون أن نسمح للأحكام الظالمة أن تلطخه بالسواد...). ويقول المستشرق الإنجليزي روبرتن سميث: (إن محمداً أتى بكتاب آية في البلاغة، ودستور للشرائع، والصلاة والدين والدنيا في آن واحد، وإن القرآن الكريم كتاب خليق بإيجاد حلول لمشكلات البشرية قاطبة). ويقول المستشرق النمساوي جوزيف ألبرمان؛ في كتابه "مهد الإسلام": (الإسلام هو النظام المثالي الفريد؛ الذي يحتاج إليه العالم في عصرنا الحاضر... ما أحوجنا اليوم لأن يكون بيننا مثل هذا الرجل العظيم (محمد)، فهو بحق أول من أنهى التفرقة العنصرية في قول بسيط شامل «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ»؛ لقد حل القضية في ثلاث كلمات. أما اليوم فمشكلة التفرقة العنصرية انعقدت بشأنها عشرات المؤتمرات، ومئات الكتب حاولت معالجتها ولكنها فشلت). ويرى المستشرق الفرنسي دي ساسي أنه (لا يوجد دين في العالم مثل الإسلام؛ في شموليته وحيويته وصلاحيته لكل زمان ومكان). ويقول المستشرق الإسباني أريك بنتام في كتابه "الحياة": (إن الإسلام هو دين الوداعة والوفاق والصدق والأمانة... فلو أنصفنا أنفسنا لوحّدنا صفوفنا مع المسلمين، ولنبذنا ما فينا من عصبية عمياء، أوجدها لنا ذوو المطامع اللاهوتية، وسنها لنا من دفعت به شهواته للحيد عن الطريق القويم...).

لقد شهد الحق تبارك وتعالى شهادة عظيمة بحق الاعوجاج والحيد عن طريق الرشاد فقال سبحانه: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾، وإن العالم الرأسمالي سيكون مصيره الانهيار عما قريب، وإن السنوات القادمة هي سنوات الدين الحق، وسيكون بإذن الله عز وجل هو المنقذ للبشرية جميعا من شرور المبدأ الرأسمالي، ومن شرور الدول التي تدين به وعلى رأسها الولايات المتحدة.

بقلم: الأستاذ حمد طبيب – بيت المقدس

No comments:

Post a Comment