Sunday, January 30, 2022

جريدة الراية: منظمة الصحة العالمية أداة تنفيذية من أدوات النظام الرأسمالي

 

جريدة الراية: منظمة الصحة العالمية أداة تنفيذية من أدوات النظام الرأسمالي

 

23 من جمادى الثانية 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 26 كانون الثاني/يناير 2022مـ

حذرت منظمة الصحة العالمية الثلاثاء 2022/1/11م من أن أكثر من نصف سكان أوروبا قد يصابون بالمتحور أوميكرون من فيروس كورونا المستجد إذا استمرت وتيرة الإصابات الحالية، وخلال مؤتمر صحفي، حذّر مدير منطقة أوروبا في المنظمة هانس كلوغه من أن أوميكرون يمثل "موجة مد جديدة من الغرب إلى الشرق تجتاح المنطقة الأوروبية" وأضاف "بهذه الوتيرة، يتوقع معهد القياسات الصحية أن يصاب أكثر من 50 في المئة من السكان في المنطقة بأوميكرون في الأسابيع الستة إلى الثمانية المقبلة". (قناة بي بي سي الفضائية).

فكما هو معروف لدى الجميع أن المبدأ عقيدة ينبثق عنها نظام للحياة، مع الأخذ بعين الاعتبار الغاية من تطبيق ذلك النظام. فالغاية إما أن تكون دنيوية صرفة، وإما أن تكون دنيوية متمثلة في العيش الكريم تحت حكم الإسلام لنيل رضوان الله، ومربوطة بالآخرة وهو الخلود في نعيم مقيم. وعند البحث في الأنظمة القائمة اليوم لا نجد سوى نظامين للحياة؛ نظام مطبق في واقع حياة الناس، ونظام مغيب عن واقع حياة الناس. فالنظام الرأسمالي بعقيدته الرأسمالية التي تفصل الدين عن الحياة وعن الدولة وعن السياسة تطبقه دول الكفر في بلدانها، وتحمله للعالم عن طريق الاستعمار والنفوذ. ونظام الإسلام مغيب عن حياة الناس.

وما هو حاصل اليوم، نتيجة لتطبيق أنظمة وأحكام الرأسمالية، وعدم قدرة ذلك النظام على حل مشاكل الناس، وفشله في رعايتهم، وتوفير حياة كريمة لهم، فقد آلت حياة الناس إلى الشقاء وضنك العيش، وأصبح حالهم إما الحروب والنكبات والفقر المدقع وتهجيرهم من بلادهم، وإما فتك الأمراض بهم نتيجة انتقالها فيما بينهم لإباحتهم الزنا، والشذوذ الجنسي، ولعدم مجانية التطبيب وكلفته العالية، وجشع شركات الأدوية في تحقيق الأرباح المهولة على حساب أرواح البشر بدون النظر إلى الجانب الإنساني الذي تتشدق به دول الكفر زوراً وبهتاناً.

إن منظمة الصحة العالمية تقوم بعملها على أساس عقيدة المبدأ الرأسمالي كغيرها من المنظمات والهيئات الدولية، والتي تنفذ سياسات الدول الكبرى وتحمي مصالحها. فمنظمة اليونسكو تعمل على تجهيل الشعوب من خلال وضع الخطوط العريضة للمناهج على أساس فصل الدين عن الحياة، ومنظمة اليونيسيف تعمل على الحد من التكاثر الطبيعي للسكان، تحت مسمى تنظيم النسل وموانع الحمل، التي لها تأثير سلبي على صحة المرأة. ومنظمة الأغذية والزراعة تعمل على زيادة البطالة في تلك الشعوب، ومجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة يعملان على إذكاء وإطالة النزاعات والحروب، والبنك وصندوق النقد الدوليان يعملان على إفقار الشعوب وتكبيلهم وحكوماتهم بالديون الربوية التي لا يستطيعون سدادها، ما يجعل الحكومات عرضة للابتزاز.

أما منظمة الصحة العالمية فهي كذلك واحدةٌ من وكالات عدة تابعة للأمم المتحدة، وأُنشئت في 7 نيسان/أبريل 1948، ومقرها الحالي في جنيف، وهي تعمل على إهلاك الحرث والنسل من خلال فرض القبول بنظريات لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، ومنها الخداع والمبالغة في التخويف من خطرِ بعض الأمراض لفتح المجال لشركات الأدوية لتسويق منتجاتها. فالدول الرأسمالية تبني سياساتها لتسهيل مصالح الشركات الرأسمالية، وتضع التشريعات والقوانين في الداخل لتسهيل عمل هذه الشركات، وتفرض التشريعات في القوانين الدولية، وتقيم العلاقات الدولية والاتفاقيات الدولية لهذا الغرض. وفي كثير من الحالات تبنى هذه الإجراءات على أساس المعارف العلمية، فتلجأ إلى العبث والخداع في النظريات العلمية. وكما أن الدول الرأسمالية الاستعمارية تتخذ من المؤسسات الدولية أداة لتنفيذ سياساتها الدولية، فكذلك هناك مؤسسات علمية عالمية عدة تهيمن على الساحة العلمية وتتخذها الدول الرأسمالية أدوات لهذه السياسات.

فالرأسمالية في أساسها مبدأ ظالم لا مكان فيه للضعفاء، ولا راحة فيه للأقوياء، ولو طبق النظام الرأسمالي كما هو لثار الناس لشدة ما سيقع بهم من حيف وجور واستغلال. والعقلية النفعية التي لا تقيم وزناً إلا للمادة، تحمل صاحبها على فعل أي شيء يحقق الربح، ولو كان فيه هلاك الناس، ودمار المجتمع، بل حتى لو كان فيه هدم للنظام الرأسمالي نفسه. ولذلك، وحفظاً للنظام الرأسمالي من سخط الناس وثورتهم ضده إذا طُبق عليهم كما هو، اضطر الرأسماليون إلى إصدار بعض القوانين المخالفة في أصلها للمبدأ الرأسمالي، والتي تهدف إلى ترقيع هذه الثغور المهلكة في نظامه. وما ذلك كله إلا نتيجة طبيعية لوجهة النظر الرأسمالية عن الحياة. فالمادية والنفعية مقياسها، ومعالجات وتشريعات الملكية الفكرية نتاجها. ووجهة النظر هذه لا تُغَلِّب القيم المادية فحسب بل تُسَخِّر القيم الأخرى لتحقيق القيم المادية. كل ذلك بسبب الأساس الفاسد الذي انبثقت عنه هذه المعالجات الفاسدة التي أغرقت أصحابها والعالم أجمع بالشر والظلم.

أما الإسلام فقد أوجب على الدولة تحقيق إشباع الحاجات الأساسية للرعية، ومن ضمنها التطبيب، فتؤمّن الدولة التطبيب للجميع لا فرق بين غني وفقير ولا بين موظف وغير موظف، وتدفع جميع النفقات المترتبة على ذلك من بيت المال أي من خزينتها، قال رسول الله ﷺ: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». والطب من المصالح والمرافق التي لا يستغني عنها الناس، فهو من الضروريات، قال عليه الصلاة والسلام: «‏مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِناً فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»، فقد جعل الرسول ﷺ الصحة حاجة، على أن عدم توفير الطب لمجموع الناس يؤدي إلى الضرر، وإزالة الضرر واجب على الدولة، قال عليه الصلاة والسلام: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ». فمن هذه الناحية أيضاً كان التطبيب واجباً على الدولة، ولن تقوم بهذا الدور كما يجب إلا دولة الحق والعدل التي لا يسعى حكامها إلا لنيل رضوان الله عليهم، وليست تلك الدولة إلا دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، عجّل الله بقيامها. وما ذلك على الله بعزيز.

بقلم: الأستاذ عبد الله القاضي - ولاية اليمن

No comments:

Post a Comment