Thursday, October 21, 2021

جريدة الراية: البنك الدولي قضاء على الفقر أم على الفقراء؟!

 جريدة الراية: البنك الدولي قضاء على الفقر أم على الفقراء؟!

 

13 من ربيع الاول 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 20 تشرين الأول/أكتوبر 2021مـ

أعرب رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس عن سعادته بزيارته التي وصفها بالأولى للسودان، وأوضح في تصريح صحفي عقب جلسة المباحثات برئاسة مجلس الوزراء أن لقاءه برئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك كان لقاءً إيجابياً وتباحثا خلاله حول التحديات التي تواجه السودان. وقال: "هناك إنجازات تحققت خلال العامين الماضيين والتي من ضمنها السلام، وإنهاء عزلة السودان وتقدمه نحو بناء علاقات وثيقة مع المجتمع الدولي، الأمر الذي أحدث أثراً إيجابياً على وضع مديونية السودان ومكنه من الوصول إلى نقطة اتخاذ القرار لإلغاء ديونه".

وأبان أن وصول السودان في وقت وجيز لنقطة اتخاذ القرار يُعد أمراً نادراً في عالمنا ويُظهر الدعم القوي للسودان من كافة اللاعبين والفاعلين الدوليين فيما يتعلق بهذه العملية التي يمر بها السودان. وأكد ديفيد مالباس استمرار الدعم من البنك وصندوق النقد الدوليين وأمريكا وبريطانيا وفرنسا، والتي تأتي جميعها من خلال بنك التنمية الأفريقي لتعزيز الدعم المستمر للسودان.

وأشار مالباس إلى أن المباحثات ركزت حول برنامج البنك الدولي في السودان والذي يعمل من أجل مساعدة الناس بشراكة مع الحكومة الانتقالية، منوهاً أنه جاء إلى السودان برفقة فريق قوي من البنك الدولي يعمل على معالجة هذه القضايا الصعبة.

وأوضح أن السودان يمر بانتقال من وضع مضطرب وفيه نقص في الموارد والخدمات إلى وضع يتحسن تدريجياً، وقال إن هذه العملية تستغرق بعضاً من الوقت ولذا فإن من المهم للناس أن يقابلوا هذا الوضع بكثير من الصبر والتسامح مع بعضهم بعضا، مع الأخذ باليقين أنه في البناء الكلي للسودان فإن مصلحة الجماعة تعلو على مصلحة الفرد...

إنها جملة من الأكاذيب ساقها ديفيد مالباس هذا، فعن أي سلام يتحدث؟! وما حدث في مؤتمر جوبا لا علاقة له بالسلام، بل هو مؤتمر محاصصحة وتقسيم لكيكة الحكم والثروة، تلك المعالجات البالية نفسها، التي لا علاقة لها بعلاج المشكلة التي يراد حلها، وما نعيشه اليوم من دعوات كثيرة من شرق السودان وشماله ووسطه ومطالباتهم بالحكم الذاتي، وحق تقرير المصير، وها هو شرق السودان مغلق قرابة الأسبوعين اعتراضا على ما حدث في مؤتمر جوبا الكارثي الذي أوشك أن يمزق ويفتت البلاد.

أما دعوتك لأهل السودان بالصبر، حتى يتقدم البلد ويعيش في رفاهية، فمثل هذه الألاعيب أصبحت لا تنطلي علينا فتاريخكم معلوم لنا، فعلى ماذا نصبر، أنصبر على أن نكون منضوين تحت هذه المنظومة الآثمة الآسنة التي لم نجن منها غير الخراب والدمار؟! فما دخل البنك الدولي بلدا إلا وأفقره والشواهد على كثرتها تكاد لا تعد.

وأما ما تتحدث عنه من ديون على السودان فما أصابنا نتيجة تلك الديون من كوارث وإفقار للبلاد ولدفع هذه الديون الربوية التي أخذتموها أضعافاً مضاعفة، كلها من جيب أهل هذا البلد المغلوب على أمره.

ومؤامراتكم الخبيثة ليست بالخفية، فقد أورد موقع الجزيرة مقالا بعنوان: "كيف يساعد البنك الدولي النخب الفاسدة في بلادنا؟" جاء فيه: "على مدى سنوات وحسب القراءة والمتابعة فإن سياسات البنك الدولي تعمل لخدمة النظام العالمي الجديد استنادا لأساليب حيث يقوم البنك الدولي بإقراض الدول الفقيرة والمتعثرة لأجل التنمية بالفعل، لكنه مع ذلك يفرض على هذه الدول سياساته النقدية والاقتصادية التي تخدم عادة النظم الحاكمة بتلك الدول وتكون مجحفة وضد مصالح شعوب هذه الدول بشكل واضح"، كما أننا أقصى ما كنا نعتقده هو أن سياسات البنك الدولي غالبا ما تخدم الشركات المتعددة الجنسيات.

هذه نظرتنا حول سياسات البنك الدولي تجاه الدول المقترضة، وبينما يصور لنا الأخير بأنه يُقرض تلك البلاد الفقيرة بقصد التنمية، إلا أنه ومن خلال شروط غريبة نجده يهدف بالأساس لإخضاع شعوب هذه البلاد لمصلحة أمريكا وأوروبا، وسياساتهم تجاه المنطقة وخاصة سياساتهم تجاه دعم الأنظمة الدكتاتورية في هذه البلاد ودعم كيان يهود.

وهناك دراسات تقول بأن معدلات البطالة والفقر ومن ثم الجريمة زادت في تلك البلاد التي اعتمدت في تغذية ميزانياتها العمومية على قروض البنك الدولي، وهذا يتفق تماما مع اعتقاد قديم أيضا ما زال سائداً بين شعوب المنطقة العربية، وهو أن عليها أن تبقى غارقة في الفقر والتخلف والبطالة والجريمة كي تحيا دويلة يهود بأمن وسلام دائمين، اليوم بات هذا الاعتقاد أكثر واقعية خاصة بعد خروج مثل هذه الدراسات إلى العلن مؤخرا.

كما أنه باتت تتكشف حقائق مرعبة حول البنك الدولي، تفيد بأنه تحول من مؤسسة صغيرة إلى قوة عالمية عظمى في مجال المال والإقراض، وأن هذه القوة تطورت بشكل سريع وغريب جعلت البنك في النهاية يتحكم في أصغر خيارات شعوب البلاد المقترضة، ومحاولة محو سيادتها، وتحوَّل البنك في معظم الأحيان لأن يكونَ وصيا على اقتصاداتها، وأن يَفرض رقابة وقحة على نفقاتها العامة وأن يتحكم كذلك بأولويات هذه النفقات، مثل إجبار تلك البلاد على رفع الدعم عن المحروقات والخبز والسلع الأساسية وتعويم العملة، وما إلى ذلك من سياسات غريبة ومجحفة بحق الشعوب تهدف بشكل أساسي إلى القضاء على القطاع العام في هذه البلاد، كما أن البنك الدولي بات يتحكم مؤخرا بمسألة تعيين الوزراء ورؤساء الحكومات وقوانين الانتخاب والأحزاب ودعم الشواذ، إلى غير ذلك من أمور قد تبدو في غاية الغرابة على شعوب المنطقة.

لكن الأغرب من هذا كله هو ما تكشَّف مؤخرا حول هذا البنك الدولي، حين ظهرت للعلن دراسة قام بها ثلاثة من الباحثين؛ من النرويج والدنمارك وخبير سابق في البنك الدولي، حيث تركز البحث حول علاقة القروض التي يقدمها البنك للبلاد النامية والفقيرة بحجم التدفقات المصرفية في تلك البلاد، ومن هذه النتائج الغريبة التي خلص إليها البحث أنه كانت هناك علاقة طردية بين توقيت تسليم هذه القروض من البنك الدولي لحكومات هذه البلاد وزيادة التحويلات البنكية إلى حسابات مصرفية تَستَخدم ما يسمى بالملاذات الآمنة التي غالبا ما تخدم حسابات كبار المسؤولين والمتنفذين في هذه البلاد، ومن هذه الدول التي توفر تلك الملاذات المصرفية الآمنة لأمثال هؤلاء الفاسدين المتنفذين؛ سويسرا ولوكسمبورغ، فقد وَجد البحث أن هذه التحويلات تتضاعف لثلاث أو أربع مرات بعد وصول تحويلات قروض البنك الدولي مباشرة إلى حكومات البلاد الفقيرة والمتخلفة.

وهذا يعزز فرص توقعاتنا القديمة التي كانت تقول بأن القروض التي تصل من البنك الدولي إلى حكومات هذه الدول ومن ضمنها الدول العربية والتي يرافقها بالضرورة إجراءات تقشفية صعبة، غالبا ما يذهب جُلها إلى حسابات المسؤولين والرؤساء والمتنفذين والمقربين منهم في المصارف الخارجية التي توفر تلك الملاذات الآمنة، بينما ترزح شعوبهم تحت خط الفقر ويكافح معظمها في الحصول على حاجياته الأساسية لكن دون جدوى مع ذلك.

إن حلول المشاكل الاقتصادية في السودان، وفي غيرها من بلاد المسلمين لا تكون بالتعامل مع البنك الدولي بل تكون بتطبيق النظام الاقتصادي في الإسلام، وذلك بجعل موارد بيت المال ما شرعها وأحلها الله؛ من زكاة وركاز وخراج وعشور وفيء وغنائم وموارد الأموال العامة كالنفط والغاز والمعادن وغيرها، وإنفاقها على الأوجه التي شرعها، وكذلك حل مشاكل الحياة الأخرى السياسية والاجتماعية والسياسة الدولية والتعليم في ظل دولة الخلافة التي تحمل الحلول الصحيحة الناجعة لمشاكلنا ومشاكل العالم أجمع.

بقلم: الأستاذ عبد الخالق عبدون علي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان

No comments:

Post a Comment