Tuesday, August 10, 2021

جريدة الراية: العلاقات السعودية الإماراتية

 جريدة الراية: العلاقات السعودية الإماراتية

 

3 من محرم 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 11 آب/أغسطس 2021مـ

إن منطقة الخليج خضعت للاحتلال والنفوذ السياسي الإنجليزي في بعض المناطق فترة طويلة من الزمن وخاصة بعد القضاء على دولة الخلافة العثمانية، وعندما اضطرت بريطانيا للخروج منها، تركت مشاكل ضخمة تتعلق بالحدود وترسيمها وخاصة إذا علمنا أنّ هذه الحدود تحمل في باطنها ثروات ضخمة مثل البترول والغاز أو نعرات طائفية وقبلية أو مراكز بحرية، بحيث تحركها إذا شاءت، ومن بين هذه المشاكل ما بين الكويت والعراق مثلا وبين السعودية والإمارات وبين قطر والبحرين وبين السعودية وكثير من الدول المجاورة لها.

هذه المشاكل كعادة المستعمر يبقيها حتى تبقى مدعاة للتدخل السياسي والعسكري في أي لحظة إذا اقتضى الأمر ضرورة وجوده، فهو يثير هذه المشاكل لكي يبرر تدخله، وهذا كان واضحا بشكل كلي في حقل شيبة وفي وَاحَة ٱلْبُرَيْمِي وكثير من القضايا السعودية الإماراتية، فما كان في واحة البريمي أو حقل شيبة هو خلاف بالوكالة بين الشركات الإنجليزية والشركات الأمريكية للبترول، ولكن الخليجيين كانت المشاكل لا تظهر للعلن غالبا ولا تأخذ الطابع العسكري بشكل عام وإن ظهرت الجدية في بعض المواقف التاريخية مثل رفض السعودية الاعتراف بالإمارات إلا إذا وافقت على شروطها عام 1974م، وسبب هذا الأمر عدم تطور المشاكل بشكل كبير أن مرجعية هذه الكيانات كانت واحدة وهي بريطانيا وكانت مهما تفاقمت المشاكل لها سقف واحد، ولكن منذ مجيء العهد الجديد في السعودية صار هناك تبدل في الولاءات والتبعية، وهذا الاختلاف خلفه تعارض مصالح حقيقة واستراتيجية كبيرة ومن شأن هذا التعارض إبراز المشاكل وارتفاع سقفها والتلويح بالتهديد العسكري كما حدث بين قطر والسعودية لأن العهد الجديد في السعودية يقود المنطقة بما يتلاءم مع أمريكا وضد نفوذ ومصالح المستعمر القديم.

إن الأزمة الأخيرة بين الإمارات والسعودية هي ليست أزمة اقتصادية كما يروج لها بل الحقيقة أنّ الأمر أكبر، ليس موضوع البترول فقط وإن كان أحد أطراف النزاع، وليس اليمن فقط وإن كان ولا زال أحد نقاط النفوذ عليه، بل إن المشاكل بين الدولتين وحقيقة الأزمة هي أزمة سياسية نتيجة الصراع على المنطقة بين مستعمر جديد وآخر قديم، وباختصار ما تريده أمريكا هو خنوع الخليج للقيادة الجديدة وقد أعطت الدور المحوري في الخليج للسعودية ويجب على الخليج قاطبةً أن ينضوي تحت عباءة السعودية، وهذا الأمر يقتضي أن لا يكون لدول الخليج أي دور في موضوع قيادة السعودية للخليج، بمعنى آخر أن يكونوا تابعين لها فيما تريده، وهذا الأمر لا تقبل به بريطانيا بشكل مطلق خاصة مع تعدد الدول التابعة لها وكثرتها، ولو كانت أضعف من السعودية، وكذلك ضعف بريطانيا الدولي.

فدول الخليج كانت تقوم بدور كبير لمصالح ونفوذ بريطانيا في المنطقة؛ فمثلا كانت قطر تقوم بدور معين وكذلك تقوم الإمارات بدور، وكذلك الكويت... وكان هناك نوع من أنواع الشراكة في بعض القضايا، وكان للسعودية فترة نفوذ الإنجليز، وكذلك عمان كانت تقوم بأدوار معينة، ولكن في العهد الجديد الآن على الجميع أن يدخل تحت عباءة السعودية والنفوذ الجديد والكل يجب أن يقوم بما تريده السعودية لأنها قائدة المنطقة في الدور المحوري لها ويجب أن يكون دور الآخرين تنفيذياً وليس فيه أي نوع من أنواع الشراكة أو أية مصالح لدولة أخرى غير أمريكا إلا بقدر ما تسمح به، ومن يرفض هذه القيادة والدور الجديد عليه أن يستعد لما آلت إليه قطر من تهديد حقيقي وخنق. والأمر لن يكون فقط بين السعودية والإمارات بل بالدور؛ فقطر ثم الإمارات ثم الكويت والأمور مرشحة للصعود وإن هدأت قليلا لكنها رسالة وصلت، وهي فرصة إذن.

وللوقوف على سياسة أمريكا والدور السعودي هناك نقول:

 إن الأموال الخليجية بما تملك دول الخليج من أموال ضخمة نتيجة البترول والغاز ما جعلها من الدول ذات الثراء الفاحش وكانت هذه الأموال في خدمة بريطانيا، وبمعنى آخر إذا كانت الدولة تابعة لبريطانيا أو لأمريكا فهي تنفذ بما يخدم المصالح الأمريكية أو البريطانية في المنطقة، ولا شك أنّ الأموال القطرية كانت تخدم المصالح البريطانية وكذلك الإماراتية وبالتالي هذا الدخل الضخم الكبير جداً الذي تحوزه الإمارات كما كانت تحوزه قطر لا بد من عملية تجفيف له ومنع استغلاله لمصالح بريطانيا، فالقضية ليست قضية اقتصادية وإنما سياسية وإن ظهرت بشكل اقتصادي، وهذا التحجيم اتخذ أشكالاً عدة منها وقف حركة الطيران بحجة كورونا ومعاملة الإمارات كإثيوبيا أو فيتنام بما يخص كورونا. وأظن أنّ هذا الأمر بعيد جداً فكورونا وُضِعَت كواجهة، فوقف حركة الطيران له آثار اقتصادية كبرى ومبالغ طائلة جداً تخسرها الإمارات ولا شك أنّ السعودية تخسر لكن فارق الخسارة بينها وبين الإمارات كبير جداً. والأمر الآخر هو ما اتخذته السعودية من تهديد مبطن من خلال الإيعاز للشركات الإقليمية لنقل مقارها إلى الرياض والشركات التي لا تنقل مقارها لن تأخذ امتيازات تحفيزية من السعودية وبالتالي فإنّ الشركات الكبرى هي أمام اتخاذ قرار خطير والنتيجة واضحة مثل تهديد أمريكا الشركات الأخرى بمنع التعامل مع إيران وإلا سوف تخسر السوق الأمريكية، والشركات لن تضحي بالسوق السعودي الضخم من أجل السوق الإماراتية الأضعف، وهذا الأمر خطورته على الإمارات واضحة بشكل كبير، وهذا الأمر يحدث أثرا اقتصاديا وماليا كبيرا ويضرب نفوذ الإمارات كمركز تجاري مهم في منطقة الخليج، أو عدم التعامل مع منتجات المصانع في الموانئ أو المناطق الحرة التي تشتري من كيان يهود كمدخلات أو شركاء. وهذا الأمر معروف بأنّ الإمارات تشتهر فيه تحت حجج كثيرة جداً منها إن كانت هذه الشركات لا يوجد فيها نسبة معينة من العمالة المحلية أو ذات شراكة مع كيان يهود أو مدخلات كيان يهود منها إيجاد ميناء في عُمان بديلا لميناء دبي بحجة المخاوف من إغلاق إيران لمضيق هرمز، وهذه الإجراءات نتيجة للدور الموالي لبريطانيا الذي اتخذ إجراءات مزعجة لأمريكا والسعودية مثل انسحاب الإمارات عام 2019 من حرب اليمن وترك السعودية تقود عاصفة الحزم لوحدها، وكان دور الإمارات في اليمن واضحاً جداً فيه التخريب على السعودية وأمريكا، ولا زلنا نتذكر أنّ السعودية هي التي أخبرت علي عبد الله صالح بمحاولة قصفه قبل قتله أثناء المعارك، وأنّ الإمارات هي من جرت السعودية إلى حرب برية على الأرض لتورطها في حرب برية طويلة الأمد.

إنّ ما اتخذته الإمارات كان بشكل كبير جداً مناوئ لمصالح أمريكا وهي دخلت تحت بند أنها تتعامل مع أمريكا فتظهر أنها حليف لها وهي أذن وعين بريطانيا، وتنفذ ما تريده بريطانيا.

لذلك فإنّ هذه الأزمة وإن هدأت قليلاً أو هدأَ الإعلام عن الحديث عنها فإنها مرشحة لأزمات قادمة وكبيرة ولن تنتهي إلا بتحقيق أحد المستعمرين مصالحه على حساب الآخر، أو أن يمن الله على هذه الأمة باستعادة دورها ومكانتها وتقضي على الاستعمار وعملائه وما ذلك على الله بعزيز.

بقلم: الأستاذ حسن حمدان

No comments:

Post a Comment