Tuesday, December 29, 2020

جريدة الراية: عقوبات أمريكا على تركيا بسبب منظومة إس400! هل ستتنازل تركيا لرفعها؟

 جريدة الراية:  عقوبات أمريكا على تركيا بسبب منظومة إس400! هل ستتنازل تركيا لرفعها؟

 

  10 من جمادى الأولى 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 30 كانون الأول/ديسمبر 2020مـ

فرضت أمريكا يوم 14/12/2020 عقوبات على الصناعة العسكرية التركية؛ بسبب قرار أنقرة اقتناء منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس400"، وأدرجت رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية وأربعة مسؤولين في المؤسسة إلى قائمة العقوبات. وقال وزير خارجيتها بومبيو "أمريكا ستطبق القانون الأمريكي بشكل كامل ولن تتساهل حيال أي صفقات كبيرة مع قطاعي الدفاع والاستخبارات الروسيين".

فرد الرئيس التركي أردوغان يوم 16/12/2020 قائلا: "إنها المرة الأولى التي يتم فيها فرض عقوبات وفق قانون كاتسا الأمريكي على دولة عضو في الناتو، فالعقوبات الأمريكية تمثل هجوما صارخا على الحقوق السيادية التركية. منذ البداية اقترحت تركيا تشكيل مجموعة عمل فنية وإيجاد حل للمشكلة عن طريق الحوار والدبلوماسية في حال وجود مخاوف بشأن شراء أنقرة إس400".

إن أصل المسألة يعود لأمريكا وتسخيرها لتركيا، إذ دفعتها لشراء هذه المنظومة حتى تغري روسيا بالبقاء في سوريا لتواصل تقديم الخدمات للحفاظ على النفوذ الأمريكي هناك، ورأت أن روسيا إذا طالت الحرب وضاق المستنقع عليها قد تقوم بأعمال تستعجل الحسم على غير ما يوافق حساباتها، فأوعزت إلى تركيا لتقيم ما يشبه التحالف مع روسيا لتضبط هجماتها على المعارضة التي حشرت في إدلب إلى أن تتمكن من تطبيق الحل السياسي. وكانت روسيا عام 2017 تتحفز للهجوم على إدلب وإنهاء المعارضة حتى تخرج من مأزقها، فقامت تركيا في أيلول 2017 وعرضت على روسيا شراء منظومة إس400 بمبلغ 2,5 مليار دولار، وهو ثمن مغر لروسيا، وكانت تمر في أزمة اقتصادية وتطبق عليها عقوبات أمريكية وأوروبية. وبرر أردوغان الحاجة لشراء المنظومة بعدم وجود عدد كاف من الطيارين لقيادة طائرات إف16 بعدما سرح أو اعتقل الكثير منهم عقب محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016. فلم تبد أمريكا اعتراضا يذكر وإن أعلنت تحفظها على الصفقة. وبدأ شبه التحالف التركي الروسي بالعمل حتى حصل اتفاق سوتشي يوم 17/9/2018 حول إدلب، فأعلنت أمريكا تأييدها ودعمها للاتفاق، حتى قال ترامب إنه كان وراء عقده. فذهب احتمال شن هجوم روسي كاسح على إدلب وضمنت أمريكا بقاء الوضع على الحالة التي تريدها، حتى تستوي الطبخة، وتتمكن من تطبيق حلها. فصعدت حملتها على الصفقة وبدأت تلوح بالعقوبات وكان أولها وقف مشاركة تركيا في إنتاج قطع لطائرة إف35.

إن تركيا دولة تدور في فلك أمريكا تنفذ مشاريعها ومخططاتها لتحقق بعض مصالحها وليحصل رئيسها أردوغان على الدعم الأمريكي حتى يبقى في الحكم. ولهذا فإذا تجاوز الحد أو تلكأ في تلبية مطالبها فإنها تقوم وتفرض عليه عقوبات حتى يلبي ما تريد. وهذا ما حدث في موضوع القس الأمريكي برنسون الذي سجن بتهمة التجسس، فطالبه الرئيس الأمريكي ترامب عام 2018 بإطلاق سراحه بعدما قال أردوغان "لن أطلق سراحه ما دمت حيا". فقام ترامب وأعلن عقوبات اقتصادية على تركيا أوجعتها، فما كان من أردوغان إلا أن تراجع وأطلق سراحه بعد ثلاثة أشهر، فرفعت العقوبات.

هذا وقد أوعزت إليه ليشتري منظومة إس400، وعندما حققت أهدافها كما ذكرنا في موضوع سوريا، طلبت منه أن يوقف إتمام الصفقة، وقد دفع ثمنها فأصبح في وضع حرج، بدعوى أنها تضر بالحلف الأطلسي وتكشفه لروسيا، لأن الرادارات التابعة للمنظومة ستتعرف على الطائرات الأمريكية. سيما وأنها تفرض عقوبات على روسيا بسبب موضوع أوكرانيا وضم القرم، وللتضييق عليها وجعلها تتنازل في هذا الموضوع وغيره من المواضيع. وفي الوقت نفسه يسهل عليها استخدام روسيا التي تتوهم أن أمريكا ستتساهل معها إذا قدمت لها الخدمات كما حصل في سوريا، فحافظت على النظام السوري التابع لأمريكا، ولو أنها كانت تعقل وكان عندها بعد نظر، لتركت أمريكا تغرق في المستنقع، لتسنح لها فرصة للبروز عالميا بقوة وتتحدى أمريكا.

نفهم من تصريحات أردوغان أنه مستعد للحوار أي الاستعداد للتنازل حتى ترفع العقوبات كما حصل في موضوع القس الأمريكي، ويؤيد ذلك بيان وزارة خارجيته بالقول: "ندعو أمريكا إلى إعادة النظر في هذا القرار غير المنصف ونكرر استعدادنا لبحث القضية عبر الحوار والدبلوماسية انسجاما مع روح التحالف". مما يؤكد استعداد تركيا لتقديم التنازلات لأمريكا، مثل عدم استعمالها للمنظومة. وقد أبدى وزير الدفاع التركي أكار "استعداد تركيا لتبديد المخاوف الفنية لأمريكا بتوافق منظومة إس400 مع مقاتلات إف35"، وقال: "مثلما يستخدم بعض أعضاء الناتو (اليونان) إس300 داخل الحلف ستستخدم تركيا منظومة إس400 بنفس الشكل"، أي عدم استعمالها ميدانيا، فاليونان وضعت هذه الصواريخ في المخازن ولا تستعملها.

إن الدولة التابعة كالسعودية، يلبي حكامها طلبات الدول الكبرى مقابل المحافظة على كراسيهم ويخدمون مصالحها ولو على حساب مصالح بلادهم، فأعلن سلمان وابنه تقديم نحو 500 مليار دولار لأمريكا دعما لاقتصادها على حساب اقتصاد بلادهم، وهددهم ترامب بأن النظام السعودي لا يبقى أسبوعان بدون الحماية الأمريكية. والهالك الملك حسين تنازل عن الضفة الغربية بما فيها القدس وسلمها ليهود بناء على طلبات سيدته بريطانيا، ولم يهتم بمصالح الأردن، وابنه عبد الله يسير على نهجه في تقديم التنازلات ليهود حتى يبقى في الحكم. والبشير تنازل عن جنوب السودان للبقاء في الحكم ولرفع العقوبات، وخلفه حكام السودان الجدد سالكين مسلكه في التنازل والخيانة، وأخيرا اعترفوا بكيان يهود... وهكذا في كل نظام تابع، فمصيره ومصير القائمين عليه مرتبط بالمستعمر.

وأما الدولة التي تسير في الفلك فإنها تقامر بمصيرها، إذ تربط تحقيق مصالحها بدولة كبرى تبدأ بالتحكم فيها والتلاعب بها وتجعلها تحت الضغط والتهديد، وهذا ما حصل مع إيران فخدمت أمريكا في أفغانستان والعراق وذلك باعتراف حكامها أنفسهم، وحصل ما حصل معها هناك، ومن ثم في سوريا وبدأت تضغط عليها لتخرجها منها وتعطيها دورا ثانويا، وتلاعبت بها في موضوع الاتفاق النووي.

وتركيا كذلك ما انفكت عن تقديم الخدمات لأمريكا باعتراف أردوغان بمساعدتها في حرب كوريا وفي أزمة كوبا وفي أفغانستان وما زال يساعدها ويخدم مصالحها هناك، فقدم مذكرة تفويض يوم 16/12/2020 للبرلمان لتمديد مهمة القوات التركية في أفغانستان 18 شهرا اعتبارا من 6/1/2021 خدمة للمصالح الأمريكية هناك.

ولهذا وجب على المسلمين إسقاط كل هذه الأنظمة، وإقامة دولة تجمعهم كلهم، نابعة من دينهم، خلافة راشدة على منهاج النبوة، لا تتبع دولة كبرى ولا تدور في فلكها، بل ترعى شؤونهم حق الرعاية، وتحقق مصالحهم كاملة، وتقيم صناعة الأسلحة الثقيلة والمتقدمة بيدها، فلا تعتمد على الاستيراد، ولا تضع مصيرها تحت التهديد، فلا تجعل للكافرين عليها سبيلا.

بقلم: الأستاذ أسعد منصور

No comments:

Post a Comment